31‏/03‏/2009

مقومات الزواج المسيحي

مقومات الزواج المسيحي


هناك اربعة مقومات للزواج المسيحي والتي يكشفها لنا الكتاب المقدس
1- التكافؤ والتكامل
"لا يحسن أن يكون آدم وحده، فأصنع لهُ مثيلاً يعينهُ" (تك2/18).
2- الوحدة
"لذلك يترك الرجل أباهُ وأمهُ ويتحد بامراته،فيصيران جسدًا واحدًا" (تك2/24).
3- الديمومة
"ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان" (متى19/6).
4- المحبة
"المحبة تصبر وترفق.. المحبة لا تسيء التصرف".(1كو13: 4-8).

التكافُـؤ والتكامُـل


ما جاء في الفصل الثاني من سفر التكوين عن خلق الإنسان الأول (آدم وحواء)، يسرد لنا الكاتب الملهم ما يشير إلى الزواج كما أراده الله منذ البدء.
"وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض ونفخ في انفه نسمة حياة فصار آدم نفسًا حية" (2/7).
"وقال الرب الإله لا يحسن أن يكون آدم وحدهُ، فأصنع له مثيلا يعينهُ" (2/18).
عندما خلق الله في البدء النور والشمس والقمر والنبات والحيوان نلاحظ تكرار عبارة "ورأى الله أن ذلك حسن"، لكن بعد خلق آدم نلاحظ ذكر كلمة "لا يحسن"… "لا يحسن أن يكون آدم وحده" 2/18، وكلمة لا يحسن تكشف أو تشير لنا عن نقص معين بالنسبة لخلق آدم (الرجل) وكما يراه الله. وان هذا النقص شعر به آدم أيضًا بحيث لا الطبيعة ولا الحيوانات ولا العمل ولا السلطة سدّت هذا النقص عند آدم (2/15 و19-20). فكانت هناك الحاجة لخلق جديد، حواء/المثيل المعين لسد هذا النقص.
ان مبدأ التكافؤ والتكامل نراه، في كلام الرب اعلاه (تك 2: 18)، والذي يكشف لنا بان حواء هي المثيل المُعين. اما المثيل فيشير الى التكافؤ والمُعين يشير الى التكامل.

ألوِحَـدة


إن الأساس الثاني للزواج المسيحي يأتي كنتيجة لخلق حواء "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويتحد بامرأته فيصير الاثنان جسدًا واحدًا.
إن الأساس الثاني للزواج المسيحي (الوحدة) يمر بثلاثة مراحل كما جاء في تك 2/24.


مرحلة الترك... يترك الرجل
إن عبارة "يترك الرجل أباه وأمه" لا تعني بالطبع رفض الوالدين وإهمالهم وعدم الاكتراث لكل ما قدموه لنا، لأن تبقى وصية الرب لنا "أكرم أباك وأمك…" مدى الحياة. ولكن يترك تعني الانتقال من سلطة الوالدين وتأسيس حالة أو هيكلية جديدة ذات سلطة جديدة (بيت الزوجية).
إن كلمة "يترك" ليست كلمة ذات مدلول جغرافي أي ترك بيت الأهل لكنها تشير إلى أمر أعمق إلا وهو الاستقلال أو الانفصال عن روابط الأهل الأساسية، وهذا الأستقلال يكون ودي وتدريجي.
هناك روابط نفسية تربطنا مع الأهل منشأها احتياجات مختلفة مثل الحاجة إلى الانتماء والحاجة إلى الأمان والحاجة إلى القيمة الذاتية، والمحبة هي مصدر هذه الاحتياجات إن كانت محبة الرب لنا أو محبة الأهل أو محبة الزوجين لبعضهما البعض. والكلمة ترك، تعني كسر هذه الروابط النفسية مع الأهل بسبب الاحتياجات أعلاه بحيث يكون البيت الزوجي هو الذي يوفر هذه الاحتياجات للزوجين في حياتهم الجديدة. فالترك يعني التوقف عن الاعتماد على الغير ماديًا أو معنويًا.


مرحلة الاتحاد... يتحد بامرأته
إذا كانت كلمة "ترك" تعني الانفصال عن التزامات سابقة، فإن كلمة "يتحد" ترمز إلى تقديم الذات كليًا إلى علاقة جديدة. الاتحاد تعني الالتزام الزوجي والوقوف أمام أي قوى تهدد بتفشيل الوحدة الزوجية.
إن الاتحاد الزوجي (الوحدة الزوجية) يكون في عدة مجالات
- الاتحاد الفكري: ويتضمن الانفتاح على الآخر والمشاركة بالأفكار.
- الاتحاد الاجتماعي: وهو تعلم الاستمتاع بالاهتمامات الاجتماعية لكلا الزوجين و تكوين علاقات اجتماعية مشتركة.
- الاتحاد الجسدي: وهذا مذكور لاحقاً في مرحلة الجسد الواحد.
إن الوحدة في أفضل حالها عندما يكون الاثنان واحد في المسيح، بالرغم من الاختلافات. وان هذه الوحدة لا تتحقق إلا بحضور الرب يسوع المسيح في بيت الزوجية، لأن إرادة الله هو "ليكونوا واحد كما أنت وأنا واحد" (يو17).


مرحلة الجسد الواحد... يصيران جسدًا واحدًا

إن هذه العبارة لا ترمز إلى العلاقة الجنسية فقط بين الزوجين والتي هدفها هو تكوين الروابط بين الزوجين وتدعيمها، لأن إرادة الله للجنس في العلاقة الزوجية، هو أن يكون أكثر من علاقة جسدية، فهو تعبير جسدي لقرب فكري ونفسي وروحي.

ألدَيمـومَة


إن الأساس الثالث للزواج المسيحي (الديمومة) مبني على أن الله التزم البشرية بتجسد المسيح ولن يرفضها حتى لو أخطأت.
إن احتضان الله للبشرية وحبه إياها وارتباطه بها لا عودة فيه، لأنه مبني على وفاء الله بوعوده رغم خيانة الإنسانية له. إن سر الزواج يتمثل بسرّ اتحاد المسيح بالكنيسة، لذلك فالزواج ايضا اساسه التزام الطرفين بعضهما بعضًا (الديمومة) كالتزام المسيح للكنيسة.
ان الرب يسوع المسيح، في انجيل متى 19 ، يشير الى ان قساوة القلب لكلا الطرفين هو العائق الرئيسي لديمومة الزواج.
ان قساوة القلب هذه علاجها الغفران المتبادل بحسب وصية الرب يسوع "وكما غفر الرب لكم هكذا اغفروا بعضكم بعضاً".

ألمَحبَّــة


هناك ثلاث مراحل للمحبة والمثبتة في العلاقات الإنسانية:


المحبة الجسدية - محبة الأخذ / Eros
وهي محبة الحاجة، كالحاجة إلى العاطفة، الأمان، الاستقرار، الانتماء. إن محبة الحاجة هي المسبب الرئيسي لمعظم الزيجات، لكن هذا لا يعني أن المرحلتين الأخريين من المحبة غير موجودتان.
إن المحبة الجسدية هي محبة إنسانية تتسم بالأخذ، وهي تتوجه في بداية الزواج على الجاذبية الجنسية. علمًا بأن الطاقة الجنسية يجب أن تخدم الهدف المقصود منها داخل اطار الزواج، إلا وهو تكوين روابط بين الزوجين وتدعيمها. لكن إذا استخدمت الطاقة الجنسية كمجرد وسيلة لإشباع رغبة فستنحرف عن تأدية وظيفتها وتخرج من هدفها الرئيسي. فعندما ينفصل الجنس عن الحب يكون دنسًا وحيث يرتبط به يكون طاهرًا.

العلاقة الزوجية ونجاحها ونتيجته.

- دعم التواصل بين الزوجين.
- التعبير عن الألفة ووسيلة لمعرفة الطرف الآخر.
- تتيح أمام كل من الزوجين فرصة اختبار كونه مقبولاً وذا قيمة.
العوامل المؤثرة عليها:
- الأفكار و المعلومات المبنية على اساس غير علمي عن الأمور الجنسية والتي تأتي من خلال أصدقاء، مجلات، أفلام، معلومات خاطئة من التربية البيتيّة ومن المجتمع.
- هناك فروق كثيرة بين الرجل والمرأة من ناحية التوجه والحاجة والهدف فيما يخص العلاقة الجنسية، لذلك يحتاج فهم هذه الاختلافات.
- إرضاء الذات (الإنانية).
- التعب والمرض وعدم توازن الهرمونات، وكذلك الألم النفسي ممكن أن يعيقوا تحقيق الهدف من العلاقة.
- التجارب الماضية (قبل الزواج).
- جهل الطرفين بالتعليم الكتابي فيما يخص العلاقة.
إن المحبة الجسدية (محبة الحاجة) قصيرة العمر، إذ تشيرُ الدراسات إلى انها تتراوح بين ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات. فإذا أخذت بالاضمحلال ولم يكن هناك المرحلتين الأخريين للمحبة فالزواج يكون في خطر.

محبة الصداقة - محبة الأخذ والعطاء / Philia

وهي محبة إنسانية تتسم بالفرح والاهتمام والرعاية للطرف الأخر، وتدعى ايضا بالألفة.
تتسم هذه المحبة:
- بالأنفتاح نحو الطرف الآخر ومحاولة الخروج من الذات لإسعاد شريك الحياة.
- المشاركة وتبادل الأفكار فيما يخص الأهداف والمخططات والأحلام.
- التمتع بصحبة أحدهما الآخر وبهواياتهما المختلفة.
إن محبة الصداقة هذه تقدر على إقامة علاقة تعجز عنها المحبة الجسدية. إن هذه العلاقة أساسها الرفقة والحوار والتعاون وهي تحتاج وقت لكي تنضج.
إن هناك ما يكفي من المحبة الجسدية في معظم الزيجات لكي ينجذب الزوجان أحدهما للآخر، لكن إذا محبة الصداقة لا تبدأ شعلتها فإن العلاقة الزوجية تضمحل.


المحبة الإلهية - محبة العطاء / Agape
وهي أسمى مراحل المحبة التي نختبرها في هذه الحياة، وهي الطريقة التي بها يحبنا الرب.
ومن مميزات هذه المحبة:
- العطاء (تقديم الذات).
- المجانية، اي غير مشروطة.
- ليس لها علاقة بالقيمة الذاتية بل انها خَلاّقة للقيمة.
- هي التزام غير مشروط نحو شخص غير كامل.
- هي أكثر من شعور فهي قرار والتزام للطرف الآخر حتى لو فقد هذا مقومات الجاذبية.
- هذه المحبة هي مانحة الحياة فهي تستطيع أن تنعش وتقيم ما قد تلف وذبل من المحبة الأولى والثانية. فالرب يسوع مُعطي الحياة، جاء لكي يرفع من إنسانيتنا ويجعل محبتنا الإنسانية محبة إلهية.
إن المحبة الزوجية تتضمن المراحل الثلاث للمحبة وان المحبة الإلهية لا تلغي المحبة الجسدية ومحبة الصداقة بل تطورهما وتمنحهما الحياة.
إن أقدس الأمور تفقد قدسيتها برتابة الحياة اليومية وتكرار الزمن. لكن نعمة حضور المسيح في سر الزواج وتأكيده "ان اجتمع اثنين باسمي فأنا أكون في الوسط"، تحوّل المحبة الزوجية إلى محبة ناضجة، تفوح عطرًا خاصًا هو رائحة المسيح الذكية (2كور 2/14-15).
نردد هنا ما قاله أحد اللاهوتيين المعاصرين:
"الحياة تتطلب الاختيار بين طرق لا يُسمح فيها بالعودة إلى الوراء… فمن المستطاع لا بل من الضرورة أن يكون في الحياة قرارات تتخذ نهائيا، تقود إلى المجهول ولا عودة فيها إلى البدء. فمن ينقصه الإيمان، من لا يقبل جهالة الصليب، من لا يرجو حيث لا رجاء، من لا يطيع طاعة عمياء، على مثال ابراهيم، من لا يستند على الصلاة، لا يقدر على ذلك، لأن الزواج المسيحي هو دعوة الهية ".
...............................

الله يعتمد عليك


الله يعتمد عليك



تخيل أحدهم أن الرب يسوع عندما عاد الى السماء بعد ان اكمل عملة على الارض سألة الملاك جبرائيل .......... وقال لة .. ( سيدى أنك قاسيت الاما على الارض من أجل الانسان ) فأجابة الرب يسوع نعم. سألة الملاك ثانية .. هل يعلم جميع البشر كم أحببتهم وكم عملت لاجلهم ولاجل خلاصهم
فأجابة الرب يسوع .. (ليس بعد الى الان قليلون جدا فى فلسطين هم الذين يدركون ذلك ).
قال لة الملاك ++ وكيف يعرف العالم كلة مافعلتة؟
اجابة الرب يسوع ... طلبت من بطرس ويوحنا والرسل الأخرين ان يكون كل عملهم فى حياتهم ان يخبروا الاخرين عنى وهولاء بدورهم يبلغون اخرين .... وهكذا الى ان يعرف كل واحد فى العالم ماعملتة .
اما الملاك فنظر بشك شديد وقال . + وماذا يكون الحال ان تراخى بطرس ويوحنا او ان نسى الناس الاتون من بعدهم الرسالة مذا تكون مخططاتك لتعريف الناس بك الرب يسوع .
=لا توجد لدى مخططات اخرى ,,, انامعتمد عليهم تماما .
نحن المؤمنين اى جسد السيح علينا فقط ان نكمل عملة اليوم فى العالم أن الهدف من ذهابنا الى الكنيسة ان ننصت الى المسيح نمجدة ونحمدة وأن ننالة داخلنا فى سر التناول كل هذا حتى نخرج للعالم ونكون كنيسة المسيح بقية ايام الاسبوع يقول الرب يسوع ... ( وتكونون لي شهودا في اوشليم واليهودية والسامرة ة والي اقاصي الأرض) ها قد ارسلتكم لكى تنوبوا عنى الى المخازن ... البنوك ... المصانع .... المدارس .. الجامعات ... مكاتب العمل ... المحاكم .... المصانع ... من يقدر يدخل الى منازلنا؟ من الذى يعرف الطريق .؟ من الذى يعرف كلمة السر ..
انة أنت وانا وغيرنا .كن ( كن شاهدا ) كن شاهدا للمسيح فى كل مكان ... وفى كل زمان ... باعمالك التى يراها الناس فيمجدوا ابوكم السماوى .
واخيرا.. هذة هى ارسالية الكنيسة من خلالنا ان نخرج من الكنيسة ونصبح نحن الكنيسة .
اينما نكون الكنيسة ليست فقط أن ناخذ اللة ... بل أن نشع اللة للاخرين. اننا سفراء للمسيح علي الارض ورسالة المسيح المقرؤة من جميع الناس ونحن يجب ان نكون ملحاً للارض ونورا للعالم .فان لم نكن كذلك فلنراجع انفسنا ونتوب عن تقصيرنا ونصحح طريقنا ونطلب من الله ان يساعدنا.


30‏/03‏/2009

أغنى رجل في الوادي يموت الليلة!


أغنى رجل في الوادي يموت الليلة!

وقف رجل ثري في شرفة قصره وفي اعتزاز وكبرياء كان يتطلع إلى أراضيه المتسعة من كل جانب، حيث كان يملك الوادي كله. كان يقول في نفسه:" إنها حقولي وأراضي... إنني أغنى رجل في الوادي".
بدأ ينطق بصوت عالٍ ما كان يفكر فيه الغني الذي ذكره السيد المسيح في مثل "الغني الغبي":
"ماذا أعمل، الآن ليس لي موضع أجمع فيه أثماري!...
أعمل هذا: أهدم مخازني وابني أعظم وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. وأقول لنفسي: يا نفسي لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة.
استريحي وكلي واشربي وافرحي" لو 17:12-19."
ارتفع صوته في كبرياء وتشامخ... لكنه إذ كان يتطلع من هنا وهناك في وسط الجو الهادئ لاحظ أحد العمال الشيوخ جالسًا تحت شجرة بالقرب من الشرفة، وقد علت على وجهه البشاشة والابتسامة العذبة. لقد فتح منديله الذي به القليل من الخبز اليابس وقطعة جبن صغيرة لكي يأكل في الظهيرة بعد العمل الشاق في حديقة الثري.
إذ كان الثري يشعر براحة كلما تحدث مع هذا العامل الشيخ حيًّاه من الشرفة، فرد العامل التحية.
- هل كنت تسمعني يا سام؟
- لا يا سيدي، فإنني لم ألاحظ أنك بالشرفة، وقد ذبلت عيناي وثقلت أذناي بسبب الشيخوخة.
- أراك مسرورًا الليلة يا سام.
- إني أشكر اللَّه على عطاياه الدائمة لي يا سيدي.
- على أي شيء تشكره؟ الخبز الجاف وقطعة الجبن!
- نعم يا سيدي، فقد وهبني اللَّه أبي طعامًا يملأ معدتي ويسندني على العمل، وثوبًا أرتديه، وسريرًا أنام عليه، وسقفًا فوق رأسي، الأمور التي هي أكثر بكثير مما كان لسيدي يسوع المسيح مخلصي وهو على الأرض. ،
- لكنني أعجب كيف تفرح بطعامٍ بسيطٍ كهذا!
- إلهي يعطيني عذوبة في فمي أتمتع بها وأنا استخدم عطاياه لي. إن العذوبة التي أتذوقها هي عطية إلهية.
حَّول سام حديثه فجأة ليخبر مستأجره الثري بحلم رآه في الليلة السابقة:
"أريد أن أخبرك يا سيدي عن حلم شاهدته بالأمس. حلمت إنني قد ارتفعت إلى السماء، ووجدت أبوابها مفتوحة. رأيت المدينة العظيمة، أورشليم العليا وأمجادها لا يُعبر عنها. إنني اعجز يا سيدي عن أن أحدثك عن جمال ما رأيته. لقد اشتهيت أن أمكث فيها...
والعجيب إنني سمعت صوتًا من الداخل يقول: أغنى رجل في الوادي يموت الليلة. وإذ صار هذا الصوت سمعت أصوات أبواق من السمائيين يسبحون ويرنمون. آه! لقد استيقظت من نومي ولم أكن أريد أن أستيقظ. لقد سمعت يا سيدي هذه الكلمات بكل وضوح، وقد كنت أفكر كيف ألتقي بك لأخبرك بما رأيت وما سمعت".
صار وجه الثري شاحبًا، وقد حاول إخفاء مشاعره ومخاوفه، لكنه تسلل من الشرفة إلي حجرته وارتمى على كرسي قريب منه وهو يردد:
"أغنى رجل في الوادي يموت الليلة!
هل هذا مجرد حلم لعامل شيخ؟!
هل هي نبوة أو رؤيا إلهية؟!
هل هو انعكاس لمشاعر عاملٍ نحو أغنى رجل في الوادي؟
إنه شيخ محب، تقي وورع!"
لم تمض ساعات حتى شعر سام بارتفاع في درجة حرارته وقد حاول أن يخفي مرضه حتى لا يثقل على أحدٍ. ازداد به المرض جدًا، وصار الشيخ يردد مزاميره وينادى إلهه، وقد امتلأ وجهه بهجة.
إذ ساءت حالة سام جدًا أسرع زملاؤه باستدعاء طبيبٍ ليعالجه. اهتم به الطبيب، وبينما كان الطبيب يسامره ويلاطفه روى سام للطبيب الحلم الذي رآه. فضحك الطبيب وقال له: "لا تخف فإن صحة أغنى رجل في الوادي سليمة ولا يموت الليلة".
وفي ساعة متأخرة من الليل سمع الثري جرس الباب يضرب، وإذ خرج ليفتح وجد عاملاً يعتذر له:
"آسف يا سيدي، سام قد مات، ونحن نعلم أنك تحبه،
ونحن نسألك ماذا نفعل؟"
ذُهل الثري لما حدث، وصار يردد في نفسه:
"أغنى رجل في الوادي يموت الليلة.
نعم لقد كان سام في نظري فقيرًا للغاية،
لكنه في عيني اللَّه أغنى رجل في العالم.
كان غنيًا في الإيمان، اقتنى غنى السماء الذي لا يُقدر بثمن،
وتمتع بالحياة الفائقة.
ظننت في نفسي أنني أغنى رجل في الوادي،
لكنني اكتشفت من هو الغني.
الآن ارجعي يا نفسي إلى إلهك واقتنيه فتقتني كل غنى

26‏/03‏/2009

أحد الوحيد (المخلع)

كنيسة البشارة للأقباط الأرثوزكس بالناصرة
تقدم
أحد المخلع ( أحد الوحيـــــد )
الطبيب السماوي


شفاء مريض بيت حسدا ( يو 5 : 1 – 18 )
في هذا الأصحاح نجد لقاء بين السيد المسيح، الطبيب السماوي، ومريض بيت حسدا الذي عانى من الفالج 38 عامًا. وهو طبيب فريد يسعى نحو المريض دون أن يطلبه، وإن كان لا يشفيه قسرًا بل يسأله: "أتريد أن تبرأ". التقي به عند بيت حسدا التي كان لها خمسة أروقة، إشارة إلى كتب موسى الخمسة، أو إلى الناموس. فالناموس يفضح الخطية، ويؤكد لنا المرض، والحاجة إلى طبيب سماوي قادر أن يعالج.ابرز الطبيب ما في المريض من سمات صالحة، فقد اتسم بالوداعة. فعندما سأله السيد: "أتريد أن تبرأ" لم يثور، بل في وداعة عجيبة أجابه. "يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء، بل بينما أنا آتٍ ينزل قدامي آخر". (7) من يسقط في مرضٍ مدة طويلة غالبًا ما يُصاب بأتعاب عجيبة، تزداد مع تزايد فترة المرض. أما هنا فنراه وديعًا للغاية. هذا وعندما قال له السيد "قم احمل سريرك وأمشِ" (8)، آمن وللحال قام ومشى وحمل سريره. إنه ملقي عند البركة منذ قبل ميلاد السيد المسيح بالجسد، وربما لم يسمع عنه، فقد كاد أن يصير محرومًا من لقاء الأقارب والأصدقاء بعد كل هذا الزمن من المرض. ومع هذا لم يحاور السيد كيف يقوم، وكيف يقدر أن يمشي دفعة واحدة، ويحمل سريره؟
قد عجزت الذراع البشرية عن شفاء هذا المفلوج المُلقى عند البركة لمدة 38 عامًا. تدخل السيد المسيح سائلاً إياه: أتريد أن تبرأ؟ لقد وهبه حياة جديدة في بيت حسدا التي تعني "بيت الرحمة".
" وبعد هذا كان عيد لليهود ، فصعد يسوع إلى أورشليم ، وفى أورشليم عند باب الضان بركة ، يقال لها بالعبرانية بيت حسدا ،
لها خمسة أروقة " يو 5 : 1 – 2
إذ حل العيد ، فمع إقامة السيد المسيح فى الجليل إلا أنه صعد إلى أورشليم ، لم يرد أن يستثنى نفسه مادام قد قبل أن يصير ابن الأنسان الخاضع للناموس ، وهو فى هذا يقدم لنا نفسه مثالا للأهتمام بالعبادة الجماعية ، حتى وإن مارسها الكثيرون فى شكلية بلا روح . " باب الضأن " الأرجح أن هذا الباب سمى كذلك ، لأن الكهنة كانوا يغسلون غنم الذبائح ويأتون بها إلى الهيكل ...
تشير البركة إلى المعمودية حيث يتمتع المؤمنون بالولادة الجديدة والشفاء من الخطية .
تحريك الماء يحمل معنى أن مياة البركة أشبه بمياة جارية ، كمياة المعمودية ، التى يعمل الروح فيها فيولد الأنسان ميلادا روحيا كما أعلن السيد المسيح لنيقوديموس ، وتشير إلى عطية السيد المسيح كقول السيد للسامرية ، أن من يشرب من هذا الماء لا يعطش .
" فى هذه كان مضطجعا جمهور كثير ، من مرضى وعمى وعرج وعسم ، يتوقعون تحريك الماء ، لأن ملاكا كان ينزل أحيانا فى البركة ويحرك الماء ، فمن نزل أولا بعد تحريك الماء كان يبرأ من أى مرض اعتراه " يو 5 : 3 – 4
يرى البعض أن هذا الملاك لم يكن ينزل فى البركة يوميا ، وإنما فى مواسم معينة ، خاصة فى الأعياد الثلاثة الكبرى ، وأن هذا العمل من قبل الله ليؤكد للشعب أنهم وإن كانوا قد حرموا من الأنبياء وعمل المعجزات فإن الله لن ينساهم ، وهو مهتم بهم ، يرى البعض أن هذا الأمر قد توقف بموت السيد المسيح .
" وكان هناك إنسان به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة " يو 5 : 5
الصحة وزنة يلزمنا أن نستخدمها مادامت فى أيدينا ، ونقدم ذبيحة شكر لله عليها . السيد المسيح كان بإمكانه أن يشفى جميع مرضى بيت حسدا، ولكن ما يشغله بالأكثر الشفاء الأبدى ، حيث تتمجد النفوس ومعها الأجساد ...
إن شفاء هذا المريض يفتح عيون الكل لينظروا شخص المسيا ، ويتمتع الكل بالأيمان لكى يتمجدوا أبديا .
هذه البركة وتلك المياة تبدو أنها تشير إلى أسفار موسى الخمسة ، أى الخمسة أروقة ، لكن هذه الأسفار تحضر المرضى ولا تشفيهم ، لأن الناموس يدين الخطاة ولا يبرئهم ، لذلك فإن الحرف بدون النعمة يجعل الناس مذنبين ، هؤلاء الذين إذ يعترفون يخلصون . ( غلاطية 3 : 21 – 22 ) .
عاش هذا المريض 38 سنة ولم يشفى لأن كمال البر فى الــ40 ، والسيد المسيح صام عنا أربعون يوما ، وصام إيليا وموسى أربعين يوما ، لذا أستحقا أن يظهرا مع المسيح على الجبل ! قيل فى المزامير : " يا الله أرنم لك ترنيمة جديدة على قيثارة ذات عشر أوتار أرنم لك " ( مز 144 : 9 ) – والتى تشير إلى الوصايا العشرة التى للناموس ، التى جاء الرب لا لينقضها بل ليكملها ، والناموس نفسه خلال العالم كله واضح أن له أربع جهات شرق وغرب وجنوب وشمال ، كما يقول الكتاب .. لذلك فرقم 40 هو الزهد عن العالم ، هو تنفيذ الناموس ، الآن فإن المحبة هى تكميل الناموس ( رو 13 : 10 ؛ غلا 5 : 14 ) ، لكن وصية المحبة مزدوجة : " حب الرب إلهك من كل قلبك .... ، والأخرى مثلها حب قريبك كنفسك " فمن لديه تقصير فى الأثنين يكون له عجز الرقم 38 ( القديس أغسطينوس ) . " هذا رآه يسوع مضطجعا ، وعلم أن له زمانا كثيرا ، فقال له : أتريد أن تبرأ ؟ " يو 5 : 6
إذ جاء السيد المسيح إلى أورشليم لم يزر قصور الأغنياء بل المستشفيات ، ليقدم حبا وحنوا نحو المرضى ، فقد جاء إلى العالم من أجل المحتاجين والمرضى ، ولعل السيد ركز عينيه على ذلك المريض ، لأنه كان أقدمهم ، عانى أكثر من غيره من المرض والحرمان : ....... إذ يجد السيد مسرته فى العمل لحساب الذين بلا رجاء ولا معين .

" أتريد أن تبرأ "؟

بهذا السؤال أراد أن يثير فيه الأيمان والرجاء والرغبة الشديدة نحو الشفاء ، يوجه السيد المسيح هذا السؤال نحو كل نفس لعلها تشتاق إلى شفائها خلال طبيب النفوس السماوى . سأله لا لكى يعرف ( أنه يريد الشفاء ) فإنه لم يكن السيد محتاجا إلى ذلك ، وإنما أراد إبراز مثابرة الرجل ، وأنه بسبب هذا ترك الآخرين وجاء إليه ... مثابرة المفلوج مذهلة ، له ثمانية وثلاثين عاما وهو يرجو فى كل عام أن يشفى من مرضه ، لقد استمر راقدا ولم ينسحب من البركة ... لنخجل أيها الأحباء من تراخينا ، ....... بينما نحن إن ثابرنا فى الصلاة لمدة عشر أيام من أجل أمر ما ولم ننله تهبط غيرتنا .... ( القديس يوحنا الذهبى الفم ) .
" أجابه المريض : ياسيد ليس لى إنسان يلقينى فى البركة متى تحرك الماء ، بل بينما أنا آت ، ينزل قدامى آخر " يو 5 : 7
يظهر من كلام هذا المفلوج وداعته ، فإنه إذ يلقى إنسان على فراشه كل هذه السنوات غالبا ما يكون ثائرا ، يعانى من متاعب نفسية وعصبية ، ومع هذا لم ينفعل ويرد على السيد المسيح مثلا قائلا : " كيف تسألنى إن كنت أريد أن أبرأ ؟ .... اشتكى المريض من عدم وجود أصدقاء يساعدونه ، فإنه حتى الذين نالوا الشفاء انشغلوا بأقربائهم وأصدقائهم ، ولم يوجد واحد من بينهم يهتم بهذا المسكين ، كما اشتكى من عجزه فى منافسة الآخرين لكى يلقى بنفسه أولا فى البركة إذ كانوا كثيرون يسبقونه .
" قال له يسوع : قم إحمل سريرك وأمش " يو 5 : 8
قدم له السيد الشفاء بطريقة لم تخطر على فكره ، وهى ليس بإلقائه فى البركة متى تحرك الماء ، وإنما بكلمة تصدر من فمه الإلهى ، أمر بسلطان فشفى المريض . اعتاد السيد أن يترك علامات بعد المعجزة لكى يتذكر شعبه أعمال محبته ، فعندما أشبع الجموع أمر بجمع الكسر ، وعندما حول الماء خمرا طلب من الخدام أن يقدموا للمتكئين ، وعندما شفى البرص أمرهم أن يذهبوا إلى الكهنة ليشهدوا بشفائهم ، هنا يطلب من المريض أن يحمل السرير الذى حمله أثناء مرضه .
طلب منه حمل السرير ليطمئن أن شفاؤه كامل ، وأنه لم ينل القوة الجسدية تدريجيا بل بكلمة الله وأمره فورا . إنها صرخة المخلص على الصليب وهو يتطلع إلى الكنيسة كلها عبر الأجيال منذ آدم إلى آخر الدهور ، لكى تقوم وتتحرك وتدخل إلى حضن الأب ، بيتها السماوى . يطالبها بحمل سريرها الذى هو شركة الصليب معه ، لا كثقل على ظهرها ، بل كعرش يحملها ، ومجد ينسكب عليها ، رأى أشعياء النبى هذا المنظر المبدع بكونه قصة الفداء المفرحة فترنم قائلا : " قومى استنيرى ، لأنه قد جاء نورك ، ومجد الرب أشرق عليك " ( إش 60 : 1 ) ." فحالا برىء الأنسان ، وحمل سريره ومشى ، وكان فى ذلك اليوم سبت " يو 5 : 9



عمل الخير وتقديس السبت:

لماذا أمر السيد هذا الشخص أن يحمل سريره فى يوم السبت وقد منع الناموس هذه الأعمال ؟ ( خر 20 : 8 ) .
( 1 ) أظهر السيد أنهم قد أساءوا فهم السبت ، فمارسوه بطريقة حرفية بلا فهم روحى سليم ، خاصة لمجد الله ونفع الأنسان .
( 2 ) ليؤكد للحاضرين أنه رب السبت ( مت 12 : 8 ) ، كل الأيام هى له دون تمييزبين سبت وغير سبت ، فيها يعمل عمل الأب بلا انقطاع .
( 3 ) بحمله السرير فى وسط العاصمة الدينية ووسط الجمهور القادم للعيد يشد أنظار الشعب لبحث الأمر ، والتعرف على محبة المسيح لشعبه ، واهتمامه بسلامتهم الروحية والجسدية أكثر من التنفيذ الحرفى للناموس .
( 4 ) فى هذا الأمر اختبار لمدى طاعة المريض لذاك الذى يشفيه ، وإيمانه به .
" فقال اليهود للذى شفى : إنه سبت ، لا يحل لك أن تحمل سريرك ، أجابهم : إن الذى أبرأنى هو قال لى : احمل سريرك وامش " يو 5 : 10 – 11 تخاصم معه القادة واتهموه أنه كاسر للسبت ، حسبوا فى ذلك العمل تدنيسا للسبت ، وأنه مستحق للرجم ، ولم يدركوا أن حسدهم وبغضهم للسيد المسيح هو الذى يدنس سبوتهم وأعيادهم ، جاءت إجابة المريض تشهد للسيد المسيح ، بقوله : " الذى أبرأنى هو قال لى احمل سريرك وامش " .. لم يلق بالمسئولية على السيد المسيح ، ولا أراد أن يحول اتهام كسر السبت عليه ، إنما يؤكد أن ذاك الذى له قوة الشفاء بهذه الطريقة الفائقة لا يمكن أن يخطىء الأمر ، ولا يمكن أن يصنع شرا ، أطعته لأنى أثق فى قداسته وبره .
" فسألوه : من هو الأنسان الذى قال لك أحمل سريرك وامش ، أما الذى شفى فلم يكن يعلم من هو ، لأن يسوع اعتزل ، إذ كان فى الموضع جمع " يو 5 : 12 – 13
بسؤالهم حاولوا إهانة السيد المسيح ليس فقط بظنهم أنه مجرد إنسان ، إنما وضعوا السؤال بطريقة تحمل استخفافا به : " من هو الأنسان ....... ؟ بمعنى أنه لا وجه للمقارنة بين هذا الأنسان الذى شفاك وبين الله واضع الناموس ... لم يسألوه : " من شفاك ؟ .. ولكن بمكر سألوه : " من هو الأنسان الذى قال لك احمل سريرك وامش ؟ " ..
ربما سمع أسم يسوع ، لكنه لم يكن قادرا حتى إن رآه أن يتعرف عليه .
" بعد ذلك وجده يسوع فى الهيكل ، وقال له : ها أنت قد برئت فلا تخطىء أيضا لئلا يكون لك أشر " ... يو 5 : 14
إذ شعر الرجل بحنو الله عليه ذهب إلى الهيكل ربما ليقدم الشكر لله على شفائه ، غالبا حدث هذا فى نفس يوم شفائه .
التقى السيد المسيح بالمريض فى الهيكل ، ربما إذ اتهموه باحتقاره يوم السبت جاء إلى الهيكل ليؤكد تقديسه ليوم السبت ، وانشغاله بالعبادة الجماعية فى ذلك اليوم . لقد جاء خصيصا ليهب البصيرة الروحية ، مع علمه بأن أعداء كثيرين يطلبون قتله .
أوضح له السيد المسيح أنه عالم بأسرار الماضى : " لا تخطىء أيضا " موضحا أن خطيئته السابقة كانت السبب فى مرضه الطويل المدى ، يحذر السيد من الخطية التى تسحبه إلى مستشفى بركة بيت حسدا ليقضى بها 38 عاما ، بل إلى جهنم لكى يغلق عليه أبديا فى حرمان من المجد السماوى وعذاب مع عدو الخير إبليس .
إنه لأمر بسيط أن نقتنى شيئا ، لكن الأعظم أن نستطيع الحفاظ عليه .. سليمان وشاول وكثيرون إذ لم يسيروا للنهاية فى طريق الرب لم يستطيعوا أن يحفظوا النعمة التى وهبت لهم ، عندما ينسحب تلميذ المسيح منها ، تنسحب أيضا نعمة المسيح منه .
" فمضى الأنسان وأخبر اليهود أن يسوع هو الذى أبرأه ، ولهذا كان اليهود يطردون يسوع ، ويطلبون أن يقتلوه ،
لأنه عمل هذا فى السبت " . يو 5 : 15 – 16 الذى شفى لم يلق بالمسئولية على السيد المسيح أنه هو الذى قال له : احمل سريرك ، بل شهد له أنه " هو الذى أبرأه " ، لقد أراد أن يمجد يسوع وفى نفس الوقت أن يشهد لصالح سامعيه لعلهم يفكرون جديا فى عمله العجيب . اما قادة اليهود فعوض إعادة النظر فى نظرتهم ليسوع منقذ النفوس وشافى الأجساد من الأمراض المستعصية حملهم الحسد والحقد إلى الرغبة فى ممارسة أعمال أبيهم : الأضطهاد والقتل ، فإنهم لم يجدوا شبعا إلا بسفك دمه . غيرتهم على تقديس السبت كانت تغطية لمشاعرهم المملوءة كراهية .
حديث المسيح عن السبت
" فأجابهم يسوع : أبى يعمل حتى الآن ، وأنا أعمل " . يو 5 : 17
دخل السيد المسيح فى حوار مع القيادات التى تتهمه بكسر السبت ، يبدو أن هذا الحوار كان أمام مجمع السنهدرين ، إما فى نفس اليوم أو فى خلال يومين أو ثلاثة من شفائه للمريض .
بقوله : " أبى يعمل حتى الآن " ، يوضح لهم أن الآب قد خلق العالم فى ستة أيام واستراح فى اليوم السابع ، أى فى السبت ، لقد توقف عن عمل الخليقة إذ أكمل كل شىء لكن راحته لا تعنى تجاهله للخليقة ، بل يبقى فى سبته يعتنى بخليقته ويرعاها ويدبر كل أمورها .. فالسبت عند الله هو عمل فيه راحة ومسرة ، حيث يعلن حبه لخليقته المحبوبة لديه جدا . لو مارس السبت حرفيا مثل القيادات اليهودية لتوقفت الخليقة وتدمرت ، لأنها لا تقدر أن تقوم بدون العون الإلهى ، هكذا الأبن يقدس السبت بعمل الحب المستمر ، حيث يرعى محبوبيه ، ويعمل بلا توقف لكى يبرأ الكل وينمو فى المعرفة والمجد ، هذا هو مفهوم السبت على المستوى الإلهى .
" فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه ، لأنه لم ينقض السبت فقط ، بل قال أيضا إن الله أبوه معادلا نفسه بالله " . يو 5 : 18
دفاعه عن تقديس السبت بالعمل الإلهى لا بالأمتناع عن العمل ، حمل شهادة أنه مساو لله الذى دعاه أباه ، فازدادوا حقدا عليه ، إذ ليس ما يثيرهم مثل تأكيد سلطانه الإلهى ، فطلبوا بالأكثر قتله ، لأنه فى نظرهم قد جدف ، كل من الأتهامين عقوبتهما الموت .
إن ما أزعج اليهود أنه جعل نفسه معادلا للأب .

ليس لى إنسان !

+ نفسى تئن مع مريض بيت حسدا .. دخلت معه كما من الأروقة الخمسة .. دخلت خلال كتاب موسى الخمسة ، سقطت تحت الناموس الذى فضح ضعفى ، اكتشفت إنى مريض ، محتاج إلى طبيب سماوى !
+ عبر عمرى وكأنه 38 عاما ، ينقصنى فيه الحب الحقيقى ! ليس لى إنسان يلقينى فى مياه الحب الإلهى فأشفى !
من يهبنى الحب الحقيقى لله وأخوتى ؟ من يسندنى لأكمل ناموس الحب فأبرأ ؟
+ كثيرا ما عبرت يا طبيب النفوس ! كأنك قد تركت الكل لتبحث عن ضعفى ، فإنى أول الخطاة ! كنت بالحب تردد بلا توقف :
أتريد أن تبرأ ؟ لغباوتى لم أسمع صوتك ! أحببت ضجيج العالم ، وانشغلت به . ليس لى أذنان تسمعان صوت الحب السماوى !
صوتك حلو ، لكن لثقل أذناى لم أستمع إليه !
+ روحك القدوس العجيب سحب قلبى إليك ، سمعت صوتك الحلو ، وتمتعت بوجهك الأبرع جمالا من بنى البشر !
اعترفت لك بحاجتى لمن يشفينى .
+ على كلمتك القديرة قمت من فراشى ، وفى طاعة لوصيتك حملت سريرى ، منطلقا إلى بيتى ! حملت سرير مرضى ،
أراه فأذكر ضعفى وموتى ، بل أذكر قدرتك يا واهب الغفران والحياة . إنى أسير ، وأبقى أسير حتى أدخل بيتى .
لن أستريح حتى أبلغ أحضان أبيك ، بيتى الأبدى !
+ حولت حياتى كلها إلى سبت دائم ،وانت ياسيدي قادر ان تحول زمانى إلى عيد وراحة فائقة ، تعبر بى إلى الحياة الأبدية ،
لأتمتع بشركة الطبيعة الإلهية .

....................

22‏/03‏/2009

أنموا في الحكمة

للاب افرايم الاوراشليمي
راعي الطائفه القبطيه بالناصره


البحث عن الحكمة

بحث المفكرين منذ القدم عن الحكمة . وتميزت حضاراتنا الشرقية منذ أمد طويل بالحكماء. وكان الهدف منه هذا البحث هو المعرفة وان يتصرف الناس بفطنة وإفراز لينجح الإنسان في حياته ويكون له المعرفة بالخالق والعالم والأخلاقيات والسلوك الحسن . واتخذت مساعي البحث عن الحكمة في بلاد اليونان قديماً منحى نظري فلسفي للبحث في حقيقة وجوهر الأمور وعندما قيل لسقراط لقب الحكيم أجاب انه لست حكيماً بل محباً للحكمة " فيلو " باليونانية محب
" صوفيا " تعني الحكمة .
وفي العهد القديم نجد إن الحكمة صفة لله وهو وهب الحكمة وتميز رجال الاستقامة والصلاة ومحبة الله بالحكمة. فنجد أن يوسف الصديق تميز بحكمة من الله جعلته يفسر أحلام فرعون وجميع عبيده فقال فرعون لعبيده " هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله ، ثم قال فرعون ليوسف بعدما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك " تك 41 : 37 – 39 . كما تميز موسى النبي بالحكمة والحلم مهذبا أولا بحكمة المصريين ثم بالتأمل في حياتة في البرية والصلة بالله ومعرفته لله . نما موسي النبي في الحكمة وأصبح مقتدراً في الأقوال والأعمال واستطاع أن يقود الشعب قديماً للتحرر من العبودية وقادهم في البرية بنعمة وحكمة من الله كما يقودنا الرب يسوع في برية هذا العالم عندما نطيعه ونسترشد بحكمته ونعمته ليعطينا حكمة ليست من هذا العالم ويصل بنا إلى السماء .
أما سليمان فطلب من الله عندما تراءى له الرب وسأله ماذا أعطيك فطلب سليمان الحكمة " فأعطني ألان حكمة ومعرفة لأخرج أمام هذا الشعب وادخل لان من يقدر أن يحكم على شعبك هذا العظيم . فقال الله لسليمان من اجل أن هذا كان في قلبك ولم تسال غنى ولا أموالا ولا كرامةً ولا أنفس مبغضيك ولا سالت أياما كثيرة بل إنما سالت لنفسك حكمة ومعرفة بهما تحكم على شعبي الذي ملكتك عليه . قد أعطيك حكمة ومعرفة وأعطيك غنى وأموالا وكرامةً " 2 أخ 1 : 10-12 .
وفاقت حكمة سليمان حكمة كل بني المشرق وحكمة كل مصر أمل 5 : 9 هذه الحكمة تجلت في حسن قيادته وتصريفه للأمور وفي تبصره وتميزه .


الحكمة المسيحية والفلسفة


الحكمة المسيحية تهدف إلى معرفة الله وصفاته وملكوته وخلقه للعالم ومخلوقاته والنفس البشرية والفضيلة والسلوك الحسن والإيمان الذي يجعل الإنسان مميزاً للخير والشر سالكاً في وصايا الله . وذلك بوحي الله للأنبياء والرسل وبحثاً وراء معرفة الله الذي خلقنا ويرعانا. والفلسفة تهدف إلى تكوين رأي صحيح عن الكون وخالقه والنفس البشرية ومعايير الفضيلة عن طريق أعمال العقل والتفكير ومع اعتراف الفلسفة لمحدودية العقل فان الفلسفة لا تضاد الحكمة المسيحية والوحي ومع هذا فنحن لا نطمئن لكل رأي المفكرين والفلاسفة بل يجب دراسة هذه الآراء لمعرفتها ولان الناس ومنهم المفكرين والفلاسفة مختلفون باختلاف بيئتهم وملكاتهم الفكرية وتجاربهم وظروفهم الاجتماعية وثقافتهم السائدة واتجاهاتهم فان ذالك يودي إلى اختلاف النتائج التي يتوصلوا إليها في بحوثهم ولهذا يجب أن يكون لنا التميز والبصيرة الروحية لتفرقة بين الحكمة والفلسفة التي تؤكد وتنكر الله أو تلحد به في غرور وكبرياء .
إننا كمسيحيين لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله والتي نتكلم بها أيضا لا بأقوال حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس ، لأنه من عرف فكر الرب فيعلمه أما نحن فلنا فكر المسيح . الحكمة
المسيحية وديعة روحية مملوءة رحمة وأثمار صالحة عديمة الريبة والرياء يع 3 : 17 .
إننا بالوحي المقدس وبالإيمان بالله يكون لنا التمييز والمعرفة لنميز بين السفسطة والفلسفات الكاذبة وبين البحث الجاد للوصول والارتقاء بالفكر.



مصدر الحكمة الحقيقية


الله هو كلي الحكمة والمدخر فيه كل كنوز الحكمة والعلم واهب الحكمة وهو الذي يعطي الإنسان قلباً قادرا على التمييز بين الخير والشر " عنده الحكمة والقدرة والمشورة والفهم " أي 12 : 13 وفي حثه لنا لاقتناء الحكمة يقدمها لنا ويطوب الساعين إليها " طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم لان تجارتها خير من تجارة الفضة وربحها خير من الذهب الخالص هي أثمن من اللآليء وكل الجواهر لا تساويها في يمينها طول الأيام وفي يسارها الغنى والمجد ، طرقها طرق نعم وكل مسالكها سلام . هي شجرة حياة لممسكيها والمتمسك بها مغبوط " أم 3: 13 ،18،أم8: 11
والسيد المسيح هو اقنوم الحكمة المتجسد والمعلم الصالح الذي يهب الحكمة للمؤمنين به الساعين إلى الكمال والحكمة والمعرفة ودعانا أن نكون به حكماء ونتعلم منه " ملكة اليمن جاءت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان وهودا أعظم من سليمان هاهنا " مت 12 : 42 . وقدم الرب يسوع نفسه بان الحكمة التي كانت تنادي في العهد القديم من يريدها أن يأتي إليها ليرتوي " إن عطش احد فليقبل إلي ويشرب " يو 7 : 37 . ولنكتشف انه حكمة الله خالق العالم الذي به كل شيء كان وبغيره لم يكن شيء من كان فيه كانت الحياة والحياة كانت نوراً للناس والنور أضاء في الظلمة. ويطالبنا الله أن نسير في النور والحكمة لهذا نجد الأشرار يسلكون في الظلام ويهربوا من النور لئلا توبخ أعمالهم .
والروح القدس هو روح الله واهب الحكمة والفهم والمشورة والمعرفة ومخافة الرب . الروح القدس يعطي الاستنارة لعيون أذهاننا وهو قائد الكنيسة بمجد تاريخها الطويل ومعطي الحكمة التي لا يستطيع العالم أن يقاومها أو ينقضها.


كونوا حكماء


انه دعوة الله لنا أن نكون حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام وإذ نريد الحكمة ونجد في أثرها علينا أن نسلك بالحق والاستقامة ونجد حياة التوبة " أن الحكمة لا تلج النفس الساعية بالمكر ولا تحل في الجسد المسترق بالخطية " مك 1 : 14 .
علينا أن نعرف الله ونحفظ وصاياه ونسلك بها " يا ابني إذا رغبت في الحكمة فأحفظ الوصايا فيهبها لك الرب " سير 1 : 33 ليست الحكمة علم الشر وحيث تكون مشورة الخطاة فليست هناك فطنه ، إننا إذ ابتعدنا عن الله وحكمته يظلم فكرنا " إن الذين أهملوا الحكمة لم ينحصر ظلمهم لأنفسهم بجهلهم الصلاح لكنهم خلفوا للناس ذكر حماقتهم بحيث لم يستطيعوا كتمان ما زلوا فيه " مك 10 : 8 .
التواضع والتعلم من المسيح وحياته وتعاليمه وممارسة أسرار الكنيسة في وداعة تمنح حكمة حتى للجهال " تأتي الكبرياء فيأتي الهوان ومع المتواضعين حكمة " أم 11 : 2 نعم إننا في وداعة وتواضع الأطفال المتكلين على أبيهم السماوي الطالبين عونه نأخذ منه حكمة " في ذالك الوقت أجاب يسوع وقال أحمدك ليها الأب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال . نعم أيها الأب لأنه هكذا صارت المسرة أمامك كل شيء قد دفع إلي من أبي.
وليس احد يعرف الابن إلا الأب ولا احد يعرف الأب إلابن ومن أراد الابن أن يعلن له . تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلموا مني . لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم.
لان نيري هين وحملي خفيف " مت 11 : 25 – 29 .
إننا مطالبون بالصلاة الواثقة في محبة الله لنأخذ منه حكمة كيف نتكلم ونسلك في مختلف المواقف " فان كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطي له ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة " يع 1 : 5،6
كلما كانت لنا مخافة لله ونكرمه كاب لنا نظهر بنوتنا له بحرصنا على إرضائه " مخافة الرب رأس المعرفة أما الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب " أم 1 : 7 .
إننا نتعلم من الحكماء والمعلمين الروحيين ومن كتب الآباء المتصفة بالروحانية والسلوك المستقيم وسير الآباء القديسين وعندما سئل الأنبا انطونيوس الكبير عن ما هي أعظم الفضائل قال انه الإفراز أي التمييز والحكمة، ليعرف الإنسان ان يميز بين الخير والشر فالحكمة تتخلل كل فضيلة وسلوك لتجعله فاضلاً الحكمة تجعلنا نسلك في اعتدال دون تطرف وأعمال الفكر وطلب العون من روح الله ليكون لنا دقة التعبير وسلامة التدبير وعدم التسرع ودراسة الأمور من جوانبها المختلفة ومعرفة آراء الدارسين والمرشدين للخروج بأفضل الحلول لمواجهة مشكلات الحياة وإيجاد الوسائل السليمة لحل المشكلات .
إن التأمل والدراسة لمعرفة حقيقة الأشياء لا الأخذ بظواهرها مع طلب قيادة روح الله القدوس يجعلنا نسلك في حكمة " أعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت ملآنة الأرض من غناك " مز 104 : 24 .


النجاح في الحياة العملية


إننا في بحثنا عن الحكمة وصلواتنا إلى الله من اجلها نسعى إلى تطبيق الحكمة في سلوكنا العملي وفي أقوالنا وتصرفاتنا لنصل إلى الحياة الناجحة التي ترضي الله وتجعلنا نوراً في العالم وملحاً في الأرض. فيكون لنا فطنة وتمييز في علاقتنا مع العالم والمجتمع وأنفسنا والله. ويكون لنا النظرة الفاحصة من الأوهام والمخاوف . نعرف التميز بين الغث من الثمين . لا نشترك في أعمال الظلمة . نعرف النفس البشرية ودوافع تصرفات الآخرين ونسلك بنا على معرفتنا وإيماننا في اعتدال وفي أدب وتواضع وبر نستلهم من الكتاب المقدس كيف نسلك بحكمة من جهة كل احد " من هو حكيم وعالم بينكم فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة ، ولكن إن كان لكم غيرة مرة وتحزب في قلوبكم فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق . ليست هذه الحكمة نازلة من فوق بل عي أرضية نفسانية شيطانية لأنه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر رديء. وأما الحكمة التي من الله فهي أولا طاهرة ثم مسالمة مملوءة رحمة وأثمار صالحة عديمة الريبة والرياء " يع 3 : 13 - 17 .
بالحكمة والتمييز نعرف متى نتكلم ومتى نصمت وعندما نتكلم بكلام حكمة وعزاء ومنفعة للآخرين، نعرف متى نكون ودعاء نتعامل في طيبة قلب ومتى نكون حازمين في مواجهة الأخطاء. متى تكون الطيبة مدعاة للتسيب والتراخي ومتى يكون الحزم والشدة ضد الرحمة والحب وتقود للتمرد والرفض، إن الطبيب الماهر يعرف متي يستخدم العلاج والمسكنات ومتى يستخدم المشرط للبتر والاستئصال فالحياة الروحية ليس قوانين عمياء بل هي حياة روحية منقادة بالروح في محبة الله هدفها السعي إلى نقاوة القلب والقداسة والاتحاد والشركة مع الله لنصل إلى النجاح في الحياة والملكوت السماوي .
الحكمة تجعلنا نحيد عن التطرف ونسير باعتدال مما يبعدنا عن التطرف اليميني والمغالاة في أمور نظنها حميدة لكن بالمغالاة نسقط ولا نسير بالتطرف يساراً بالاستسلام للكسل وحياة الرخاوة والخطية والهلاك الأبدي. الحكمة إذا سراج النفس الساعية للكمال للمعرفة والفضيلة. إن شاول أول ملوك إسرائيل اظلم عقله وفقد الحكمة ولم يصغ لصوت الطاعة فظن انه بتقديم عمل جيد وهو ذبيحة لله يسلك بحكمة فهلك ونزع منه الملك .
في تمييز وحكمة تعطى كل جوانب حياتك حقها ، أعطي لروحك حقها في الصلاة والصوم ومحبة الله والفضيلة وأعطي لعقلك حقه في القراءة والاطلاع والتأمل ، ولجسدك حقه في التغذية والتقوية والنمو فلا يمرض ولا يتمرد عليك .
تعطي الله حقه في العبادة وللآخرين حقهم في الاحترام والتعاون ولأهلك حقهم في الخدمة والبذل ولنفسك حقها في النمو والخلاص.
يجب أن نحترس من حكمة أهل العالم ووسائلهم التي تتميز بالمكر والدهاء والكذب أو الخداع والبعد عن الله كما خدعت الحية قديما أبوينا " تكونان كالله عارفين الخير والشر " تك 2 : 5 ، " فقد توجد طريق تبدو للإنسان مستقيمة وعاقبتها طريق الموت " أم 14 : 12 . لقد سلكت الملكة إيزابيل قديما طريق المكر والكذب لكي ينال زوجها حقل نابوت اليزرعيلي فدبرت حيلة استولى بها على الحقل وادعت كذبا انه جدف على الرب وتم رجم نابوت ظلماً فجاءها صوت الرب على يد إيليا النبي بالهلاك لها ولزوجها ( أمل 21 : 5 – 15 ) . إن العالم في حكمته المرضية لم يعرف وصلب رب المجد. واما الرب يسوع المسيح فانه بتواضعه وبذله خلص العالم بجهالة الصليب.
فلنفحص أفكارنا ونتوب عن خطايانا وأخطائنا ونطلب في إيمان حكمة من الله لنعرف كيف نسلك بتدقيق كحكماء وليس في جهل مفتدين الوقت لان الأيام شريرة " لا تشاكلوا هذا الدهر . بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة " رو 12 : 2 لا نكون حكماء عند أنفسنا بل حكمتنا عي من الله وقيادة روحه القدوس واهب الحكمة للجهلاء مقوي الضعفاء رافع البائسين ، محرر المأسورين الذين يقودنا في كل حين في موكب نصرته .


هبنا حكمة ونعمة

البركة والمجد والكرامة لك يــــــــا رب
الحكمة والقدرة والبركة لألهنــــــــــــــا
المدخر فيه كل كنوز الحكمة والعلــــــم
معطي الحكمة للمتواضعين الو دعـــــاء
هبنا الحكمة من عندك يا أبا الأنـــــــوار
وأعطنا قلبا حكيم لمعرفة وصايــــــــاك
لنسلك في أحكامك باســـتقامة وبـــــــــر
روحك القدوس يمنحنا الحكمة والإفـراز
لنعرف الأشياء الموهـــــوبة لنــــا منك
ونســــــــير كأبناء النــــــــور والـــحق
حررنـــــا مــــن أخطــــــائنا وخطايانا
لنتصــــــــرف حسنا في وداعة الحكمة
وتكـــــون لنــــــــــــــا الثمار الصالحة
والقداســــــــــة ونقـــــــــاوة القلــــــب
بهما نحيـــــــا معـــــك ونعايــن مجدك


..........................................

21‏/03‏/2009

أحد السامريه

أحـــــد الســـامريـــــة




رابح النفوس العجيب

جاء السيد المسيح إلى اليهودية بعد أن حفظ العيد فى أورشليم ( يو 3 : 22 ) ، والآن يتركها بعد أربعة أشهر من الحصاد ؛ فى الطريق عبر السيد المسيح على السامرة ، والتقى عند البئر بأمرأة سامرية تزوجت قبلا بخمسة رجال والذى معها ليس برجلها ، دخل معها السيد فى حوار بالرغم من العداء بين اليهود والسامريين ، فاجتذبها إلى خلاصها ، بل وجعلها كارزة بالخلاص ، اجتذبها فتمتعت بالمعرفة ، وأدركت أنه المسيا الذى يخبرنا بكل شىء ، وبعد دقائق تركت جرتها لتجتذب المدينة بأسرها ويؤمن كثيرون بالسيد المسيح ، حقا من يلتقى برابح النفوس العجيب يشاركه سماته ، فيصير هو أيضا رابحا للنفوس .

خلال هذا اللقاء يحثنا السيد المسيح على العبادة الجديدة ، حيث قدم لها ولأهل مدينتها ماءا حيا يفيض فى داخلهم ، لقد أعلن السيد أنه عوض بئر يعقوب يقدم المياة التى من يشرب منها لا يعطش إلى الأبد ، إذ تهب حياة جديدة أبدية ، وأن الساعة قد أتت لتتحقق العبادة على مستوى أعظم من جبل جرزيم أو الهيكل ، حيث يسجد العابدون للآب بالروح والحق ، وأن له طعام جديد وهو أن يفعل مشيئة الذى أرسله ...
مجيئه إلى السامرة
" ....... وكان لابد له أن يجتاز السامرة " يو 4 : 4
أبرز السيد المسيح اهتمامه بالسامرة والسامريين ، فمدح الأبرص السامرى غريب الجنس ، الذى وحده دون التسعة اليهود البرص عاد ليشكر السيد على تطهيره له ( لو 17 : 15 – 18 ) . كما قدم لنا مثل السامرى الصالح الذى تحرك قلبه بالحب العملى ليهتم بجريح يهودى أكثر من الكاهن اليهودى واللاوى ( لو 10 : 33 – 36 ) وأخيرا قبل صعوده وضع على عنق الرسل الألتزام بالخدمة فى السامرة : " تكونون لى شهودا فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض " ( أع 1 : 18 ) .
" ....... وكانت هناك بئر يعقوب ، فإذ كان يسوع قد تعب من السفر ، جلس هكذا على البئر ، وكان نحو الساعة السادسة " يو 4 : 6
نحو الساعة السادسة ، أى الظهيرة ، تعب السيد المسيح بسبب السير فى وسط حر الظهيرة ، كإنسان حقيقى خضع للضعف الجسدى فتعب ، ..... ليس عجيبا أن نسمع عن السيد أنه تعب وعطش فى وقت الظهيرة ، وهناك تركه تلاميذه ، فإن هذا المنظر يحمل صورة للسيد المسيح على جبل الجلجثة حيث استراح على الصليب فى وقت الظهيرة وقد حمل أتعابنا وأعلن عطشه لكل نفس بشرية ، هناك أيضا تركه تلاميذه هاربين ، ليجتاز المعصرة وحده .
إنه يسأل أن يشرب ذاك الذى فى طريقه أن يعطى ، لكنه يشرب لا من ماء جدول يفيض ، بل يشرب من تصرفاتك الصالحة ، يشرب الكأس أى الآلام التى يكفر بها عن خطاياك ، حتى إذ تشرب من دمه المقدس تروى عطش هذا العالم !!
هكذا تمتع إبراهيم بالله بعد أن حفر بئرا ( تك 21 : 30 ) ، واسحق تقبل زوجته وهو سائر بجوار البئر ( تك 24 : 62 ) ، التىكانت قادمة إليه كرمز للكنيسة ... رفقة وجدت من يبحث عنها عند البئر ، ....
+ قوة المسيح خلقتك ، وضعف المسيح ( تعبه ) جدد خلقتك ، ............
قوة المسيح أوجدتك حيث لم تكن ، وضعف المسيح جعل ما يلزم دماره ألا يهلك .......
لقد خلقنا بقوته ، وبحث عنا بضعفه .....

" فجاءت امرأة من السامرة لتستقى ماء ، فقال لها يسوع : أعطينى لأشرب ، لأن تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعاما " يو 4 : 7 – 8
مجىء المرأة عند الظهيرة بعد أن حمل الرجال والنساء مياههم إلى منازلهم يكشف عن موقف الشعب منها ، إذ لم تكن لها الجرأة أن تواجه أحدا ، فجاءت فى وسط الحر لتستقى ماء من البئر بمفردها ، مسيحنا هو إله المرذولين والمطرودين ، يخرج منهم أبناء الملكوت وكارزين بالحق .
هذا اللقاء يذكرنا برفقة وراحيل وابنة يثرون كيف تزوجن خلال اللقاء عند البئر بزيجات مباركة باسحق ويعقوب وموسى ، هكذا وجدت السامرية عريس نفسها عند بئر يعقوب ، ونحن نجد مسيحنا عريسا لنا عند جرن المعمودية ...
بدأ السيد المسيح حواره معها بطلب متواضع : أن يشرب ماء ، ذاك الذى من أجلنا افتقر ، الآن من أجلنا صار شحاذا لكوب ماء ، ليس لأحتياج شخصى ، وإنما ليكشف لها عن احتياجها هى إليه ، فتشرب وترتوى من ينابيع نعمته الغنية .
بينما مضى التلاميذ إلى المدينة ليشتروا طعاما استغل السيد هذه الفرصة ليدخل فى حوار مع المرأة السامرية ، ويسحبها هى وأهل المدينة لخلاصهم ، هذا هو طعامه الحقيقى أن يتمم مشيئة الآب ، وهى خلاص النفوس .
" فقالت له المرأة السامرية :
كيف تطلب منى لتشرب وأنت يهودى وأنا امرأة سامرية ؟
لأن اليهود لا يعاملون السامريين " يو 4 : 9
دهشت المرأة السامرية لموقف السيد المسيح ، فإنه ما كان يمكن ليهودى أن يطلب شيئا من سامرى ، مهما بلغ احتياجه أو واجه من متاعب ومصاعب ، دون أى استثناء ، كما دهشت كيف يتوقع من سامرية أن تعطيه طلبه بينما يحمل السامريون عداء لليهود ...
لم يكن هناك تعامل بين اليهود والسامريين سواء من جانب العبادة أو التجارة ، بل ولا يجوز لليهودى أن يستعير إناء من سامرى أو يشاركه نفس الطعام .

" أجاب يسوع وقال لها : لو كنت تعلمين عطية الله ،
ومن هو الذى يقول لك أعطينى لأشرب ، لطلبت أنت منه ، فأعطاك ماء حيا " يو 4 : 10
سحب السيد المسيح هذه المرأة إلى طريق الخلاص ، لا بالهجوم على العبادة فى السامرة ، بكونها منشقة ، وأنها قد شوهت الأيمان والعبادة ، وإنما بسحب فكرها من الأنشغال بالعداوة القائمة بين الفريقين إلى الدخول إلى أعماق نفسها لتعطش إلى الماء الحى ، وتدرك حاجتها إلى المخلص .
الآن ليس الوقت للنزاع ، بل للجلوس الهادىء مع النفس والتمتع بعطايا الله المجانية ، فقد حان وقت افتقاد الله للعالم كله بإرسال المسيا المخلص ، شهوة قلب السيد المسيح أن نعرفه ، فنطلبه ونقتنيه ، فنرتوى منه أبديا !
السامرية لم تكن تدرك عطية الله الذى أرسل أبنه الوحيد ليبذل ذاته عن العالم ( يو 3 : 16 ) ، ولا عطية الروح القدس الذى يفيض فى النفس كنهر يرويها ويروى آخرين ، ويقدم الروح مواهب روحية لا حصر لها لخلاص العالم ، هذه العطايا إلهية مجانية قدمها الله من أجل مبادرته بالحب لنا ونحن بعد أعداء ...
" المـــــاء الحــى " : هو نعبير شائع لينابيع المياة التى تفيض بلا توقف ، يقابله " الماء الميت " الراكد فى البرك والمستنقعات ومخازن المياة حيث تتعرض للتلوث ، يشير الماء الحى إلى :
" الــــروح الــــقدس " الذى يروى النفس ويحول قفرها إلى فردوس مثمر ، ويغسل ما فى النفس من دنس .

" فقالت له المرأة : يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة ، فمن أين لك الماء الحى ؟ ....
ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذى أعطانا البئر ، ....
وشرب منها هو وبنوه ومواشيه ؟ " .... يو 4 : 11 ، 12
كان يحدثها عن الروحيات بينما هى كانت تفكر بطريقة مادية ، ومع هذا فمن لهجة حديثه شعرت بالألتزام أن تحترمه وتوقره ، فبدأت تقول : " يــاســــيــد "
اعتزت السامرية بالبئر التى حفرتها يد بشرية ، ولم تدرك أنها أمام الينبوع الإلهى الحى ، فقد سبق فعاتب الرب شعبه قائلا لهم : " شعبى عمل شرين ، تركونى أنا ينبوع المياة الحية ، لينقروا لأنفسهم أبارا آبارا مشققة لا تضبط ماء " ( إرميا 2 : 13 ) .
تأمل ما قاله نيقوديموس : " كيف يمكن لأنسان أن يولد وهو شيخ ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد ؟ ( يو 3 : 4 ) أما هذه المرأة فكانت أكثر توقيرا من نيقوديموس ، إذ قالت : يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة ، فمن أين لك الماء الحى ؟
حسن أن تعتز السامرية ببئر أبيها يعقوب ، لكنها لم تعرف كيف تعبر خلاله إلى إله يعقوب واهب المياة الحية ، كان يليق بها أن تنطلق مع يعقوب أبيها لترى سلم يعقوب الصاعد من رأسه إلى السماء ، فتتهلل بالصليب فاتح أبواب السماء للعالم كله !
" أجاب يسوع وقال لها :
كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا ، ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا ،
فلن يعطش إلى الأبد ، بل الماء الذى أعطيه ، يصير فيه ينبوع ماء ،
ينبع إلى حياة أبدية " يو 4 : 13 – 14
لم يجبها : " نعم أنا أعظم من يعقوب ، لكنه بلغ هذا الهدف بحديثه معها ......
الماء الذى فى البئر هو ملذات العالم فى أعماقه المظلمة ، من هذا يسحب البشر بأوانيهم التى للشهوة .. عندما يحصل شخص على لذة العالم ، هل يمكنه ألا يعطش مرة أخرى ؟ !
فى لطف شديد بدأ السيد المسيح يكشف لها عن الماء الحى ! أوضح أنه لا وجه للمقارنة بين ماء يروى الجسد إلى حين ، وماء يسند النفس أبديا ويرويها ، فلا تعتاز إلى شىء ....
الماء الذى يقدمه السيد المسيح له ميزات خاصة :
+ هو عطية إلهية " أنا أعطيه " .. لذا يهب فرحا إلهيا ...
+ يهب حياة أبدية بلا احتياج ، " لن يعطش إلى الأبد " ...
+ ماء داخلى فى النفس " يصير فيه " لذا يناجيها واهب المياة الحية ، قائلا : " أختى العروس جنة مغلقة ، عين مقفلة ، ينبوع مختوم " ( نشيد الأناشيد 4 : 12 )
+ يحول الأعماق إلى ينبوع فياض على الغير ، : " من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى " ( يو 7 : 38 ) .

" قالت له المرأة :
يا سيد أعطنى هذا الماء لكى لا أعطش ، ولا آتى إلى هنا لأستقى " يو 4 : 15
+ أرأيت كيف أن المرأة صعدت قليلا إلى التعاليم العلوية ؟ ... لقد ظنت أن هذا الماء أعلى قدرا من الماء المحسوس ....
+ أرأيت كيف أن المرأة فضلت المسيح على رئيس الآباء إذ أوضحت رأيها فى يعقوب ومقدار عظمته وعرفت الأفضل منه ؟
+ هنا أكتسبت بصيرة أكثر جلاء ، لكنها لم تكن قد أدركت بعد الصورة الكاملة ، لأنها قالت : " أعطينى هذا الماء حتى لا أعطش ، ولا آتى إلى ههنا لأستقى " ....

" قال لها يسوع :
اذهبى وادعى زوجك وتعالى إلى ههنا " يو 4 : 16
حول السيد المسيح الحوار من الحديث عن الماء إلى الحديث عن حياتها الزوجية ، ... أوضح السيد المسيح لها ، دون أن يجرح مشاعرها ، أنه يعرف ما فى قلبها كما يعرف كل أسرارها العائلية ، لكى يحثها على الشعور بالخطية ، وحاجتها إلى التوبة .

" أجابت المرأة وقالت : ليس لى زوج ....
قال لها يسوع : حسنا قلت ليس لى زوج ... لأنه كان لك خمسة أزواج ،
والذى لك الآن ليس هو زوجك ، هذا قلت بالصدق " يو 4 : 17 ، 18
فى رقة عجيبة لم يجرح مشاعرها لأنها تعيش مع من هو ليس برجلها بعد خمس زيجات ، وحول حوارها من المجادلة حول الخلافات بين اليهود والسامريين إلى العبادة الجديدة التى تضم كل العالم ، ويتمتع بها المؤمن أينما وجد .
كم كانت حكمة هذه المرأة عظيمة ، وكم كان خضوعها إذ قبلت التوبيخ ... فى هذا التوبيخ يذكر أمرين : يعدد جميع أزواجها السابقين ، ويوبخها على ذاك الذى تعيش معه حينئذ وهى تحاول أن تخفى أمره ، هنا ماذا صنعت المرأة ؟ لم تبد ضيقا ولا تركته هاربة ، ولا حسبت كلامه إهانة ، لكنها على العكس أبدت إعجابها به ، وفاق تقديرها له ، إذ قالت : " يا سيد أرى أنك نبى " ، تطلع إلى رزانتها إذ لم تندفع إليه مباشرة لكنها وهى تقدره وتعجب منه قالت : " أرى " أى " يبدو لى " أنك نبى .

" قالت له المرأة :
يا سيد أرى أنك نبى ، آباؤنا سجدوا فى هذا الجبل ،
وأنتم تقولون إن فى أورشليم الموضع الذى ينبغى أن يسجد فيه " يو 4 : 19 ، 20
هكذا تحول الحوار إلى الحديث عن موضع العبادة : هل هو أورشليم أم جبل الجرزيم ؟
إذ ظنت أنه نبى لم تطلب شيئا زمنيا ، لا صحة الجسد ولا الممتلكات ولا الثروة ، لكنها اهتمت بالدين ، إنه لأمر عجيب ! يسكن فى الأعالى وهو قريب من المتواضعين ، إنه : " يرى المتواضع ، أما المتكبر فيعرفه من بعيد " ( مز 138 : 6 )
أتريد أن تصلى فى هيكل ؟ الجبل فى داخلك ، إن كنت أنت أولا هيكل الله ، لأنه فى هيكله يسمع من يصلى .
" قال لها يسوع :
يا أمرأة صدقينى إنه تأتى ساعة ، لا فى هذا الجبل ،
ولا فى أورشليم ، تسجدون للآب ، أنتم تسجدون لما لستم تعلمون ،
أما نحن فنسجد لما نعلم ، لأن الخلاص هو من اليهود " . يو 4 : 21 ، 22
لقد حلت الساعة التى جاء فيها ابن الأنسان ليرفع الأنسان من الحرف إلى الروح ، فما يشغل ذهن المؤمنين ليس الموضع ، بل وضعهم كأبناء للآب السماوى .
بقوله : " لما لستم تعلمون " يشير إلى إنكار السامريين لأسفار الأنبياء التى تمهد طريق المعرفة للتعرف على شخص المسيا المخلص ، وبقوله " نسجد لما نعلم " يشير إلى الأسفار الإلهية كطريق آمن للمعرفة والعبادة الحقيقية ، ضم السيد المسيح نفسه إلى جمهور العابدين ، لأنه صار فى تواضعه ابن الأنسان .
لم يخجل ابن الله الوحيد من أن يعلن طاعته للآب وسجوده وعبادته له ، بينما يستهين كثير من بنى البشر فى كبريائهم بالعبادة ويحسبونها مضيعة للوقت ....

" ولكن تأتى ساعة وهى الآن ،
حين الساجدون الحقيقون يسجدون للآب بالروح والحق ،
لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له " يو 4 : 23
عوض الأنشغال بمكان العبادة يلزم الأنشغال بحال الفكر الداخلى ، وهيكل الله داخل النفس ، وكيفية تقديم العبادة لله الذى هو روح . فالله يطلب العابدين بقلوبهم ، ونادرا ما يوجدون ....
العبادة بالروح تحول القلب إلى صهيون الحقيقية التى يشتهيها الله كقول المرتل :
" لأن الرب اختار صهيون ، اشتهاها مسكنا له ؛ هذه هى راحتى إلى الأبد ؛ ههنا أسكن لأنه اشتهيتها " ( مز 132 : 13 – 14 ) .

" اللــــــه روح ،
والذين يســـجدون له ، فبالروح والحق ينبغى أن يســـجدوا ،
قالت له المرأة :
أنا أعلم مسيا الذى يقال له المسيح يأتى ،
فمتى جــــــاء ذاك ، يخــــبرنا بكل شــــىء " يو 4 : 24 ، 25
أخيرا جاء الحوار بخصوص المسيا ، فإذ لم تعترض السامرية على ما يقوله بل شعرت بقوة فى داخلها سألته عما كان يدور فى أذهان اليهود والسامريين ، وهو : متى يأتى المسيا ؟ فمع العداوة القائمة بين اليهود والسامريين إلا أن أمرا واحدا كان الكل يترقبه ، وربما تحدث كثير من المعلمين عنه فى ذلك الوقت ، وهو تحقيق الوعد الإلهى الخاص بمجىء المسيا وحلول مملكته .
مع ما لحق بها من فساد بسبب خطيتها لكن شوقها لمعرفة الحق وترقبها فى تواضع لمجىء المخلص هيأها للألتقاء مع السيد والتعرف عليه والشهادة له .

" قـــــال لهــــــا يســـــــوع ،
أنــا الــذى أكلمــــــك هــــــــــــــــو ! " يو 4 : 26
لم يتحدث السيد المسيح مع اليهود ، ولا حتى مع تلاميذه بعبارات مباشرة هكذا : أنا الذى أكلمك هو " .... الحصاد قد أعد ، فقد قام الأنبياء بالغرس لينمو ، والآن قد جاء إلى النضوج وينتظر الرسل كحاصدين له ، ... فبالنسبة للمرأة السامرية كان اسم " المســــيا " ليس بجديد عليها ، كانت بالفعل تترقب مجيئه ، لقد آمنت بالفعل أنه قادم ، من أين كان لها أن تؤمن بهذا لو لم يغرسه موسى ؟
كـــــــرازة المرأة السامـــــــرية الناجحــــــة :
" وعند ذلك جاء تلاميذه ، وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع إمرأة ،
ولكن لم يقل أحد ماذا تطلب ؟ أو لماذا تتكلم معها ؟ " يو 4 : 27
لم يكن فى ذهن التلاميذ أن معلمهم الذى كانوا يترقبون ملكوته العظيم على الأرض يتحدث مع امرأة فقيرة سامرية ، إنها ليست من قطيع إسرائيل الضال ، وفى ذهنهم لا يمكن أن يكون لها دور فى ملكوته ، فلماذا يتحدث معها ؟
هذا ومن جانب آخر فإنه لم يكن من عادة الرجال أن يتحدثوا مع نساء فى الطريق ، حتى وإن كانت زوجاتهم ، وقد وجدت قوانين كثيرة سنها الحاخامات فى هذا الشأن .

" فتركت المرأة جرتها ، ومضت إلى المدينة ، وقالت للناس ،
هلموا انظروا إنسانا قال لى كل ما فعلت ،
ألعل هذا هو المسيح ؟ " يو 4 : 28 ، 29
إذ تمتعت السامرية بالحق الإلهى تركت جرتها ! ...... ونسيت ما جاءت من أجله ، وعادت إلى المدينة دون الماء ، إنما لتقدم ماء الحق لأهل المدينة ، أخبرت الجميع فى الشوارع أنها وجدت الكنز الذى تبحث عنه ، ووجدت ينبوع سرورها الداخلى .
سبق أن طلب السيد منها أن تدعو زوجها ، وها هى قد دعت كل رجال المدينة ونجحت فى مهمتها ..... !
لم تخبرهم أنه حاورها فى أمور دينية خطيرة خاصة بمكان العبادة وطريقة ممارستها ، بل ما لمس قلبها حقا أنه عرف أسرارها واجتذبها بقوة كلمته إليه ، فتعرفت على شخصه ، إنه هو المسيا ... !
هنا امرأة أعلنت عن المسيح للسامريين ، ... وفى نهاية الأناجيل أيضا امرأة رأته قبل كل الآخرين تخبر الرسل عن قيامة المخلص : " فجاءت مريم المجدليــــــة وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا " . ( يو 20 : 18 ) ...
جاءت السامرية لتستقى ماء ، وعندما استنارت وعرفت الينبوع الحقيقى للتو احتقرت الينبوع المادى ، وهى فى هذه الواقعة البسيطة تعلمنا أن نتجاوز عن أمور الحياة المادية عندما نصغى للروحيات .... على جناحى الفرح والبهجة أسرعت ودعت المدينة بأكملها ، وأتت بهم إلى الرب يسوع .
آمنت المرأة السامرية على الفور ، وبذلك اتضح أنها أكثر حكمة من نيقوديموس ، بل وأكثر شجاعة وثباتا ، لأن نيقوديموس بعد أن سمع قدر ما سمعت المرأة الآف المرات لم يذهب ويدعو آخرين لسماع هذه الكلمات ، ولا تحدث بصراحة على الملأ ، لكن هذه المرأة فعلت ما لم يفعله الرسل ، إذ قامت بالكرازة للجميع تدعوهم إلى المسيح ، بذلك قادت مدينة بأكملها إلى الأيمان بيسوع المسيح .
" هلموا أنظروا إنسانا قال لى كل ما فعلت ،
ألعل هذا هو المسيح ؟ " يو 4 : 29
كلمات السامرية تكشف عن سعادتها الداخلية بلقائها مع المسيا مخلص العالم ، وتمتعها بمن يملأ أعماقها ، لم يهبها الرجال الستة سعادة ، لكن لقاءها مع مخلصها بعث فيها روح السعادة ، والعمل من أجل الآخرين لخلاصهم .
كانت السامرية حكيمة فى كرازتها ، إذ لم تملى عليهم إيمانها فيه بل بحكمة طلبت منهم أن يأتوا وينظروا ليتحققوا من شخصه : " ألعل هذا هو المسيح ؟ ! .

" فخرجوا من المدينة وأتوا إليه ،
وفى أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين :
يامعلم كل " يو 4 : 30 – 31
بينما انطلقت المرأة السامرية للكرازة بكل قوة ، إذ بالتلاميذ ينشغلون بتقديم طعام للسيد المسيح ، لأنه كان جائعا ومتعب .

" فقال لهم :
أنا لى طعام لأكل لستم تعرفونه أنتم " يو 4 : 32
كان السيد المسيح ينتهز كل فرصة ليرفع عقول تلاميذه وقلوبهم إلى ما فوق الزمن ، إلى السماء عينها ، لقد أعلن لهم عن مدى بهجته بخلاص النفوس بكونه طعامه الشهى ، لقد وجد شبعه وراحته فى التعب من أجل كل نفس ، ومن أجل تحقيق خطة أبيه ، إنه لن يستريح بل يبقى مثابرا على العمل حتى يعبر من هذا العالم .

" فقال التلاميذ بعضهم لبعض :
ألعل أحدا أتاه بشىء ليأكل ؟ قال لهم يسوع :
طعامى أن أعمل مشيئة الذى أرسلنى ،
وأتمم عمله " يو 4 : 34
إن حديث السيد المسيح هنا يشير إلى عمل المسيح فى حياة الناس لكى يعملوا إرادة الآب ، ويتمموا عمله ، لأن ما يفعله الناس كأعضاء فى جسد المسيح ، يحسب كأنه هو نفسه قد عمله .
أكلنا وشربنا وقراءتنا وخدمتنا وعبادتنا كلها إنما لخدمة خلاص النفوس ، هذه هى إرادة أبينا السماوى ، طعام نفوسنا الشهى .
لقد هلكت النفوس بسبب عدم المعرفة ، وقد وهبنا الله مفتاح الملكوت الذى هو انجيله ومعرفة كلمته .

" أما تقولون أنه يكون أربعة أشهر ثم يأتى الحصاد ،
ها أنا أقول لكم ، أرفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد أبيضت للحصاد " يو 4 : 35
يطلب السيد المسيح الحصاد الذى لن يتحقق بدون العمل الجاد بسرور ومثابرة ، فالعمل ضرورة حتمية وملحة للتمتع بالحصاد .
إنه يرى الحصاد القادم حيث يأتى كثير من السامريين إليه خلال خدمة المرأة السامرية ، يؤمنون به ويتأهلون للبس الثياب البيضاء .

" والحاصد يأخذ أجرة ، ويجمع ثمرا للحياة الأبدية ،
لكى يفرح الزارع والحاصد معا " يو 4 : 36
الآن يتقدم السيد المسيح بكونه الزارع الذى غرس الكلمة فى قلب السامرية ، وفى ساعات قليلة جدا قام بدور الحاصد ، وفرح وتهلل من أجل الثمر حيث آمن به كل أهل المدينة قائلين : " إن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم "
" لأنه فى هذا يصدق القول : إن واحدا يزرع ، وآخر يحصد ، أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه ،
آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم " يو 4 : 37 – 38
الأنبياء هم الذين زرعوا ولم يحصدوا ، وأما الذين حصدوا فهم الرسل ، لكن لم يحرم الذين زرعوا فقط من الفرح بالمكافأة على أتعابهم ، إنما تهللوا وابتهجوا بالرغم من أنهم لم يحصدوا .

" فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين ،
بسبب كلام المرأة التى كانت تشهد أنه قال لى كل ما فعلت ،
فلما جاء إليه السامريون ، سألوه أن يمكث عندهم ، فمكث هناك يومين " يو 4 : 39 – 40
لم ير أهل سوخار معجزة ما ، لكن ما اجتذبهم إلى السيد المسيح هو شخصه وحديثه الإلهى ، تمتعوا بكلمة المسيح الواهبة الحياة ....
لم يذكر الكتاب أنه صنع آيات بينهم ، إذ كانوا بسطاء محتاجين ومستعدين لسماع الكلمة ، تعلقوا بالسيد المسيح من أجل الحق ، ولم يطلبوا آيات لكى يتحققوا من شخصه كما طلب كثير من القيادات اليهودية .
" فآمن به أكثر جدا بسبب كلامه ،
وقالوا للمرأة :
إننا لسنا بعد بسبب نؤمن ،
لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم " يو 4 : 41 – 42
لقاؤهم مع السيد المسيح وهبهم نموا فى الأيمان وتزايدا فى عدد المؤمنين ، رؤيتهم للسيد المسيح وسماعهم له ثبت إيمانهم الذى تسلموه من المرأة ، وانجذب كثيرون معهم فى ذات الأيمان ، كما تعرفوا عليه أنه ليس مخلص اليهود وحدهم ولا معهم السامريون فحسب ، بل هو بالحقيقة مخلص العالم الذى قال عنه إشعياء النبى : " جعلتك نورا للأمم ، لتكون خلاصى إلى أقصى الأرض " ( إش 49 : 6 ) .

20‏/03‏/2009

قدس فكري

للأب أفرايم الأورشليمي

فيما تفكر؟

الفكر هو ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات وترجع أهمية الفكر في ان فكر الانسان يشكل ويوجه تصرفاته فما تفكر فيه وتقتنع به ، تتصرف طبقاً له. فالأفكار التي تتبناها تحدد اتجاهاتك في الحياة ومن ثم تصرفاتك التي تتحول إلى عادات تحدد مصيرك وتضبط علاقاتك " كما فكر في نفسه هكذا يكون " .
إن قراءتنا التي نقرأها وما نسمعه من الآخرين يشكل فكرنا أيضا وما تؤمن به من قيم ومبادئ في الحياة يبني شخصيتك والإنسان ككائن مفكر يجب أن يوجه ويضبط أفكاره ويحكم فكره طبقاً لما يؤمن به ولا يجعل فكره يطيش في كل اتجاه " هادمين كل ظنوناً وكل علو يرتفع نحو الله وموجهين كل فكر إلى طاعة المسيح " 2 كو 5 : 10.

فكر المسيح

يقدم لنا السيد المسيح مثالاً في تجسده الفكر الإنساني السامي الذي يسعى لخلاص كل احد .. وقدم لنا أهم وأفضل الدوافع التي تبني الإنسان الروحي إلا وهو محبة الله من كل القلب والنفس والفكر والقدرة ومحبة القريب كالنفس... وعندما يكون هدفك محبة الله فان افكارك تتجه إلي كيف ترضيه وتعرفه " لتكن أقوال فمي وفكر قلب مرضية أمامك يا رب صخرتي ".
ولهذا جاء الرب يسوع ليقدم لنا صورة حية للإنسان الكامل الذي يحب الله ويقضي الليالي مصلياً ساهراً ويطالبنا بالسهر ويجول بالنهار يصنع خيراً ويسعى لنشر رسالة الملكوت وخلاص كل أحد . وفي محبته للبشر جاء ليحرر المأسورين ويبشر المساكين ويشفي منكسري القلوب ويطلب ويخلص ما قد هلك ، جاء يقدم المغفرة للخطاة ويقدم الصفح والحب للأعداء حتى صالبيه غفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون .
جاء ليقدم لنا مثالاً في التواضع ووداعة القلب " تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم " . " فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا الذي كان في صورة الله لم يحسب خلسةً أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه أخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس . وإذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب " في 2 : 5 – 8 . هكذا أيضا يا عزيزي ليكن لك في المسيح مثالاً في الاتضاع ويكفي التلميذ أن يشبه سيده " فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم " عب 12 : 3
جاء الرب يسوع المسيح ليرفع أفكارنا للسماء والى الأب السماوي وطلب منا أن نكنز في السماء وليس على الأرض لأنه حيث يكون كنزنا هناك يكون قلبنا وفكرنا .. وكان همه أن يكرز بالتوبة واقتراب ملكوت الله منا . واقتراب الملكوت ليكون داخل القلب بما فيه من محبه وفرح وسلام وسعادة . فاذ يملك الله على قلبك وفكرك فحينئذ يبدأ ملكوته داخلك . إن تلمذتنا للمسيح تشكل فكرنا وتجعل منا صيادين للناس ليذوقوا مما أطيب الرب . وهو أمين قد وعدنا أن يعطينا حكمة لا يقدر جميع معادينا أن يقاوموها أو يناقضوها .
إن أردت أن يكون لك فكر المسيح القدوس، قدس فكرك بكلمة الله الحية واطلب منه أن يرشدك ويضبط فكرك " قلب الإنسان يفكر في طريقه والرب يهدي خطواته " أم 16 : 9
والهج في كلام الإنجيل وأحفظه ليحفظك الرب في ساعة التجربة وتأمل في كلامه ليكون سراج لرجليك ونوراً لسبيلك وكلمة الله قادرة أن تنقيك وتقدسك . لقد جاء عن القديسة مريم العذراء " أما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها " فليكن فكرك وقلبك في الرب وهو يعلمك ويرشدك كل الأيام .

تغذية الفكر وضبطه

إن ما تغذي به فكرك هو الذي يصنعك ويشكلك ، والحواس هي أبواب الفكر فما تراه وتسمعه وتلمسه وتذوقه وتشمه يدخل إلى فكرك . ونحن في عصر المعلومات والسرعة والأخبار والدعاية لا بد إن نضبط حواسنا . وان دخل إلى فكرك عن طريقها شيء ضار فلا تفكر فيه أو تتمادى معه ولا تسترجعه لأنه قد يدنس فكرك وعواطفك .
وبدلاً من سماع وقراءة ما يضر اعمل علي بناء نفسك على إيمانك الأقدس وغذي روحك وفكرك بكلام الله " فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله " إن القراءة في الكتاب المقدس كنز وغذاء يعرفك إرادة الله نحوك ونحو العالم كله وكيف يتعامل الله مع قديسيه ويجعل لك فكر المسيح القدوس . كما أن قراءة وسماع الكتب والعظات الروحية وآباء الكنيسة تمنحك مادة للتأمل والصلاة.
غذي إذن عقلك بأفكار وقراءات صالحة تنقي فكرك وتجعله فكر قوي مضبوط بالإرادة الصالحة وأشغل فكرك بعمل ايجابي يحفظه من الطياشة في أفكار عالمية لا تنفع وحول ما تراه حتى من مشكلات حولك إلى الصلاة إلى الله لكي يتدخل في حياتك وحياة الآخرين وان يوجه العالم نحو الخير والصلاح .
اضبط لسانك. فان كثيراً من الخطايا يتسبب فيها اللسان واللسان يعبر عن ما بداخلك لأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان والإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات " الشجرة تظهر من ثمارها كذالك تفكير الإنسان يظهر من كلامه " سير 27 : 7 .
إن كثرة الكلام لا تخلو من معصية أما الضابط شفتيه فعاقل. والذي يضبط لسانه رجل كامل قادر أن يحكم الجسد كله فراقب كلامك واضبط لسانك وفكر أكثر من مرة قبل أن تتكلم لتعرف دافع كلامك وليكن كلامك للبنيان لتعطى نعمة للسامع فالكلمة الحكيمة تبني وهي كتفاحة من ذهب على طبق من فضة متى قيلت في وقتها واعرف انه بكلامك تتبرر وبكلامك يحكم عليك .
أن تحررت من أخطاء الكلام كالكذب والمبالغة والتهكم والإدانة والتباهي والثرثرة وكان كلامك مملح بنعمة الروح القدوس وإرشاده تكون بركة لنفسك وللسامعين.
ابعد إذا عن السلبيات والأهواء وراقب أفكارك وكن سيداً عليها فمالك نفسه خير ممن يحكم مدينة وأنت قادر بالنعمة على طرد كل فكر خاطئ وتقديس فكرك بالصلاة ومحبة الله ومحبة الخير والغير .

الفكر المقدس

اخضع فكرك لقيادة الروح القدس واجعل من نفسك إناء صالح مرتبط بإرادة الله وتنفيذ مشيئته غير خاضع لأهوائك بعيداً عن الله واعلم إن للفكر أعداء تحاربه وتسبيه للطياشة " ولكني أخاف انه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح " 2 كو 11 : 3 . عندما تقتني محبة الله من كل قلبك وفكرك ونفسك اطلب بلجاجة أن يقدس فكرك وقلبك بمفاهيم من أفكار وعواطف حينئذ يكون هدفك تتميم مشيئة الله وإكمال عمله وهذه هي إرادة الله قداستكم .
اعلم إن كل ما هو صالح فيك هو عطية لك من الله فلا تفتخر بمواهبك أو صلاحك لئلا تسلم للتأديب بتخلي نعمة الله عنك بسبب كبرياء قلبك . واعلم إن الله يقاوم المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة وفي حروبك استند إلى قوة الله لتحررك من سلطان الذات وعنادها .
وراقب أفكارك واعرف أين تجول وكلما تقدمت روحياً تعرف أن تضبط فكرك فلا يطيش يميناً وشمالا ً لا في أفكار المجد الباطل أو في التزكية الخاطئة للنفس أو المديح أو التسلط أو في أفكار الشهوة والكراهية والإدانة والقي بأفكارك الخاطئة تحت صليب المسيح قائلاً مع المسيح صلبت لاحيا لا أنا ل المسيح يحيا في . وكلما تزداد محبة الله في قلبك يصغر العالم


في عينيك وتأتيك نعمة الروح القدس للتعزية وثق أن الرب يراقب جهادك الروحي ويحارب حروبك ما دمت أمينا له وتريد أن تجاهد وتنتصر لحساب ملكوته السماوي .
وإذ تريد أن تصلي وتقدس الفكر للمسيح في صلوات نقية ابعد عن التخمة في الأكل والشراب حتى لا تخمد حرارة روحك فهذه هي خطية سدوم التي أوجبت الهلاك عليها، الكبرياء والشبع بالأكل والشرب مما قادهم إلى الزنا والخطية . ولا تدع هموم الحياة تشغلك عن مناجاة الاسم الحلو الذي لربنا يسوع المسيح .
درب نفسك على الشعور بحضور الله معك في كل وقت في أثناء العمل والحديث والأكل والنوم واجعل مخافة بين عينيك وفي فكرك وقل لفكرك هل هذا الفكر يوافق عليه الرب؟ وهل هذا هو فكر المسيح؟ وكل ما تفكر فيه اسأل الرب هل هذا فكر يرضيه وهل هذا العمل يوافق إرادته وفي أي وقت يرد إليك فكر غير مقدس اطرده " قاوموا إبليس فيهرب منكم " يع 4 : 7 .

قائدي يسوع

فكري وميولي وإرادتي بين أيديك
قلبي وحياتي ومصيري هم لـــدـيك
سلمت نفســي يا ربي وديعة عندك
وسفينة حياتي قودهــــــا يارب بمهارتك
اســـكن في قلبــــي أنــــت يا ربي
فملأه صلاح وقودني دائماً للنجاح
كلامك هدايتي . صلــــــيبك نجاتي
وفكري فــــكرك وحيــــاتي ملكـــك
نور لــــي عقلـــــي واهدي خطاي
واغفر لي ذنبـي
وحارب حروبي
وفرج كروبـــي
بك أنا غالــــب
طول الطــــريق

...............................................


يا ابني أعطني قلبك
(أم 23 : 26)

للأب القمص أفرايم الأورشليمي
راعي الطائفه القبطيه بالناصره

قلبك مسكن الله

يطالبنا الله أن نحبه من كل القلب " فمحبة الله من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس أفضل من جميع المحرقات والذبائح " مر 12 : 33 . ولهذا لام الرب قديماً الشعب الذي يقترب منه بفمه ويكرمه بشفتيه وأما قلوبهم فبعيدة عنه أش 9 2 : 13 ويقول لكل واحد فينا " يا لبني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي " أم 23 : 26 . القلب هو مركز الإنسان الداخلي والذي منه تصدر العواطف والمعرفة العاقلة والقرارات وهو في العبرية " لب " " לב " أي جوهر وباطن الإنسان بما فيه من ذكريات وقرارات وفيه يتحاور الإنسان وينفتح على الله أو ينغلق دونه .
ولما كان من العسير على الأخرين النفاذ إلى الإنسان الداخلي فان مظهر الإنسان الخارجي يدل على داخله . وأفعاله تشهد على ما في قلبه وما يقوله يحكم على ما في قلبه من تصورات وأفكار لأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان .
لقد خلق الله الإنسان على صورته وكشبهه بقلب صالح ولما كان السقوط رأينا الإنسان يعرب من الحديث مع الله بل " ورأى الرب إن شر الإنسان قد كثر في الأرض وان تصور أفكار قلبه إنما هو شر كل يوم " تك 5 : 6 فانه بالخطية قد تدنس القلب وبالكبرياء قد فسد .
وبإتباع الإنسان لأهوائه وشهوات قلبه ذاغت وتقست قلوب الكثيرين فان الله بالناموس الطبيعي والضمير وبالأنبياء عمل على إيقاظ قلوب بني البشر ليرجعوا إلى الله فيجدونه وان يعطوا الله قلوبهم ويلاحظوا طرقه ووصاياه " ثم إن طلبت الرب إلهك تجده أذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك : تث 4 : 29 . بل ووعد أن يختن الرب إلهنا قلوبنا لكي نحبه من كل القلب والنفس فنحيا به وهذا ما أتمه الله في العهد الجديد بحلول الروح القدس على المؤمنين ليصير قلبهم مسكناً لروح الله يقدسه له لنصير هياكل روح الله ويصير قلبنا مذبحاً مكرساً للعبادة وبصلوات التقية والمحبة الصادقة وإذ يتنقى القلب يعاين الله ويعمل المسيح بالإيمان فيه .

قلوب مريضة

هناك العديد من القلوب التي تعتبر مريضة وتحتاج إلى العلاج والإصلاح فالقلوب القاسية هي قلوب حجرية لا ترق لضعف ولا ترحم أحد هذه القلوب الشريرة التي يخرج منها الشر " لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل ، زنى ، فسق ، سرقة ، شهادة زور ، تجديف .... " مت 15 : 19 هذه التي تجعل القلب نجس " القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه "أر 7 1 :9 إن الله يعرف هذه القلوب وهو قادر إن يغيرها ويحولها لقلوب طاهرة أن تقدمت إليه بالتوبة.
لقد وهب الله سليمان القلب قلباً حكيماً ومميزاً حتى انه لم يكن مثله قبل ولا يقوم بعده نظيره أمل 3 : 12 ، وأعطاه حكمة وفهماً كثيراً ورحابة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر أمل 4 : 29 هذا القلب الحكيم إذ اسلم نفسه لحياة اللذة والترف " كان في زمان شيخوخته إن نساءه أملن قلبه وراء ألهه أخرى ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب كقلب داود أبيه " أمل 4 :11.
هكذا خدعت دليلة شمشون الجبار وأسلمته لأعدائه بقولها له " كيف تقول احبك وقلبك ليست معي وهوذا ثلاث مرات قد خذلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة " قض 15 : 16 فلما باح لها بسر قوته سلمته لأعدائه ليعاملونه كالحيوان يطحن لهم ...
لهذا جاء المسيح له المجد يحررنا من الشهوة قائلاً " من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه " مت 5 : 28 .
يحذرنا الكتاب من قلب الملتوي " كراهية الرب ملتو القلب ورضاه مستقيمو الطريق " أم 11 : 20 . ومن اجل هذا يدعو المرنم الرب ليوحد قلبه لخوف الله " علمني يا رب طريقك لأسلك في حقك ، وحد قلبي لخوف اسمك " مز 6 8 : 11 .
يحذرنا الله من محبة العالم وشهواته وخطاياه " لا تتبع هواك ولا قوتك لتسير في شهوات قلبك " سير 2 : 5 وكذالك
يحذرنا من من محبة المال الذي هو أصل كل الشرور لان الطمع يفسد القلب ويظلم البصيرة الداخلية . " فانظروا أيها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان في الارتداد عن محبة الله الحي " عب 3 : 12 ولا تعرجوا بين الفرقتين فالقلب المنقسم لا ينجح ولا ينال شيء صالح .

كيف أقتني قلباً صالحاً

إن الخطية والشيطان يلوثا القلب بالشرور فبدلاً من أن يكون مصدر الصلاح والخير يصير مدنسا ونجساً . فاعمل جاهداً على الصراخ إلى الله بتواضع ودموع لحراسة قلبك وتنقيته لكي يصير مسكناً لله ومذبحاً للصلاة .

ولكي يتقتني القلب الصالح فجاهد متضرعاً لله ان يعمل فيك ولتسندك نعمتة الغزيره وأعلم ان :

1- انسحاق قلب الإنسان الخاطئ بالتوبة والصلاة إلى الله والرجوع إليه وبتجديد الإنسان الداخلي بالدموع " تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتعرفوا إرادة الله الكاملة الصالحة المرضية " وإذ نعرف إرادة الله نصمم على تنفيذها باتضاع قلب ووداعة . التوبة هي كراهية للخطية وبقدر ما تعمل على تنقية قلبك من كل خطية تصبح مستعد لحلول نعمة ربنا وعمل روحه فيك " فتخلع الإنسان العتيق لتلبس الإنسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه " كو 3 9 : 10 .
2- الإيمان العامل بالمحبة .... إن إيماننا بالتجسد الإلهي . وبان الله جاء وإعطانا البصيرة الروحية يحررنا من الخطية وكلما وثقنا في قدرة الله وفي فدائه الثمين وحبه " هذه هي المحبة ليس إننا نحن أحببنا الله بل انه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا " ( 1 يو 4 : 10 ) فإننا نحبه ونعمل وصاياه لأنه غاية الوصية هي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء . بالتجسد الإلهي امتلك ربنا يسوع المسيح قلباً مثلنا لكنه كان طاهراً بلا خطية يمتلئ بالحنان نحو البشر . بهذا القلب الحنون لمحب أشفق علة المرضى والمحتاجين والخطاة وداوى كل إمراضنا ودفع ديون خطايانا ساتراً على ضعف الضعفاء وحالاً للمقيدين وشافياً للمتسلط عليهم إبليس . وهو لا زال يعمل ويريد إن يعمل معك فان أمنت كل شيء مستطاع للمؤمن.
3- نعمة الروح القدس تطهر القلب ... يصرخ المرنم طالباً من الله" قلباً نقياً اخلق في يا الله وروحاً مستقيماً جدده في أحشائي ، لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني" . إن القلب المنكسر والمنسحق لا يرذله الله إن المعمودية هي ولادة جديدة للإنسان من الماء والروح تطهر القلب وتعطينا غفراناً لخطايانا الأصلية والتي اقترفناها قبل العماد وبالميرون المقدس نصير هياكل للروح القدس الوديع الذي يحرق خطايانا ويقودنا في حياة الفضيلة والبر لتظهر ثمار الروح القدس في حياتنا . والتوبة والاعتراف تغفر الخطايا التي نقترفها بالجهل والضعف والنسيان وكل تعدي علي وصايا الله . وكلما جاهدت مدققاً في حياتك الروحية يصير قلبك مسكنًا يستريح في الله ومذبحاً ترتفع منه الصلوات النقية فاحرص على عبادة الله ومحبته من كل القلب والإنسان الداخلي ليضرم الله نعمة روحه القدوس داخلك مطهراً القلب جاعلاً إياه مسكناً له .
4- أثبت في الرب : إن كلمة الرب تنقي الإنسان وتقدسه وكلما حرصت على قراءتها في صلاة وتأمل وتواضع كان لها الفعالية في نموك وتقديسك " لان كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والنخاع ومميزة لأفكار القلب ونياته " عب 4 : 12 . " فشكراً لله إنكم كنتم عبيداً للخطية ولكن أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها " رو 6 : 12. احرص على القراءة فإنها تحررك من النجاسة وتعطيك مادة مقدسة للصلاة والتأمل ولاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذالك لأنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا . نعم ان سر قوتنا هي كلمة الله التي تغلب الشرير " خبأت كلامك في قلبي كي لا اخطأ إليك " مز 115 : 119 فأحفظ كلمة الله في قلب
جيد صالح وأثمر بالصبر ثمار تليق بأبناء الله . تناول من الأسرار المقدسة باستمرار وباتضاع قلب طالباً من
الرب أن يهبك حياة العفة والقداسة والنمو في الإيمان فان جسد ودم المسيح يسوع الاقدسين قوة ومظهر للثبات في الرب وغفران الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه بانسحاق قلب وداوم على الصلاة فإنها الصلة التي تربطك بالله القادر على أن يقودك في موكب نصرته . واطلب الرب باستقامة قلب فيعطيك سؤال قلبك.


صلاة القلب

معروف طبياً أن القلب هو المضخة التي تغذي حوالي 300 مليون خلية في جسمك وهو الة صغيرة من 250-300 غرام كقبضة اليد في الإنسان السليم لكنه يضخ حوالي 70 ألف لتر من الدم في اليوم الواحد ويدق حوالي 10 ألاف مرة في اليوم على مدى 70 عاماً يكون قد ضخ مليون برميل من الدم في الجسم أما في مجال النمو الروحي والصلاة الدائمة فيوصي الرب إن نصلي كل حين ولا نمل وتقول عروس النشيد للرب" نائمة أنا أما قلبي فمستيقظ" فكيف تجعل من قلبك مضخة للصلاة تضخ للسماء تسبيح وطلبات واتصالات وتوسلات من اجل خلاص العالم ومن اجل الخطاة ومن اجل كل من هم في حاجة وكيف تقتني لك قلب شفوق نقي يراعيان الله وملائكته ويحل فيه ملكوت الله إن ذلك يأتي بالصلاة الدائمة عبر هدوء حواسك وأفكارك ومناجاة الاسم الحلو الذي لربنا يسوع المسيح أثناء الشهيق والزفير " يا رب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ " أو غيرها من الصلوات السهمية القصيرة " يا الله التفت إلي معونتي يا رب أسرع واعني " أو كما علم القديس أنبا انطونيوس تلاميذه " يا رب يسوع ارحمني ، يا رب يسوع اعني ،أنا أسبحك يا رب يسوع " قلها في هدوء وتعود عليها طالباً من الرب أن يلهب قلبك بروحه كما قال تلميدي عمواس " فقالا لبعضهما البعض الم يكن قلبنا ملتهباً فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب " لو 24 : 32 .
في عملك ردد صلاتك كعمل داخلي للقلب لا يملكه إلا الله وتلذذ باسمه الحسن فيعطيك سؤال قلبك ولن تستطيع من نار حبه السكوت كما جاء في ارميا النبي " فقلت لا اذكره ولا انطقه بعد باسمه فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم استطيع " أر 9 : 20 .
احمل نير المسيح عليك وتعلم منه لأنه وديع ومتواضع القلب فتجد راحة لنفسك واصرخ طالباً منه أن يهبك نقاوة القلب لكي تقدر أن تعاينه داخلك ويحرك قلبك بالرحمة نحو كل الخليقة العاقلة وغير العاقلة وترفع صلواتك من اجل الجميع .
احترس على تنقية قلبك من كل خطية حتى لو كانت الثعالب الصغيرة فإنها تفسد الكروم والثمار المتولدة من الصلاة والصلاح . نقي قلبك من الغضب والذم والكراهية والرياء والإدانة فان هذه الخطية تمنع نعمة الله من الجريان داخل قلبك ابعد عن الكلام البطال والخداع ولا تطلب مديحاً من الآخرين وإلا تكون قد استوفيت أجرك . لا تجعل قلبك يتعلق بما هو ارضي بل ليكون كنزك في السماء لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا . اطرد من داخلك كل محبة غريبة طالباً محبة الله من كل القلب والنفس والفكر والقدرة فتحل نعمة الله عليك .
قدم تواضعاً وإتعاب الجسد بالصوم والصلاة واخدم الآخرين " لا بخدمة العين كمن يرضي الناس بل كعبيد للمسيح عاملين مشيئة الله من القلب " أفس 6 : 6 .
ضع الأبدية في قلبك واعلم انك غريب عن الأرض ووطنك الحقيقي هو السماء "فالله وضع الكل حسناً في وقته وأيضا جعل الأبدية في قلوبهم التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله من البداية إلى النهاية " جا 3 : 11 فاعرف إن لمحبتك لله ولأتعابك على الأرض مكافأة على الأرض بها تسعد وتسر للحياة في كنف الأب السماوي المحب وفي النهاية حياة أبدية .

تأملات في عيد الصليب


كنيسة البشارة للأقباط الأرثوذكس بالناصرة
تقدم

تأملات في عيد الصليب

" ولكننا فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا "
المسيحية والصليب أمران متلازمان ، وصنوان لا يفترقان .. فأينما وحينما يرى الصليب مرفوعا أو معلقا ، يدرك المرء أنه أمام مؤسسة مسيحية أو مؤمنين مسيحيين .. ولا عجب فالصليب هو شعار المسيحية ، بل هو قلبها وعمقها ...
لقد تأسست المسيحية على أساس الصليب وبالصليب .. ولا نقصد بالصليب قطعتى الخشب أو المعدن المتعامدتين ، بل نقصد الرب يسوع الذى علق ومات على الصليب عن حياة البشر جميعا ، والخلاص الذى أتمه ، وما صحبه من بركات مجانية ، نعم بها البشر قديما ، وما زالوا ينعمون ، وحتى نهاية الدهر ...والفكرة الشائعة عن الصليب أنه رمز للضيق والألم والمشقة والأحتمال .. لكن للصليب وجهين : وجه يعبر عن الفرح ، ووجه يعبر عن الألم . ونقصد بالأول ما يتصل بقوة قيامة المسيح ونصرته .. ونقصد بالثانى مواجهة الإنسان للضيقات والمشقات .. ويلزم المؤمن فى حياته أن يعيش الوجهين ، ويختبر الحياتين ...بالنسبة للمؤمن المسيحى ، فإن الصليب بهذه المفاهيم ، هو حياته وقوته وفضيلته ونصرته .. عليه يبنى إيمانه ، وبقوة من صلب عليه يتشدد وسط الضيقات وما أكثرها .. هذا ما عناه القديس بولس الرسول بقولـه : " ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع ، الذى من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب ، مستهينا بالخزى .. فتفكروا فى الذى احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا فى نفوسكم " ( عب 12 : 2 ، 3 ) .
ملايين المؤمنين فى انحاء العالم عبر الأجيال حملوا الصليب بحب وفرح ، وأكملوا مسيرة طريق الجلجثة ، فاستأهلوا أفراح القيامة ... هذا بينما عثر البعض فى الصليب ، وآخرون رفضوا حمله ، فألقوه عنهم ..
ولم يكن مسلك هؤلاء وأولئك سوى موتا إيمانيا وروحيا لهم " نحن نكرز بالمسيح مصلوبا ، لليهود عثرة ولليونانيين جهالة . وأما للمدعوين يهودا ويونانيين ، فبالمسيح قوة الله وحكمة الله " ( 1 كو 1 : 23 ، 24 ) .
كيف حملت الكنيسة الصليب
هناك مفاهيم كثيرة يمكن أن تدخل تحت عنوان " الكنيسة والصليب " .. هلى هو موضوع يصف حقبة من حياة الكنيسة مضت وانتهت ، أم هو موضوع الحاضر المعاصر ... إن المعنى يشمل الأمرين معا ! الحاضر على ضوء الماضى .. وما نعنيه هو " كيف حملت الكنيسة الصليب " ؟ .. كيف أحبته فاحتضنته .. كيف تعاملت معه ، وكيف حملته .. كيف تصرفت إزاء الضيقات ، وكل قوى الشر التى تصدت لها فى العالم .. كيف عاونت كل إبن من أبنائها ، وكل عضو فيها على حمل الصليب .. كيف صارت شاهدة للصليب وسط عالم وضع فى الشرير .. ونود أن ننبه قبل الخوض فى الموضوع أن كل ما ينطبق على الكنيسة ، ينطبق على كل عضو فيها ..
مواصفات الكنيسة :
أ – حملان بين ذئاب :
فى إرسالية السبعين رسولا التدريبية ، حينما أرسلهم الرب يسوع أثنين أثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعا أن يأتى ، قال لهم " اذهبوا ، ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب " ( لوقا 10 : 3 ) .
والحملان صورة للمؤمنين بالمسيح فى وداعتهم وبساطتهم .. أما الذئاب فرمز لأهل العالم فى غدرهم وشرهم .. طبيعة الكنيسة كما أسسها المسيح وكما يريدها دائما " حملان بين ذئاب " ..
إن الحمل صورة للرب يسوع الذى قيل عنه إنه لا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته ..
صورة للمسيح الوديع الذى دعانا أن نتعلم منه الوداعة وتواضع القلب فنجد راحة لنفوسنا .. المسيح حمل الله الذى بلا عيب يدعو كل من يتبعونه أن يكونوا حملانا . هكذا يقدمهم للعالم ...
" حملان بين ذئاب " ... إنه منظر يبعث الرعب فى النفس ... إن ذئبا واحدا يكفى لأفتراس قطيع من الحملان الصغيرة التى لا تقوى على الحركة أو الهرب .. هل يعقل أن مسيحنا المحب يرسل أولاده للعالم كحملان بين ذئاب ؟! نعم .. هكذا أرسلهم ، لأنه كان يعلم أنه قادر على حمايتهم من ضراوة الذئاب ووحشيتها .. والعجيب ، أنه فى النهاية – كما يقول القديس أغسطينوس – حولت الحملان الذئاب وجعلت منهم حملانا !!
ويعنى أغسطينوس بذلك الشعوب الوثنية التى آمنت بالمسيح وتغيرت طبيعتها بفضل هذه الحملان !!
ب – متجردة من المقتنيات :
" لا تقتنوا ذهبا ولا فضةولا نحاسا فى مناطقكم ، ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا عصا " ( متى 10 : 9 ، 10 ) ..
" لا تحملوا شيئا للطريق " ( لوقا 9 : 3 ) ... هذا ما أوصى به السيد المسيح رسله وتلاميذه حينما أرسلهم فى إرساليات تدريبية .. لقد جردهم من كل شىء : من المال والطعام والثياب وحتى العصا التى يدافع بها عن نفسه فى الطريق الموحشة .. لقد جردهم من كل شىء ليكون هو لهم كل شىء ... لا تحملوا شيئا للطريق : لأنه هو نفسه الطريق .. المسيح للنفس المؤمنة هو كل شىء .. هو غناها فمن التصق به وافتقر إلى شىء ؟ .. وهو غذاء النفس ، وكساؤها .. ألم يوصينا بولس الرسول أن نلبس الرب يسوع المسيح ( رو 13 : 14 ) .
جـ - مشابهة لصورة ابن الله :
يصف القديس بولس الرسول أولئك الذين يحبون الله المدعوين حسب قصده أنهم " مشابهين صورة إبنه ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين " ( رومية 8 : 29 ) . .. وأحد أوجه الشبه مع ابن الله هو الألم ... يتنبأ إشعياء النبى عن السيد المسيح فيقول عنه أنه :
" رجل أوجاع ومختبر الحزن " ( إش 53 : 3 ) ... هذه صفة أصيلة فى المسيح المخلص .. فالمسيح لم ير يوما ضاحكا ، لكنه شوهد باكيا عند قبر لعازر ( يو 11 : 35 ) .. وقبيل آلامه على الصليب ، كان محصورا فيما كان عتيدا أن يكمله ، وسمع يقول :
" نفسى حزينة جدا حتى الموت " ( مر 14 : 34 ) ... فلقد تجسد ابن الله من أجل فداء البشر ، والفداء استلزم الألم والصليب . وإن كان المسيح قد تألم ، فليس التلميذ أفضل من معلمه ، ولا العبد أفضل من سيده ( متى 10 : 24 ) .
الصليب فى حياة المسيح : إن كان إشعياء النبى قد تنبأ عن المسيح أنه رجل أوجاع ومختبر الحزن ( إش 53 : 3 ) ، فإن هذه الآلام والأحزان لم تبدأ فى جثسيمانى ، بل بدأت منذ ولادته بالجسد ...
لقد ولد الطفل يسوع وهو يحتضن الصليب ، وظل يحتضنه فى حب ويحمله حتى علق عليه عند الجلجثة .. ونحن وإن كنا نجهل معظم حياة الرب يسوع بالجسد حتى بدأ خدمته الكرازية فى سن الثلاثين ، لكننا نستطيع أن نتبين ملامح الصليب ونراها من خلال بعض المواقف ...

نرى الصليب فى مولده ، حينما ولد فى مذود للبهائم إذ لم يكن ليوسف ومريم موضع ( لو 2 : 7 ) ... نراه فى مذبحة أطفال بيت لحم ( متى 2 : 16 ، 17 ) ... وفى الهرب إلى مصر طفلا والتغرب بين ربوعها حتى مات هيرودس الملك الطاغية الذى كان يطلب نفس الصبى ليقتله ( متى 2 : 14 ، 20 ) . ويلخص بطرس الرسول مسلك المسيح واحتماله الآلام بقولـه " لأنكم لهذا دعيتم ، فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا ، تاركا لنا مثالا لكى تتبعوا خطواته .. الذى لم يفعل خطية ولا وجد فى فمه مكر " ( بطرس الأولى 2 : 21 ، 22 ) .. قال رب المجد يسوع " إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى " ( متى 16 : 24 ) . وإن كان المسيح قد دعانا أن ننكر ذواتنا ، فلقد أنكر هو نفسه وأخفى لاهوته فى بعض المواقف ...
فلقد أنكر نفسه حاملا الصليب حينما تقدم إلى يوحنا المعمدان كأحد الخطاة ليعتمد منه ( متى 3 : 13 ، لوقا 3 : 21 ) .. وأنكر نفسه فى تجربة إبليس له ( متى 4 : 1 – 10 ) ... وحينما قدم عظته على الجبل أفتتحها بتطويب المساكين بالروح والحزانى فى العالم ( متى 5 : 3، 4 ) ..كان المسيح يحتضن الصليب حينما شتم ولم يكن يشتم عوضا ، ولا يهدد ، بل كان يسلم لمن يقضى بعدل ( بط الأولى 2 : 23 ) ..وحين أنكر اليهود بنوته لأبيه السماوى ... ( يو 6 : 42 ) .
وحين وجه اليهود إليه أقذع شتائمهم أنه سامرى وبه شيطان ( يو 8 : 48 ) ، وأنه لا يخرج الشياطين إلا بقوة بعلزبول رئيس الشياطين ( متى 12 : 24 ) ...
وحينما أتهمه الفريسيون والكتبة أنه ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت ( يو 9 : 16 ، 5 : 18 ) ...
وفى غيرها كثير جدا كان المسيح يحتضن الصليب ، ما رد اتهاما لقائليه ، ولا عاملهم بنفس روحهم .
الضيقات وحمل الصليب فى تعليم المسيح
إن كنا قد رأينا الصليب أو مثال الصليب فى حياة المسيح بالجسد ، فقد أعلن هو عنه صراحة حينما كان يتكلم عن الضيقات كنصيب مقدس للمؤمنين عليهم أن يحرصوا عليه ، وألا يفرطوا فيه من أجل البركة ..
بعد لقاء المسيح مع الشاب الغنى ، الذى دعاه إلى أن يوزع ماله على الفقراء ويحمل الصليب ، لكن هذا الكلام لم يرقه فاغتم ومضى حزينا ( مرقس 10 : 17 – 22 ) ، قال له بطرس " ها نحن قد تركنا كل شىء وتبعناك " . فكان جواب الرب عليه " الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتا أو أخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو إمرأة أو أولادا أو حقولا لأجلى ولأجل الإنجيل ، إلا ويأخذ مئة ضعف الآن فى هذا الزمان بيوتا وأخوة وأخوات وأمهات وأولادا وحقولا مع اضطهادات ، وفى الدهر الآتى الحياة الأبدية " ( مرقس 10 : 28 – 30 ) ...
وهنا نلاحظ أن المسيح له المجد يحصى الأضطهادات ضمن البركات التى يعوض بها الإنسان فى هذا العالم عن محبته له !!
كمبدأ عام فى حياة المؤمنين قال المسيح " اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق " ( لو 13 : 24 ) ... " لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك ، وكثيرون هم الذين يدخلون منه . ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذى يؤدى إلى الحياة ، وقليلون هم الذين يجدونه " ( متى 7 : 13 : 14 ) ..أما عن تعليمه بخصوص الضيقات فقد قال :
" فى العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " ( يو 16 : 33 )
" ستبكون وتنوحون والعالم يفرح . أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح . المرأة وهى تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت . ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح ، لأنه قد ولد إنسان فى العالم " ( يوحنا 16 : 20 ، 21 ) ..." تأتى ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله . وسيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الآب ولا عرفونى . لكنى قد كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أنى أنا قلته لكم " ( يو 16 : 2 – 4 ) . " وسوف تسلمون من الوالدين والأخوة والأقرباء والأصدقاء ويقتلون منكم . وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمى . ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك . بصبركم اقتنوا أنفسكم " ( لو 21 : 16 – 19 ) ...
أما عن حتمية حمل كل مؤمن للصليب فقال :
" من لا يأخذ صليبه ويتبعنى فلا يستحقنى . من وجد حياته يضيعها . ومن أضاع حياته من أجلى يجدها " ( متى 10 : 38 ، 39 ) .." إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى ، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من أجلى يجدها " ( متى 16 : 24 ، 25 ، لوقا 9 : 23 ، 24 ) ..." من لا يحمل صليبه ويأتى ورائى فلا يقدر أن يكون لى تلميذا " ( لو 14 : 27 ) ...
ثمار الصليب
منذ أيام قدماء المصريين والصليب علامة حياة، وقد اتخذوا "مفتاح أونخ" الذى يشبه الصليب فى شكله، علامة الحياة بعد الموت، حيث كلمة "أونخ" معناها (حياة). نعم... فالرب حين مات عنا على عود الصليب، مات الناسوت فيه، وظل اللاهوت متحداً بعناصر الناسوت الثلاثة: الجسد الإنسانى والنفس والروح الإنسانية. إذ (لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين) والسبب بسيط، فاللاهوت خالد لا يموت، وغير محدود، يمكنه أن يظل متحداً بالجسد المسجى فى القبر، وبالنفس الإنسانية والروح الإنسانية، اللتين ذهبتا إلى الفردوس، بعد أن أطلقت الأنفس والأرواح التى كانت فى قبضة إبليس فى الجحيم، مكان إنتظار الأشرار.
نعم... فقبل الصليب كانت نفوس الأبرار مع نفوس الأشرار فى مكان واحد، وإن كان الفرق الجوهرى أن النفس البارة تنتظر المسيح المخلص، الذى سينقلها إلى الفردوس، أما النفس الشريرة فهى تنتظر يوم العقاب النهائى، والحكم الأبدى، حين تنتقل إلى جهنم.


إذن فالثمرة الأولى من ثمار الصليب :
1- الفردوس المفتوح :
حيث اختفى الكاروبيم الحارس للفردوس، واللهيب المتقلب والسيف، ودخل الرب ظافراً يحمل المفديين، والراقدين على الرجاء، إلى فردوس النعيم، حيث ينعمون فى شركة مع الله إلى يوم القيامة المجيدة، حين ينتقلون إلى وضع المجد الأبدى، والفرح الدائم، فى ملكوت السموات، وأورشليم السمائية. وبعد أن كان يعقوب يقول لأولاده فى العهد القديم: "أنى أنزل إلى ابنى نائحاً إلى الهاوية" (تك 35:37)، صار اللص التائب مستحقاً - من خلال التوبة والإيمان بدم المسيح - أن يسمع من فم الرب: "اليوم، تكون معى فى الفردوس" (لو 43:23). أما الثمرة الثانية للصليب
2- الشيطان المنهار :
لقد حاول الشيطان أن يتعرف على شخص الفادى، حتى إذا ما تأكد أنه المسيح المنتظر، والمخلص العتيد، يمنع موته، وبهذا لا يتم الفداء.. "لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1كو 8:2). لكن الرب المحب لفدائنا وخلاصنا، أخفى ألوهيته عن الشيطان، إذ قبل بالتدبير شكل الضعف:
 فنام : "وإذا اضطراب عظيم قد حدث فى البحر حتى غطت الأمواج السفينة وكان هو نائماً" (مت 24:8).
 وجاع : "فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليله جاع أخيراً" (مت 12:4).
 وبكى : لموت ليعازر "بكى يسوع" (يو 35:11).
 وتألم : "وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه" (مر 19:15)، "شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن اتألم" (لو 15:22).
 وصلى : "حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثسيمانى فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى امضى وأصلى هناك" (مت 36:26).
 وأنّ : "ورفع نظره نحو السماء وأنّ وقال له افثَّا. أى انفتح" (مر 34:7).
وبهذا أبعد الشيطان عن خطته التى يتمنى تنفيذها، وجعله يتعجل صلب الرب الذى كان فيه فداؤنا. وعندما ذهبت نفس الرب الإنسانية إلى الجحيم ككل الأنفس، حتى البارة فى ذلك الوقت، تصور الشيطان أنه تمكن من المسيح، وأنتهى منه إلى الأبد، وحاول أن يقبض على هذه النفس كغيرها، ولكن هيهات!! فلقد كان اللاهوت متحداً بها كما كان متحداً بالجسد المسجى فى القبر، وهكذا صرع الشيطان، وانفكت قبضته عن بنى آدم الراقدين على رجاء وأخذهم الرب ظافراً منتصراً، وأدخلهم إلى الفردوس السعيد.
لهذا ترنم الكنيسة قائلة: "يا كل الصفوف السمائية، رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح... قد قام الرب من بين الأموات.. وسبى الجحيم سبياً" (نشيد عيد القيامة). وهكذا انتهت قبضة الشيطان، إذ قد رآه الرب "ساقطاً" مثل البرق من السماء (لو 18:10)


3- الحياة الأبدية :
نعم... فالموت قد انتهى بموت الرب الفدائى عنا، لم يعد للموت سلطان علينا... "لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال" (أوشية الراقدين)... الحكم الذى كان علينا، رفعه الرب عنا بموته النيابى... "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها" (أش 4:53)، "هو أخذ اسقامنا وحمل أمراضنا" (مت 17:8)، والفساد الذى أصاب طبيعتنا، أعطانا الرب الطريق لإلغائه، وذلك من خلال المعمودية (حيث نموت ونقوم مع الرب ونتجدد بالروح القدس) "أنتم الذين قد اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح" (غل 27:3). وبالميرون (حيث يسكن فينا روح الله، وندشن كهياكل مقدسة له) "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم الذى لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم.. فمجدوا الله فى أجسادكم" (1كو 19:6). والتناول (حيث نثبت فيه وهو فينا) "من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىّ وأنا فيه" (يو 56:6)... "هذه هى الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو 3:17).
وهنا قول جميل للقديس أثناسيوس الرسولى: الموت... إذ قهره المخلص، وشهر به على الصليب، وأوثق يديه ورجليه، فإن كل الذين هم فى المسيح يدوسونه إذ يمرون به، ويهزأون به شاهدين للمسيح، ويسخرون منه مرددين ما قيل عنه فى القديم: "أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية" (1كو 55:15)، (هو 14:13) وجب أن لا يشك أحد فى أن المسيح قد أبطل الموت وأباده وأوقف فساده

هذه بعض وأهم ثمار الصليب المجيد، فردوس مفتوح وشيطان منهار، وأبدية سعيدة... فهل هذا ما نحياه الآن كلما رشمنا الصليب، أو حضرنا صلوات الآلام، أو صمنا الأربعاء أو الجمعة... ليتنا نفعل!!


تأملات في الصليب
* ربى يسوع... هبني فهما و إدراكا لقوة صليبك، و أشعرني عندما أكون في شدة العالم و ضد مبادئ العالم أنى لست مهزوما بل منتصرا بقوة صليبك ....
* ربى يسوع... إن عطشك لا يرويه الماء و لا الخل بل ترويه توبتي و رجوعي لك تحت أقدام الصليب حيث تبقى هناك عطشانـــا......
* أتأمل كيف بصقوا على وجهك و أرى إني أنا الذي أستحق هذه البصقات لأن عيني الشاردة هي المتسببة فى هذه البصقات....
* أيها الرب يسوع أن الصليب كان الوسيلة الوحيدة للقاء اللص معك. ما أسعدها ساعة و ما أمتعه صليب .....
* ربى يسوع.. أعطني روحك المملوء حبا الذي قال لصالبيه: يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. لأن هذه الصلاة هي التي أوقعت اللص القاتل أسيرا في أحضان محبتك ....
* ربى يسوع.. جبيني المملوء بالأفكار هو الذي يستحق إكليل الشوك، فأربط فكري بأشواكك المقدسة، و أعطني فكر المسيح....
* إلهي.. عرفت جيدا معنى قولك لي أن أحمل صليبي كل يوم كما حملت صليبك أنت.. صليبي هو جهادي ضد الخطية، و صليبك هو خطيتي التي فشلت أنا في مقاومتهــــــــا........
* ربي يسوع أنا لا أطلب صليبا معينا.. و لكن الذي تختاره مشيئتك لي، و أنا لا أريد أن أعرض عليك خدماتي.. بل أن تستخدمني أنت فيهــــا .....
* ربى يسوع.. إني أتأملك مصلوبا و قلبي كالصخر، ما هذا الجفاف الروحي؟ يارب أفض فيّ ينبوع دموع.. يا ربي يسوع اضرب الصخرة فتفيض دموعــــا...
* ربى يسوع ... أعنى أن احمل صليبي بقوة و شجاعة و حب للحق و تمثلا بك و بفرح و سعادة للشهادة لك في عالم مخــادع.....
* ربى يسوع أنت الذي تعطى الماء الحي الذي يشرب منه لا يعطش إلى الأبد، ثم بعد ذلك تعطش إلىّ.. سبحانك ربى.!!!!!. يا لمحبتك لي أنا الساقط!!!!!!!!
* ليس هناك قوة في الوجود تربط يسوع إلا خطيتي... لأنه صنع هذا محبة لي. إذا لم تكن هذه الرباطات إلا رباطات خطيتي
* يا أبتاه.. الآن أعطني أن أقرأ في كل حركة طول يومي، ما هي مشيئتك، و أتممها بأسرع ما يكون، و بفرح عظيم. عندئذ سأرى من حيث لا أدري إني في حضن أبي ...
* يا أبتاه.. أعطني أن أكون سريع الاستجابة لإلهامات روحك القدوس فيّ عن طريق الصلاة....
* إن حياتي ستظل بلا معنى و لا طعم و لا فائدة إن لم تعلن مشيئتك فيّ لأتممها
* إن أخطر لحظة فى حياتى هى التى أنسى فيها التفكير في المسيح ... انها لحظة الانحلال و الضعف، و التعرض للسقوط فى أبسط خطية
* ما أقواك أيتها التوبة و ما أروعك، انك أروع أيقونة للقيامة
* ربنا يسوع غلب العالم لأنه لم يكن للعالم شئ فيه. إذا كان للعدو جواسيس داخل بلدي كيف أستطيع مواجهته؟
* نحن نحمل قوة لا نهائية أمام عالم مادي مغلوب رغم مظهره القوي، هذا هو إيماننا
* يارب.. أنت ترشدنا، و لكننا نتركك و نبحث عن إرشاد العالم و تعزيته، ثم نفشل فنجدك كما كنت. عندئذ نحس بخطئنا نحوك
* أنت يا الهى أب... كلك حبك للبشرية و سكبت روح حبك فىّ ، و هذا هو الطريق الوحيد لمعرفتك و الحياة معك
* الخادم هو إنسان غسل يسوع قدميه القذرتين، و يغسلها كل يوم... من أجل ذلك هو يجول مع يسوع من كل قلبه ليغسل أقذار كل الناس
* ربي.. أعطني أن أبكي على خطية أخي مثلما أبكي على خطيتي لأن كلاهما جرحاك يا حبيبي يسوع ......
* إن النفس الساقطة عندما تقوم تشع منها قوة هائلة من قوة قيامة الرب يسوع
* يا نفسي اهتمي بداخلك لتعجبي يسوع، العريس السماوي لا يهمه نوع الموضة بل يهمه الجمال الداخلي للنفس