29‏/11‏/2009

المحبة تتأنى وترفق



المحبة تتأنى وترفق .. ( 1كو 13: 4 )
كل طرق الله ومعاملاته مع الإنسان تتصف بطول الأناة. ولعل كل فرد منا لو تأمل في نفسه لأدرك كم كان الله ولا يزال طويل الأناة معه. عندما أعلن الله عن اسمه لعبده موسى في خروج34: 6 نقرأ أنه «رحيم ورؤوف، بطيء الغضب (طويل الأناة) وكثير الإحسان والوفاء». ولما تكلم بولس عن رجوعه إلى الرب، يشهد عن طول أناة الله بقوله: «لكنني لهذا رُحمت: ليُظهر يسوع المسيح فيَّ أنا أولاً كل أناةٍ، مثالاً للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبدية» ( 1تي 1: 16 ).

ثم نقرأ أيضًا عن طول أناة الله في أيام نوح حين كان الفلك يُبنى (
1بط 3: 20 ). كما نسمع هذه الكلمات المباركة جوابًا على أولئك الذين يحسبون أن الرب يتباطأ «لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا، وهو لا يشاء أن يَهلك أُناسٌ، بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة» ( 2بط 3: 9 ). فيا لعُظم الدين الذي في أعناقنا للرب الذي تأنّى علينا.

والآن دعنا نطبِّق مبدأ طول الأناة علينا نحن، يقول بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس: إنه كان يخدم في «صبرٍ كثير... في أناةٍ» (
2كو 6: 4 - 6)، ونقرأ عن «طول الأناة» أيضًا أنه من ثمر الروح، وهو يقترن دائمًا بالمحبة ( غل 5: 22 ). إن المحبة تدفع العامل والخادم لكي يخطو إلى الأمام بقدَم ثابتة في وسط الصعاب والمقاومات، رافعًا قلبه إلى مصدر العون والقوة. هكذا صلى داود قائلاً: «لأنني إليك يا رب أرفع نفسي ... أما أنت يا رب فإله رحيمٌ ورؤوف. طويل الروح وكثير الرحمة والحق» ( مز 86: 4 - 15).

مرة أخرى دعنا نتفكَّر في السبب الذي ساعدنا على التوبة والرجوع إلى الله، ألم يكن هذا السبب هو «غنى لطفه وإمهاله وطول أناته»؟ ( رو 2: 4 ). لقد أظهر الله هذا الصبر وطول الأناة من نحونا أيضًا، حتى بالنعمة خضعت قلوبنا وانحنت أمام صبره وطول أناته، إذ عرفنا أنفسنا كما يعرفنا هو؛ مُذنبين قدامه، وأمواتًا في الذنوب والخطايا، فرجعنا إليه لنتذوق محبته التي طالما استخففنا بها.

ليت الله يجمِّل حياتنا بالصبر وطول الأناة في سعينا وراء النفوس التي نريد أن ترجع إليه. لنذكر أن محبة الله وحدها هي التي كسرت إرادتنا العاصية، وبنفس المحبة الصبورة الطويلة الأناة نكسب الآخرين.

28‏/11‏/2009

الرب يبنى لك بيتاً

كانت العواصف والأعاصير والثلوج تغطي، بل وتزلزل المكان؛ بينما هرع الزوجان إلى فندق صغير بالمدينة، فهما لا يستطيعا أن يواصلا السفر بعربتهما في هذه الليلة، وإلا فالخطر محدق وأكيد. قال لهما موظف الاستقبال بالفندق: للأسف ليس هناك أية غرف شاغرة هذه الليلة والفندق كامل العدد. سأل الزوجان: وما هو الحل ؟ هل يمكنك مساعدتنا ؟ فأجاب الشاب: بالطبع نعم، سأتصل لكم الآن بالفنادق الأخرى في المدينة.
وظل الموظف يتصل ويتصل .. ولكن تكررت مع كل مرة عبارة «كامل العدد». ورسم الأسف ملامحه على وجهي الزوجين، ونشب الإحباط مخالبه الأكثر عنفاً من البرق والرعد الذي كان يدوي وينير المكان خارج الفندق. ظلا في صمت مطبق لمدة دقيقة وبينما هما يحملان متعلقاتهما الشخصية للانصراف، بادرهما موظف الاستقبال: سيديّ هل تسمحان وتقبلان قضاء الليلة في غرفتي الخاصة .. يمكن أن أبقى هنا في الاستقبال حتى الغد أو بعد الغد، ولكن لا يمكنني أن أقبل أن تخرجا بلا مكان لكما في المدينة في هذه الليلة العاصفة الهوجاء ..

هل تقبلا النوم في غرفتي الخاصة ؟
تردد الزوجان لحظة بينما كان الشاب يعطيهما مفتاح حجرته ويطلب من العامل أن ينقل حقائبهما إليها. وفي الصباح بعد أن تحسن الطقس، بينما كان الزوجان ينصرفان، قال الزوج لموظف الاستقبال: أيها الشاب لا يكفي أبداً أن تعمل موظف استقبال هنا؛ يجب على الأقل أن تمتلك وتدير أفضل وأفخم فندق في كل الولايات المتحدة؛ بل في العالم. أنا سأسافر الآن وسأبني لك هذا الفندق.
مضت عدة سنوات نسي أثناءها الشاب أحداث هذه الليلة .

. ولكن ذات صباح تلقى رسالة من هذا الرجل الغريب، ومع الرسالة تذكرة طيران ودعوة ليزوره في نيويورك. وعندما وصل الشاب إلى هناك، أخذه الرجل إلى أرقى شوارع المدينة الكبيرة، وهناك دخل به إلى أكبر وأضخم مبنى رأته عيناه من قبل، ودخل به إلى غرفة، لم يرها إلا في الأحلام، كُتب على بابها «المدير العام». وفي الغرفة أجلسه على الكرسي، وأمامه على المكتب نُقشت لافتة رائعة تحمل اسمه وأسفله «المدير العام» .. كان الشاب في ذهول وهو لا يدري ماذا يحدث .. سأل: ما هذا يا سيدي ؟ أجابه الرجل باتضاع: إنه الفندق الذي وعدتك بأنني سأبنيه لك .. لقد أعطيتني اختياراً غرفتك الخاصة، لهذا بنيت لك أجمل وأرقى فندق في العالم لك ولتديره بنفسك. وعندها عرف الشاب أن مُحدّثه هو الملياردير الشهير: «وليم والدروف استوريا» وهذا الفندق هو فندق «والدروف استوريا». وقد كان هذا الشاب هو جورج س. بولت الذي فتح غرفته الخاصة للضيف الغريب، فوعده أن يبني له أفخم فندق، فبناه وأعطاه له.
عزيزي القارئ .. عزيزتي القارئة:
هل تنبهت للقرعات الرقيقة للضيف الأغنى من الملياردير وليم والدروف، الذي يقرع منذ سنوات على غرفتك الخاصة؛ قلبك ؟ اسمعه يقول لك: «يا بني أعطني قلبك» (أمثال 26:23). إنه الضيف السماوي، الذي أتى من السماء إلى هذه الأرض «عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد» (1 تيموثاوس 16:3) وقد كان غريباً في أرضنا .. ففي ولادته أضجعته أمه في المزود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل (لوقا 7:2)، وفي حياته كان للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأما هو فليس له أين يسند رأسه (لوقا 58:9)، وحتى عند موته ودفنه دُفن في قبر مستعار هو قبر يوسف الرامي (متى 57:27-60) .. وهو الآن يقرع على غرفتك الخاصة، اسمعه يدعوك .. «هاأنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي» (رؤيا 20:3). أسمعك تقول ولكنها غرفتي الخاصة .. حياتي .. أوقاتي .. أحلامي .. طموحاتي .. قراراتي.
أقول لك إن دخل المسيح حياتك فسيدخل ومعه العشاء والشبع الكامل والغنى الحقيقي.إنه الضيف المرفوض من العالم لدرجة أنهم صلبوه .. فهل تقبله ؟ عندها لن يبني لك فندقاً لتديره، ولكنه سيقدم لك أجمل مكان، ليس هنا في هذه الأرض التي حتماً ستزول وتحترق (2 بطرس 10:3، رؤيا 1:21) بل في بيت الآب. اسمعه الآن يقول لك: «في بيت أبي منازل كثيرة .. أنا أمضي لأعد لكم مكاناً وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً» (يوحنا 2:14،3) .. وقد أكد 4 مرات في سفر الرؤيا: «أنا آتي سريعاً» (رؤيا 11:3، 7:22،12،20). وربما أنه قد تأنى حتى هذه اللحظة لكي ترجع أنت إليه. ولكن ربما تكون هذه السنة هي الأخيرة بل هذا اليوم وتلك اللحظة.

ولكن وإن تأتي فلنا وعد رائع حتى يجيء «إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً» (يوحنا 23:14) .. ألا ترى عظمة هذا الامتياز؛ إنه هنا وعلى الأرض يصنع الرب يسوع والآب بالروح القدس سماء في قلبك وحياتك. فهل تأتي إلى الرب يسوع وتفتح قلبك له الآن ليقول لك كما قال لداود قديماً: «الرب يصنع لك بيتاً» (2 صموئيل 11:7). فيتم فيك ما كُتب عن أبطال الإيمان «إنهم يطلبون وطناً فلو ذكروا ذلك الذي خرجوا منه لكان لهم فرصة للرجوع ولكن الآن يبتغون وطناً أفضل أي سماوياً لذلك لا يستحي بهم الله أن يُدعى إلههم لأنه أعد لهم مدينة» (عبرانيين 14:11-16).

الإطمئنان



"تطمئن لأنه يوجد رجاء"(أيوب 11: 18)

+ الإطمئنان :نابع من السلام القلبي ،الذي هو إحدي ثمار الروح القدس (غلا 5: 22)،والعامل في النفس المرتبطة بوسائط الخلاص.

+ والشخص المطمئن لا يخاف ولا يقلق، ولا يضطرب، ولا يرتعب، ويستريح نفسياً (إر30: 10). وهو لا يتصور أهولاً تحدث، بل بإستمرار يكون قلبه هادئاً، وفكره مستريحاً، ويحل السلام في قلبه دائماً، حتى في أتون النار، أومع الوحوش.لكن ان كان الله معنا فمن علينا .لقد كان الفتيه الثلاثة في اتون النار ونجوا لان الرب كان معهم ودانيال القي في جب الأسود والله ارسل ملاكه وسد افواه الاسود الجائعة.

+ ومهما كانت الظروف الخارجية ضاغطة، فبروح الإيمان العملي يسلم المؤمن قيادة حياته لله، ومن ثمار هذا الإيمان والتسليم: السلام، والصبر، وانتظار الفرج، وتحقيق الآمال التي تتمشى مع مشيئة الله، والصالحة لنا دائماً، ومهما طال الزمن.

+ وقال داود النبي: "إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي، وإن قام علىَ قتال، ففي هذا (الوضع الصعب) أنا مطمئن" (مز26). "الرب يرعاني فلا يعوزني شيء.... إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شراً، لأنك أنت معي" (مز23)

+ أسباب الإطمئنان:

الإيمان:

+ المؤمن الحقيقي يشعر بسلام قلبي، حسب وعد الرب "سلام أترك لكم، سلامي أعطيكم .... لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع" (يو14: 27). فرغم أن شاول الملك- وكل جيشه- خشي من جليات الجبار، لكن الفتى داود كان مطمئناً جداً لملاقاته، رغم عدم وجود سلاح مناسب معه (1صم17). وانتصر عليه بإيمانه، وبمعونة الله. وقال: "الرب عوني، فلا أخاف، ماذا يصنع بي الإنسان" (مز118).

2- معاشرة المطمئنين:

+ كان موسى النبي مطمئناً، رغم أنه كان محصوراً مع شعبه بين البحر الأحمر وجيش فرعون القوي، ولذا قال لنبي اسرائيل: "لاتخافوا، وانظروا خلاص الرب.. الرب يدافع عنكم وأنتم تصمتون" (خر14: 13-14). لقد بث موسي النبي روح الأطمئنان في بقية الشعب بأيمانه وثقتة في عمل الله علي خلاصهم.

3- الثقة في وعود الله

+ كما حدث لنوح ولإبراهيم ويعقوب (تك28: 15)، وموسى ويشوع (يش1: 5-6)، والرب يسوع دعانا للثقة الكاملة به دائماً.

4- الشجاعة (قوة القلب).

+ مثل القديس بولس الرسول (أع18: 10)، ، والقديس البابا أثناسيوس الرسولي.

+ كن شجاعاً في الحق، فيطمئن قلبك، وتجد السلام والراحة، والفرح الدائم.

5- التأمل في عظمة الله وقدراته الهائلة.

+ وكرر قول بولس الرسول: "إن كان الله معنا، فمن علينا" (رو8: 21).

+ فعش بالرجاء والثقة الكاملة في قدرة إله السماء، واصبر، وانتظر مع الشكر، حتى يحقق الله الأمر المراد، وبالطريقة التي يراها، وفي الوقت الذي يراه هو، لا كما تريده أنت، لأنه هو أعلم بصالحك ومصالحك، ولأنه يحبك أكثر من محبتك لنفسك (1يو3: 20).

+ وعلى ذلك، فبروح الإيمان سلم للرب قيادة حياتك وفوضه إدارة شئونك واتكل عليه وهو يعمل ما هو في صالحك وخير كنيسته وأبناءه ولا تحزن او يضطرب قلبك .الرب يدافع عنكم وأنتم تصمتون.

26‏/11‏/2009

التجسد الإلهي حب وعمل!



للأب القمص تادرس يعقوب ملطي
(بسبب الحب أخذ جسدنا وتراءف علينا ليس هناك سبب آخر لتجسده!)القديس يوحنا ذهبي الفم
الإنسان والحب

جبل الإنسان مخلوًقا محبا، لا يقدر أن يتذوق الحياة ولا أن يمارس إنسانيته خارج دائرة الحب. يريد
أن يكون محبوبا، لو أمكن من العالم كله! ويشتاق- بين الحين والآخر- لو اتسع قلبه ليحمل المسكونة كلها في
قلبه بالحب!
هذه ليست طبيعتي وطبيعتك، ولا هي أحاسيس عابرة تجتاز نفسي ونفسك، لكنها هي خبرة "الحياة"،
خبرة الإنسان عبر كل العصور، وتحت كل الظروف.
قد يبدو الإنسان جادا أو منهمكا في مسئولياته الكبرى، أو مشدودا إلى أبحاثه، أو غارًقا فى أعماله،
وقد يكون الإنسان قاسيا وعنيًفا بل وأحياًنا مجرما وقد لا يكون... لكنه وسط هذا كله تجده متعطشا للحب... يخور
أمامه سريعا ويستسلم!
لكننا نتساءل: وهل يترك الله الإنسان محتاجا إلى الحب، يتسوله من هذا أو يستجديه من تلك، بغير
شبع؟! بل وكثيرا ما يجرى وراء الصداقات والزمالات والعواطف... وللأسف غالبا ما يكتشف بعد خبرة
سنوات أن سر هذه العلاقة مع أحب إنسان لديه هو الأنانية!!!
الله حب!

إن كان الإنسان بطبعه محبا، فلأنه على مثال الله "الحب اللانهائي"... ينجذب إليه، لا ليقدم حسابا
عن أعماله، ولا ليقدم فروض الطاعة والولاء وصنوف العبادات والتذلل، ولا لينتظر مكافآت وجزاءات ولا
ليتقي غضبه... لكنه أو ً لا وقبل كل شيء يرتمي في أحضانه ويتكيء على صدره لينهل من ينابيع حبه، التي
وحدها تقدر أن تروي نفسه الظمآنة! يقول ابن سيراخ أن من يأكل منه يعود إليه جائعا، ومن يشرب منه يعود
ظمآًنا إليه! إنه ينهل من حب الله بلا حدود!
هذا الحب الإلهي ليس كلاما بل عملا، أوجد له العالم قبل خلقته لا ليشبع احتياجات جسده، بل وأيضا
لكي يتلمس حب الله العملي في الخليقة فترتوي نفسه...
جبل له حواء أيضا لكي لا يكون وحيدا، لكنه يتلمس محبة الله خلال تآنسهما معا، وهما يلهجان في
أعمال الله ويسبحانه من أجل تدابيره المملوءة حبا!
بعد السقوط، خرج "المخلوق المحب" من فردوس الحب إلى عالم مملوء وحشية، قانونه الظلم
ودستوره العنف، إذ تحول من وحدة الحب إلى انقسامات الكراهية والأنانية، كل قبيلة لا تؤمن إلا بنفسها،
تؤمن بالبقاء للأقوى والموت للأضعف!... تحول الإنسان إلى وحش كاسر لا يفترس أخاه بل ونفسه حتى
ليصل أحياًنا إلى الرغبة في الانتحار، كارها نفسه!
بمعنى آخر، خرج الإنسان من فردوس الحياة إلى عالم الموت، عوض الحب يمارس الأنانية... فإنه
وإن صادق أو زامل أو ترفق، فغالبا ما يكون لأجل نفسه لإشباع حاجاته النفسية أو الاجتماعية!يحبه حًقا، وكثيرا ما يحسب أنه لا يوجد في العالم من يستحق حبه! لقد فسدت حياته الداخلية، كما فسد العالم
المحيط به... وصار الأمر جد خطير! لقد فقد الإنسان حياته وطبيعته وبصيرته... فهل يتركه "الحب
اللانهائي" هكذا يتخبط؟!

الحب يقتحم حياتنا!
في "فردوس الحب" كان الإنسان ينعم بالحب، يحصره الله بالحب، ويفيض هو حبا نحو الله، متهللا
كلما "سمع صوت الله ماشيا في الجنة"... لم يكن محتاجا إلى وصية عن "الحب" ولا معلما يرشده ويدربه على
"الحب"... لكن كان يكفيه اللقاء الدائم مع الله، والوجود المستمر في حضرته!
أما وقد خرج الإنسان هائما في عالم الأنانية، لم يقف الله مكتوف الأيدي، بل كان يليق به أن يعلن
حبه عمليا، فأرسل إلينا وصيته "حب!"... "حب الرب إلهك... حب قريبك كنفسك".
أرسل الله الوصية أو الناموس يطالبنا بالحب، لكن الناموس كان صعبا والوصية غير قادرة على
تغيير طبيعتنا. فصار الناموس وهو مقدس كاشًفا للضعيف غير معالج له... فيقول الإنسان "لما جاءت الوصية
عاشت الخطية فمت أنا. فوجدت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت. لأن الخطية وهي متخذة فرصة
بالوصية خدعتني بها وقتلتني"
هذا ما فعله الناموس، وهذا ما أكده الأنبياء، إذ جاءوا نبيا يلي نبيا من أجل تنفيذ وصية الحب...
فكشفوا العجز البشري وحاجتهم إلى من يعيد إليهم طبيعة الحب المفقودة.
الحب يتجسد!

إذ كان الإنسان موضع لذة الله وموضوع حبه كان يلزم ألا يبقى الله في سمواته يعلن حبه للإنسان
وهو منعزل عنه. لا يكفي أن يرسل إليه الوصية أو الناموس، ولا أن يبعث إليه بالأنبياء، لكن حبه ألزمه أن
يلتقي بالإنسان في عالمه... يدخل معه طريقه، ويشاركه حياته الأرضية لكي يحمله بالحب على كتفيه ويعيده
من جديد إلى "عالم الحب"، إلى الحياة السماوية!
تجسد "الحب" ليعيش بين البشر، واحدا منهم، حاملا إياهم إلى "حياة الحب" المفقودة... وكما يقول
القديس يوحنا الذهبي الفم "صار ابًنا للإنسان لكي يصير أبناء الإنسان أبناء لله". جاء يلاطف الإنسان بالحب،
يجذبه إليه، واهبا إياه طبيعة جديدة، طبيعة الحب الحقيقي التي تفرح قلب الله. "هكذا يصبح الإنسان قيثارة،
متوافقة، نغمها الروحي يسحر الله"!
بحق دعي التجسد سرا... أنه سر حب الله اللانهائي، إذ "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد
لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية".
الإله المعبود صار إنساًنا، وقابل الذبائح والتقدمات "صار كاهًنا وذبيحة"!
أعلن حبه بالعمل لا بالكلام... "فإن الله لم يجازنا عن تعدياتنا الكثيرة التي اقترفناها ضده رغم
إحساناته علينا، بل أعطانا ابنه. جعله من أجلنا خطية... تركه يدان ويموت كملعون!...
إنه يشبه ملكاً يرى لصا على وشك الإعدام فيرسل ابنه الوحيد الحبيب، ينقل عليه الموت ذاته بل
وخطأ المجرم! هذا كله من أجل خلاص المذنب ورفعه إلى كرامة عظيمة".
لقد ترنم الآباء بهذا التجسد العجيب الذي دخل إلى حياتنا ليرفعنا إلى الصداقة مع الله، والشركة مع
السمائيين، والتمتع بحياة الحب...يقول القديس غريغوريوس العجائبي "المولود من الله الآب أخذ لنفسه من العذراء جسدا حتى يدين الخطية في الجسد، ويهزم المجرب، معلًنا بداية القيامة وتأسيس الحياة الأبدية ونشأة الصداقة بين الناسوالآب".
ويقول مار إفرآم السرياني "المجد لذاك الذي نظر إلينا إننا قبلنا التشبه بالوحوش في هياجنا وجشعنا،
فنزل إلينا وصار واحدا منا، حتى نصير نحن سمائيين".
ويقول مار يعقوب السروجي: "الحب جذبك لتأتي إلى بلدنا من أجلنا... حبك خلطك معنا بالجنس،
لنرتل لك! صرت معنا ومنا، إذ أنت ربنا. هوذا عمانوئيل معنا، بجوارنا...".
لنحب... بالإيمان والروح والعمل!
"هو أحبنا أولا..."
لقد بادرنا بالحب لكي يجذبنا إليه، لا بالعاطفة والمشاعر ولا بالكلام والوصية، إنما فوق الكل بالعمل
والبذل! تجسد وتأنس، تألم وصلب، مات ودفن، قام ليقيمنا معه حاملين "جدة الحياة".
يفتح ذراعيه بالحب نحو العالم... يدعو الجميع، ويلح في الدعوة، مؤكدا "أن كل الفضل هنا لصاحب
الدعوة، وما على المدعوين إلا الطاعة"... يريد أن يبرق في كل نفس ويدعوها باسمها كما في طريقه إلى
دمشق لكي يخلق من شاول المقاوم بولسا المحب قالا "لستم أنتم اخترتمونى بل أنا اخترتكم" قدم عملا وبذلا،
ولا يزال يقدم الدعوة الشخصية لكل أحد، لكى من يؤمن به يتجاوب معه بالحب العملي، فيرتمي في أحضانه
بالنعمة الإلهية لينعم بالخلاص...
الخلاص هو التلاقي بين حب الله العملي وحب الإنسان الإيماني العملي. هو خروج من الذات
بالروح القدس لكي يدخل الإنسان الحياة الجديدة في المسيح يسوع، كحياة إنجيلية عملية، ممارسة حب مع
ذاك الذي يحبها... هذا التلاقي يتم بالطبيعة الجديدة التي ننالها بالمعمودية، بالروح القدس الذي ننعم به في
الميرون... هذا ما أكده الكتاب قا ئلا "من آمن واعتمد خلص...". لنؤمن ولنعتمد، حاملين الروح القدس فينا،
الذي وحده يقدر أن يدخل بنا ونحن في كامل حريتنا إلى "الحياة الإلهية"... "إذ لا نقدر أن نجري في طريق
الله إلا محمولين على أجنحة الروح".
لابد للتنعم بفاعلية سر التجسد أن نقبل روحه القدوس عوًنا وسندا ينطلق بنا إليه، لنعيش في شركة
مع الإله المتجسد، نمارس حياته الفاضلة فينا. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:
"بمعونة الله نحن نفعل الخير الذي نعمله"،
"ليس أقوى من الذي يتمتع بالعون السماوي، كما أنه ليس أضعف من الذي يحرم منه"،
"لنكن أقوى من الجميع، ممتلئين ببولس وبطرس ويعقوب ويوحنا، فإن غاب عنا العون الإلهي لا
نقدر أن نقاوم أتفه إغراء".
تلاقي عملي

الله في حبه بذل ابنه بإرادته الكاملة، إرادة محبة عاملة، ونحن أيضا يلزمنا أن نلتقي مع هذه الإرادة
بإرادة كاملة، إرادة حب باذل... هذا هو سر خلاصنا! أحبنا أو ً لا بإرادته ونزوله إلينا، ونحن به نحبه بقبوله
فينا بالإيمان العملي!
بمعنى آخر لا يلزمنا الله بالخلاص قسرا، كما لا يطلب منا إيماًنا سلبيا بل عام ً لا... هذا ما أكده
القديس يوحنا الذهبي الفم، إذ أقتطف القليل من أقواله في هذا الشأن.أوجد الخالق طبيعتنا سيدة نفسها. في رحمته يهبنا معونته على الدوام، وهو مدرك ما هو مختبيء
في أعماق القلب. إنه يرجونا وينصحنا وينهانا، محذرا إيانا من تصرفاتنا الشريرة، لكنه لا يفرض علينا شيئًا
قسرا. يعرض الأدوية المناسبة، تاركا الأمر كله لقرار المريض نفسه".
"نحن سادة، نستطيع أن نجعل كل عضو فينا آلة للشر أو للبر".
"الله لا يريد أن تكون العطية بكاملها من جانبه، لكنه يريد أن تدخل فيها الصلاة حتى لا يصير العبد
بغير مكافأة.
"الله يريد أن يظهر العبد وكأنه قد ساهم في شيء فلا يسقط في الخجل".
"النعمة دائما مستعدة! إنها تطلب الذين يقبلونها بكل ترحيب. هكذا إذ يرى سيدنا نفسا ساهرة وملتهبة
حبا يسكب عليها بفيض غناه، وبغزارة تفوق كل طلبته".
"الله يدعو ويجذب إلى الحق الذين حتى في أخطائهم يطلبون طريق الحق".
"إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب".
أنا لا أسحب أحدا بالقوة ولا بالعنف، لكن إن كان أحد ممتلئًا إرادة حسنة ومشتع ً لا بالرغبة، هذا أنا
أدعوه".
"يلزمنا أولا أن نصنع ما نستطيع، فيعمل الله فينا".
"كيف صار بولس بولسا؟ من نفسه أم من الله؟ من الله، لأنه من نفسه!".
"لا يغضبنا الله ولا نعمة الروح تلزم إرادتنا، إنما ينادينا الله وينتظر لكي نتقدم بملء حريتنا. فإذا ما
اقتربنا يعطينا كل عونه".
"أي شعلة يشعلها الروح في داخلنا، نستطيع نحن إن أردنا أن نوهجها أكثر فأكثر، وإن لم نرد نفقدها
للحال".
"الله في حبه قد أعدنا من قبل (النعمة) للخلاص. هذا الخلاص نبلغه لا بمجهودنا ولا بأعمالنا
الصالحة، بل بالنعمة. ولكن ليس بها فقط بل بالفضائل أيضا. لأنه لو كان كل شيء من قبل النعمة وحدها
لخلص جميعنا. ولو كان كل شيء بفضيلتنا الشخصية فما فائدة شفاعة المسيح وتجسده؟!
بالحقيقة نحن مخلصون بالنعمة وحدها ولا بالفضيلة وحدها بل بالاثنين معا".
"الله يطلب منا حجة صغيرة حتى يقوم هو بكل العمل".
بالنعمة أنتم مخلصون!
إن كان القديس يوحنا الذهبي الفم يؤكد أهمية الجهاد لكنه يخشى أن نسقط في الكبرياء، فنظن أننا
بجهادنا الشخصي ندخل الحياة الإنجيلية، بتقوانا أو بأعمالنا الصالحة، لذلك ينصحنا قائلا:
"لا شيء يجعل أعمالنا الصالحة عديمة الفائدة وباطلة إلا عندما نتذكرها ظانين أننا فعلنا الحسنى".
"أعترف أنك تخلص بالنعمة، لكي تشعر بأن الله دائن لك، ليس من أجل أعمالك الصالحة بل من أجل
أحاسيسك النبيلة... فإن أسندناها لله، تكون مكافأتنا عن اتضاعنا أعظم من مكافأتنا عن الأعمال نفسها".
أخيرا، لقد أحبك الله ونزل إليك، لكي يرفعك بنعمته إليه... إنه ينتظر على الدوام لقاءك، لكي تعلن
له حبك وتقبله في حياتك.



التجسد الإلهي



للأب المتنيح بيشوي كامل
• أيهما أسهل؟!
قدرة الله لينزل بكلمته للإنسان ليعلن له ذاته؟
أم قدرة الإنسان أن يصعد بعقله ليدركه؟!!.
لو تخيلنا أبا عالما باللغات وله طفل صغير هل الأسهل أن ينزل الأب ليتكلم مع الطفل بلغة بسيطة
دارجة- لغة الطفل- أم أن يتكلم الطفل مع الأب بلغة فصحى وبلغة الأب؟!!
هكذا مع بعد الفارق بين فصاحة الأب- والله غير المحدود، كذلك بين الطفل والإنسان التائه في
غربة هذا العالم العاجز أمام أبسط الأمور.
• اعتاد الإنسان أن يؤله الإنسان. لذلك يصعب على كبريائه أن يدرك الإله الإنسان.
الإنسان يقبل بفكره أن يتأله، ولكن كبرياءه ينكر قدرة الله أن ينزل في المزود ويصير انساًنا.
• الرب يسوع غيرخاضع للزمن ولكنه دخل الزمن ليلحمنا والأبدية، ويخرجنا من عبودية الزمن.
"غير الزمني صار تحت زمان ".

• المسيح دخل الزمن والمكان في بطن العذراء. وخرج بالعذراء، وبكل جنسنا من سلطان الزمن
لنعيش الأبدية ونحن في هذا العالم!! هذه هو سر الأسرار- سر التجسد.
• التجسد الإلهي- بدايته الزمنية هي بشارة العذراء والحبل الإلهي. وبالنسبة لي هو في اجتيازي
المعمودية وخلع الإنسان العتيق، والولادة من فوق، ولبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله (أف
.(٢٣ ،٢٢ :٤
• دخل المسيح الزمن ليخرجني من سلطان الزمن.
• التجسد الإلهي أخرجني من امكانياتي المحدودة الزمنية إلى امكانيات إلهية غير زمنية وغير
محدودة. فأقول: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني". وأستطيع بالإيمان بالمسيح الذي اتحد
بطبيعتي البشرية "أستطيع أن أنقل الجبال".
وأقول: [أعمل أعمال المسيح ولا أعود أقول إني مجرد إنسان بشري].
• سر التجسد لا يمكن أن نذوقه أو نلمسه ونحسه ونعيشه ونأخذ بركاته إلا بعد إدراك الالتحام الإلهي
بين الطبيعة الإلهية والإنسانية في المعمل الإلهي "بطن العذراء مريم" (ثيئوطوكية الأربعاء).
• تعبيرالعلبة والجوهرة، تعبير يفصل جسد العذراء عن جسد المسيح. وبالتالي هو فصل لجسد المسيح
عن جسدي أنا... والحقيقة إن المسيحية مبنية على أساس مهم "لا أحيا أنا بل المسيح يحيا في" (غل
٢). إيماًنا بعجز الإنسان عن إدراك الله بدون الله. :
• تأملوا يا أحبائي الفرق بين تعبير الآباء والتعبيرالدخيل علينا من الغرب. الغرب ظنها (الست
العذراء) إناء فأفسدوا كل بركات التجسد. وبهذا يكون الإنسان بعيدا عن الإله المتجسد. لكن فكر
آبائنا ركز على أن العذراء قدمت عجينة (ثيئوطوكية الخميس) من لحمها ودمها للاتحاد باللاهوت.
وبهذا نحس بعمق ولذة وروحانية تجسد المسيح الذي أخذ جسدنا وصار واحدا منا.

25‏/11‏/2009

إقبل صومي ذبيحة حب





لقدس الاب المتنيح يوسف أسعد

يارب إني مديون لك ...، مديون لك بوجودي في هذه الصورة الإنسانية التي على شبهك ومثالك

مديون لك بالأبوين القديسين اللذان ربياني في مخافتك ... مديون لك بالحب الأبوي الروحي الذي أسكرتني به في آباء الكنيسة أمي . مديون لك باللحظات التي أكتب فيها إليك الآن

هذا كله ، وغيره مما لا يحصى ، لا يعادل ديني لك بالفداء الذي صنعته من أجلي والأبدية التي فتحت أبوابها على مصراعيها بدمك أمام خاطئ ساقط مثلي

فهل أستطيع أن أوفي ديوني لك ؟ ! وبأي إمكانيات أسددها لك ؟! إني لا أستطيع ، ولا أجد من يستطيع ... إن الحب ( الذي هو أنت ) يستطيع كل شئ


لقد أوجد لي الحب وسيلة أعبر بها لأسدد بها ديوني ... وأنت أيها الحب لا تحتقر التعبير ، ولو كان فلسين ، بل ربما ترفعه فوق الوفاء بالدين أيضا

لذا أقدم لك جسدي في إنقطاع عن الطعام ... لا بهدف الضبط ، ولا بهدف الفضيلة ، ولا بهدف الفرض الواجب الأداء ، ولا نتيجة التعود الناتج من التكرار ، ولا محاكاة غيري من الناس ... إنما أقدم هذا الصوم تعبير حب ... أنا العاجز عن وفاء ديونك

أرجو أن تقبله مني بشفاعة القديس بولس الذي نطقت بروحك في رسائله معلما ً إياي : " قدموا أجسادكم ذبيحة حية " رو 1: 12

ولا أستطيع إلا بك ، وبدمك الحي ، أخذ الوسيلة التي تجعل التعبير - مجرد التعبير - يليق بجلالك.


فأعود إلى مذبحك الإلهي أطلب دمك الإلهي ... فأقترب من الكأس المقدسة لأرتشف نقطة من دمك الثمين وكأنها ترش على كل خلية من جسدي تموت أثناء الإنقطاع عن الطعام في صومي فترفعها من الخلية المائتة إلى الذبيحة الحية ... فتراها أيها الآب فوق ذبيحة حبي ورمز تعبيري فتعبر الهلاك عني ، وتمنحني قوة الخروج من مذلة العبودية إلى حرية البنوة

كم أفرح الآن .... لأني حينما أعبر لك عن حبي بالصوم ، لا أستطيع إلا بك ... أفرح لأنني عاجز بنفسي وقادر بذبيحة دمك الغالي

أشكرك ياإلهي أنك أوصيت الأسقف في الكنيسة بتناول القربان يوميا ً في الصوم ( دسق ب 38 ،مج 15 ) ، لأنني أضمن وجودك كل يوم على أقرب مذبح لسكني

فساعدني يا إلهي في كل صوم : وأثناء إنقطاعي عن الطعام ، أن أواظب يوميا على حضور القداس الإلهي والشبع بك وتناول جسدك ودمك الطاهرين


ومهما تكون مسئولياتي اليومية ، ساعدني يارب لكي تكون المسئولية الأولى في أيام الصوم هي اللقاء بدمك الطاهر لأضمن لصومي أن يكون ذبيحة حب لائقة بك أيها الحي.


فإن مسئولياتي اليومية كثيرة ، وعند الإنقطاع عن الطعام ، ينتاب جسدي الخمول وتثقل رأسي بصداع ويحلو في عيني السرير ... وتحت دعوى هذا كله أوافق نفسي على الإنقطاع عن العمل أو الهروب منه أو القعود وتأجيل إلتزاماتي تجاه الخليقة بأعمال الحب

فامنحني يارب الحكمة بمشورة أبي في الإعتراف لكي أقدم لك تعبير الصوم كذبيحة حب في جوع صحيح

جوع لا يعيقني عن تأدية مسئولياتي المكلف بها... وجهادي الموضوع أمامي لأبديتي

جوع لا يقتلني في المرض .. أو يقتل امرأة من جنسي في أثناء حملها لجنين أو إرضاعها لطفل

جوع يبدأ بأقل من إستطاعتي ويتدرج

فإنني أسألك أن لا تجعل صومي معطل لي ، بل تمنحني فيه الطاقة لأعمل في رتبة الإنسان العادي .... وما فوق الطاقة لأعمل ما يؤهلني لمرتبة الإنسان المسيحي


فإن كان النهار وضع للعمل ، والليل للراحة ... فامنحني في النهار طاقة العمل مع الجوع الصحيح لأتمم عمل الإنسان العادي .... وامنحني في الليل مافوق الطاقة لا لأنام من التعب وعناء العمل النهاري ، بل لأحوله إلى نهار روحي بالسهر والتسبيح والهذيذ في وصاياك المقدسة

آه كم هي لذة الحب في أيام الصوم ؟ ! إنني في التعبير الذي أود أن أقدمه لك كحب تمنحني لذة غير موصوفة ولا منطوق بها بكلام

لذا إعطني أيها الحب أن لا أوثر اللذة لنفسي ... بل إسكب فيّ رغبة حقيقية لعطاء اللذة المنسكبة في صومي للكل في صورة أعمال حب ورحمة للخليقة الناطقة وغير الناطقة معا

فإن إحتفظت باللذة وحدي، فما عرفتك ، ولا عرفت التعبير لك كيف يكون

ومهما قابلت ، أثناء تأدية تلك الأعمال ، بروح عطاء لذة حبك في ذبيحة صومي : مهما قابلت من الناس فاعطني التذلل لك وأمامك حتى وإن كان أمام الناس ومعهم . ها رأسي وهامتي وجسدي اقبلهم في وضع المذلة وجهاد المطانيات


يا حبيــــبي

إنني أكتشف الان أن محاولة التعبير عن حبك المداين به ... تجعلني مديونا ً لك بالأكثر ... فحتى التعبير بالصوم كذبيحة حب يدينني دينا جديدا

وسأظل طيلة عمري أبحث عن تعبير ... حتى ألقاك بعد فناء الجسد ... فتمنحني أنت وفاء الدين بإكليل الجهاد القانوني

يا حبيبي .... إقبل صومي ذبيحة حب.

24‏/11‏/2009

بدء صوم الميلاد


تدريبات في الصوم

قداسة البابا شنوده الثالث

يبدء من غدا الاربعاء 11/25صوم الميلاد المجيد حسب طقس كنيستنا القبطية والذي يستمر حتي عيد الميلاد المجيد وهو صوم مفرح نعد انفسنا فيه لاستقبال كلمة الله المتجسد. بهذة المناسبة نهنئكم أحبائنا ونقدم لكم بعض التداريب الروحية لنستفيد من هذا الصوم المبارك وهذه التداريب من تعليم قداسة البابا شنودة الثالث.
لكي
يكون هذا الصوم ذا أثر فعال فى حياتك الروحية، نضع أمامك بعض التداريب لممارستها، حتى إذا ما حولتها إلى حياة، تكون قد انتفعت فى صومك:


1- تدريب لترك خطية معينة من الخطايا التى تسيطر عليك، والتى تتكرر فى كثير من اعترافاتك. أو
التركيز على نقطة الضعف أو الخطية المحبوبة.. وكل إنسان يعرف تماماً ما هى الخطية التى يضعف أمامها، ويتكرر سقوطه فيها، وتتكرر فى غالبية اعترافاته. فليتخذ هذه الخطايا مجالاً للتدرب على تركها أثناء الصوم. وهكذا يكون صوماً مقدساً حقاً.

وقد يتدرب الصائم على ترك عادة ما :

مثل مدمن التدخين الذى يتدرب فى الصوم على ترك التدخين، أو المدمن مشروباً معيناً، أصبح عادة مسيطرة لا يستطيع تركها، كمن يدمن شرب الشاى والقهوة مثلاً. أو الذى يصبح التفرج على التليفزيون عادة عنده تضيع وقته وتؤثر على قيامه بمسئولياته. كل ذلك وأمثاله تكون فترة الصوم تدريباً على تركه.

اسكب نفسك أمام الله، وقل له: نجنى يارب من هذه الخطية. أنا معترف بأننى ضعيف فى هذه النقطة بالذات، ولن أنتصر عليها بدون معونة منك أنت، لتكن فترة الصوم هذه هى صراع لك مع الله، لتنال منه قوة تنتصر بها على خطاياك. درب نفسك خلال الصوم على هذا الصراع.

فمثلاً يذكر نفسه كلما وقع فى خطية النرفزة بقول الكتاب : "لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يع 2:1). ويكرر هذه الآية بكثرة كل يوم، وبخاصة فى المواقف التى يحاربه الغضب فيها. ويبكت نفسه قائلاً: ماذا أستفيد من صومى، إن كنت فيه أغضب ولا أصنع بر الله؟!


2- التدريب على حفظ بعض المزامير من صلوات الأجبية، ويمكن إختيار مزمور أو إثنين من كل صلاة من الصلوات السبع، وبخاصة من المزامير التى تترك فى نفسك أثراً.


3- التدريب على حفظ أناجيل الساعات، وقطعها، وتحاليلها. علماً بأنه لكل صلاة 3 أو 6 قطع.


4- التدريب على الصلاة السرية بكل ما تحفظه، سواء الصلاة أثناء العمل، أو فى الطريق، أو اثناء الوجود مع الناس، أو فى أى وقت.

5- اتخاذ هذه الصلوات والمزامير والأناجيل مجالاً للتأمل حتى يمكنك أن تصليها بفهم وعمق.

6- تداريب القراءات الروحية: سواء قراءة الكتاب المقدس بطريقة منتظمة، بكميات أوفر، وبفهم وتأمل.. أو قراءة سير القديسين، أو بعض الكتب الروحية، بحيث تخرج من الصوم بحصيلة نافعة من القراءة العميقة.

7- يمكن فى فترة الصوم ، أن تدرب نفسك على استلام الألحان الخاصة بالصوم مع حفظها، وتكرارها، والتشبع بروحها...

8- يمكن أن تدرب نفسك على درجة معينة من الصوم، على أن يكون ذلك تحت إشراف أبيك الروحى.

9- هناك تدريبات روحية كثيرة فى مجالات المعاملات... مثل اللطف، وطول الأناة، واحتمال ضعفات الآخرين، وعدم الغضب، واستخدام كلمات المديح والتشجيع، وخدمة الآخرين ومساعدتهم، والطيبة والوداعة فى معاملة الناس.


10- تدريبات أخرى فى (نقاوة القلب): مثل التواضع، والسلام الداخلى، ومحبة الله، والرضى وعدم التذمر، والهدوء وعدم القلق، والفرح الداخلى بالروح، والإيمان، والرجاء.

ابي السماوي .....
انت نوري وخلاصي ,وانت حصن حياتي
انت تخبئني في مظلتك في يوم الشر
وتسترني بستر خيمتك ,وعلي الصخره ترفعني
وفي طل جناحيك احتمي
اي حب هذا ... قد احببتني به
نعم , بسلامه اضطجع بل ايضا انام
لانك طمأنينه تسكني
ابي ....
من يقدر ان ينزع ثقتي في حبك لي
انت ابي ....
تحملني علي ذراعيك وتدللني علي ركبتيك
تفك قيودي ... ترفعني وتحميني كل الايام
انت ابي ....
اسمي منقوش علي كفك ,
فهل يقدر ابليس ان يهزمني
كـــيف ؟!!!!
وانا لك ... وانت لي
انا في يدك ...
فمن يقدر ان يخطفني منك
انت حافظي وانت المحامي عني
انني احبك يارب ياقوتي
ابي ...
معــك انـا اعـظم مـن منتصـر

23‏/11‏/2009

مديح الناس، والمجد الباطل





"مجداً من الناس لست أقبل" (يو15: 41)


+ نحن لا نقبل أو نطرب لسماع مديح الناس، سواء الذين يتملقوننا لأهداف مادية، أو بدافع من عدو الخير، كنوع من خداع النفس (كشف السيد المسيح هدف مديح الفريسيين له، وحذر من أضرار حب الظهور).

+ والإنسان المتكبر (المغرور بأعماله وصفاته)، يحب مديح الناس (المجد الباطل)، ويتلذذ جداً بكلمات التفخيم والتعظيم، لشخصه وصفاته، وأعماله، ويغتاظ جداً إذا ما امتدح الناس غيره أمامه. ويقوم بذمهم وإدانتهم (الغير) أمامهم، وإظهار عيوبهم، لكي يتمجد هو، وينال المديح كله، والثناء، والتمجيد له وحده.

+ وقد وبخ الأباء القديسون كل محب للمجد الباطل، وحارب الرب أسلوب الفريسيين (المرائي) في العبادة، التي تهدف أصلاً إلى جذب مديح الناس لهم، فيضيع أجرهم عند الله، لأنهم ينالونه من ثناء الناس على خيرهم وبرهم المعلن (المكشوف) للناس.

+ وقال أحد القديسين: "الذي يمدحك بما ليس فيك، قد يذمك بما ليس فيك".

+ والمتضع يهرب من مديح الناس (كما يفعل القديس أبو مقار، عندما ظهرت براءته من تهمة الأعتداء على فتاة شريرة، وحاول أهلها الإعتذار له. وكانت فرصة له لحياة التكريس بالهرب إلى البرية). وكل الأشياء تعمل معاً للخير للأبرار.

+ وقال أحد الحكماء: "ليس من أغراك بالعسل هو حبيبك، بل من نصحك بعلاج عيبك". كالمرآة التي تكشف كل عيوب وجهك، فتمضي لكي تغسل ما علق بوجهك من الأتربة.

+ ورفض القديس بولس الرسول مدح نفسه، أو قبول أي مديح من شعبه (2كو5: 13). وطالب بنسب المدح لله وحده، وهو الذي يمتدح عبده الأمين، وشهادته صادقة بالطبع.

+ كما قال القديس بولس: "من افتخر فليفتخر بالرب، لأنه ليس من مدح نفسه هو المُزكى، بل من يمدحه الرب" (2كو10: 18).

+ فاعمل (ياعزيزي/ ياعزيزتي) الخير الكثير في الخفاء، ولا تبحث عن المديح وسيجازيك الله في سماه، وفي دنياه علناً أمام الكل.

+ وأنظر كيف وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسين على محبتهم للمديح، واتخاذ المتكآت الأولى في الولائم والمجالس والتحيات في الأسواق "ولعلة (المديح) كانوا يطيلون الصلوات" (مت23)!!

+ ويحذر السيد المسيح الشعب من عمل الصدقة قدام الناس، لينالوا التمجيد منهم، ويرفضون الصلاة والصوم في الخفاء، ليظهروا عملهم، فيأخذون أجرهم من المادحين، لا من الله، وطالبنا له المجد بعدم التشبه بهم، وقال: "وأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية" (مت6). فأعمل الخير الكثير في السر.

شركتنا مع القديسين


الكنيسة تصلِّي من أجل كل المؤمنين الذين ماتوا في الإيمان، وتطلب لهم غفران الخطايا. لأنه ليس إنسان بلا خطية، «ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض» (سفر أيوب 14: 5 –الترجمة السبعينية)، «إن قلنا إنه ليس لنا خطية نضلُّ أنفسنا وليس الحق فينا» (1يو 1: 8). لذلك، فمهما كان الإنسان بارّاً، فإنه حينما ينتقل من هذا العالم، فإن الكنيسة تُشيِّعه بالصلاة من أجله إلى الرب، على نسق صلاة القديس بولس من أجل تلميذه ”أُنيسيفوروس“: «ليُعْطِهِ الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم (يوم الدينونة)» (2تي 1: 18).

وفي الوقت نفسه، فإن صوت الكنيسة المشترك يشهد لبرِّ الإنسان المنتقل، إن كان باراً، فإن المؤمنين المسيحيين يتعلَّمون من قدوته الحسنة في حياته، ويضعونه كنموذج للاقتداء به.

وحينما يتوفر الإجماع على الاعتراف بقداسة أحد المنتقلين، ويتثبَّت هذا الإجماع بالشهادات الخاصة، مثل استشهاده، أو اعترافه بالإيمان بلا خوف، أو بذل ذاته من أجل خدمة الكنيسة، أو نواله موهبة الشفاء، وعلى الأخص إذا تأكَّدت هذه المواهب بحدوث معجزات بعد موته، نتيجة الصلوات بالتشفُّع به؛ حينئذ تُعلن الكنيسة قداسته بإجراءات خاصة. وكيف لا تُطوِّب الكنيسة مثل هؤلاء، الذين دعاهم الرب نفسه «أحبَّاء» له: «أنتم أحبائي... قد سمَّيتُكم أحبَّاء» (يو 15: 15،14)؟ هؤلاء الذين يقبلهم الرب في مساكنه السماوية الأبدية، إيفاءً لوعده الإلهي: «حيث أكون أنا، تكونون أنتم أيضاً» (يو 14: 3).

فإذا حدث هذا (تطويب أحد القديسين وإعلان قداسته)، فإن الشركة معه لن تكون بطلب غفران خطاياه، بل تتحوَّل إلى مظاهر أخرى من الشركة معه، مثل: 1. مدح جهاداته التي أكملها في المسيح، لأنه «لا يوقِدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة، فيُضيء لجميع الذين في البيت» (مت 5: 15)؛ 2. رفع التوسُّلات إليه أن يُصلِّي من أجلنا من أجل مغفرة خطايانا، ومن أجل تكميل جهادنا وسعينا نحو السماء، وحتى يُعيننا في احتياجاتنا الروحية وأوقات أحزاننا.

لقد صار صوت من السماء للقديس يوحنا الرائي: «اُكتُب: طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن، نعم يقول الروح، لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم» (رؤ 14: 13).

كما صلَّى المسيح لأبيه السماوي: «وأنا قد أعطيتُهم المجد الذي أعطيتني» (يو 17: 22). كما قال المخلِّص أيضاً: «مَن يقبل نبيّاً... فأجر نبي يأخذ. ومَن يقبل بارّاً... فأجر بار يأخذ» (مت 10: 41)، «لأن مَن يصنع مشيئة أبي الذي في السموات، هو أخي وأُختي وأُمي» (مت 12: 45). لذلك، فيجب أن نقبل الإنسان البار، لأنه بارٌّ. فإن كان هذا الإنسان البار أخاً للرب، فهو يصير لنا أيضاً أخاً. فالقديسون هم آباؤنا وأُمهاتنا، وإخوتنا وأخواتنا، ومحبتنا لهم نُعبِّر عنها بالشركة معهم في الصلاة.

يكتب القديس يوحنا الرسول إلى المسيحيين: «الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح» (1يو 1: 3).

وشركتنا مع الرسل في الكنيسة لا تتوقف، فهي تصعد إليهم في المجال السماوي الذي يحيون فيه. إنَّ قُرب القديسين من عرش الحَمَل، وصلواتهم المرفوعة من أجل الكنيسة على الأرض، سجَّلها القديس يوحنا الرائي اللاهوتي في رؤياه: «والأربعة والعشرون شيخاً... لهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوَّة بخوراً هي صلوات القديسين... ونظرتُ وسمعتُ صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ، وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف» يُسبِّحون الرب (رؤ 5: 11،8).

إن الشركة في الصلاة مع القديسين هي تحقيق لحقيقة الرباط بين المسيحيين على الأرض والكنيسة السماوية التي يتكلَّم عنها الرسول بولس قائلاً: «بـل قد أتيتم إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية، وإلى ربوات هم محفل ملائكة، وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات، وإلى الله ديَّان الجميع، وإلى أرواح أبرار مُكمَّلين، وإلى وسيط العهد الجديد: يسوع، وإلى دم رشٍّ يتكلَّم أفضل من (دم) هابيل» (عب 12: 22-24).

أمثلة من الكتاب المقدس،عن رؤى القديسين:

تذكر الأسفار المقدسة أمثلة عديدة لحقيقة هامة، وهي أن الأبرار حتى وهم ما زالوا عائشين على الأرض، يمكنهم أن يروا ويسمعوا الكثير مما لا يمكن لعامة المؤمنين أن يروه ويسمعوه. ولا شك أن كل هذه المواهب ستكون حاضرة معهم حينما يخلعون هذا الجسد وينتقلون إلى السماء. فقد رأى القديس بطرس الرسول ما في قلب حنانيا الذي اختلس من ثمن الحقل وكذب على القديس بطرس (أع 5: 3). واستُعلِن لأليشع النبي عن العمل البشع الذي أتاه خادمه جيحزي (الملوك الثاني 1: 4).

والقديسون، حتى وهم ما زالوا على الأرض، يملأ الروح قلوبهم فيطَّلعوا على خفايا العالم العلوي، وبعضهم يرى جوقات الملائكة، وآخرون أُعطوا النعمة لأن يروا صوراً لله (مثل إشعياء النبي وحزقيال النبي)، وآخر صعد إلى السماء الثالثة وسمع كلمات لا يُنطق بها (وهو القديس بولس الرسول). فهؤلاء وأمثالهم حينما ينتقلون إلى السماء يصيرون قادرين على معرفة ما يحدث على الأرض، ويسمعون الذين يتشفَّعون بهم، ذلك لأن القديسين في السماء يصيرون «مثل الملائكة» (لو 20: 36).

ومن المَثَل الذي سرده الرب عن الغني ولعازر (لو 16: 19-31)، نعرف أن إبراهيم وهو في السماء، استطاع أن يسمع صراخ الرجل الغني الذي كان يتألم في الجحيم، بالرغم من ”الهُوَّة العظيمة“ التي تفصل بينهما. وكلمات إبراهيم عن إخوة الرجل الغني «عندهم موسى والأنبياء ليسمعوا منهم»، تشير بوضوح إلى أن إبراهيم يعرف كيف يعيش اليهود في ذلك الوقت حتى بعد مماته. إن الرؤيا الروحية لنفوس الأبرار وهم في السماء، لا شكَّ هي أقوى وأوضح مما كانت عليه وهم على الأرض. ويقول القديس بولس الرسول عن هذا: «فإننا ننظر الآن في مرآة، في لُغز، لكن حينئذ وجهاً لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عُرفتُ» (1كو 13: 12).

استدعاء القديسين:

والكنيسة المقدسة دائماً ما كانت تُقدِّم التعليم باستدعاء القديسين، وهي مقتنعة تماماً بأنهم يتوسَّلون من أجلنا أمام الله في السماء. وهذا ما نراه ونسمعه في صلوات القداس الإلهي (مجمع القديسين): ”لأن هذا، يا رب، هو أمر ابنك الوحيد أن نشترك في تذكار قديسيك... وبالأكثر القديسة المملوءة مجداً العذراء كل حين، والدة الإله القديسة الطاهرة مريم، التي ولدت الله الكلمة بالحقيقة... هؤلاء الذين بسؤالاتهم وطلباتهم ارحمنا كلنا معاً، وانقذنا من أجل اسمك القدوس الذي دُعِيَ علينا“. كما يذكر أيضاً القديس كيرلس الأورشليمي: ”ثم نذكر (في تقدمة الذبيحة غير الدموية) أولئك الذين سبقوا وانتقلوا، وأولاً البطاركة والأنبياء والرسل والشهداء، لكي بصلواتهم وتشفُّعاتهم يقبل الله توسُّلاتنا“ (وهي تُقابل الترحيم الذي يُقال في قدَّاسات الكنيسة القبطية).

شهادات من آباء الكنيسة:

وما أكثر شهادات آباء ومُعلِّمي الكنيسة الأبرار، وعلى الأخص أولئك الذين من القرن الرابع وما بعده، عن تكريم الكنيسة للقديسين؛ بل وحتى من بداية القرن الثاني، هناك إشارات في الكتابات المسيحية بخصوص الإيمان في صلوات القديسين في السماء من أجل إخوتهم على الأرض. وكمَثَل لذلك: فإن شهود استشهاد القديس إغناطيوس الثيئوفوروس (الحامل الله)، وهو من قدِّيسي بداية القرن الثاني الميلادي، يقولون: ”وإذ رجعنا إلى بيوتنا والدموع في أعيننا، سهرنا الليلة كلها. ثم بعد نومٍ لمدة قصيرة، شاهد البعض منا فجأة المطوَّب إغناطيوس واقفاً وهو يحتضننا، وآخرون أيضاً رأوه يُصلِّي من أجلنا“. وهناك تقارير تشير إلى الصلوات والتشفُّعات من أجلنا التي يرفعها الشهداء القديسون، وهذه نجدها في سِيَر الشهداء في عصر الاضطهاد الروماني ضد المسيحيين.

+ هكذا نرى شركة الصلاة بين كنيسة المنتصرين في السماء وكنيسة المجاهدين على الأرض، شركة حيَّة متبادلة بين الكنيستين، وحتى مشتركة معاً أثناء الليتورجية المقدسة لرفع القرابين. فالكنيسة شركة بين العالمَيْن العلوي والأرضي في الصلوات من أجل المجاهدين، والتشفُّعات التي يرفعها أمام العرش الإلهي المنتصرون الغالبون.