31‏/08‏/2010

الإهتمام بالغير

 
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

إن إهتمامنا بالغير هو مظهر عملي لمحبتنا للناس. وفي الإهتمام بالغير، لا يعيش الإنسان لنفسه فقط، بل يهتم بما لغيره كما يهتم بما لنفسه. وربما أكثر، إذ يؤثر غيره على نفسه، أو ينسى ذاته في محبته للآخرين. فهو يؤمن تماماً أن حياته ليست ملكاً له، إنما هى ملك للمجتمع الذي يعيش فيه. وفيما يهتم الإنسان الروحي بالكل، نراه يتعب ليستريح غيره. فهو يهتم بمشاعر الناس وفي محاولة إسعادهم. ويندمج معهم في مشاعرهم. دموع الناس تسير من عينيه وتسقط من جفنيه. وأفراح الناس تنبع من قلبه قبل أن تنبع من قلوبهم.



?? أول مَثَل قدمته لنا الطبيعة في الإهتمام بالغير، هو مثال الأمومة المحبة الحانية. فالأم تُفكِّر في طفلها أكثر مِمَّا تُفكِّر في نفسها. تسهر حتى تطمئن أنه قد نام. وتتعب لكي يستريح هو. ولا تتبرَّم بأي طلب يطلبه. تبتسم إذا ابتسم، بل أن إبتسامة هذا الطفل ترتسم على شفتي أمه قبل أن ترتسم كاملة على شفتيه. لقد أوجد اللَّه في قلب الأم عواطف الحُب والحنان والبذل والإهتمام بطفلها أكثر من الإهتمام بنفسها.



?? إن مشاعر الإهتمام بالغير تنزع من القلب الأنانية والإهتمام بالذات. فيرفض الإنسان تماماً أن يبني راحته على تعب الآخرين. بعكس ذلك الشخص الذي يلوث الجو بدخان سيجارته. ولا يعبأ في ذلك بأن الغير قد تؤذى صحته بتدخينه هو، ويضطر على الرغم منه أن يستنشق الدخان الفاسد الذي ينفثه المدخنون. ولهذا فإن شركات الطيران لا تُصرِّح للرُّكاب بالتدخين في كثير من الرحلات. ومن أمثلة غير المُهتمين بغيرهم: مَن يرفع صوته بطريقة تُعكِّر الهدوء، وتُعطِّل غيره عن التفكير أو القراءة. أو مَن يركن عربته في موضع تعاكس عربات غيره دون أن يبالي! ولكنها الأنانية التي لا تهتم بغيرها.



?? أمَّا الإنسان المُهتم بغيره، فلا مانع عنده من أن يتعب ليستريح الغير. وهو لا يطلب ما لنفسه. وإهتمامه بغيره ينبع من محبته للغير، وأيضاً من محبته للخير. والمُهتم بغيره لا يزاحم الناس في طريق الحياة. إنما يفسح لهم الطريق ليعبروا، ولا يمتنع في أن يتقدَّموا عليه. وهو يفعل ذلك بإهتمام وليس بمُجرَّد شكلية. إنه شعور ينبع من قلبه ويدفعه لبذل الجهد الذي يناسب إهتمامه.



?? والإهتمام بالآخرين يشمل العناية بهم من كل ناحية. سواء من الناحية المادية أو الإجتماعية، أو من الناحية الروحية، أو من جهة نفسيتهم ومشاعرهم وراحتهم، وحل مشاكلهم، واشعارهم بأن هناك مَن يسندهم ويقف إلى جوارهم. فإن كثيرين من الذين لا يهتم بهم أحد، يقول الواحد منهم: لا يوجد أحد يشعر بما أنا فيه، أو يحس بحالتي!!



?? والإهتمام بالغير يكون أحياناً في نطاق العمل. فهناك فرق بين موظف وموظف: الموظف الذي يهتم براحة الجمهور، يظهر إهتمامه في بذل كل الجهد لراحتهم، وبدون تأخير. أمَّا الموظف الروتيني، فإنه يماطلهم ويطلب إليهم أن يعودوا إليه في موعد آخر. وقد يضع العراقيل في طريق قضاء مصالحهم. ولذلك أتذكَّر أنني قلت ذات مرة: الموظف المتعاون يحاول أن يجد حلاً لكُلّ مشكلة. أمَّا الموظف الروتيني فقد يجد مشكلة لكُلّ حلّ!!



?? المهتم بالآخرين يظهر إهتمامه بالمساهمة في حل مشاكلهم. إذ يتعبر أن مشكلة الغير كأنها مشكلته شخصياً، ويهتم بحلها مهما كلَّفه ذلك من جهد. ويكون سعيداً إن وصل فيها إلى حل. لأنه يشعر بفرح فى إسعاد الآخرين، وانقاذهم مما هم فيه من ضيقات. ولاشك أن الناس يشعرون باهتمامه وإخلاصه، على الرغم من أن الأمر لا يدخل فى نطاق مسئوليته ولكن إهتمامه يترك فى نفوسهم أثراً عميقاً، فيحبون هذا الإنسان الذى يفكر فيهم وفى إسعادهم.



?? والاهتمام بالغير يمكن تطبيقه على مستوى الأسرة. حيث يبذل الزوج كل طاقته فى أن يهتم كل الإهتمام براحة زوجته وأولاده. وكذلك الزوجة تهتم كل الإهتمام براحة زوجها. ويهتم الاثنان براحة أولادهما. وانّ الإهتمام المتبادل فطبيعي أن لا تحدث إطلاقاً حوادث الطلاق التي نسمع عنها. إن مثل هذا الإهتمام في محيط الأسرة، أو بين كل أفراد المجتمع، هو ما يُسمّيه البعض بالعقد الإجتماعي. حيث يكون الإهتمام على المستوى الإجتماعي والشخصي. فيتدرب الإنسان في بيته على الإهتمام بأهله وإخوته وأقربائه بل وجيرانه أيضاً. وفي مكان عمله يتعوَّد كيف يهتم بزملائه. ثم يتطوَّر حتى يهتم بجميع الناس. ويعيش كإنسان نشيط في المجتمع يخدم الكل، ويصير إنساناً خدوماً يحب الجميع. وبإهتمامه بهم يجذبهم أيضاً إلى محبته. وهذا الإهتمام بالغير يشغل فكر الإنسان المُحب ويشغل عواطفه، فيتناوله بجدية ولا يهمله مطلقاً. هناك فرق بين إنسان تطلب تدخله في مسألة مُعيَّنة، فيقول لك: " أنا فاكر موضوعك ". وبين آخر يقول لك: " أنا مهتم بموضوعك "، ويظهر اهتمامه هذا عملياً. إنسان يهمك أمره. فتُقابله باهتمام، وتُكلِّمه بإهتمام، وتعامله بإهتمام. ويظهر إهتمامك به فى طريقة لقائك به وفى تحيتك له، وفى عدم إحراجه حينما تساعده. إن إهتمامك بالغير يظهر فى ملامح وجهك، وفى نبرات صوتك. إنه إهتمام يشعر به من يتعامل معك، دون أن تعلن له أنك مهتم به وبما يعرضه عليك من موضوعات.



?? يظهر إهتمامك بالغير أيضاً دون أن تطلب هذا منه. فهناك شخص قد يكون فى خطر وهو لا يشعر بذلك. وقد يحتاج إلى إنقاذ دون أن يعرف إلى من يلجأ. ويصل إليك موضوعه بطريق غير مباشر. فتهتم به وتنقذه دون أن يطلب. ويظهر الإهتمام بالغير أيضاً فى الأمور الروحية. فقد يكون شخص غارقاً فى عمق الخطية. وهو لا يطلب الخلاص منها، لأنه لا يريد ذلك. وتهتم أنت بخلاصه دون أن يسألك معونة فى ذلك. وتعمل كل ما تستطيع لكى تقوده إلى التوبة، بكل حب واحتمال وطول أناة. هذا النوع هو الإهتمام الروحي. وقد يكون من عمل الرعاة والمرشدين الروحيين كما يكون من عمل الإجتماعيين الذين يهمهم سلامة أفراد المجتمع من الضياع. مثال ذلك المهتمين بعلاج المدمنين وإنقاذهم من الإدمان.

وأنت أيها القارئ العزيز لعلك تشارك في الإهتمام بالغير من أي نوع يصل إليك.

.

19‏/08‏/2010

قداسة الجسد في المسيحية



لقد قدس الله الجسد الانساني بتجسده من القديسة العذراء مريم والكيان الانساني جسدا وروحا ونفسا هو كيان مقدس عندما خلقة الله راي ان كل شئ حسن جدا ولو كان الجسد خطية لما كان الرب يسوع قد تجسد وما كان قد طالبنا بالقداسة وما كان هناك امكانيه لتجلي وقيامة الجسد الروحاني النوراني الممجد في اليوم الاخير . فلماذا اذن


يئن الشباب كثيراً من سطوة الجسد ولماذا ينظر البعض الي الجسد الانساني علي انه خطية ، ان الرب لم يطالبنا بمحاربة الجسد بل ان نقوته ونربية ولكنه طالبنا بمحاربة تيار الأثم والخطية الذي يعمل في الجسد والروح والنفس .


لماذا سمح الله بهذه الحرب بالداخل؟ ولماذا هذه الغريزة


ألم يكن فى استطاعة الرب أن يخلقنا بدونها؟ أو على الأقل لا تتحرك فينا إلا فى إطار معين إرادى؟ ألم يقل الكتاب: "إن الجسد يشتهى ضد الروح، والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر" (غل 17:5). لكن القيامة حلت لنا المشكلة، فالرب يسوع نفسه، أخذ جسداً، وحل بيننا، ولما فدانا على الصليب، ومات عوضاً عنا، قام بنفس الجسد، ولكن بشكل نورانى، دخل إلى العلية، والأبواب مغلقة، كان جسده منيراً وروحانياً، لم يتعرف عليه تلميذا عمواس، إلا بعد أن انفتحت أعينهما، ولم يتعرف عليه التلاميذ على بحيرة طبرية، إلا بعد أن اصطادوا - بإرشاده - السمك الكثير، وحينما صعد الرب إلى السماء، كان من الممكن أن ينفض عنه الجسد، ويصعد إلى السماء بلاهوته فقط، لكنه صعد إلى السماء "جسدياً"، لأن لاهوته لم ينفصل قط عن ناسوته، لا على الصليب، ولا فى القبر، ولا بعد القيامة، ولا فى أورشليم السمائية


أتحد اللاهوت بالناسوت، بطريقة نهائية وابدية وصار لطبيعتنا الإنسانية سفير فى مقادس السماء ووقف الرب، وما يزال، شفيعاً كفارياً عن جنسنا أمام العدالة الإلهية..


"أكتب إليكم - يا أولادى - هذا لكى لا تخطئوا، وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً" (1يو 1:2،2).


ما هو الجسد؟


يرى البعض فى الجسم الإنسانى عدواً لدوداً للروح، وسجناً خطيراً لها،


هذا الفكر ليس مسيحياً.. فالرب هو الذى خلق لنا هذا الجسد، وكل خليقة الرب مقدسة وحسنة جداً، كل الأعضاء مقدسة، وكل خلاياها مقدسة، وكل وظائفها مقدسة، بل الأعضاء التى نتصورها قبيحة، لها جمال أفضل، ففيها يكمن سر الحياة، وسر استمرار النوع البشرى، وسر الاتحاد بالله، وشركة الخلق مع الله


نظرتنا إذن هى المحتاجة إلى تعديل، فلقد تدنت وتدنست، فلم تعد ترى فيما خلقه الله من أعضاء وغرائز إلا السلبية والانحراف، وتنسى ما فى ذلك كله من إيجابية وحب وقداسة.


"ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد، والمضجع غير نجس" (عب 4:13). "لم يبغض أحد جسده قط، بل يقوته ويربيه" (أف 29:5). "الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح أيضاً رأس الكنيسة، وهو مخلص الجسد" (اف 23:5). "هذا السر عظيم (أن يكون الاثنان جسداً واحداً)، ولكنى أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة" (أف 32:5). "الجسد ليس للزنا بل للرب، والرب للجسد" (1كو 13:6). "الجسد للمسيح" (كو 17:2).


المشكلة إذن ليس فى "الجسم"، بل فى "تيار الإثم" العامل فى الجسم، ومن خلال أعضائه، فالعين ترى الجيد والردىء، وكذلك الأذن وبقية الأعضاء، المشكلة إذن هى إرادة الخطيئة، وتيار الإثم والفساد، الذى تسلل إلينا منذ سقوط آدم أبينا.


أما حينما يدخل الرب إلى دائرة حياتنا، ويصير محور حبنا وانشغالنا، فحينئذ يتقدس الجسد بروح الله العامل فينا، من خلال ركائز محددة وهى:


1- المعمودية :


وفيها لا نزيل "وسخ الجسد" بل يتطهر ضميرنا "من الأعمال الميتة" (1بط 21:4)، إذ فيها يتم تحديد الطبيعة الإنسانية بالروح القدس، ونولد ثانية من الماء والروح، وكما كان روح الله يرف على وجه المياه فى الخليقة الأولى العتيقة، كذلك يولد الإنسان من الماء والروح، ميلاداً جديداً، فيصير ابناً لله، بعد أن كان ابناً لآدم.


2- الميرون :


وفيه يتم تثبيت الإنسان فى روح الله، ويتدشن هيكلاً مقدساً للرب، من خلاص 36 رشم صليب، تحمل معان روحية هامة، حيث تتم الرشومات هكذا:


الرشم الأول على الرأس، لتقديس الفكر.


7 رشومات على الحواس، لتقديسها أيضاً.


رشمان على القلب والبطن، لتقديس المشاعر والأحشاء.


رشمان على الظهر والصلب، لتقديس الإرادة.


12 رشماً على الذراعين، لتقديس الأعمال.


12 رشماً على الرجلين، لتقديس الخطوات.


وهكذا يتدشن الجسد بالروح القدس، كما ندشن الأوانى المقدسة، والكنائس، والمذابح، وتتم فينا الكلمة: "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟" (1كو 16:3).


3- التناول :


وفيه نثبت فى المسيح، ويثبت المسيح فينا، وذلك حينما يسرى دمه فى دمائنا، ويتحد جسده الطاهر بأجسادنا، فنأخذ من الرب قوة قيامته، وحياة أبدية: "من يأكل جسدى ويشرب دمى، يثبت فىّ وأنا فيه" (يو 56:6)، "من يأكلنى، يحيا بى" (يو 57:6)، "من يأكل جسدى ويشرب دمى، فله حياة أبدية، وأنا أقيمه فى اليوم الأخير" (يو 54:6).


4- الجهاد الروحى : وما يشمله من جهاد ضد الخطية، وأمانة فى حفظ الوصية، وصلاة متواترة ومستمرة، ودراسة لكلمة الله الحية، وقراءات واجتماعات وخلوات روحية.. فهذه كلها تنير الذهن وتشبع الروح، وتضبط الجسد، وتقدس الكيان الإنسانى.


إن الصوم ورفع الذراعين فى الصلاة، وقرع الصدر، والمطانيات، وسائل ناجحة فى ضبط الجسد واشعال نار الروح، وتطهير الكيان الإنسانى من أوجاع الخطية، مع التعبير المستمر عن الحب لله والأمانة فى الجهاد الروحى. وكما اشترك الجسد مع الروح فى صنع الخطية، هكذا يشتركان معاً فى الجهاد الروحى، ليشتركا معاً فى النهاية فى المجد الأبدى، فالإنسان كل متكامل، ليس فيه تجزئة أو تفتيت


الجسم ليس نجساً : مما يؤكد أن "الجسم" ليس نجساً، أن خطايا كثيرة نسبها الرسول بولس للجسد، ولكنها خطايا نفسية، ليس للأعضاء دخل فيها، إذ يقول: "... وأعمال الجسد ظاهرة التى هى: زنا، عهارة، نجاسة، دعارة، عبادة الأوثان، سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق، بدعة، حسد، قتل، سكر، بطر..." (غل 19:5-21). وهكذا أوضح لنا لخطايا جسدية عضوية: كالزنا والنجاسة والقتل والسكر، وأخرى نفسية: كالعداوة والخصام والغيرة والسخط والتحزب والحسد... ونسب الكل للجسد، أى "لتيار الإثم العامل فى الجسم" وليس للجسم التشريحى نفسه


القيامة والجسد :


شكراً للرب إذن، لأنه قدس أجسدانا حينما أتحد بطبيعتنا، وحينما رضى ان يتحد بنا ويسكن فينا، فالعذراء ندعوها "معمل اتحاد الطبائع"، وفى تجسد الرب من أحشائها قبول ضمنى أن يسكن فى كل منا "هأنذا واقف على الباب وأقرع، عن سمع أحد صوتى، وفتح الباب، أدخل إليه، وأتعشى معه، وهو معى" (رؤ 20:3)، "ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم" (أف 17:3)، "أنا فيهم وأنت فىّ" (يو 23:17).


فلنتعامل مع أجسادنا من هذا المنطلق المقدس ولنجاهد فى طريق الطهارة، معتبرين أننا نتعامل مع "هيكل الله" وأن "من يفسد هيكل الله، سيفسده الله، لن هيكل الله مقدس الذى أنتم هو" (1كو 17:3).

16‏/08‏/2010

حياة الفضيلة

لقداسة البابا شنودة الثالث

ما هو مقياس الفضيلة؟
هو مجرد مظاهر خارجية.
أم هو جوهر الإنسان من الداخل: في قلبه وفكره ونواياه؟

نقول هذا لأن الإنسان قد يكون في مظهره الخارجي شيئاً ما وفي حقيقته الداخلية شيئاً آخر!! قد يراه الناس في صورة معينة. ولكن الله العارف بالقلوب يجده في صورة أخري غير ما يراه الناس.

والإنسان البار يهمه قبل كل شيء حكم الله عليه وحكم ضميره. وليس رأي الناس فيه. فالناس لا يعرفون دواخله. ويحكمون حسب الظاهر.

نقول هذا لأن بعض الوعاظ. والمشرفين علي التربية يركّزون علي المظهر الخارجي وحده. ولا يهتمون بنقاوة القلب من الداخل. ولا يعطونها ما تستحقه من الاهتمام الأول والرئيسي.
وسنحاول أن نضرب لذلك بعض الأمثلة:

مثال واضح أمام الجميع. وهو العفة والحشمة:

أهم ما يشغل الناس في حشمة الفتاة مثلاً. هو الاهتمام بمظهرها. بملابسها وزينتها. وهل هي تتفق مع الحشمة أم لا. ولا شك أن مظهر الفتاة أمر هام. ولكن الأهم منه هو الباعث الداخلي الذي يكمن في القلب وراء عدم الحشمة.

المفروض في رجال التربية أن يكون تركيزهم علي الداخل. وهكذا إن كان القلب نقياً وتقياً. وقد تخلص من المشاعر الخاطئة التي تدفع الفتاة إلي التبرج في زينتها. حينئذ هي نفسها من تلقاء ذاتها ستتخلي عن كل أخطاء الملابس والزينة. بدون أي ضغط عليها أو توبيخ أو عنف. بل بروح طيبة تلقائية ستسلك حسناً.

بل كما قال أحد الآباء إن الفتاة العفيفة تحتفظ بحشمتها حتي داخل غرفتها المغلقة. حيث لا مراقبة ولا من ينتقدها..!

أما الإرغام علي المسلك المحتشم. فحتي إن كان يُصلح الشكل والمظهر. فإنه لا يصلح القلب من الداخل. بل يبقي بنفس رغباته وشهواته. وربما يضاف إليه بعض مشاعر من التذمر والكبت والضيق. مع انتظار أية فرصة للحرية والانطلاق. حيث لا رقيب.
أما إذا تنقي القلب. فإنه حينئذ سينفذ كل التوجيهات والنصائح برضي وقبول. أو قد لا يحتاج إلي نصائح. فمن ذاته يسلك حسناً.

وبالمثل نتحدث عن الشاب الذي يطيل شعره. ويلبس ملابس غير لائقة. ويكون موضع انتقاد كشخص غير متدين.

هذا الشاب يحتاج أن تتغير قيمه وموازينه من الداخل. فيعرف ما هي معاني الرجولة وقوة الشخصية؟ وأنه لا يستطيع أن يكتسب احترام الآخرين وتقديرهم بمنظره الزائف. فإن اقتنع بهذا من الداخل. فبلا شك سوف يغيّر مظهره. بدون توبيخ وبدون قهر أو زجر.

إن الإصلاح من الداخل هو أكثر ثباتاً ورسوخاً في النفس.

وبه ينصلح الإنسان بطريقة حقيقية بدافع من الاقتناع. ولا يقع في تناقض بين ما يريده هو. وما يريده له المرشدون. ولا يكون معرضاً لصراع بين داخله وخارجه. كما أنه لا يكون تحت ضغط بحيث يتلمس ظروفاً للانفلات من هذا القهر الخارجي.
فلنبحث إذن عن الأسباب الداخلية التي تدفع إلي الأخطاء الخارجية ونعالجها:

لنأخذ الكذب مثلا كظاهرة. ونبحث أسبابها لنعالجها:

الشخص الذي يكذب: هل ستصلحه عظات عن مضار الكذب. أو توبيخ له علي كذبه؟ أم أن الأعمق تأثيراً عليه وإصلاحاً له. أن ندخل إلي أعماقه. ونبحث ما هي الأسباب التي تجعله يكذب؟

هل السبب في الكذب هل تغطية خطأ معين يخشي من انكشافه؟ أم الرغبة في الحصول علي منفعة ما؟ أو القصد من الكذب هو الافتخار والتباهي؟ أو التخلص من الإحراج؟ أو السبب هو الخجل؟ أم هي قد أصبحت عادة. بحيث يكذب حتي بلا سبب؟ أم هو يكذب بقصد الفكاهة. أو بقصد الإغاظة؟ أو التلذذ بالتهكم علي الناس؟!

نبحث عن سبب الكذب ونعالجه. ونقنع صاحبه بعدم جدواه. ونقدم له حلولاً عملية للتخلص من كذبه. أو بدائل لا خطأ فيها.

كالصمت مثلاً إذا أُحرج. أو الهرب من الإجابة بطريقة ما. أو الرد علي السؤال بسؤال. أو الاعتذار عن الخطأ بدلاً من تغطيته بالكذب. وكذلك الاقتناع بخطأ التباهي. وخطأ التهكم علي الناس. إن كان هذان من أسباب الكذب. مع الاقتناع أيضا بفائدة كسب ثقة الناس واحترامهم عن طريق الصدق. بدلاً من فقد ثقتهم عن طريق الكذب.
وهكذا نعالج الداخل. فيزول الخطأ الخارجي تلقائياً.

وكما نهتم بالداخل. نهتم أيضا بأعمالنا الخارجية. فالمفروض فينا أن نكون قدوة. كما أن أخطاءنا الخارجية تسبب عثرة للآخرين.

والواجب أن يسلك الإنسان من الخارج مظهراً وفعلاً سلوكاً حسناً مع اعتبارين: أن يكون السلوك الطيب لإرضاء الله وليس فخراً. كما أن هذا السلوك الخارجي الطيب يكون طبيعياً نابعاً من نقاوة القلب.

فإن كنت لم تصل إلي نقاوة القلب هذه. فاغصب نفسك علي ذلك في سلوكك الخارجي. حتي لا تخطيء فتفقد ثقة الناس بك واحترامهم لك.

ولا يعتبر هذا لوناً من الرياء. إنما يكون في هذه الحالات لوناً من ضبط النفس. ولا شك أن ضبط النفس من الخارج لازم ومطلوب. ويدخل في نطاق التداريب الروحية التي يصل بها الإنسان إلي حياة النقاوة.

إذن نظّف داخلك ليتفق مع وضعك الخارجي السليم..

ولا تهبط بمستواك الخارجي. إن كان مستواك الداخلي غير سليم

المفروض أن تكون نقياً من الداخل ومن الخارج. فحاول أن تصل إلي الأمرين معاً. فإن بدأت بأحدهما. أكمل بالآخر أيضا.

احتراسك الخارجي ممدوح. ولكن لا تكن مكتفياً به. بل أضف إليه النقاوة الداخلية. وليكن هذا هو تدريبك في كل الفضائل.

خذ مثالاً هو الصوم: من جهة السلوك الخارجي والعمل الداخلي.

ليس الصوم هو مجرد فضيلة خارجية خاصة بالجسد وحده من جهة الامتناع عن الطعام وشهوات الأكل. إنما ينبغي أيضا منع النفس عن الأخطاء. ويتمشي المنع الداخلي للنفس مع منع الجسد.

فإن كان الإنسان لم يصل إلي هذا المستوي الروحي في داخله. فليس معني هذا أن يكسر صومه ويفطر! وألا يكون قد انحلّ جسداً وروحاً.. بل عليه أن يدرب قلبه من الداخل. ليتمشي مع صوم الجسد من الخارج. ولو بالجهد والتدريب.

وبهذا يمكننا أن نضع قاعدة روحية للتوازن بين المستويين الداخلي والخارجي وهي:

إن كان أحد المستويين مرتفعاً والآخر منخفضاً. ارفع المنخفض إلي مستوي المرتفع.
ولكن لا تكتف مطلقاً بأن تسلك حسناً من الخارج. فالله ينظر أولاً إلي القلب. إنما جاهد باستمرار أن تنقي قلبك. وأن يكون كل سلوكك الخارجي السليم هو مجرد تمهيد أو تدريب للعمل الجواني داخل النفس.

وكثيراً ما تكون التنقية الخارجية وسيلة للتنقية الداخلية:

مثال ذلك شاب تحاربه في داخله أفكار شهوانية جسدية لا تتفق مع حياة العفة. وربما تسبب له أحلاماً دنسة تتعبه.. أتراه يستطيع أن يسلك من الخارج هكذا. ليكون خارجه تماماً كداخله؟! كلا بلا شك. وإلا فإنه يضيّع نفسه. ويضيف إلي خطايا الفكر والقلب. خطايا العمل والحسّ والجسد.

مثل هذا. عليه أن يحترس جداً من الخارج. وهذا الاحتراس الخارجي يساعده علي النقاوة الداخلية. وبالتالي تخف عليه الحروب الداخلية.

لذلك. لا تيأس مطلقاً. ولا تقل ما فائدة النقاوة الخارجية. إذا كان الداخل دنساً؟! كلا. إن صمودك الخارجي يعني رفضك للخطيئة.

أضف إليه صموداً آخر ضد الأفكار. وثق أن الله سيعينك عليها. ومن أجل أمانتك من الخارج. سيرسل الله لك نعمة تنقذك من حرب الفكر في الداخل.. بل إن احتراسك من الخارج سيمنع عنك حروباً داخلية كثيرة. وعلي الأقل سوف لا تحارب في ميدانين في وقت واحد. وحرصك من الخارج سيدخل عنصر الحرص في حياتك بصفة عامة. ولا يسمح للخطية أن يكون لها سلطان عليك.

حتي إن جاءتك الخطية في حلم. وأنت في غير وعيك. يكون عقلك الباطن متنبهاً لها تماماً ورافضاً لها. وهكذا لا تخطيء في أحلامك أيضا.

هذا كله من الناحية السلبية. في رفض الخطأ. فماذا إذن من الناحية الإيجابية؟ نقول إنه إذا تنقي القلب. تكون كل أعماله الفاضلة ذات دوافع روحية. ومن أجل الله وحده. وليس من أجل الذات.

فلا يفعل الإنسان الخير. من أجل أن تكبر ذاته في عينيه. ولا من أجل أن يكبر في أعين الناس.

وكلا الأمرين يدخلان في نطاق خطيئة المجد الباطل. ويدفعان المرء إلي خطيئة الرياء. ويصبح هدفه من عمل الخير هو أن ينال مديحاً من الناس. وبهذا يهتم فقط بالمظهر الخارجي. حيث يراه الناس ويمجدونه!

وبالاهتمام بالمظاهر الخارجية. لا يصبح الخير الذي يفعله الإنسان خيراً حقيقياً مقصوداً لذاته. إذ قد امتزج بالخيلاء ومحبة الذات ومحبة المجد الباطل. ولا يكون هدفه نقياً.. إذ ليس هدفه حب الخير. ولاطاعة الله. وليس هو صادراً عن نيّة طيبة ولا عن طبيعة نقية.

وهنا نسأل: هل معني هذا أننا لا نفعل الخير مطلقاً أمام الناس. حتي لا نتعرض إلي مديح منهم. وننال أجرنا علي الأرض لا في السماء؟!

كلا. وإنما لا يكن هدفنا من الخير أن ننال مديحاً من الناس. بل نفعل الخير سواء رآنا الناس أم لم يرونا. مدحونا أم لم يمدحونا.. كذلك إن امتنعنا عن عمل الخير خوفاً من المديح. سنفقد رسالتنا كقدوة للناس. وقد نوقعهم في مذمتنا. إذ لا يرون في حياتنا خيراً!
ومن جهة المديح. كان الرسل والأبرار في كل جيل يقابلون بمديح من الناس ومازال المديح يلاحقهم حتي بعد موتهم ولم يكن في ذلك خطأ ولا خطيئة. ومن غير المعقول أن يتوقف البار عن عمل الخير تماماً. لكي ينجو من مديح الناس!!

إذن كيف نوفق بين كل هذا. وبين فضيلة عمل الخير في الخفاء؟

إن هناك أعمالاً كثيرة لابد أن تكون ظاهرة: مثل نجاحنا في أعمالنا. وتفوقنا. وأمانتنا في كل مسئولية تعهد إلينا. كذلك ذهابنا إلي أماكن العبادة. واشتراكنا في الصلوات العامة والأصوام العامة. ومساهمتنا في خدمة الآخرين وإعانتهم. والعضوية الفعالة في كل أعمال البر. أترانا نترك كل هذا خوفاً من أن يظهر برنا أمام الناس فيمدحوه؟! كلا بلا شك.
فليست خطيئة أن يعرف الناس ما نفعله من الخير. إنما الخطيئة هي أن يكون الهدف من فعل الخير أن يراه الناس فيمدحوه.

فإن كنت تفعل الخير. وقلبك نقي من محبة المظاهر. وليس هدفك أن يراك الناس.. إذن فلا تهتم مطلقاً إن عرف الناس أنك فعلت ذلك.

في عمل الخير. كن محباً للخير. ولا تكن محباً للمديح.

وإن وصل المديح إلي أذنيك. لا تدعه يدخل إلي قلبك. بل اذكر نعمة الله التي ساعدتك علي عمل الخير. ولولاها ما كنت تستطيع أن تعمل شيئاً.

وأهم من إخفائك فضائلك عن الناس. حاول أن تخفيها أيضا عن نفسك. وذلك بأن تنسي الخير الذي عملته من فرط تفكيرك في خير أكبر تريد أن تفعله. مصلياً أن يمنحك الرب الفرصة لعمله. والقدرة علي عمله. واشكر الله علي معونته

11‏/08‏/2010

ملفات ماضينا



ذات يوم كنت نائماً فى حجرتى ما بين الحلم واليقظة..

فتحت عينىّ فوجدت نفسى فى حجرة غريبة جداً!!. حجرة امتلأت بالملفات

الضخمة على كل حوائطها من الأرض إلى السقف. وكانت الملفات كبيرة وقديمة

مثل التى تُستخدم فى الشركات والمكتبات.


اقتربت من الحائط لأدقق النظر، وكان أول ملف لفت نظرى كان بعنوان "أعز

أصدقائي" فتحته لأتفحصه، ولكنى أغلقته بسرعة إذ صُدمت عندما تعرفت على

الأسماء المكتوبة فيه وعندئذ عرفت أين أنا...... فى حجرة ملفات حياتى. هنا

كُتبت كل أفعالى كبيرة وصغيرة.. كل ثانية فى حياتى مسجلة هنا!!

انتابنى شعور برعب شديد ممزوج بحب الاستطلاع، وبدأت أستكشف باقى

الملفات. بعضها آعاد لى الذكريات وبعضها ملأنى بالندم الشديد.... حتى أننى

كنت أنظر حولى لأتأكد من عدم وجود أحد معى فى الحجرة. كانت المواضيع

كثيرة ومتنوعة، منها "كتب قرأتها"، "أصدقاء خنتهم"، "أكاذيب قلتها"، "كلمات

تعزية قلتها"، "نكت ضحكت عليها"..... والبعض كان شديد الدقة فى التبويب،

مثل "المرات التى صحت فيها فى وجه أخى"، "أشياء فعلتها وأنا غضبان"،

"شتائم قلتها فى سرى". كانت المحتويات عجيبة... بعضها أكثر مما أتوقع

والبعض الآخر أقل مما كنت أتمنى.

كنت أتعجب من كم الملفات التى كتبتها فى سنواتى العشرين، وهل كان

عندى وقت لأكتب ما يقرب من المليون ورقة!! ولكنها الحقيقة. كانت الأوراق

مكتوبة بخط يدى وتحمل إمضائى.

فتحت ملف اسمه "أغانى استمعت إليها"... كان ممتلئاً عن اخره، لدرجة أنى لم

أصل حتى نهايتة فأغلقته بسرعة.. ليس فقط خجلاً من نوعية الأغانى، بل خجلاً

أيضاً من الوقت الذى أضعته وأنا أستمع إليها.

عندئذ رأيت ملفاً أخر يحمل عنوان "أفكار شريرة".. سرت فى جسدى برودة، لم

أرد أن أعرف حجم الملف فأخرجت ورقة واحدة فقط.. ولم أطق أن أتصور أن

حتى هذه اللحظات سُجلت. فقررت عندئذ أن أُدمر هذه الحجرة بما فيها!! لا

ينبغى أن يرى أحد هذه الحجرة ولا حتى أن يعلم بوجودها... أخرجت الملف

الأخير، وحاولت تقطيعة ولكنى فزعت عندما لم يتقطع الورق وكأنه مصنوع من

حديد.. أعدته إلى مكانه وأسندت رأسى على الحائط، بدأت أتنهد وأبكى.. ثم

لاحظت ملفاً آخر بعنوان "الأشخاص الذين شهدت للمسيح أمامهم" كان الملف

جديداً، وكأنه غير مستعمل... فتحته فوجدت عدد الأشخاص يُعد على أصابع اليد

الواحدة. بدأت دموعى تنساب، ثم تحولت إلى بكاء مُر.. ركعت على ركبتى

وأخذت أبكى من الخجل والندم، ونظرت إلى الحجرة بعيون مملوءة دموع.. لابد

أن أغلقها بسرعة ثم أُخفى المفتاح.

لا أدرى كم من الوقت قد مر قبل ان آراه آتياً.... لا... لا أريده أن يدخل هذه

الحجرة!! يسوع المسيح دون الكل لا أريده أن يرى هذا.. تطلعت إليه عندما أخذ

يفتح الملفات ويقرأ... وفى اللحظات التى أستطعت أن أنظر فيها فى وجهه

رأيت حزناً أكثر من حزنى، ذهب لأسوأ الملفات.... لماذا يقرأ كل ورقة.. ؟! نظر

إلىّ بشفقة... ووقتها أحنيت رأسى وبدأت أبكى بمرارة من جديد... جاء إلىّ

وانحنى ليُحيطنى بيديه الحانيتين.. كان يمكن أن يقول لى أشياء كثيرة ولكنه لم

يفعل.. بل بدأت دموعه تنساب وهو يُربت علىّ ثم نهض واتجه إلى ملفات

أخرى، وأخرج ورقة تلو الأخرى، وبدأ يوقع أسمه على كل واحدة منها.. ولكنى

صرخت: " لا... لا تفعل هذا، فهذه أعمالى النجسه" ولكن عندما نظرت إلى

الورقة لم أجد سوى إمضاء: " يسوع" مكتوباً عليها بدم أحمر قانى.


لم يعد يوجد كلام آخر على الورقة بل كانت ناصعة البياض. فعل هكذا بجميع

الورق ثم أخذنى بين أحضانه فى حنان ليس له مثيل.. عندئذ سجدت أمامه وأنا

أقول : " الآن يا سيدى أكتب أعمالى تبعاً لأقوالك

07‏/08‏/2010

من فضائل القديسة مريم العذراء




لا توجد إمرأة تنبأ عنها الأنبياء وأهتم بها الكتاب مثل مريم ... رموز عديدة عنها فى العهد القديم وكذلك سيرتها وتسبحتها والمعجزات فى العهد الجديد.و ما اكثر التمجيدات والتأملات التى وردت عن العذراء فى كتب الأباء التى تلقبها بها الكنيسة مستوحاة من روح الكتاب.


انها أمنا كلنا وسيدتنا كلنا وفخر جنسنا الملكة القائمة عن يمين الملك العذراء دائمة البتولية المملوءة نعمة القديسة مريم الأم القادرة المعينة الرحيمة أم النور أم الرحمة والخلاص الكرمة الحقانية.هذه هى التى ترفعها الكنيسة فوق مرتبة رؤساء الملائكة فنقول عنها فى تسابيحها وألحانها: علوت يا مريم فوق الشاروبيم وسموت يا مريم فوق السيرافيم.


يذكر التقليد الكنسي انه كان فى بلاد اليهودية رجل اسمه يواقيم ( يهوه يقيم) وزوجته اسمها حَنَة ( الحنون) وقد كانا متقدمين فى السن ولم يرزقا بذرية. ولأن بنى إسرائيل كانوا يعيرون من لا ولد له لهذا كانا القديسان حزينيين ومداومين على الصلاة والطلب من الله نهاراَ وليلاً أن يعطيهما ابناً يخدمه فى بيته كصموئيل. فاستجاب الرب الدعاء فظهر ملاك الرب جبرائيل ليواقيم وبشره بان امرأته حَنَة ستحبل وتلد مولوداً يسر قلبه, كما ظهر جبرائيل الملاك لحَنَة وزف إليها البشرى بأنها ستلد ابنة مباركة تطوبها جميع الأجيال لان منها يكون خلاص آدم وذريته. وقضت حَنَة أيام حملها فى صلوات واصوام الى أن ولدت بنتاً وسمياها مريم (سيدة), وكان ذلك فى يوم أول بشنس. ولما بلغت مريم 3 سنوات قاما والداها بتقديمها للهيكل لتخدم الرب مع بقية العذارى, وظلت تخدم فى الهيكل حتى بلغت الثانية عشر من عمرها, وكان أبواها قد ماتا وعندما بلغت سن الزواج تشاور الكهنة معاً على زواجها فاختار زكريا الكاهن من شيوخ وشبان يهوذا واخذ عصيهم وكتب عل كل واحدة اسم صاحبها ووضعهم داخل الهيكل فصعدت حمامة فوق العصا التى كانت ليوسف النجار ثم استقرت على رأسه فعقد الكهنة خطبتها على يوسف وعاشت فى بيته الذى فى الناصرة.


بشارة الملاك جبرائيل للعذراء: ظهر جبرائيل الملاك للعذراء مريم وبشرها بميلاد الطفل يسوع ( لو 1: 26-38) وذلك بعد ستة اشهر من ظهوره لزكريا الكاهن وبشارته بميلاد يوحنا المعمدان.


فضائل العذراء:


إذا كانت العذراء قد استطاعت ان تحوى بداخلها الغير المحوى فلقد تجملت بالفضائل الكثيرة التى أهلتها لذلك , ولو كان يوجد من يفوقها من بعدها نقاءً وقداسة لكان الله قد ابطأ قدومه حتى جاء منها لذلك نحن نقول عن العذراء انها قديسة الأجيال وقديسة القديسين.


1- الاتضاع والوداعة : لعل الفضيلة الأساسية والعظمى التى جعلت الرب ينظر إليها انها كانت وديعة إذ قالت "لإنه نظر الى إتضاع أمته" (لو 48:1)


وقد ظهرت وداعة العذراء مريم فى عدة أمور: ‌أ- احتمال الكرامة:


قد يظن البعض إن احتمال الآلام صعب ولكن يجب أن نعرف إن احتمال الكرامة يحتاج الى مجهود اكثر من احتمال الآلام والإهانات وقد قال أحد القديسين:" هناك الكثيرون يحتملون الإهانات ولكن القليلين يحتملون الكرامات" حينما صارت العذراء أماً لله لم تتكبر بل قالت " هوذا أنا أمة الرب" , واحتملت كرامة ومجد التجسد الإلهى منها.. مجد حلول الروح القدس فيها.. مجد ميلاد الرب منها.. ومجد جميع الأجيال التى تطوبها. احتملت كل ظهورات الملائكة لها وسجود المجوس أمام ابنها والمعجزات الكثيرة التى حدثت من ابنها فى ارض مصر بل ونور هذا الابن فى حضنها.


ب- إنكار الذات : حينما كان الرب فى الهيكل وهو طفل صغير وبحثت عنه العذراء ولم تجده مع الأقرباء والمعارف وكان معها يوسف النجار, وأخيراً وجدته فى الهيكل جالساً وسط المعلمين (لو2: 44-49) قالت له العذراء".... هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين" العذراء كانت تعرف ان ابنها ليس ابناً ليوسف ومع ذلك كانت تدعوه أباً له, والأفضل من ذلك أنها كانت تقدمه على نفسها فتقول" ... هوذا أبوك وأنا..." معطية له كرامة أكثر.


‌ج- خدمة الآخرين: خدمة الآخرين تكون مبنية على المحبة والتواضع. القديسة مريم ذهبت إلى أليصابات لتخدمها عندما علمت أنها حبلى مع إنها أم المسيح, إلا إنها لم تمنعها كرامتها من تذهب إلى أليصابات فى رحلة مضنية شاقة ومضنية عبر الجبال وتمكث عندها 3 شهور تخدمها حتى ولدت يوحنا (لو 1: 39-56), فعلت ذلك وهى حبلى برب المجد.


الإيمان: قالت أليصابات للعذراء" ... طوبى للتى آمنت أن يتم لها ما قيل من قبل الرب.." (لو 45:1). فى بشارة الملاك للعذراء كشف لنا جوهر الإيمان العميق فى حياتها, هذا الإيمان الذى تسلمته من أبويها وإزداد نمواً بوجودها فى الهيكل وصلواتها وتضرعاتها المستمرة وحفظها لكلام الرب الذى كانت تخبئه داخل قلبها. و لكى ندرك مقدار وعظمة إيمان العذراء لنقارنه بإيمان زكريا الكاهن ، إن الكاهن الشيخ لم يصدق كلام الله الذى يتم فى حينه (لو 20:1) فلم تكن معجزة ولادة يوحنا من أم عاقر وأب شيخ, هى المعجزة الأولى فى التاريخ إذ سبقتها معجزات, فهوذا إسحق قد وُلد من إبراهيم ذو المائة عام وسارة العاقر (تك 18), وآخرون كثيرون : صموئيل من حَنَة (1صم1), وشمشون من منوح وزوجته (قض13), ويعقوب وعيسو من رفقة (تك 25), ويوسف من راحيل (تك 31:29) . و لكن المعجزة التى لم يسبق أن حدث مثلها فى التاريخ من قبل هى معجزة ولادة المسيح من عذراء بدون زرع بشر, ولكن مع ذلك فان الأمر السهل لم يصدقه زكريا, والأمر الأصعب قبلته العذراء إذ كان لديها رصيد جبار من الإيمان.


2- كان إيمان العذراء يتصف بثلاث صفات:


‌أ- إيمان بلا شك: عندما بشر جبرائيل الملاك العذراء بميلاد المسيح قالت له مريم :"..ليكن لى كقولك..."( لو 38:1) لقد فاقت العذراء الكثير من القديسين والقديسات فهوذا سارة عندما سمعت بشارة الملائكة بميلاد إسحق ضحكت وقالت" ..أبعد فنائى يكون لى تنعم وسيدى قد شاخ.."(تك12:18). ليس سارة فقط لكن هذا توما الرسول يشك فى قيامة السيد المسيح من بين الأموات, وبطرس الرسول الذى إشتهر بكلمة : " إن شك فيك الجميع فأنا لا أشك" قال له السيد المسيح : " ...يا قليل الإيمان لماذا شككت...." مع ان العذراء مريم سألت الملاك :"..كيف يكون هذا..." إلا إنها حينما رد عليها الملاك:"...الروح القدس يحل عليك.." لم تتساءل للمرة الثانية بل آمنت وقالت:"...ليكن لى كقولك..."


‌ب- إيمان بلا جدال: هناك الكثير من النعم التى نفقدها إذا جادلنا وناقشنا وسألنا بعقلنا الجسدى وحكمتنا البشرية.لم يكن غريباً ان عاقراً تلد ولكن الغريب ان تلد عذراء لهذا قال الرب على لسان أشعياء النبى العظيم:"....يعطيكم السيد نفسه آية, ها العذراء تحبل وتلد ابناً...." (أش14:7) ومعروفة قصة سمعان الشيخ وتفكيره فى هذه الآية.


هناك الكثير من أنبياء العهد القديم قد طلبوا من الرب علامات: موسى النبى حين أرسله الله وأعطاه علامات تحويل العصا الى حية وتحويل يده السليمة الى برصاء (خر4).، جدعون وعلامة جزة الصوف (قض6).حزقيا الملك ورجوع ظل الشمس 10 درجات (2مل 20: 9) زكريا الكاهن وعقوبته بالصمت . أما العذراء مريم فلم تطلب لا من الرب ولا من ملاك الرب أي علامة .


‌ج- إيمان بلا خوف:


كثيرون من الذين رأوا الرب أو تكلموا معه أصابهم الخوف مثال أشعياء النبى (أش 5:6), ومنوح وزوجته (قض 23:13).


أما العذراء فلم تؤمن لأنها خافت بل آمنت وهى فى كامل ثباتها وقوتها. حقاً لقد اضطربت بعض الشئ. كان فى قلب مريم خوف الله ولكن لم يكن فى قلبها خوف من الله لأن المحبة الكاملة تطرد الخوف الى خارج.


بين إيمان إبراهيم وإيمان العذراء مريم:


لقد وعد الله إبراهيم بنسل فى الوقت الذى كان فيه قد صار شيخاً, وزوجته سارة كانت عاقراً ولكن " آمن إبراهيم بالله فحسب له براً" (تك 6:15). "فهو على خلاف الرجاء آمن على الرجاء لكى يصير أباً لأمم كثيرة... ولا بعدم إيمان إرتاب فى وعد الله بل تقوى بالإيمان معطياً مجداً لله وتيقن أن ما وعد به الله قادر أن يفعله.."(رو 4: 18-21) فكان إبراهيم بهذا أعظم نموذج للإيمان فى العهد القديم. لقد وضع الملاك غبريال القديسة مريم فى موقف مشابه للموقف الذى كان فيه إبراهيم وسارة حينما سمعا كلمة الله من فم الملاك ،أخبر الملاك العذراء مريم عن حبل أليصابات التى كانت عاقراً فآمنت. والثلاث رجال أخبروا إبراهيم عن حبل سارة أمرأته التى كانت عاقراً فآمن. الملاك يقول لمريم:" ليس شئ غير ممكن عند الله.."(لو37:1). وقال الرب لإبراهيم :"..هل يستحيل على الرب شئ.."(تك 14:18)على العكس تماماً سارة لم تؤمن بكلام الملاك وكذلك زكريا الكاهن حتى إن نفس الكلام الذى قالته سارة فى (تك 18: 12) كرره زكريا فى (لو 1: 18). كل بركات العهد القديم من إبراهيم حتى العذراء مريم كان بدايتها إيمان إبراهيم, وكل بركات العهد الجديد كان بدايتها إيمان العذراء مريم.

03‏/08‏/2010

الايمان يواجه الموت


بينما كان الكل يئنون في الداخل وقد تسللت الدموع من أعين البعض رشم أثناسيوس نفسه بعلامة الصليب وقد امتلأت ملامحه بالبهجة، ثم أغمض عينيه لينم مستريحًا بين يدي اللَّه.
تمالك أخوه نفسه وربت بيده على كتف أثناسيوس وهو يقول له:
" كنت أعجب يا أخي أنك قضيت كل أيام حياتك لا تفارقك بشاشتك العذبة... لكنني الآن أعجب بالأكثر أنك تستقبل الموت كمن ينام مستريحًا... قل لي: ما هو سرّ ذلك؟"
بالكاد فتح أثناسيوس عينيه، وفي بشاشة وجهه مع سلام قلبه الداخلي قال بصوت هادئ:
"لا تعجب يا أخي الحبيب، إني عشت مملوء فرحًا وسلامًا، وأرحل من هذا العالم ترافقني بهجة قلبي وتهليل نفسي، فإن وراء هذا كله هو أنني اعتدت أن أتكئ برأسي على ثلاث وسائد:
وسادة أبوة اللَّه الحانية،
ووسادة قدرته العظيمة،
ووسادة حكمته الفريدة.
تعودت أن أنام كل يوم وأنا مستريح، واستيقظ كل صباح متهلل النفس... كان إلهي يرعاني حتى في أحلامي، وها أنا ذاهب إليه لكي أتكئ في أحضانه الإلهية، أراه وجهًا لوجه، وأتمتع بكمال أسراره الفائقة!"
امتلأت نفوس الحاضرين فرحًا، وكانت قلوبهم تتغنى قائلةً: نم مستريحًا على الوسائد الإلهية المريحة!"

بأبوتك الإلهية مع قدرتك وحكمتك امتلئ فرحًا.
أراك مبادرًا بالحب، عاملاً لحسابي!
أدرك أن لي موضعًا خاصًا على صدرك يا حنان!
لي نصيب خاص في أحضان الآب.
لي حق التمتع بسكنى روحك القدوس فيّ!
من يقدر أن ينزع سلامك عني؟!

أسد يحتقر فأراً



 

+ إستيقظ أسد من نومه فجأة على أثر سقوط فأر على إحدى قدميه الأماميتين . اضطرب الأسد في عرينه ، لكنه إذ رآه فأرا أمسك به وبكل سخرية قال له :" ألا تعلم أن ملك الحيوانات نائم ؟ كيف تجاسرت ودخلت عرينه ؟ كيف تلعب وتلهو ولا تخف منه؟ 

+ أدرك الفأر أن مصيره الموت المحتوم ، فتمالك نفسه وقال : 

" سيدي جلاله الملك ، إني أعلم قوتك العظيمة وسلطانك .

إني فأر صغير للغاية أمام قوة جبروتك .

لا يليق بملك عظيم أن يقتل فأراً صغيراً محتقراً .

إني لا أصلح أن أكون وجبة لك ، إنما يليق بك أن تأكل إنساناً أو ذئباً سميناً أو ثعلباً الخ.

أرجوك من أجل عظم جلالك أن تتركني" .

+ في استخفاف شديد قال له :" ولماذا أتركك وأنت ايقظتني من نومي ؟ فإن الموت هو أقل عقوبة لك ... فتكون درساً لاخوتك !" 

+ بدموع صرخ الفأر : " يا سيدي الملك . الكل يعلم عظمتك ويدرك أنه لا وجه للمقارنة بينك وبيني أنا الضعيف والصغير جداً . ارحمني واتركني هذه المرة ، وأعلم يا سيدي أنه ربما تحتاج إلىّ!" 

ضحك الأسد مستهزءً وهو يقول :" انا محتاج إليك ، كيف تتجاسر وتقول هذا؟"

اضطرب الفأر جداً ، لكنه تجاسر فقال :" سيدي جلالة الملك ، اتركني ، وسترى بنفسك حاجتك إلى ضعفي ".

القاه الأسد وقال :" سأرى كيف يحتاج ملك الوحوش إلى من هو مثلك ".

أنطلق الفأر جارياً وهو يقول: " شكراً يا سيدي الملك . أن احتجت إلى لتزأر ، فتجدني في خدمتك ".

+ بعد أيام قليلة سقط الأسد تحت شباك صياد ماهر، فزأر الأسد بكل قوة . اضطربت كل حيوانات البرية فزعاً ، أما الفأر فإذ سمع زئير الأسد انطلق نحو الصوت . وإذ رأته الحيوانات تجري سألته عن السبب ، أما هو فقال لهم :" أني اذهب إلى جلاله الملك لأفي بوعديّ!"

4 ذهب الفأر إلى الأسد فوجده حبيساً في شبكة صياد . طلب الفأر من الأسد أنك يزأر، وبدأ يقرض الشبكة بكل قوته ، وكان العمل شاقاً للغاية . وإذ قرض جزءًكبيراً انطلق الأسد من الشبكة وهو يقول :" الآن عملت أن الملك مهما بلغت قوته وعظمته لن يتمتع بالحياة والحرية دون معونة الصغار الضعفاء .

+++

كل كائن محتاج إلى غيره !"

بحبك طلبت من السامرية :

محتاج أن أشرب !

وباتضاعك قلت لتلميذيك عن الأتان والحمار

المعلم محتاج إليهما .

أنت سيد الخليقة كلها .

أنت مشبع الجميع .

علمني أن أشعر باحتياجي لكل أحد ،

بروح فلأتواضع الممتزج بالحب ،

أدرك حاجتي إلى الكل.

فأحب وأحترم كل صغير .

.