29‏/10‏/2012

† حياتنا رسالة وهدف - للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى





رسالتنا فى الحياة ..
 + لقد خلقنا الله لأعمال صالحة يجب ان نقوم بها ونؤديها، وكما ان اي صانع لمعدة ما يكون له هدف  وتصور من صناعتها ، ويسعى ان تحقق هذه الالة هدفها والا تصبح معطله وعديمة القيمة ، حينئذ يعمل على إصلاحها والا تباع فى سوق الخردة ليتم تدويرها الى شئ اخر او تلقى بين المهملات.  ان محبة الله الغافرة والصابرة تعمل على تقويمنا وتهذيبنا وإصلاحنا لنكون أمناء على الوزنات المعطاة لنا وننميها ونربح بها أنفسنا وأخوتنا وملكوته السماوي { من يحب نفسه يهلكها ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها الى حياة ابدية} (يو 12 : 25) . علينا اذن ان نفكر ونعمل من أجل معرفة الهدف الذى يريده الله من وجودنا وتقييم حياتنا ومحاسبة أنفسنا لاسيما ان العمر يمضى وتجرى بنا السنين والايام فحياتنا أوقات ومن يضيع أوقاته يضيع حياته ومن يستغلها حسنا فى محبته لله والخير والغير  ويحيا حياة الفضيلة والبر فانه ينال إكليل الحياة { جاهد جهاد الايمان الحسن وامسك بالحياة الابدية التي اليها دعيت ايضا واعترفت الاعتراف الحسن امام شهود كثيرين} (1تي  6 :  12).
+  لا يستهين أحد منا بقدراته وإمكانياته .اننا فى يد الله نستطيع ان نكون قوة وبركة فخمسة ارغفة صغيرة لدى فتى قدمها ليد الرب القدير أشبعت خمسة الاف رجل ماعدا النساء والأطفال ورجل غريب فى بلد بعيد قديما هو يونان النبي الهارب قاد المدينة كلها للخلاص { واختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء واختار الله ادنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود} (1كو  1 :  27-28) . لقد تعلل موسى النبي عندما كلمة الله ان يذهب الى مصر لاخراج الشعب من العبودية بانه ثقيل الفم واللسان ورفض المهمة وعاد الله يلح عليه ويقدم له البراهين حتى أقنعه وهل كان الله عاجز عن إخراج الشعب بغير موسى ؟ كلا طبعا ! ولكن الله يريد ان يشركنا معه فى العمل. كما رفض إرميا النبي الدعوة محتجا بصغر سنه {فكانت كلمة الرب الي قائلا. قبلما صورتك في البطن عرفتك و قبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب. فقلت اه يا سيد الرب اني لا اعرف ان اتكلم لاني ولد. فقال الرب لي لا تقل اني ولد لانك الى كل من ارسلك اليه تذهب وتتكلم بكل ما امرك به. لا تخف من وجوههم لاني انا معك لانقذك يقول الرب. ومد الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس} (ار4:1-)10. ولقد استخدمه الله بقوة لينادى فى الشعب بالرجوع الى الله ونادى بالتوبة بالدموع والكلمة والحكمة والمثل . وكل واحد منا مدعو للإشتراك فى كل عمل صالح والقيام برسالة سامية على الارض وفى مجتمعه.
+ لقد جاء السيد المسيح ليهبنا حياة أفضل على الأرض وفى النهاية الحياة الأبدية السعيدة { وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته} (يو  17 :  3) ان معرفتنا لله هي حياة ابدية كما ان نمونا فى هذه الحياة بالتلمذة والمحبة ومعرفة مشيئة الله وتتميمها فى حياتنا واجب علينا الى ان نصل الى حياة المحبة والإتحاد بالله والشهادة لفضل من نقلنا من عالم الظلمة الى نوره الحقيقي. يجب ان نكون رائحة المسيح الذكية للذين يخلصون وحتى من لا يؤمنون ويهلكون   { شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان. لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الامور} (2كو14:2-16). ولكن علينا ان نحيا ونعمل كسفراء للسماء { اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله (2كو  5 :  20). اننا لكي نكون هكذا سفراء يجب ان نجيد لغة أهل السماء وان يكون لدينا المهارات اللازمة  والاتصال الدائم بالسماء وفى ذات الوقت ان نكون واعين بالمجتمع الذي نحيا فيها ومتطلباته وهمومه ومصالحه ونرفع بذلك كل يوم صلواتنا وهموم مجتمعنا لله وفى ذات الوقت نسعى لتحقيق دعوة الله للتوبة والمصالحة والسلام  وتحقيق ملكوت الله على الأرض.
+ المؤمن الحقيقي  يقترب من الله وتعاليمه ومحبته كنور للعالم { ثم كلمهم يسوع ايضا قائلا انا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة }(يو  8 :  12). ومن هذا النور ينهل ويتعلم ويحيا وكما يستمد القمر نوره من الشمس وينير ليلا هكذا نحن ناخذ من نور المسيح ونستنير وننير للأخرين {انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل} (مت  5 :  14). نحن نستنير بالإيمان والتوبة المستمرة وبكلمة الله وبالمحبة العاملة فينا وبقيادة روح الله لنا وباعمالنا الصالحة نشهد لإيماننا العامل بالمحبة {  فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة و يمجدوا اباكم الذي في السماوات} (مت  5 :  16).
+ الإنسان المؤمن ضرورة لحياة مجتمعه  يعطيه مذاقة روحية ويسهم بقوة فى حفظ العالم من الفساد ويجعل مجتمعه مقبولا فى عين الله . وكما نحتاج الى الملح فى الطعام فنحن نحتاج للمؤمن فى العالم    { انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس }(مت  5 :  13) . فلكل منا دوره فى أسرته وكنيسته ومجتمعه وكلما كان لنا النضج الروحي كلمنا ساهمنا فى تقدم المجتمع الذى نحيا فيه وإساعده وجعله يقترب أكثر الى الله والى الكمال النسبي الذى يريده لنا الله . نحن بالمحبة الروحية للأخرين نشهد للنور الذى فينا فالله محبة ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله ، والله فيه . نقبل الآخرين كما هم كما قبلنا السيد المسيح لمجد الله الاب فى مرونة وإنسجام حتى من يعارضنا مصلين من أجل الجميع ، نؤثر فى من حولنا ونقبل ما يتوافق مع مبادئنا ونرفض فى أدب ما يتعارض مع أخلاقنا وقيمنا المسيحية . نخدم فى محبة للجميع من كل القلب ، نحب الله والناس ونبذل من وقتنا ومالنا ومشاعرنا كل الوقت على قدر طاقتنا دون إنتظار لمقابل من أحد فناخذ المكافاة من الله واثقين ان حتى كأس الماء المقدم للغير فى محبة لا يضيع أجره .

لحياتنا قيمة ومعنى ...

+ لقد خلقنا على صورة الله ومثاله { فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم } (تك  1 :  27) . خلقنا الله بروح خالده لا تفنى بل بعد الموت تنتقل الروح وترجع الى خالقها لتحيا الى الأبد . وجعل الله للإنسان سلطانا على كل الكائنات الحية الأخرى بل ان كل المخترعات الحديثة فى مجال الهندسة والطب والصناعة والتكنولوجيا والعلوم تشهد على عظمة الخالق فى الإنسان كاهن الخليقة وتاجها. وعندما سقط الإنسان وتمرد وطرد من الفردوس تعهده الله بالأنبياء وفى ملء الزمان تجسد الإبن الوحيد ليعلن لنا محبة الله { لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية} (يو  3 :  16). وقد أقتنانا له بالدم الثمين على عود الصليب { لانكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في اجسادكم  وفي ارواحكم التي هي لله} (1كو  6 :  20) {قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس} (1كو 7 : 23).
+ انت سواء كبير أم صغير ، رجل أم أمراة، وذو وظيفة او عمل مرموق أو بسيط ، مخلوق لاعمال صالحة لتعملها فلا تنسى اذن قيمتك ثمينة لدي الله وحياتك رحلة موقته فى كوكب الارض وسترجع قريبا الى وطنك السماوي وهنا لديك الفرصة والوقت للتوبة والرجوع الى الله والإيمان بمحبته الغافرة والمحررة ومن ثم الأثمار حسب طاقاتك ومواهبك وعطايا الله لك { لاننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها} (اف  2 :  10). فانظر كيف تودى عملك بامانة وإخلاص ، وان تكون أمين مع اسرتك واقربائك وكنيستك ومجتمعك ، تحيا فى إنفتاح على الجميع دون تطرف او تسيب او إنغلاق مرضى. فى حكمة مع الجميع دون ان تتنازل عن مبادئك او تحيد عن أخلاقك وتحب الكل مشفقا على الخطاة والمرضى والمحتاجين والمتألمين فرحا مع الفرحين وحزنا مع الحزانى ويجب ان نفرق بين كراهيتنا للخطية ومحبتنا للخطاة وسعينا من اجل خلاصهم من شرورهم.
+ انت تعطى لحياتك قيمة ايضا بما تملك من مواهب وقدرات ووزنات تنميها وتخدم بها الآخرين وتسعدهم لتكون عضوا فعالا فى اسرتك وكنيستك ومجتمعك . أقبل نفسك كما هى كما قبلها المسيح له المجد وأعرف المجالات التي يمكنك التفوق فيها وعليك بتنميتها واستخدمها حسنا وعالج أخطائك واقلع عن خطاياك وآثامك ، وأكتسب عادات إيجابية فى حياتك ومع الوقت تصبح من طباعك. أحبب نفسك محبة سليمة دون أنانية أو تدليل او قسوة مهذبا نفسك بالحكمة واسلك بتواضع قلب مع الجميع فى محبة بدون رياء . أهتم بصحتك الجسدية كوزنة من الله تحمل روحك وإنسانك الداخلي وأهتم بعقلك واستنارته مداوما على التعلم والمعرفة وتطبيقها فى حياتك { لاحظ نفسك و التعليم و داوم على ذلك لانك اذا فعلت هذا تخلص نفسك و الذين يسمعونك ايضا }(1تي  4 :  16).أهتم بروحك وتقويتها بالصلاة والصوم والاسرار المقدسة . أعمل على إكتساب مهارات جديدة فى مجال عملك وقم بتأديته فى محبة فليس المهم ان تعمل ما تحب بل الأهم ان تحب اي عمل تقوم به فرحا بما وهبك الله من وقت وعلاقات مستغلا كل الفرص المتاحة لتقدم الخدمة فى روحانية ومحبة للجميع .
+ علاقاتك بالناس تعطى لحياتك معنى وقيمة ويكون هدفك في علاقاتك هو خلاص نفسك ومن حولك فالخدمات او الحوارات او اللقاءات تكون لها هدف سامى دون جدل عقيم أو نميمة منفرة . المحبة الحقيقة لا تحسد ولا تتفاخر ولا تحتد او تقبح او تظن السوء ، المحبة تحتمل وتصبر حتى ان تعرضت للتجريح أو الإساءة أو الظلم بل تدافع عن الحق فى أدب وتواضع لا بهدف كسب الجدال بل بهدف كسب القلوب والنفوس . نحن نعلم انه  قد لا نستطيع ان نغير الأخرين لاسيما المعاندين والكارهين ولكن يجب ان نعمل على ان لا نزيد العداوة مصلين من أجلهم ومحاولين على قدر إستطاعتنا مسالمة جميع الناس وتغييرهم وتحويلهم الى اصدقاء متى أمكن ذلك . المسيحي لا يكره او يعادى أحد عالما { فان مصارعتنا ليست مع دم و لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع اجناد الشر الروحية في السماويات} (اف  6 :  12) . وكما يعلمنا الكتاب المقدس { فان جاع عدوك فاطعمه و ان عطش فاسقه لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه }(رو  12 :  20). وليست ذلك يعنى انك تريد إحراق عدوك ولكن عندما تعمل معه الخير فانه سيشعر بالذنب ويرجع عن خطئه فقديما كان المذنب او حتى القاتل ياتي بثياب كفنه ووعاء فيه نار على راسه ويذهب الى اهل المعتدي عليه طالبا المغفرة والصفح وكانه يقول انى استحق الموت والحرق ولكنني جئت طالبا المغفرة والسماح فيصفح عنه .
اذن كل يوم فى حياتك فرصة عظيمة لتنمية نفسك وعلاقاتك بالأخرين سواء فى محيط الأسرة الصغيرة أو العائلة او الكنيسة او العمل او المجتمع الذى تنتمى اليه ، تحبهم فتخدمهم ولديك فرصة للنمو فى محبة الله ومعرفته الى ان تصل الى الشركة والصداقة الدائمة معه . عالما انك ابنا لله وهو جاء ليهبك الحياة الفاضلة على الارض والابدية السعيدة فى السماء {وانا اعطيها حياة ابدية ولن تهلك الى الابد ولا يخطفها احد من يدي} (يو  10 :  28) فلتقل اذن كما قال القديس بولس الرسول { لان لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح }(في  1 :  21). { الروح والعروس يقولان تعال ومن يسمع فليقل تعال ومن يعطش فليات ومن يرد فلياخذ ماء حياة مجانا} (رؤ  22 :  17).
انت يالله تعطى حياتي القيمة العظمى ..
+ ايها الرب الهى يا من خلقتني إنسان كمحب للبشر ووهبتني نعمة العقل الواعي والروح الخلاقة والجسد المتقن ووهبتني علم معرفتك والتعلم من وصاياك ومن عمق محبتك جعلتني ابنا لك بالتبني والنعمة أشكرك على كل مواهبك وعطاياك وأصلى لتهبني الحكمة والنعمة والقوة لأفهم رسالتي فى الحياة واقوم بها كالتزام وواجب ومهمة ومسئولية فى محبة لك وللغير ولصنع الخير .
+ انت تريدني اكون سفيرا للسماء اسعى نحو معرفة اراتك وان أعملها داعيا فى حكمة لمعرفتك ، ومقدما للأخرين القدوة والمثل فى الكلام والايمان والصمت والعمل والتصرف فلتهبني ايضا يارب كل الإمكانيات والنعم الغزيرة والثمار والمواهب الروحية التي تجعلني أهلا للقيام بدوري كسفير صالح لك وان كان ذلك صعب على فانا أثق فى نعمتك الغزيرة وانك تهبني من نور نعمتك لاستنير وانير ولو بشمعة الطريق المظلم للأخرين ، لتجعلني ملحا صالحا يعطي مجتمعة مذاقة روحية وأكون رائحتك الذكية للجميع .
+ علمني يا الهي كي أسعى جاهدا فى طريق  التوبة والقداسة لكي ما اجعلك امامي فى كل حين واراك فى كل أحد يقابلني مقدما له محبة وسلاما وبذلا وخدمة ، واري حكمتك وقدرتك فى كل خلائقك ومعها احيا فى إنسجام وتناغم مقدما تسبيحا وشكرا لاسمك القدوس ، فرحا بك اولا ثم بكل هباتك وعطاياك وعندما تشرف رحلة حياتي على الانتهاء ضمني الى بيتك الابوي وأحضانك الإلهية لاعيد معك عيدا لا ينتهى فى عليا سمائك ، أمين .

14‏/10‏/2012

† سلام وسط الأتون- للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى





 
حضور الله وسلامه خلال الضيقات ...
+ كانوا من خيرة الشباب الصالحين والمشهورين بالاستقامة والبر والاخلاص فى اداء عملهم فى خدمة الملك والمملكة وتأمر عليهم الاشرار اثاروا غيظ الملك فامر بالقائهم فى أتون نار محماة سبعة اضعاف، وقد نتسأل لماذا تحدث الامور الرديئة للصالحين، ولماذا الظلم والاعتداء؟ واين هو الله من كل ما يحدث فى العالم من شرور؟ وهل يستطيع الله ان ينجى؟ وهل هو اله لا يبالى بما يحدث لنا؟. وهل لامانتنا لله أجر عنده؟. ان قصة الثلاثة فتية فى بابل قديما تتكرر فى كل جيل بصور شتى، فهناك الذين يعانون من الظلم والاضطهاد الديني والعرقي والجنسى، ومن يقعون تحت نير مع شريك حياة قاسى او بخيل او سادي او  لامبالي ، وهناك من يعانى الآلم والضيق المرضى او النفسي والوحدة والقلق والاكتئاب، وهناك من يقع تحت نير الفقر والحاجة والضيق المالي والاجتماعي وعدم الأمان. وهناك من يفقد عزيزا لديه فى حادث او نتيجة مرض صعب.  فهل يمكن ان نحيا السلام فى وسط الاتون ؟. اننا يجب ان نتذكر ان الله لم يعدنا بحياة هادئة مترفة بل قال لنا { قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم }(يو 16 : 33). ان الله يستخدم التجارب والضيقات كجزء من عمله الحكيم لخلاصنا واعلان مجده، وتتحد الآمنا بالآم المسيح المخلصة لتتجلى فى نفوسنا نعمته الغنية ونحيا فى سلام الله خلال ووسط اتون النار المتقدة للتطهير والتنقية ونسبح الله على عنايته وقيادته لنا عبر رحلة الحياة وما بعدها لنرث أكاليل المجد .
 + سلام وتسبيح وسط اتون النار.. كان الثلاثة فتيه امناء لله وفى عملهم وحسدهم الاشرار وامر الملك ان يلقوا فى الاتون فلنقرأ ما جاء عنهم فى الكتاب المقدس{ فان كنتم الان مستعدين عندما تسمعون صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل انواع العزف الى ان تخروا وتسجدوا للتمثال الذي عملته وان لم تسجدوا ففي تلك الساعة تلقون في وسط اتون النار المتقدة ومن هو الاله الذي ينقذكم من يدي. فاجاب شدرخ وميشخ وعبد نغو وقالوا للملك يا نبوخذنصر لا يلزمنا ان نجيبك عن هذا الامر. هوذا يوجد الهنا الذي نعبده يستطيع ان ينجينا من اتون النار المتقدة وان ينقذنا من يدك ايها الملك. والا فليكن معلوما لك ايها الملك اننا لا نعبد الهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته. حينئذ امتلا نبوخذنصر غيظا وتغير منظر وجهه على شدرخ وميشخ وعبد نغو فاجاب وامر بان يحموا الاتون سبعة اضعاف اكثر مما كان معتادا ان يحمى. وامر جبابرة القوة في جيشه بان يوثقوا شدرخ وميشخ وعبد نغو ويلقوهم في اتون النار المتقدة. ثم اوثق هؤلاء الرجال في سراويلهم واقمصتهم وارديتهم ولباسهم والقوا في وسط اتون النار المتقدة. ومن حيث ان كلمة الملك شديدة والاتون قد حمي جدا قتل لهيب النار الرجال الذين رفعوا شدرخ وميشخ وعبد نغو. وهؤلاء الثلاثة الرجال شدرخ وميشخ وعبد نغو سقطوا موثقين في وسط اتون النار المتقدة. فكانوا يتمشون في وسط اللهيب مسبحين الله ومباركين الرب. ووقف عزريا وصلى هكذا وفتح فاه في وسط النار وقال مبارك انت ايها الرب اله ابائنا وحميد واسمك ممجد الى الدهور. لانك عادل في جميع ما صنعت واعمالك كلها صدق وطرقك استقامة وجميع احكامك حق} (دا15:3 -27). لقد نجا الله الفتية لانهم وثقوا به ورفضوا ان يسجدوا للاصنام من أجل مجد عالمي زائل لا محاله، وكان الله معهم وسط الاتون فتحول الى ندى بارد بل ورايناهم يمشون وسط النيران مسبحين الله فى حضوره معهم. فمتى كان الله فى حياتنا تختفى الضيقة ويحل مجد الله وسلامه وفرحه فى قلوبنا ويشع على من حولنا ونجد التعزية والسلام فى من قال لنا { سلاما اترك لكم، سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب} (يو 14 : 27). ان الله يطمئننا بوعوده الامينة { والان هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا اسرائيل لا تخف لاني فديتك دعوتك باسمك انت لي. اذا اجتزت في المياه فانا معك و في الانهار فلا تغمرك اذا مشيت في النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك. لاني انا الرب الهك قدوس اسرائيل مخلصك} (أش 1:43- 3). لقد أعترف الملك باله الفتية الثلاثة وانقاذه لهم ومن يستطيع ان ينجى من النار سوى الله القادر على كل شئ { فاجاب نبوخذنصر وقال تبارك اله شدرخ وميشخ وعبد نغو الذي ارسل ملاكه وانقذ عبيده الذين اتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك واسلموا اجسادهم لكيلا يعبدوا او يسجدوا لاله غير الههم}( دا 95:3)
+ عالم مريض وسلام فريد.. اننا نحيا وسط عالم ملئ بالحروب والقلاقل والنزاعات الداخلية والخارجية وتضارب المصالح والاهداف وفى حياة الشعوب كما الافراد نسمع كثيرا عن الخلافات حتى بين الاخوة والاقارب، وعن الخصومات والحوادث الماسأوية التي تحزن كل أنسان له ضمير حي، وللأسف الشديد نجد البعض يعطى للبغضة والكراهية طابع ديني وينسب لله صفات تنفر الناس من الله والتدين، واصبح عالمنا يفتقر الى السلام على المستوى الجماعي كما هو الحال على المستوى الفردي، وعندما يغيب الأيمان السليم  يغيب الأمن والأمان والطمأنينة والهدوء. ان فاقد الشئ لا يعطيه. وكيف لمن يمجد القتال والكبرياء ويحيا حياة الخطية والشر ان يحيا فى سلام {لا سلام قال الرب للاشرار} (اش  48 :  22) والله المحب يتعجب ويقول للظالم  كما قال لقايين قديما {ماذا فعلت صوت دم اخيك صارخ الي من الارض} (تك  4 :  10) وهكذا تصرخ الدماء البريئة حتى الان واين يهرب الظالم من يد الله .  
+ مع هذه الآلام  والمعاناة، فان الإنسان المؤمن يحيا فى سلام داخلي عميق لان الرب حصنا وملجا له ومع داود النبي يترنم { الرب نوري وخلاصي ممن اخاف الرب حصن حياتي ممن ارتعب. عندما اقترب الي الاشرار لياكلوا لحمي مضايقي واعدائي عثروا وسقطوا. ان نزل علي جيش لا يخاف قلبي ان قامت علي حرب ففي ذلك انا مطمئن. واحدة سالت من الرب واياها التمس ان اسكن في بيت الرب كل ايام حياتي لكي انظر الى جمال الرب واتفرس في هيكله. لانه يخبئني في مظلته في يوم الشر يسترني بستر خيمته على صخرة يرفعني} (مز1:27-5). نعم نحن نحتاج للسلام الداخلي لنستطيع ان نعطى سلاما لبعضنا البعض وكم يحتاج العالم لقلوب صافية لا تكره وافكار سلام نحو الجميع وسعي حقيقي لصنع السلام {طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون} (مت 5 : 9). لقد دعى اسم الله " عمانوئيل" اي الله معنا وهو يقول لنا من وسط اتون النار " انا معكم" لنثق فى محبته وانه امس واليوم والى الابد ويستطيع ان يخلص من الاتون المتقدة نار ومن فخ المكائد الشيطانية والمجد الباطل ونراه أكثر قوة وحضورا وسط الضيقة والتجارب وعبر درب الآلام وفوق الجلجثة . فالتجربة والمحنة فى حياتنا ليست هزيمة او تخلى من الله بل هي مراهم وادوية علاجية لخلاصنا ومجدنا وبها يختبر الايمان ونرى الله خلال المحنة معنا عبر الزمان والمكان وفى قلب وحياة الانسان المؤمن.
+ كأس الالم والمرارة ... فى خروج الشعب قديما من امام بطش فرعون وصلوا فى البرية الى مدينة تدعى "مارة" وكانت اسم على مسمى اذ ان  حتى بئر المياة فيها كانت مرة ومالحة، وما أصعبه على  شعب فى حر الصحراء ان لا يجد الا المر من الماء!.  وهذا هو ما يروى منه العالم محبيه فى كل جيل . صرخ الشعب الى موسي النبي وصرخ موسى رافعا هموم الشعب الى الله فامره ان يطرح شجرة فى الماء المر وفعل وهنا تحولت المياة المرة الى عزبة وحلوة   { ثم ارتحل موسى باسرائيل من بحر سوف وخرجوا الى برية شور فساروا ثلاثة ايام في البرية ولم يجدوا ماء. فجاءوا الى مارة ولم يقدروا ان يشربوا ماء من مارة لانه مر لذلك دعي اسمها مارة. فتذمر الشعب على موسى قائلين ماذا نشرب. فصرخ الى الرب فاراه الرب شجرة فطرحها في الماء فصار الماء عذبا هناك وضع له فريضة وحكما وهناك امتحنه} (خر22:15-25). ان الشجرة كانت رمزا لربنا يسوع المسيح الذى جاء عنه { ها ايام تأتي واقيم لداود غصن بر} (5:23). وهو الذى قال { وفي اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب} (يو 7 : 37).فان كنت فى وادى المرارة فاصرخ الى الله ولن يتركك ابدا، وسواء على مستوى الفرد او الاسرة  أو الجماعة يستطيع الله ان يخرجنا من وادى مارة. وكما صرخ الشعب قديما من العبودية المرة فارسل لهم الرب موسى ليقودهم للتحرر من العبودية المرة، فانه لله حرب مع عماليق من دور لدور، ونحن نثق فيه كقائد لمسيرة حياتنا { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان} (2كو 2 : 14).
+ فى بذل السيد المسيح ذاته على الصليب راينا مؤامرات الاشرار وتحالف رجال الدين والسياسة مع الرعاع والغوغاء واعوجاج القضاء وكل هؤلاء لن يهربوا من الدينونة العادلة لله، لكن راينا ايضا مشورة الآب السماوي وطاعة ومحبة الكلمة المتجسد وانتصار المحبة الباذلة وسحق الشيطان وفداء العالم، وعندما اراد بطرس الرسول ان يدافع عن سيده بالسيف قال له  السيد المسيح { فقال يسوع لبطرس اجعل سيفك في الغمد الكاس التي اعطاني الاب الا اشربها} (يو 18 : 11). كما صلى القديس بولس الرسول من اجل شوكة المرض ولكن الله كان له راي أخر فقال له { فقال لي تكفيك نعمتي لان قوتي في الضعف تكمل فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح} (2كو 12 : 9). ان الكأس المرة التي تقدم لك يجب ان لا تعتبرها مقدمة بيد قيافا او يهوذا ولا من بيلاطس بل من يد الآب السماوي وبهذا تشربها وانت واثق انها لخيرك وصالح ابديتك وان شاء الله ان تعبر عنك او تشربها حتى النهاية فكن مطمئن لانها ستكون كأس الخلاص { لانه قد وهب لكم لاجل المسيح لا ان تؤمنوا به فقط بل ايضا ان تتألموا لاجله} (في 1 : 29).
مقومات السلام الداخلي
+ الإيمان والصلاة ...  نحن لا نستطيع ان نغير العالم من حولنا ولكننا نستطيع ان نغير من أنفسنا ونحيا فى سلام قلبي وفى سلام مع من حولنا وعلى قدر طاقتنا نسالم جميع الناس ونصلى ونعمل من اجل. السلام.  ان السلام هو عطية من الله يهبها للإنسان المؤمن الذى يحيا فى ثقة بوعوده ويحيا فى مخافته. من أجل هذا السلام نصلي ونطلب ان يمنحنا اياه الله ونقول يا ملك السلام أعطينا سلامك ،قرر لنا سلامك وأغفر لنا خطايانا وهو يعطينا الوعود بان لا نخاف { فان الجبال تزول والاكام تتزعزع اما احساني فلا يزول عنك وعهد سلامي لا يتزعزع قال راحمك الرب} (اش  54 :  10). ورغم الضيقات التي نمر بها  فان الله أمين، لقد نجا الله يونان قديما من بطن الحوت وأنقذ دانيال من جب الأسود، وكان القديس بطرس الرسول فى  السجن مقيدا وهو نائم فى سلام  رغم المصير المحقق الذى كان ينتظره والكنيسة تصلى من اجله فارسل الله ملاكه وفك قيوده وفتح ابواب السجن وخلصه من موت محقق، والله هو هو أمس واليوم والى الابد، ومتى سمح لنا بتجربة او اضطهاد فنحن لانخاف شراً  ولا نجزع من الموت حباً فى من مات من أجلنا { طوبى للمطرودين من اجل البر لان لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لان اجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم} (مت 10:10-12). لقد واجه اجدادنا القديسين كل ظروف الحياة  سلام داخلي عميق لانهم وثقوا فيه وأمنوا بكلامه وهو قادهم فى موكب نصرته. السلام الحقيقي يبدأ بالقلب لا في ساحات المعارك. السلام الحقيقي هو نزع الأحقاد والبغضاء على مستوى كل إنسان لنحيا إنسانيتا الحقة، وعندما يمتلئ القلب بالسلام الحقيقي تُنـزع الأسلحة وتتوقف الحروب، وتحل المحبة مكان الحقد والضغينة والبغضاء. السلام الحقيقي هو انتصار تلك المحبة وسيطرتها على حياة الإنسان المؤمن الواثق فى الله والمصلى اليه كل حين والذى يسلم حياته بين يدى القدير.
+ التوبة وحياة السلام ... ان الإنسان الشرير  لا ينعم بالسلام من اجل هذا قال الإنجيل { لا سلام قال الرب للاشرار }(اش 48 : 22). ولما كان الله اله رأفة ورحمة لذلك هو يدعونا الى التوبة {من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم }(ام  28 :  13). وهو جاء ليهبنا التوبة لغفران الخطايا ولكي ما ننعم بالسلام { فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة} (مر 2 :  17). ولقد أشار الرب الى اهمية التوبة لحياة السلام الد اخلى عندما غفر للمراة  الخاطئة فقال لها {فقال للمراة ايمانك قد خلصك اذهبي بسلام }(لو 7 : 50). ولهذا يجب علينا ان نسرع فى التوبة والإقلاع عن الخطية {لا تؤخر التوبة الى الرب ولا تتباطأ من يوم الى يوم }(سير 5 : 8) ونعترف بخطايانا ونقترب من الله والأسرار المقدسة بتقوى وقداسة وبر ونعمل على إصلاح سيرتنا ومصالحة أنفسنا مع الله  وقبول الغفران منه وحينئذ نستطيع ان نسامح الذين المخطيين الينا { ومتى وقفتم تصلون فاغفروا ان كان لكم على احد شيء لكي يغفر لكم ايضا ابوكم الذي في السماوات زلاتكم } (مر 11 : 25). عندما نعلم ان الله يقبلنا كما نحن لنصير الى حال أفضل نستطيع ان نقبل الآخرين كما هم ونغفر لهم زلاتهم نحونا ونقول مع السيد المسيح المصلوب ظلماً وحسدا {يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون }(لو  23 :  34).
+  الجهاد وعمل النعمة .. لابد ان نجاهد لكي ما نحصل على حياة السلام الداخلي ، ونبتعد عن الغضب والكراهية والشهوات التي تحارب النفس وعلينا بالصلاة طالبين عمل نعمة الله فينا بتواضع وثقة . نعم قد توجد حروب ومعوقات خارجية او داخلية ولنستمع لنصيحة القديس ثيؤفان الناسك لكسب السلام الداخلي ( يوجد اضطراب في الداخل وهذا تعرفه من الخبرة. يجب أن تقضي عليه، وهذا ما تريده وقد قررت ذلك. ابدأ مباشرة بإزالة سبب هذا الاضطراب. السبب هو أن روحنا فقدت أساسها الأصلي، الذي هو في الله، وهي تعود إليه مجدداً بتذكر الله. إذاً، الأمر الضروري أن تتعود على تذكر الله بدون انقطاع، إلى جانب خوفه وتوقيره. كًنْ مع الله، مهما فعلت، ووجّه نحوه كل عقلك، محاولاً أن تتصرّف كما في حضرة ملك. سوف تعتاد على هذا سريعاً، فقط لا تستسلم أو تتوقف. إذا تبِعتَ هذا القانون البسيط بضمير حي، سوف تقهر الاضطراب الداخلي). اننا نجاهد بروح الصلاة الواثقة بعمل نعمة الروح القدس فينا، ليحول الاضطراب الى هدوء والحزن الى فرح واليأس الى رجاء.

+ الهدوء والسلام الداخلي .. الهدوء شجرة حياة لا يموت الذين يأكلون منها  لقد جاء عن مخلصنا الصالح انه كان { لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته} (مت 12 :  19). يجب ان يكون لنا هدوء ورقة اللسان {هدوء اللسان شجرة حياة و اعوجاجه سحق في الروح }(ام  15 :  4).{كلمات الحكماء تسمع في الهدوء اكثر من صراخ المتسلط بين الجهال} (جا  9 :  17) وعندما تحاربنا أفكار الغضب او المرارة من اساءة أحد ما فيجب ان نهدأ ولا نسرع الى الحديث او الرد {ان صعدت عليك روح المتسلط فلا تترك مكانك لان الهدوء يسكن خطايا عظيمة }(جا  10 :  4)  كم مرة تكلمنا ونحن فى لحظات الثورة والغضب فخسرنا أحباء لنا وندمنا ولم ينفع الندم {انه هكذا قال السيد الرب قدوس اسرائيل بالرجوع والسكون تخلصون بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم فلم تشاءوا }(اش  30 :  15). ان كنا لا نستطيع ان نتحكم فى الظروف الخارجية او الضجيج فيجب ان نسرع لاقتناء الهدوء الخارجي من هدوء الحواس والفكر والقلب وعدم التقلب فى الاراء او السير وراء الاهواء وفى الهدوء نتحدث الي الله ونصغى لصوته الحنون ونقتنى بالإيمان نعمة قيادة روحه القدوس لنا ذلك الروح الوديع الهادئ يقودنا فى سلام عبر أمواج وتيارات العالم .

+ المحبة  طريقنا للسلام  ...  المحبة تجعلنا نحيا فى تناغم وانسجام مع الله والناس، فالله محبة ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه. ان محبة الله اذ تدخل القلب تطرد الخوف المرضي الي خارج وتجعلنا نحيا فى سلام. ان الله يقدر ان يحررنا من الخوف والضعف والإضطراب والقلق { فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون احرارا }(يو 8 : 36) . وان ارضى الإنسان ربه جعل حتى أعدائه يسالمونه. المحبة تجعلنا ودعاء ولطفاء . وتعطينا القدرة والحكمة للعيش فى هدوء { البغضة تهيج خصومات والمحبة تستر كل الذنوب }(ام 11 :12). { المحبة تتأنى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ }(1كو  13 :  4) المحبة لا تسقط ابداً .  لنصلى اذا ان يحل سلام ربنا يسوع المسيح  في حياتنا لننعم بالحياة التي فيها نكون منتصرين في كل حين، فعندما نواجه الضعف وتخور قوانا امامنا احدى الامرين، أما ان تخور قوانا ونستسلم للفشل والهزيمة واما نسلم ضعفنا الى الله القوى ومن ثم نثق فيه ليعمل معنا ويهبنا المحبة والسلام والقدرة والطاقة، فلا يطير النوم من عيوننا بل ندع الله يسهر مدافعا عنا ويهبنا الطاقة المتجددة وروحه القدوس وخيراته للذين يحبونه.
 +التطلع الي الأبدية ..  اننا نحيا الان كغرباء على الأرض وكسفراء للسماء يجب ان نحيا وعيون قلوبنا ناظرة الى رئيس ايماننا ومكمله { لذلك لا نفشل بل وان كان انساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوما فيوما. لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا اكثر فاكثر ثقل مجد ابديا. ونحن غير ناظرين الى الاشياء التي ترى بل الى التي لا ترى لان التي ترى وقتية واما التي لا ترى}  (2كو 12:4-16).ومن أجل الابدية السعيدة نحيا فى حياة التواضع وانكار الذات والمحبة نحو الجميع وعدم التعلق بمقتنيات العالم. ان كثيرا من الصراعات الفردية والجماعية تنشأ من الأنانية ونزعات السيطرة ومحبة الذات واللذات ولهذا نجاهد ونفرح لا لشهوة ننالها ولكن لرغبة غير مقدسة نخضعها ونسيطر عليها وضابط نفسه خير من مالك مدينة . أخيرا يا اخوتى اقدم لكم لنتأمل فيما قاله الوحي فى رسالة  القديس بطرس الرسول {  فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه. ملقين كل همكم عليه لانه هو يعتني بكم . اصحوا واسهروا لان ابليس خصمكم كاسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الايمان عالمين ان نفس هذه الالام تجرى على اخوتكم الذين في العالم. واله كل نعمة الذي دعانا الى مجده الابدي في المسيح يسوع بعدما تألمتم يسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم. له المجد والسلطان الى ابد الابدين امين} (1بط 6:5-11). ان مفعول القيامة لا نناله بعد الموت بل هو حقيقة يومية تنشط النفس والروح والجسد وتغفر الخطايا وتنير الذهن وتطهر القلب وتهب القوة للصبر فى الضيقات والانتصار فى الملمات وتنعم لنا بسلام وافراح القيامة وقوتها { لان كل من ولد من الله يغلب العالم وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم ايماننا}(1يو 5 : 4).
ياملك السلام أعطينا سلامك..
+ ايها الرب الاله ياملك السلام، وسط عالم يسوده الإنقسام والصراعات والحروب والأنانية وعدم الهدوء. انت هو سلامنا وقوتنا، منك نستمد السلام ونحيا فى هدوء وإنسجام ، نسعى فى أثر السلام وصنعه ونتصالح معك بالتوبة والرجوع اليك  ومحبتك من كل القلب والفكر والنفس والقدرة ونصلى طالبين ان يحل سلامك فى قلوبنا وحياتنا وبيوتنا وكنسيتنا وبلادنا .
+ انت هو سلامنا ومنك نتعلم كيف نحيا متواضعين ولوصاياك طائعين ولعمل نعمتك وارشاد روحك القدوس منقادين . فعلمنا يارب ان نحيا فى إنسجام ووئام فلا يكون لدينا الإنقسام بين مطالب الروح وشهوات الجسد بل نضبط ذواتنا فى كل شئ مستأسرين كل فكر الى طاعتك، وعندما يهيج علينا العدو فاننا بك نحتمى وفى أحضانك الإلهية نرتمى وبروحك القدوس نجد الرائحة والامن والأيمان الواثق .
+ الهى ومخلصي علمنا ان نكون رسل سلام ووحدة ومحبة ، وارشدنا فى دروب السلام ومسالك الحق والعدل والفضيلة ، انت الهنا القوى وقادر ان تسكت أمواج بحر العالم الهائجة ضدنا وتسد أفواه الأسود وتطفئ سهام إبليس المتقدة نارا . اننا نصلى من أجل السلام الدائم والشامل والعادل فى بلادنا وشرقنا والعالم . فالهم القائمين على أمورنا حكمة وقوة ونعمة ليكونوا صناع سلام ، واشملنا بعطفك ورحمتك لنحيا فى سلام ومحبة وهدوء بك ياربنا ليعظم إنتصارنا  وليجرى السلام كينبوع متجدد فى قلوبنا لمجد اسمك القدوس، أمين .

11‏/10‏/2012

† الاكتئاب وعلاجه الروحي والنفسي - للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى



 

الإكتئاب أسبابه وتاريخه وأعراضه ..
+ الاكتئاب من الامراض التي انتشرت فى عصرنا للعديد من الاسباب كرد فعل مرضى لما يعانيه انسان العصر من الاحباط وخيبة الامل او نتيجة للرغبات المتعارضة وغير المشبعة أو نتيجة للرفض الاجتماعي وضغوط الدراسة أو العمل أو الامراض الجسدية والنفسية المنتشرة أو كنتيجة للخطية او الشعور بالذنب كما ان الصراعات والتغيرات المجتمعية والمشكلات فى محيط الاسرة والعمل والمجتمع مع عدم القدرة على التكيف معها تخلق لدى الانسان درجات متفاوتة من الكآبة قد تكون مزمنة أو متقطعة. كما ان بعض الشخصيات الدورية والقلقة لديها قابلية أكثر للتعرض للحزن والكآبة واليأس وحتى الشخصيات النابغة هي أكثر عرضة لموجات الحزن والكآبة . يقول القديس يوحنا كاسيان (علينا أن نقاوم نوبات الاكتئاب المهلكة ذلك لأنه لو أتيحت لهذه النوبات، عن طريق هجمات متفرقة طائشة، وتغيرات عشوائية غير متوقعة، فرصة التسلط على تفكيرنا، لإعاقتنا باستمرار عن كل استرسال حكيم في التأمل الإلهي، ودمرت تماما وأحبطت العقل الذي ينحدر من حالة نقائه الكامل. ومن ثمَّ يتعذر عليه أن يمارس صلواته كما اعتاد ببهجة قلب، أو أن ينتفع بما تُضفيه مطالعة الأسفار المقدسة من تعزية، أو أن يعامل الاخوة بالهدوء والرفق، بل تجعله عنيفًا، ضيق الصدر في إتمام جميع الواجبات المتعلقة بالعمل والعبادة، وما دامت كل مشورة صالحة قد صارت هباءً، وسلامة القلب تبددت، فإن المشاعر قد تنهار حتى تصل إلى حافة الخبل والسفه، ويستبد بها القنوط جزاء لها). كما يوضح القديس يوحنا كاسيان حسب خبرة اباء البرية القديسين اسباب الاكتئاب قائلا: ( أحيانا يتضح أنه ناتج عن سقطة غضب سابق، أو عن رغبة في بعض الكسب الذي لم يتحقق، حين يجد إنسان ما أنه عجز عن تحقيق أمله في نوال تلك الأشياء التي استهدفها وخطط لها. وأحيانا أخرى، دون أي سبب ظاهر في استدراجنا للوقوع في هذه المحنة تحل علينا فجأة بغواية العدو الخبيث كآبة بالغة لا نستطيع معها أن نستقبل، في أدب لائق، زيارات أقرب الناس وأعزهم إلينا، حتى لنعتبر أن أي موضوع للحديث يطرقونه جاء سقطا وفي غير موضعه. كذلك نعجز عن الرد المهذب بسبب المرارة التي تستولي على كل ركن من أركان قلوبنا.
+ وقد يظن البعض أن الكآبة هي من مرض هذا العصر فقط . بينما نجد انها مرض قديم ناتج عن السقوط والخطية والبعد عن الله  {لا سلام قال الرب للاشرار} (اش 48 : 22) . في العهد القديم، عرف أيوب الكآبة {كَلَّتْ عَيْنِي مِنَ الكآبة، وَأَعْضَائِي كُلُّهَا كَالظِّلِّ} (أى7:17). كما ويقول لنا إرميا: "مَنْ مُفَرِّجٌ عَنِّي الكآبة؟ قَلْبِي فِيَّ سَقِيمٌ." (ار 18:8). وقال عن الكآبة اشعياء النبي انها عديمة الرجاء{ يوم غرسك تسيجينها وفي الصباح تجعلين زرعك يزهر ولكن يهرب الحصيد في يوم الضربة المهلكة والكابة العديمة الرجاء} (اش  17 :  11). وفي العهد الجديد، عرف الرسل وآباء الكنيسة آثار الحزن الذى يقود الى التوبة والخلاص والكآبة الضارة يقول الرسول بولس { لان الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة واما حزن العالم فينشئ موتا}(2كو 7 : 10). القلق والاكتئاب واليأس هم موت عن كل عمل اجتماعي ومهني يُنتَظَر أن ننجزه في هذا العالم، وهو موت روحي كونه يحجب عن النفس نور محبة الله ويتركنا في ظلام اليأس. يقول القديس يوحنا كاسيان عن خبرة أباء البرية حيث اتى من جنوب فرنسا وعشرة لمدة عشرة سنوات بين اباء البرية فى القرن الرابع ( أولا علينا أن نجاهد ضد شيطان الكآبة الذي يطرح النفس في اليأس. علينا أن نطرده من قلبنا. إن هذا الشيطان هو الذي لم يترك قايين يتوب بعد أن قتل أخاه، ولا يهوذا بعد أن خان معلمه). لقد عرف الشيوخ الروحيون في تراثنا الأرثوذكسي الاكتئاب وسعوا الى شرحه والتغلب. بعضهم اعتبره أحد أعراض الغرور الذي كان علاجه التواضع. وحتى فى مجال التوبة وعلاج الشعور بالذنب نحن فى حاجة  إلى مراجعة مفهومنا عن التوبة، فالحديث المستمر عن الخطية فقط  يُحطم الرجاء، لكن الكنيسة الأولى مع دعوتها المستمرة للتوبة ركزت أنظارها على الصليب والقيامة ومحبة الله للخطاة ، لتردد النفس { رد لي بهجة خلاصك وبروح مدبر اعضدني} (مز  51 :  12) .
+ ومن أعراض الاكتئاب، روح الحزن التي تسيطر على الانسان، وفقدان الرغبة فى الحياة ، والانطواء والكسل المفرط، البكاء، الضجر المستمر، الإنهاك، القلق، الأرق واليأس. والهروب من الواقع والتغيب عن الدراسة أو العمل وادعاء المرض وعدم المشاركة  فى الحياة الاسرية والاجتماعية او التهجم على الغير لدى الشخصيات العدوانية .هذه كلّها إشارات إلى ضرورة عدم إهمال الأمر والحاجة إلى تفحّص النفس بشكل دقيق. يحتاج الإنسان إلى البحث في داخله عن الأوهام المحطَّمة في حياته، وعن الأحلام المخبأة من دون أن تتحقق، وعن الغضب المكبوت، وعن الأمور التي يمنعه غروره من الاعتراف بأنّها أثّرت فيه. فالاكتئاب هو حاجز يمنع الإنسان من الشركة والتعاون مع الغير والتمتع بثمار تعبه. الاعتراف بما نعانى ضروري لأن الرفض والكبت يساهمان في تنمية الاكتئاب. ان اليأس وصغر النفس وفقدان الهدف يدفع النفس إلى حالة من الكآبة تهدم كيان الإنسان الداخلي، وتُحطم رجاءه في الرب.

خطوات فى علاج الاكتئاب..
الإيمان بالله والثقة فى النفس ...
+ لابد ان يكون لنا إيمان بالله القادر على كل شئ، والذى يستطيع ان يعيننا { فقال له يسوع ان كنت تستطيع ان تؤمن كل شيء مستطاع للمؤمن} (مر 9 : 23). لقد جاء السيد المسيح لتكون لنا الحياة الافضل { واما انا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم افضل} (يو 10 : 10). ولان السيد المسيح  له المجد تألم مجربا فهو قادر ان يعين المجربين (عب 18:2). لقد جاء فى النبؤة عنه { محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به. لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا} ( اش 3:53-6). وفى بستان جثيمانى عانى الاكتئاب وقال لتلاميذه { فقال لهم نفسي حزينة جدا حتى الموت امكثوا هنا واسهروا }(مر 14 : 34). ولقد اجتاز الرب يسوع المسيح بوتقة التجارب والصلب ثم قام منتصرا واهبا السلام والفرح والإيمان للمؤمنين . فلهذا يجب ان يكون لدينا وأمامنا اهداف روحية وعمليه وفكرية واجتماعية ومادية نسعى الى تحقيقها حتى نجاهد ونصبر ونبدع ونصبر كما جاء عن السيد المسيح { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله }(عب  12 :  2)
+ يجب ان نفهم ان المسيحية هي دعوة للتمتع بالفرح السمائي لا للكآبة القاتلة. وقد حذر الاباء منها كخطية مرة مؤكدين أن علتها ليس أخطاء من هم حولنا، بل فراغ القلب الداخلي. فقد جاء مسيحنا يطلب منا  التوبة، والحزن البنّاء، المملوء رجاءً، الذى يفتح عينيْ النفس على أبواب السماء لتفرح ويفرح معها السمائيين. كما ان الكآبة لا تتولد من الظروف الخارجية ولكن من رد فعلنا غير الايجابي أو المرضى تجاة الاحداث والظروف. يجب علينا ان نواجه الحياة بروح الرجاء ونعالج مشكلاتنا بالتفكير السليم لتخطى العقبات لان وقوعنا فريسة للقلق والكآبة لا يقدم الحلول بل  يسرق مباهج الحياة وآمالها وطموحاتها، ويحرمنا من  رؤية الله ومن القدرة على العمل والبناء والنجاح  ففي أعماق اليأس نحن لا نستطيع ان نصلّي وقد نفقد الرجاء ونرى أنفسنا مقطوعين ومنفصلين عن الله او انه غير راض عنا بل وخصمنا مع ان الله كلى الحنان والمحبة لاسيما على مثل هؤلاء الذين فقدوا طوق النجاة.
+ لقد كان الفتية قديما فى أتون النار واذ بهم يسيرون والله فى وسطهم وهو يسبحون الله، كما ارسل الله ملاكه ليسد افواه الاسود عن دانيال النبى، وأعد الله حوتا لينقذ يونان النبى من الغرق، وأتى السيد المسيح للتلاميذ وهم تتقاذفهم الامواج وتعصف بهم واسكت البحر وهدأ الرياح. ونحن يجب ان نصلى من القلب والفكر ليمد يديه ويخرجنا من الظروف الصعبة. ان الآلام والاحزان التي نمر بها ما هي الا أدوية ومراهم للغوص داخل أعماق النفس وتعميق الأساس لبناء قوى للشخصية للارتفاع والنهوض والتحدي والانتصار بالإيمان فى الله وفى نفوسنا وقدراتنا الكامنة فى النفس للنجاح والتفوق. وما المنحنيات والمنخفضات فى الحياة الا مرحل نتسلق ونصعد بها الى قمة الجبل ويجب ان نتعلم حتى من أخطائنا وضعفاتنا الدروس والعبر ومتى منحنا القدر ليمونة حامضة  نستطيع ان نصنع منها عصيرا طيب المذاق.
التوبة  والقيام والتطلع للأبدية السعيدة ...
 + ان كان الاكتئاب نتيجة للشعور بالذنب فيجب ان لا نهرب من الله او من أنفسنا بل يجب ان نرجع الى الله بالتوبة والاعتراف ونثق قبول الله للخطاة بل سعيه الى خلاصهم {فاذهبوا وتعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة} (مت 9 : 13). يجب ان نعلم انه لا توجد خطية مهما بلغت تستطيع ان تغلب مراحم الله وهو الذى يدعو ثقيلى الاحمال الى الراحة  معه وفيه  { تعالوا الي يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال وانا اريحكم } (مت 11 : 28). لقد غفر الله لداود النبى خطاياه واصبحت مزامير التوبة التى رتلها مجال للتعلم منه والصلاة بها وقبل المرأة الخاطئة ودافع عنها وغفر لها ووهبها سلامه. وهكذا عبر التاريخ راينا تغيير وتوبة شاول مضطهد الكنيسة واغسطينوس ومريم المصرية وكثيرين فلا تصدقوا الشيطان فى إدعائه بثقل خطايانا أو قوله بعدم قبول الله أو رفضه لنا . فان اقسى أسلحة الشيطان هو قيادتنا الى اليأس وقطع الرجاء واعظم الاسلحة للانتصار هو الرجاء والثقة فى محبة الله وقدرته الى تحويل الخطاة الى قديسين.
+ يحذر القديس يوحنا من العلاج المرضى للكآبة بالانعزال والانطواء والبعد عن التعامل  بل يجب علينا ان نقتنى فضيلة الصبر والاحتمال لنصل الى الكمال المسيحي قائلا: ( ينبغي ألا نتخلى عن التعامل مع اخوتنا سعيا وراء الكمال، لكن يحسن أن نزرع على الدوام فضيلة الصبر والاحتمال. لأن جذور سقطاتنا وأسبابها لا علاقة لها بالآخرين إذ هي داخل نفوسنا، تعطى لنا الوصية بألا نتخلى عن الاتصال باخوتنا، وألا نتجنب أولئك الذين نظن أننا أسأنا إليهم، أو هم أساءوا إلينا، بل يلزمنا مصالحتهم وتهدئه نفوسهم، عالمين أن كمال القلب لا يحرزه الإنسان بالابتعاد عن الناس واعتزالهم قدر ما يحرزه عن طريق فضيلة الاحتمال والصبر، التي إذا تمسكنا بها حقا وفرت لنا أسباب السلام حتى مع أولئك الذين يبغضون السلام. لذلك إن لم نحرزها، نصبح على الدوام غير نظراء للكاملين ومن هم أفضل منا، ذلك لأن الرغبة في الابتعاد عن من تربطنا بهم أواصر الوداد لا تدوم طويلا ما دمنا نعيش بين الناس، لذلك لن نحظى بكامل الفرار والنجاة إنما يلزم أن نغير بواعث الاكتئاب التي من أجلها افترقنا عن أصدقائنا الأولين).
+ ان قيامنا ونهوضنا من الفشل وسعينا الى الحياة السعيدة والأفضل لا يعتمد على قوتنا وأنفسنا فقط بل على الله القادر على كل شئ الذى يهبنا القوة والنصرة { يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثر شدة }(اش 40 : 29). ان الله يواصل العمل معنا ويهبنا بروحة القدوس ان نكون على صورته ومثالة وان كانت أوقات الضعف تغرس فينا الادراك المتضع لضعفنا وتدفعنا الى الاتضاع لكنها فى نفس الوقت يجب ان تفجر فينا طاقات الرجاء المتجدد فى الله القوى الذى يقوى الضعفاء { اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء واختار الله ادنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود (1كو 1 : 27- 28). كما ان الفقراء جعلهم اغنياء فى الإيمان{ اسمعوا يا اخوتي الاحباء اما اختار الله فقراء هذا العالم اغنياء في الايمان وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه} (يع 2 : 5). الإيمان مع التوبة والاعتراف والصلاة، والقراءات الروحية وممارسة الاسرار المقدسة  مع وجود الرغبة الصادقة  فى الشفاء، تساعد بقوة للشفاء الروحي للروح والنفس والعقل والجسد .
 من الوسائل التي بها نستطيع أن نقتلع جذور الاكتئاب من قلوبنا كما يقول كاسيان الانشغال بالرجاء فى المستقبل ووعود البهجة الالهية وعدم الحزن على ما يصيبنا من مصائب فكلها وقتية عابرة :( نستطيع بالتأملات الروحية أن نجعل عقولنا مشغولة دائما بالرجاء في المستقبل وتدبر وعود البهجة الإلهية المرتقبة. فبهذه الوسيلة يتيسر لنا الإفادة من كل أنواع هذا الاكتئاب، سواء في ذلك ما نشعر به بسبب العجز عن الكسب، أو ضياع شئٍ ما أو الإساءة إلينا، أو لإثارة طائشة تستبد بالعقل. أولاً، ذلك النوع الذي يملأنا قنوطا مميتا ومن ثمَّ نبتهج بالتغلغل روحيا إلى أعماق الأمور الخالدة والمستقبلية، والاستمرار في الكف عن عدم الاستقرار، فلا نكتئب لما يصيبنا في الحاضر من كوارث، أو نسرف في الابتهاج بالنجاح والازدهار، إنما نرنو بأبصارنا إلى كل حالة منها باعتبار أنها غير ثابتة ومن المحتمل زوالها سريعا). لقد بُهر القديس كاسيان وغيره من رجال الغرب الذين جاءوا إلى مصر ورأوا حتى الصحراء قد تحولت إلى فراديس مملوءة فرحا. عبّر عن ذلك بقوله إنه إذ عبرَ من الإسكندرية حتى أقصى جنوب مصر، كان يسمع صوت التهليل يصدر عن الأديرة والقلالي والمغاير حتى تساءل: تُرى هل هؤلاء ملائكة نزلوا على الأرض أم أناس ارتفعوا إلى السماء.
العلاج النفسي والطبي ...

+ أن أول خطوة في التعامل مع الاكتئاب هي الاعتراف به والسعي الى علاجه. من ثم على الانسان تفحّص نفسه بشكل واقعي وصادق لاكتشاف ما الذي يقلقه بالحقيقة. قد يكون صعبا على المرء أن يفحص نفسه بنفسه، لذا لا بد من أب روحي أو من معالج. مع العلم أن الأب الروحي ليس طبيبا نفسانيا ولا يحق له أن يلعب هذا الدور، كما أن المعالج النفساني ليس أباً روحياً ولا يحق له أن يأخذ هذا الدور. لكل من الاثنين منهجيته التي تتيح له أن يميز الخيط الفاصل بين المرض الروحي والمرض النفسي. من هنا أنّه متى وُجد الأب الروحي صاحب التمييز والمعالج النفسي المؤمن يصير العلاج والشفاء ممكناً.  فالتخلص من الإكتئاب  ممكناً من خلال علاج روحي متزامن مع العلاج الطبي أو سيكولوجي لدى الطبيب الامين لنعرف نفوسنا  وتكون لنا الفرصة لأن يكون الانسان أكثر إنسانية، وشخصاً أكثر امتلاءً واكتمالاً، وأكثر إيماناً وحكمة ومعرفة.
+ ويمكننا أن نستعمل فكرنا لفهم الاضطرابات العقلية ومعالجتها، إن أفضل استعمال لعقلنا اليوم هو البحث العلمي. ان الاضطرابات النفسية كالإكتئاب تصدر عن اعتقادات وفهم مشوه وغير سليم. فلا يجب الحكم بأن أحاسيس الإنسان هي وقائع صحيحة. فقد يكون احساسنا وعواطفنا وحكمنا على الامور خاطئ وعلى سبيل المثال، الناس في أيام كريستوف كولومبوس كانوا يحسّون بأن العالم كان مسطحاً، إلا إنه بالرغم من قوة إحساسهم إنه لم يكن كذلك اثبت العالم كروية الارض.  يتضمن التدخل العلاجي  الفعّال أولاً مساعدة المريض على التعرف على التشوهات الإدراكية ووصفها وتصحيحها. وإعادة تصحيح التشوهات التي تتضمن ثلاث أسئلة مهمة: أين الدليل؟  وهل هناك طريقة أخرى للنظر إلى الأمور؟ هل الأمر هو على ما يبدو عليه من السوء؟  ان ذلك يعيد تقيمنا للامور ويساعدنا  على أن نصبح أكثر نشاطاً عن طريق المعاونة في معرفة  الخطأ، وفهم كيفية حصول الخطأ ووضع خطة لتغيير هذه الظروف لتحقيق أداء أكثر فعالية في الوقت الراهن والمستقبل. وتفاعل هذا التغير في السلوك مع  الفهم الواقعى والسليم للواقع يودئ إلى علاج الاكتئاب وتحسن في الحالة النفسية.
+ كما انه من الامور المفيدة فى معالجة الاكتئاب ان نتحدث عما يحزننا لله فى روح الصلاة ولاشخاص نثق بهم لاسيما ان تقينا أخبارا سيئة أو تعرضنا لأمر مزعج، فالحديث مع من هم قريبون منا يزيح الهموم عنا ويعيننا على ايجاد الحلول الافضل لمشكلاتنا. أن مجرد الحديث عن مشاكلنا مع شخص ما يعتبر من الطرق الطبيعية المساعدة فى الخروج من الاكتئاب . والقيام ببعض التمارين الرياضية ولو رياضة المشي. يساعد على الحفاظ على اللياقة الجسدية، حتى مع الاحساس بعدم بالقدرة على المشي ، ولكن من المستحسن دوما  الحفاظ على النشاط . ويمكن أن يقوم  الانسان ببعض الأنشطة كبعض أعمال المنزل، أو بعض التصليحات المنزلية أو أي عمل من أعمال المنزلية مما يساعد على صرف التفكير بعيدا عن الأفكار المؤلمة التي تجعل الشخص يشعر بالمزيد من الاكتئاب. مع اتباع نظام أكل صحى متوازن والقراءة الروحية  او الاستماع الى البرامج والعظات والترانيم المفيدة تتفاعل معا للقضاء على الاكتئاب.
+ معالجة اسباب الكآبة والتفاؤل .. علينا معرفة اسباب حزننا وروح الكأبة فينا فى ضوء قيادة الروح القدس لنا  { لان من من الناس يعرف امور الانسان الا روح الانسان الذي فيه هكذا ايضا امور الله لا يعرفها احد الا روح الله (1كو 2 : 11). علينا دراسة مشكلاتنا واسبابها وطرق علاجها واتخاذ افضل الوسائل للوصول الى افضل الحلول لها . ولنبقى متفائلين دائما
ولنذكر انفسنا بأننا  نعاني من تجربة عانى منها الكثيرين قبلنا من الكثير من الناس ولا عيب فى مرورنا بتجارب محزنة حتما سنخرج من منها  وبها نكتشف مشاعرنا ونصير أكثر رقة واحساس بمن حولنا ونخرج  أقوى وأقدر على التكيف فهي تساعدنا على رؤية الحالات والعلاقات بشكل واضح ، يمكن أن تكون أقدر على اتخاذ قرارات هامة وتغييرات في حياتنا كنا نتجنبها في الماضي. 
+ بات العلاج النفسي لاسيما فى الازمات النفسية متاحا وواجبا قد يكون من الأسهل الحديث عن هذه المشاعر مع مرشد نفسي أو اختصاصي بالمعالجة النفسية. وهناك أنواع مختلفة للمعالجات النفسية المتوفرة ، وبعضها فعال جدا في حالات الاكتئاب من الدرجة الخفيفة إلى المتوسطة الشدة. المعالجة المعرفية السلوكية تساعد الناس على تجاوز الأفكار السلبية التي تكون أحيانا سبب الاكتئاب . وقد تفيد المعالجات النفسية التحليلية الديناميكية إذا كان الانسان يجد صعوبة في التعامل مع الآخرين. اما فى حالات الاكتئاب المزمن والشديد فقد يقترح الطبيب تناول أدوية  مضادة للاكتئاب. والتي تخفف الشعور بالقلق والاضطراب وتزيد القدرة على التكيف مما يقود الى  الشعور ببهجة الحياة، والتعامل مجددا مع مشاكلهم بشكل فعال
كيف أساعد مصابا بالاكتئاب؟
+  نحن نحيا  ونتعامل فى مجتمع ملئ بالتحديات ونتعامل مع من حولنا فى الاسرة والمجتمع والدراسة والعمل ويجب ان نساهم بجدية وأمانة فى معاونة  الاشخاص الذين نتعامل معهم للتغلب على مشاكلهم، ونشاركهم همومهم واحزانهم ونعمل على سعادتهم . ولهذا يجب ان يكون الانسان مستمعا جيدا لاسيما لمعاناة ومتاعب الغير بروح الصبر والمحبة والتفهم.
+ يجب ان ناخذ بيد المكتئب روحيا  ونعلن له محبة الله وقبوله وسعيه لمساعدتنا للحصول على الشفاء. علينا العمل على مساعدة المكتئب فى استعادة الثقة  بالله وبنفسه وبمن حوله من خلال التجارب الحياتية التى نعيشها ونقرأ عنها. ويمكن طلب مساعدة الاباء الروحيين والمرشدين النفسيين واستشاريي الاسرة فى هذا الشأن.
+  قد يكون علينا الاستماع مرات ومرات لنفس الشئ من الشخص المكتئب. والافضل أن لا نقدم النصائح إلا إذا طلب منا، وحتى  لو كان الجواب واضحا لنا. في بعض الأحيان قد ينشأ الاكتئاب من مشكلة محددة معروفة، وفي هذه الحالة يمكن مساعدة الشخص عن طريق إيجاد حل لهذه المشكلة او على الأقل لمجرد طريقة للتعامل مع هذه المشكلة. ومن المفيد مجرد قضاء وقت مع المريض ويمكن تشجعيه ومساعدته على الكلام ومساعدته على الاستمرار في بعض الأمور التي من عادته أن يقوم بها، والخروج معه لقضاء وقت مشبع ومبهج للنفس.  قد يجد المصاب بالاكتئاب صعوبة كبيرة في تصديق فكرة أنه سيتماثل للتحسن من الاكتئاب. فيمكن مطمئنته بأنه حتما سوف يتحسن، وربما علينا تكرار هذا مرات ومرات .
+ مساعدة  المصاب بالاكتئاب وتوفير الرعاية والتغذية المناسبة. ومساعدته على البقاء بعيدا عن الخمور والمخدرات، وإذا ساءت حالته كثيرا ، وبدأ يبيح عن عدم رغبته في العيش أو حتى مجرد تلمحيه بأنه قد يؤذي نفسه، فلنحمل هذا الأمر على محمل الجد. وأخبار طبيبه بذلك. ومساعدته على تقبل العلاج . ولا  نثنيه ابدا عن تناول الدواء أو عن أن يرى المعالج أو المرشد النفسي .