31‏/01‏/2014

† العمق: أهميته وفاعليته - بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث

العمق: أهميته وفاعليته

بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث

       ونعنى به العمق فى كل شئ: العمق فى الصلاة، وفى التوبة، وفى العبادة عموماً، وعمق الكلمة وتأثيرها، وعمق الخدمة، وعمق العطاء، وعمق الإيمان، وعمق المحبة والصداقة، وعمق الشخصية بصفة عامة.
«« فمن جهة الصلاة كثيرون يصلون، ولكن ليس كل إنسان يصلى بعمق وتكون صلاته مقبولة. وهنا يعجنى قول المرتل "من الأعماق صرخت إليك يارب" يقصد صرخت إليك من عمق القلب والعاطفة، من عمق الاستغاثة، وأنا فى عمق ضعفى وعجزى وعدم قدرتى. من عمق قلبى طلبتك. من عمق الإيمان والثقة بأنك ستستجيب.
        فليس المهم إذن فى طول الصلاة وإنما فى عمق المشاعر التى فيها. والصلاة التى بعمق فيها شعور بالصلة بالله. وهى صلاة بعاطفة وبفهم وتأمل وتركيز، صلاة بحرارة، وبإيمان... صلاة بروح وليست مجرد ألفاظ. فليس المهم فى الصلاة مقياس الطول، بل مقياس العمق. هكذا ينبغى أن تكون صلواتنا، ونحرص أن تخرج من أعماقنا.
«« ومن أمثلة الصلاة التى بعمق، صلاة إنسان مريض بمرض خطير، وهو فى ساعاته الأخيرة وعلى حافة الموت. أنه حينما يصلى فمن أعماقه يتطلع إلى أبديته كيف تكون، أنها صلاة مصيرية لذلك تقال بعمق.
«« إن عملاً واحداً من أعمال الخير يعمله الإنسان بعمق، ربما توزن حياته كلها. ويبقى هذا العمل خالداً، ويسجل فى التاريخ من أجل عمقه.
        مثال ذلك العمق الذى قدم به أبونا إبراهيم ابنه كمحرقة أمام الله. إنه كان فى تقدمته هذه فى عمق المحبة لله، وفى عمق الطاعة له، وفى عمق التسليم للإرادة الإلهية. كان فى أعماق شعوره يحب الله أكثر من ابنه الذى ناله بعد صبر سنوات طويلة.
        ومن أمثلة العمق فى العطاء أيضاً من يقدم عشور أمواله إلى الله، وهو فى منتهى العوز والاحتياج، أو يقدم بكور مرتب كان ينتظره منذ زمن ليسدد ديونه... ومن عمق العطاء أيضاً من يقوم بخدمة غيره أو اعانته فى أهم أيام الأمتحانات، وهو فى حاجة إلى كل دقيقة... أو الذى يقدم أحد أعضاء جسده، تبرعاً لمريض محتاج إليه، حباً فى هذا المريض واشفاقاً عليه... ومن عمق العطاء أيضاً الذى يستدين ليعطى إنساناً معوزاً.
«« أما من جهة العمق فى الخدمة، فنذكر أولئك الذين ذهبوا إلى بلاد شعبها من أكلة لحوم البشر، لكى يدعوهم إلى الإيمان.
        وهناك أمثلة عديدة لأشخاص أبرار كانت لهم خدمات عميقة، وهم لم يكونوا من رجال الدين، ولا ممن يعظون على المنابر. بل كان لهم العمق فى العمل الفردى، وكان كل من يلتقى بهم يجذبونه إلى محبة الله، ويلهبون قلبه بكلمات النعمة التى تخرج من أفواههم.
        ومن أمثلة ذلك الذين يخدمون فى حل المشاكل العائلية، بكل تعب وعمق ومثابرة. وقد يقضى الواحد منهم أياماً طويلة، يسهر ويحاور ويقنع لكى يدخل سلام الله إلى البيت وتحل المشاكل.
        ومن أمثلة الذين يخدمون بعمق، أولئك الذين يعملون كل الجهد لجذب الأولاد المتسكعين فى الشوارع أو فى المقاهى أمام دور اللهو، ويحولونهم إلى أشخاص صالحين.
«« ومن أمثلة العمق: عمق الكلمة التى تأتى بفاعلية كبيرة. مثال ذلك إنسان يكلمك بكلمة نصيحة أو حتى كلمة تحذير. فتلمس هذه الكلمة قلبك، ولا تفارق ذهنك إطلاقاً. تتمشى معك فى الطريق، وتصاحبك فى نومك وفى صحوك. وتعمل فيك عملاً كثيراً. إنها كلمة قد خرجت من العمق، ووصلت إلى العمق. وكان لها تأثيرها وفاعليتها وقوتها. وأصبحت تعمل عملاً عميقاً مثلها.
«« العمق فى العبادة. كثيرون يهتمون بالمظهر الشكلى فى العبادة دون عمقها. فقد يقوم الإنسان بصوم يرهق فيه جسده، ولكن بغير عمق فى العمل الروحى أى فى الانتصار على النفس وفى ضبط الأرادة والحواس والفكر. ولا يكون لهذا الصوم أى تغيير فى حياته وطباعه وأخطائه. أما الذى يصوم بعمق روحى، وتصوم نفسه مع جسده، فهذا ينجح فى حياته الروحية.
        كذلك نفس الوضع بالنسبة للقراءة الروحية وعمقها وتأثيرها. فليس المهم أن تقرأ كمية كبيرة. وإنما ما تتركه هذه القراءة فى نفسك من عمق وتأثير. ما أعجب الذين يكونون من علماء عصرهم فى الكتب المقدسة، ولكن ليس لهم عمق فيها، لا فى الفهم ولا فى التطبيق، ولم يستفيدوا شيئاً.
«« من جهة العمق فى التوبة: نقول أن كثيرين تابوا ورجعوا كما كانوا، لأن توبتهم لم تكن بعمق. أما الذين تابوا بعمق، فقد كانت التوبة نقطة تحول مصيرية فى حياتهم. لم يعودوا إلى الخطية مرة أخرى. بل تدرجوا من التوبة إلى النمو فى حياة البر حتى وصلوا إلى درجات عالية من السمو الروحى.
        إن الذين لهم خطايا يكررونها، لم يتوبوا بعد. والذين لا تصحب توبتهم مشاعر الإنسحاق والندم، والشعور بعدم الاستحقاق، هؤلاء ليس لهم عمق فى التوبة، وما أسهل رجوعهم إلى الخطية.
        من جهة العمق فى الصداقة والحب. قد يوجد صديق لك تدوم صداقته أعواماً طويلة. ثم بسبب نقطة معينة أو وشاية، أو خبر غير صحيح قد سمعه، ينقلب ويتغير لأن صداقته لم تكن بالعمق الكافى ولا بالمحبة العميقة. أما المحبة العميقة فهى مثل محبة الأم لرضيعها. وأعمق مثال للمحبة، المحبة التى تبذل حتى ذاتها.
«« أما من جهة عمق الشخصية، فنقول إن الشخصية العميقة لها عمق فى التفكير والتدبير، وعمق فى الذكاء والفهم. الشخص منهم له ذكاء شمولى، يشمل كل شئ. إذا بحث موضوعاً، يفكر فيه من جميع زواياه، ويعمل حساباً لكل النتائج وردود الفعل. وإذا تكلم يتكلم بعمق. وكل مسئولية تعهد إليه، يتناول كل شئ فيها بعمق. وكذلك التلميذ الذى يذاكر بعمق، فأنه يذاكر بفهم وتركيز، وبعقل منتبه، لا ينسى. ليس المهم عنده عدد ساعات مذاكرته، إنما عمق الفهم والحرص.

28‏/01‏/2014

† صفحة من هوية مصر


صفحة من هوية مصر
أهداء من الاستاذ
   سيد بهي بهي
مع الشكر والمحبة والتقدير

وحين تعددت اﻻرباب
وتداخلت اﻻدوار
واضحي الملك إله
اختلط اﻻمر علي
هذا رب كوني
وهذا رب رسمي
وذاك الرب محلي
واصاب الرأس دوار
غمر الكون سحابة
سريعة انيقة مهابة
تحتضن رضيع
علي حمار منهك
يجره شيخ وديع
تزرع اﻻيمان
برب ضابط وحيد
وعندما حان الحصاد
زارنا مطارد شهيد
هزت قلبه صرخة عفوية
تهتف بالتوحيد
فطافت رأسه حول البلاد
تبشر بالمحبة والعهد الجديد
(2)
قصيدة خريطة مصر
للأستاذ سيد بهي بهي 

علي خريطة مصر
رشم الصبي صليبه
اقلامه في رحلته كانت
كنيسة وشجرة وبئر
الوانه في كل نزلة صارت
صلاة وظلا وطهر
شهداؤه غفروا ﻻباطرة الدماء العشر
لماذا ينزعون اﻵن 
من الخريطة ملحها
ضلعا من اﻻرض
ومن السماء سحابة
وضفة من صفاف النهر
دم الكاروز علي الخريطة دافئا
والرأس طافت داعية
في كل شبر
ﻻتعبثوا بخريطة رسمت بيد الصبي
وإﻻ فاحذروا
غضب السماء علي البشر

† بين التراث والمعاصرة - بقلم نيافة الأنبا موسى

بين التراث والمعاصرة


                                             بقلم نيافة الأنبا موسى

أخطر شئ أن نتوقف عند واحدة من الاثنتين، فإذا توقفنا عند التراث... تحجرنا! وإذا توقفنا عند المعاصرة... اندثرنا!
ذلك أن التراث هو الجذور، والمعاصرة هى الساق الحاملة للأوراق والثمار... فإذا توقفت الجذور عن إمداد الساق بالعصارة الحية، ضعفت الساق، وذبلت الأوراق، وانعدمت الثمار!
وبالعكس... إذا ما استوعبنا التراث، واغتذينا به، تنمو الساق، وتورق، وتزهر، وتثمر!

أولاً: التراث هو الجذور
التراث هو جذور الكنيسة.. فالتراث معناه:
1- أن نستوعب حياة الآباء القديسين، عبر تاريخ الكنيسة الطويل، كنماذج عاشت المسيحية فى عمقها، فصارت أنواراً تضئ لنا الطريقولهذا تضع الكنيسة أمامنا صور الآباء الرسل والشهداء والقديسين على "حامل الأيقونات"، ووجوههم تنظر إلينا، بينما نحن جميعاً ننظر إلى الشرق، وكأنهم يقولون لنا: "ها نحن قد وصلنا إلى قدس الأقداس، تعالوا وراءنا". وهكذا إذ نسير على"آثَارِ الْغَنَمِ" (نش1: 8) لا نضل، ولا نتوه!
2- والتراث هو ما خلفوه لنا من تقليد كنسى... سلمه الآباء الرسل للكنيسة والأجيال، وحفظناه بكل دقة.
3- وهو الشروحات الكاملة لكل أسفار الكتاب المقدس... فقد قام الآباء القديسون بشرح كل أسفار العهدين، بنعمة وحكمة، ومازال هذا التراث محتفظاً ومتاحاً.
4- والتراث أيضاً هو الشرح الممتاز لكل منعطفات الطريق الروحى، وجهادات العمر، وما يمكن أن يصادفنا من مصادمات، ومحاربات، وحيل من العدو، وغوايات خطيرة... إلخ. فالطريق لم يبدأ بنا... بل ساروا فيه قبلنا!.
5- والتراث هو ميراث العقيدة المقدسة، التى انعقدت عليها حياة آبائنا القديسين، إذ فهموها، وعاشوا على أساسها، والتزموا بها، وحاربوا من أجلها هراطقة كثيرين، حفظاً لأساسيات الخلاص، التى بدونها لا خلاص!
 فقد صارعوا مثلاً ضد "آريوس"... الذى طعن فى ألوهية السيدŸ المسيح، فإن لم يكن الرب يسوع هو الإله المتجسد، فما قيمة فدائه لنا؟ سيصير فداءً محدوداً لا يكفى سوى لشخص واحد!
 وصارعوا ضد مقدونيوس... الذى طعن فى ألوهية الروح القدس،Ÿ فكيف يخلصنا إن لم يكن هو الله؟
 وصارعوا ضد "نسطور".. الذى نادى بفصل الطبيعتين فى السيدŸ المسيح فصار الفادى "مجرد إنسان" (فى نظره هو طبعاً).
 وصارعوا ضد "أوطاخى"، الذى أذاب الناسوت فى اللاهوت، فمنŸ يكون المخلص، إذا لم يكن إنساناً كاملاً يمثلنا، ويشابهنا فى كل شئ ماخلا الخطية وحدها؟
 وصارعوا ضد "سابليوس"، الذى جعل الله أقنوما واحداً، فكيفŸ يكون الله هو الباطن، والظاهر، والفاعل؟ وكيف تكون الوحدة الثالوثية، حيث يحب الله الآب ابنه فى الروح القدس؟ ستكون – إذن – وحدة مصمتة، وهذا ضد طبيعة الثالوث القدوس، وضد الكتاب المقدس، وضد اللاهوت السليم... فالله وكلمته وروحه جوهر واحد،لكن ثلاثة أقانيم.
 وصارعوا ضد "ابوليناريوس"، الذى نفى وجود روح إنسانية فىŸ المسيح، مكتفياً باللاهوت، فصار المسيح بلا روح إنسانية، أى لم يكن إنساناً كاملاً... فكيف يمثلنا إذن؟ وكيف مات؟ لقد انفصلت نفسه من جسده، غير أن لاهوته لم ينفصل قط لا من نفسه ولا من جسده.
6- والتراث هو الطقوس المقدسة التى تسلمناها من آبائنا القديسين، حيث صار الطقس وعاءً للعقيدة، يحوى تفاصيلها لنعيشها يومياً، ثم يقدمها لنا فى ممارسة ليتورجية روحية، تشبع أرواحنا وكياننا الإنسانى كله.
أن أبسط قواعد الحياة تقول: "من كان بلا ماضٍ يستوعب دروسه، يكون بلا مستقبل ينمو فيه"... وإذا فقدت الأمم ذاكرتها التاريخية، فقدت مستقبلها أيضاً!
???
ثانياً: المعاصرة هى المستقبل
إذن، بلا تراث... لا نمو، ولا مواجهة سليمة للعصر. ولهذا كانت كنيستنا القبطية الأرثوذكسية – وستظل - كنيسة تستوعب تراثها، فتواجه عصرها، ومن أمثلة هذه المعاصرة:
1- تأسيس مكتبة الإسكندرية لمواجهة الفلسفات المعاصرة فى ذلك الوقت، وللرد على طعون الفلاسفة.
2- إضاف الآباء كلمات إلى القداس الإلهى تناسب القضايا المعاصرة، كما حدث فى عبارات "جعله واحداً مع لاهوته، بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير"... "لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين"... وهذا ليس معناه إضافة عقائد جديدة، فالعقيدة ثابتة ولا تتغير أو تتطور، ولكن الكنيسة قصدت الرد على هرطقات معاصرة حاولت الفصل بين الطبيعتين أو إلغاء أحداها، كما سبق وذكرناه وكمثال آخر نحن حالياً أضفنا فى الطلبة: "نجاحاً للطلبة، عملاً للمحتاجين"... كما أدمجنا فى كنائس المهجر أواشىالزروع والمياه والثمار معاً، لأن هذه الفصول تختلف فى المهجر عما هى فى مصر. وهذه قضايا جاءت بعد القديس باسيليوس، كاتبالقداس الباسيلى.
3- تمت ترجمة القداس إلى اللغة العربية، ثم إلى كل اللغات التى دخل إليها أقباط المهجر: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية واليونانية والهولندية... إلخ.
4- يمكن استخدام "اللوح المقدس" عوضاً عن مذبح مدشن كامل... وهو حل ممتاز للأماكن التى ليس فيها كنائس بعد.
5- تطوير طقس صلاة "الخطوبة" أيام البابا كيرلس الرابع، حيث كانت "عقد املاك" يصعب فسخه، فأصبحت صلوات بسيطة يمكن معها الفسخ بسهولة عند الضرورة.
 كل ما ذكرناه كانت المعاصرة فى شرح اللاهوت، أو ممارسة? الطقوس... لكن هناك معاصرة أخرى فى "أساليب الخدمة"، مثل استخدام الانترنيت، والتواصل عبر "الفيس بوك" و "البال توك" و "اليوتيوب"... إلخ. واستخدام البريد الالكترونى ورسائل المحمول... وكذلك إنشاء قنوات فضائية التى توصل روح وتعاليم الكنيسة إلى كل أنحاء العالم وتدخل إلى كل بيت. وكذلك استخدام "السكايب"، أو "الفديو كونفيرانس"، وغير ذلك من وسائل التواصل الفعال.
 وفى وسائل الإيضاح نستخدم الـ Power Point وغير ذلك من? أساليب تعليمية حديثة، مثل "التعليم بالتعبير"، و "التعليم بالمشاركة"... إلخ.
 وفى أساليب عقد الاجتماعات نستخدم مجموعات العمل، أو الندوة،? أو المحاضرة، أو التمثيل، أوالسكتش، أوالمناظرة... إلخ.
???
خلاصة القول - إذن - هى أن:
1- الإيمان المسيحى... ثابت لا يتغير.
2- العقيدة الأرثوذكسية... ثابتة لا تتغير.
3- الطقوس الكنسية... جوهرها ثابت، وشكلها ممكن أن يتطور قليلاً حسب الاحتياج.
4- وسائل الخدمة... يمكن أن تتطور لتناسب العصر.

???
نحتاج – إذن – أن نستوعب تراثنا الروحى والعقيدى والتاريخى والطقسى والكنسى، لنستطيع أن نواجه العصر باحتياجاته وظروفه وقضاياه...
فمسيحنا " هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ" (عب 13 : 8).
والقديس الأنبا أنطونيوس قال: "من يعرف نفسه يعرف الله، ومن يعرف الله يعرف زمانه".

27‏/01‏/2014

† القديس يوحنا اللإهوتى والحبيب - للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى


القديس يوحنا اللإهوتى والحبيب
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
القديس يوحنا الحبيب ..
القديس يوحنا لقب بالإنجيلى واللإهوتى والرسول والتلميذ الذى كان يسوع يحبه، ومعنى اسمه (يهوه حنون). وقد لقب فى الكتاب المقدس بالتلميذ الذى كان يسوع يحبه { فلما راى يسوع امه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لامه يا امراة هوذا ابنك} (يو 19 : 26)،(يو 20 : 2). وهو ابن زبدى الاصغر ويعقوب اخاه الاكبر وقد كان ابيهم من الجليل وامه سالومي من بين النسوة اللواتى تبعن المخلص وسالته مرة أن يجعل ابنيها عن يمينه وشماله فى ملكوته { حينئذ تقدمت اليه ام ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئا. فقال لها ماذا تريدين قالت له قل ان يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والاخر عن اليسار في ملكوتك. فاجاب يسوع وقال لستما تعلمان ما تطلبان اتستطيعان ان تشربا الكاس التي سوف اشربها انا وان تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها انا قالا له نستطيع. فقال لهما اما كاسي فتشربانها وبالصبغة التي اصطبغ بها انا تصطبغان واما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي ان اعطيه الا للذين اعد لهم من ابي.} ( مت 20:20-23) وقد كان يوحنا صيادا للسمك مع زبدى اباه وكان التلمود يوصى بضرورة ان يتعلم الابناء حرفة منذ الصغر وقد كان اباه غنى ويعمل لدية بعض الاجراء فى الصيد. ويقول ذهبي الفم انه تتلمذ أولا ليوحنا المعمدان مع القديس يعقوب الكبير أخاه الذي قتله هيرودس بالسيف. حتى دعاهما السيد المسيح ان يتبعاه { فدعاهما للوقت فتركا اباهما زبدي في السفينة مع الاجرى وذهبا وراءه} (مر1 : 20). وبقى يوحنا الحبيب مع السيد المسيح حتى فى ساعات المحاكمة الصعبة وتحت الصليب فالمحبة اقوى حتى من الموت ومن على الصليب عهد الرب يسوع المسيح ليوحنا برعاية القديسة مريم { فلما راى يسوع امه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لامه يا امراة هوذا ابنك. ثم قال للتلميذ هوذا امك ومن تلك الساعة اخذها التلميذ الى خاصته.} (يو 26:19-27).
من الغيرة النارية الى المحبة المتناهيه
دعاه المخلص مع أخيه يعقوب (بوانرجس) أي ابني الرعد، لشدة غيرتهما وعظيم إيمانهما. وعندما لم يقبل بعض من أهل السامرة السيد المسيح فى قريتهم فى زيارته لها طلب منه القديس يوحنا ان يهلك الرافضين له { فلما راى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا يا رب اتريد ان نقول ان تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل ايليا ايضا. فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من اي روح انتما.لان ابن الانسان لم يات ليهلك انفس الناس بل ليخلص فمضوا الى قرية اخرى.} ( لو 54:9-56). وقد تعلم وتغير طبعه من الغيرة النارية الى المحبة المتاهية بتلمذته للسيد المسيح حتى انه دعى رسول المحبة. جاء عنه أنه لما شاخ ولم يعد قادرا على الوعظ، كان يحمل إلى الكنيسة ويقف بين المؤمنين مرددًا عبارة "يا أولادي حبوا بعضكم بعضًا" فلما تسألوا عن سبب تكرار نفس العبارة فكان جوابه لأنها هي وصية الرب وهي وحدها كافية لخلاصنا لو أتممناها " احبوا بعضكم بعض" فلقد اوصى السيد تلاميذه قائلا: { بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي ان كان لكم حب بعض لبعض} (يو 13 : 35). وقد بقى القديس يوحنا فى اورشليم يكرز ببشارة الملكوت فى اورشليم واليهودية والسامرة حتى رقاد القديسة مريم وأنطلق بعدها الى اسيا الصغري يبشر (تركيا الان) واسس العديد من الكنائس الى وبسبب نشاطه الكرازي قُبِض عليه في حكم الإمبراطور دومتيان (81-96م) وعذبه والقاه أُلقي في زيت مغلي، فلم يؤثر عليه بل خرج منه أكثر نضرة، مما أثار ثائرة الإمبراطور فأمر بنفيه إلى جزيرة بطمس، وهي إحدى جزر بحر إيجه وتقع إلى الجنوب الغربي من مدينة أفسس وتعرف الآن باسم باتوما أو بالموسا ومازال بالجزيرة بعض معالم أثرية عن سكنى القديس يوحنا بها. وقد مكث بالجزيرة حوالي سنة ونصف كتب أثناءها رؤياه حوالي سنة 95م. ثم أُفرِج عنه في زمن الإمبراطور نرفا (96-98م) الذي خلف دومتيان، عندما أصدر مجلس الشيوخ الروماني قرارًا بعودة جميع المنفيين إلى أوطانهم. وبالإفراج عنه عاد إلى أفسس ليمارس نشاطه التبشيري. وقد تبع الرب وكان عمره يقترب من الخمسة وعشرين عاما وعاش حتى بداية القرن الثاني ومن محبته للسيد المسيح نراه  فى داله يتكأ على صدره في العشاء الأخير ويسأله عن منسيسلمه { فاتكا ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو. اجاب يسوع هو ذاك الذي اغمس انا اللقمة واعطيه فغمس اللقمة واعطاها ليهوذا سمعان الاسخريوطي.} (يو 13 : 25-26). وقد جمع القديس يوحنا الرسول في شخصه بين حب البتولية والعظمة الحقيقية، والبساطة القلبية، مع المحبة الفائقة العجيبة.
من أعمدة الكنيسة الأولي.. كان القديس يوحنا مع اندراوس أول من تبع الرب يسوع في بشارته (يو 1: 40)وبقى معه حتى وقت المحاكمة والصلب وذهب مع بطرس للقبر فجر باكر الاحد ودخل للقبر اولا. هو الذي سجل لنا الخطاب الرائع عن الافخارستيا (يو 6) وهو الذي انفرد بين الإنجيليين بذكر لقاء الرب مع السامرية(يو 4) وموقفه مع المرأة الزانية التي أمسكت في ذات الفعل (يو8) وشفاء المولود اعمي (يو 9) وإقامة اليعازر من الموت (يو 11) وصلاة السيد السيد الوداعية (يو 17). والقديس يوحنا هو واحد من التلاميذ الثلاثة الذين صحبوه في إقامة ابنه يايروس من الموت وفي حادث التجلي وفي جثيماني ليلة آلامه. وبكر مع بطرس وذهب إلى قبر المخلص فجر أحد قيامته وكان حماسه وحبه ظاهرين. حتى أنه سبق بطرس ووصل أولًا إلى القبر وهو الوحيد بين التلاميذ الذي استطاع أن يتعرف على الرب يسوع عندما أظهر ذاته على بحر طبرية عقب قيامته وقال لبطرس هو الرب (يو 21: 7). وقد كان له وضع بارز في الكنيسة الأولي وقد ذكره القديس بولس كاحد أعمدة الكنيسة الأولي { فاذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون انهم اعمدة اعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للامم واما هم فللختان} (غل 2 : 9). ونراه يلازم القديس بطرس أكبر الرسل سنا في الكرازة وفى معجزة شفاء المقعد عند باب الهيكل (اع 3) وأمام محكمة اليهود العليا السنهدرين يشهد المسيح (اع 4) وفي السامرية يضعان أيديهما على أهلها ليقبلا الروح القدس (اع 8).
صاحب الأسفار الخمسة..  كتب القديس يوحنا الحبيب خمسة أسفار من العهد الجديد وهي إنجيل يوحنا،و رسائل يوحنا الثلاث وسفر الرؤيا ويذكر القديس يوحنا ان غاية إنجيله {لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن اللَّه، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه} (31:20). فالرب يسوع المسيح هذا هو موضوع كل النبوات القديمة، وهو ابن اللَّه الواحد معه في ذات الجوهر، والإيمان به قادر على تقديم الخلاص وتجديد الخلقة. وقد لاحظ الدارسون أن كلمة "المسيا" قدمت في هذا الإنجيل وحده دون ترجمة بل كما هي، وكأن القديس يوحنا أراد أن يؤكد أن اللقب هنا إنما عني ما فهمه اليهود. لذا نجده يقدم لنا حديث فيلبس لنثنائيل: "وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء" (45:1)؛ ودعوة أندراوس لأخيه سمعان بطرس: "قد وجدنا مسيا، الذي تفسيره المسيح" (41:1). هذه هي الصورة المسيانية لربنا يسوع نراها منذ بداية إنجيل يوحنا. فهو المسيا الملك الذي طال انتظار اليهود لمجيئه ففي دخول السيد أورشليم "كانوا يصرخون: أوصنا، مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل. هذا الأمور لم يفهمها تلاميذه أولاً؛ ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه" (13:12-16). وأمام بيلاطس اعترف السيد بمملكته (33:18-37)؛ وقد دين كملكٍ لليهود (3:19، 12-15، 19، 20). القديس يوحنا وحده هو الذي أخبرنا أن الجموع طلبته لتقيمه ملكًا فانسحب من وسطهم (15:6)، لأن فهمهم للملك المسياني كملك روحي على المؤمنين يختلف عن فهمهم المادي والسياسي لشخصه المبارك.
 ويرى بعض الدارسين أن الإنجيلي قصد مواجهة مقاومة بعض الحركات الغنوسية الهرطوقية الذين نادوا باستحالة أن يأخذ الكلمة الإلهي جسدًا حقيقيًا، لأن المادة في نظرهم شرّ. لذلك أكد الرسول في إنجيله أن يسوع ابن اللَّه بالحقيقة قد تجسد أيضًا حقيقة، ولم يكن خيالاً، إذ يقول: {الكلمة صار جسدًا}. فما كان يمكننا أن نتمتع بالخلاص ما لم يحمل طبيعتنا فيه، ويشاركنا حياتنا الواقعية. لقد أبرز الإنجيلي السيد المسيح في عرس قانا الجليل وهو يقوم بدور خادم الجماعة. لقد حوَّل الماء خمرًا، وهو عمل فيه خلق، لكنه قام به خلال الخدمة المتواضعة غير منتظرٍ أن يأخذ المتكأ الأول. وعلى بئر سوخار ظهر متعبًا وعطشانًا، وعند قبر لعازر تأثر جدًا بعمقٍ وبكى، وفي العلية غسل أقدام التلاميذ، وعلى الصليب عطش. غاية هذا السفر الربط بين يسوع التاريخي والمسيح الحاضر في كنيسته. محولاً الأحداث التي تمت في حياة ربنا يسوع للإعلان عن شخصه بكونه رب المجد العامل في كنيسته.
ومن أهداف القديس يوحنا أيضا تأكيد لاهوت السيد المسيح. فكتب قول السيد الرب "أنا هو نور العالم"، "أنا هو الطريق والحق والحياة"، "أنا هو القيامة والحياة "، "أنا هو الباب"، "أنا هو الراعي الصالح"،" أنا هو نور العالم"،" انا هو خبز الحياة" وفي الرؤيا: "أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر". فقدم لنا هذا السفر علاقة الابن الأزلية مع الآب، ومعنى هذه العلاقة الفريدة في حياة المؤمنين، ودورها في خلاصهم. أراد الإنجيلي بالكشف عن شخصية السيد المسيح كابن اللَّه الوحيد أن نؤمن به فنخلص بكونه ابن اللَّه الوحيد الجنس وإيماننا بلاهوت السيد المسيح يمس حياتنا وخلاصنا نفسه، لذلك جاء فى اول رسائله تاكيده على لاهوت الرب يسوع والتجسد الالهي والإيمان به ليكون لنا الحياة الابدية { الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رايناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته ايدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة اظهرت وقد راينا ونشهد ونخبركم بالحياة الابدية التي كانت عند الاب واظهرت لنا. الذي رايناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم ايضا شركة معنا واما شركتنا نحن فهي مع الاب ومع ابنه يسوع المسيح.}( 1يو 1-3). واعلن لنا ان الله محبة ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه. واوصى بمحبة اخوتنا {  ايها الاحباء لنحب بعضنا بعضا لان المحبة هي من الله وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله. ومن لا يحب لم يعرف الله لان الله محبة.}( 1يو7:4-8).  ثم كتب لنا سفر الرؤيا والذى فيه نعاين السماء المفتوحة ونعرف عمل الله العجيب وسط كنيسته عبر التاريخ وحتى المجئ الثاني وأنقضاء الدهر وسكنى السماء  لهذا قال القديس يوحنا ذهبى الفم ( ألا ترون أنه ليس بدون سبب أقول إن هذا الإنجيلي يتحدث إلينا من السماء؟ انظروا فقط في البداية عينها كيف يسحب بها النفس، ويهبها أجنحة، ويرفع معه ذهن السامعين. فيقيمها فوق كل الأشياء المحسوسة، أعلى من الأرض والسماء، ويمسك بيدها، ويقودها إلى أعلى من الملائكة أنفسهم والشاروبيم والسيرافيم والعروش والسلاطين والقوات، ويحثها على القيام برحلة تسمو فوق كل المخلوقات.)
محبة القديس لخلاص الخطاة .. من القصص التي تروي عن القديس يوحنا، حبه الشديد لخلاص الخطاة، تلك القصة التي تروي أنه قاد أحد الشبان إلى الايمان وسلمه إلى راعي المكان كوديعة وأوصاه به كثيرًا. لكن ذلك ما لبث أن عاد إلى سيرته الأولى وصار رئيسا لعصابة قطاع الطرق.
وعاد يوحنا بعد مده إلى الراعي وسأله، عن الوديعة واستخبره عن ذلك الشاب تنهد وقال (لقد مات). ولما استفسر عن كيفية موته روي له خبر ارتداده. حزن يوحنا واستحضر دابة ركبها على الرغم من كبر سنه، وأخذ يجوب الجبل الذي قيل أن هذا الشاب كان يكمن فيه. وأمسكه اللصوص وقادوه إلى زعيمهم، الذي لم يكن سوي ذلك الشاب. فتعرف الشاب على القديس يوحنا، وللحال فرَّ من وجهه وأسرع يوحنا خلفه وهو يناشده أن يقف ويسمع له رحمة بشيخوخته. فوقف الشاب وجاء وسجد بين يديه، فأقامه ووعظه فتاب عن إثمه ورجع إلى الله.
حرصه على استقامة الإيمان.. كان يحذر من الهرطقة جدًا، ويظهر هذا الأمر واضحًا في كتاباته المليئة بالتحذير من الهراطقة. ذُكِر عنه أنه دخل يومًا حمامًا فلما وجد فيه كيرنثوس الهرطوقي الغنوسي الذي أنكر تجسد الرب، صاح في المؤمنين: "لا تدخلوا حيث عدو المسيح لئلا يهبط عليكم الحمام!" قال ذلك وخرج يعدو أمامهم فخرجوا وراءه مذعورين! وقد روى هذه القصة إيريناوس على أنه سمعها من بوليكاربوس تلميذ يوحنا الرسول نفسه. ويذكر بوليكاربوس أسقف أفسس أواخر القرن الثاني أن يوحنا كان يضع على جبهته صفيحة من الذهب كالتي كان يحملها رئيس الكهنة كتب عليها " قدس للرب"
رقاده فى الرب ... ولما شعر بقرب انتقاله من هذا العالم دعا إليه الشعب وناوله من جسد الرب ودمه الأقدسين، ثم وعظهم وأوصاهم ان يثبتوا علي الإيمان ثم خرج قليلا من مدينة أفسس وأمر تلميذه وآخرين معه فحفروا له حفرة هناك. فنزل ورفع يديه وصلي ثم ودعهم وأمرهم ان يعودوا إلى المدينة ويثبتوا الاخوة علي الإيمان بالسيد المسيح قائلا لهم: إنني برئ الآن من دمكم، لأني لم اترك وصية من وصايا الرب إلا وقد أعلمتكم بها. والآن اعلموا أنكم لا ترون وجهي بعد. وان الله سيجازي كل واحد حسب أعماله. ولما قال هذا رقد فى الرب فلما علم الشعب بذلك خرجوا جميعهم وبكوه بحزن عميق وكانوا يتحدثون بعجائبه ووداعته وانه وان لم يكن قد مات بالسيف كبقية الرسل إلا انه قد تساوي معهم في الأمجاد السماوية لبتوليته وقداسته وكرازته وجهاده ومحبته. عاش القديس يوحنا حتى نهاية القرن الأول، كآخر من رقد بين تلاميذ السيد المسيح ورسله. وقد عاصر الجيل الجديد من المسيحيين، فكان حلقة الوصل بين العصر الرسولي وبدء عصر ما بعد الرسل. لقد أراد أن يقدم الكلمة الرسولية النهائية عن شخص المسيا، وأن يحفظ الكنيسة من تسلل بعض الأفكار الخاطئة. وقد تنيح بسلام حوالى سنة 100م فى عهد تراجان قيصر كما يذكر لنا المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة.

19‏/01‏/2014

† تأملات فى عيد الظهور الإلهي - للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى


تأملات فى عيد الظهور الإلهي
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
عيد الظهور الإلهي والمعروف شعبيا بعيد الغطاس المجيد، هو العيد الذى أنفتحت فيه السماء على على الارض لتعلن رضا الآب القدوس ومسرته بالبشرية المتمثلة فى الابن الكلمة المتجسد ومن خلاله فى المؤمنين باسمه { وصوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت }(مت 3 :17). ولقد سمى العيد بعيد الغطاس لان السيد المسيح فيه غطس فى ماء الاردن معتمدا من يوحنا المعمدان { فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء واذا السماوات قد انفتحت له فراى روح الله نازلا مثل حمامة واتيا عليه} (مت 3 : 16). وهو القدوس الذى بلا خطية ولهذا رفض يوحنا المعمدان اولا بلباقة ان يعمده { ولكن يوحنا منعه قائلا انا محتاج ان اعتمد منك وانت تاتي الي} (مت3:14). لقد أكمل السيد المسيح فى تواضع ووداعة كل بر واتى ليعتمد معمودية التوبة نائبا عن البشرية الخاطئة وممثل لها ولكي يرسم لنا طريق الخلاص كحامل لخطايا العالم، لهذا اجاب السيد يوحنا المعمدان { اسمح الان لانه هكذا يليق بنا ان نكمل كل بر حينئذ سمح له } (مت3:1). عاش  يوحنا المعمدان ناسكا عابدا لله فى صحراء اليهودية حتى بدأ رسالته فيها ليعمد ويدعو الى التوبة وغايته القصوى اعلان مجئ ابن الله الذى سيعمد بالروح القدس ويحمل خطايا العالم { وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ! هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنْ لِيُظْهَرَ لإِسْرَائِيلَ لِذَلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ» وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائِلاً: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ»} (يو 29:1-34). لقد اشتهى الانبياء مجي الله متجسدا لخلاص البشرية {ليتك تشق السماوات وتنزل من حضرتك تتزلزل الجبال} (اش 64 : 1). وها السموات تنشق ويعلن لنا الروح القدس عمله فينا من خلال ابن الله الكلمة المتجسد { وللوقت وهو صاعد من الماء راى السماوات قد انشقت والروح مثل حمامة نازلا عليه } (مر1 :10).
عيد الانوار...
فى عيد الظهور الإلهي استعلن لنا النور الحقيقي الذى ينير لكل انسان يقبل للنور ويؤمن به ويسير فيه { فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس. والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه. كان انسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور بل ليشهد للنور. كان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان اتيا الى العالم. كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم}( يو 4:4-10). ان الظلمة المقصودة هنا، هي ظلمة الروح بالسقوط والخطية، وظلمة العقل بالجهل وعدم معرفة الله التى تقود للهلاك { قد هلك شعبي من عدم المعرفة }(هو 4 : 6) ألم يقل الكتاب { لانكم كنتم قبلا ظلمة واما الان فنور في الرب اسلكوا كاولاد نور }(اف 5 : 8). ولهذا نرى السيد المسيح يرد على مقاوميه عند ما فتح عيني المولود اعمي عندما قاوموا عمله الخلاصي واغلقوا عقولهم واعينهم وادعوا المعرفة والبصر { فقال يسوع لدينونة اتيت انا الى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون. فسمع هذا الذين كانوا معه من الفريسيين وقالوا له العلنا نحن ايضا عميان. قال لهم يسوع لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية ولكن الان تقولون اننا نبصر فخطيتكم باقية} (يو39:9-41).
ان الله لا يترك نفسه بلا شاهد حتى في أحلك الأوقات { النور يضيء في الظلمة} ليضيء للذين يريدون أن يروا، وليدين الذين اختاروا العمى الروحي لنفسهم. فى عدم اكتراث لوجود النور أو عدم فهم سره. يوجد من احبوا الظلمة اكثر من النور { وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم واحب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة }(يو 3 : 19). لقد استنارت قلوب المؤمنين فى عيد الانوار باستعلان الثالوث القدوس الاله الواحد فالاب من السماء يعلن مسرته بالابن الكلمة المتجسد والابن يعتمد فى نهر الاردن والروح القدس مثل حمامة مستقرا عليه. وهذا ما علمه الرب يسوع المسيح لتلاميذه وبشروا به فى كل مكان وأمنا به ونعيشه بالروح والحق كخبرة إيمانيه يوميه وبه نثق اننا نخلص { فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس. وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} (مت 19:28-20) وهؤلاء الثلاثة هم واحد { فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الاب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد } (1يو 5 : 7). إن بنوة المسيح يسوع لله الآب هي بنوة روحية أزليه أبدية كولادة النور من النور { ايها الاب اريد ان هؤلاء الذين اعطيتني يكونون معي حيث اكون انا لينظروا مجدي الذي اعطيتني لانك احببتني قبل انشاء العالم} ( يو 17 : 24). واعلنت من قبل الملاك لنا قبل الحبل به فى بطن القديسة مريم { فاجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} (لو 1 : 35). واعلنا السيد المسيح فى طفولته فى الهيكل{ الم تعلما انه ينبغي ان اكون فيما لابي } (لو 2 : 49). واعلنا السيد المسيح بوضوح فى بشارته { انا والاب واحد } (يو 10 : 30). اما انه المسيح قد لقب ايضا "ابن الانسان" فلانه تجسد وتأنس فى ملء الزمان من القديسة مريم البتول { والكلمة صار جسدا وحل بيننا وراينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة وحقا} (يو 1 : 14). لقد تجسد الابن الكلمة وصار مسيح للعالم كله ولكل انسان ليحتضن البشرية بالمحبة والتواضع ويعلن لها محبة ومعرفة الآب وغفرانه ويقودها للخلاص والحياة الابدية { عرفتهم اسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به واكون انا فيهم} (يو 17 : 26). ولهذا اوصى السيد تلاميذه باعلان بشري الخلاص للخلقة كلها{ وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها. من امن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن}( مر15:16-16).
 بركات فى عيد الغطاس.. بعماد السيد المسيح رسم لنا طريق الخلاص كما اعلن لنا السيد المسيح فى حديثه مع نيقوديموس بالولادة من فوق لنصير ابناء الله ومن ننال الخلاص والدخول الي ملكوت السموات { اجاب يسوع وقال له الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من فوق لا يقدر ان يرى ملكوت الله} (يو 3 : 3). وعندما تعجب نيقوديموس قائلا { كيف يمكن الانسان ان يولد وهو شيخ العله يقدر ان يدخل بطن امه ثانية ويولد} (يوحنا 4:3) اوضح له الرب يسوع المسيح كيفيه الولادة من فوق { اجاب يسوع الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح} (يو5:3-6).اننا بالتوبة والإيمان والعماد المقدس نولد من فوق ونصير ابناء الله بالتبنى والنعمة { واما كل الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله} ( يو 11:1-13). ويحل المسيح بالإيمان فى قلوبنا { لان كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح }(غل 3 : 27). اننا فى هذا العيد نجدد عهودنا مع الله ان نسلك فى النور كابناء الله لنموت عن شهوات وخطايا العالم ونحيا مع المسيح فى جدة الحياة المقامة {فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما اقيم المسيح من الاموات بمجد الاب هكذا نسلك نحن ايضا في جدة الحياة }(رو 6 : 4) {مدفونين معه في المعمودية التي فيها اقمتم ايضا معه بايمان عمل الله } (كو 2 : 12). ونسهر على خلاص انفسنا بضمير صالح فى توبة عن الخطية التى تدنس الفكر والجسد والروح {الذي مثاله يخلصنا نحن الان اي المعمودية لا ازالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح } (1بط 3 : 21). اننا نصلى طالبين من الرب غفرانا لخطايانا وأثامنا ليقودنا بروحه القدوس لنحيا حياة التوبة المقدسة ونثمر ثمر الروح.
ونفرح مع الشاهد يوحنا المعمدان بسماع صوت عريس نفوسنا ونحيا معه فى فرح روحى { من له العروس فهو العريس واما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من اجل صوت العريس اذا فرحي هذا قد كمل} (يو 3 : 29). ونشهد لمن دعانا من عالم الظلمة الى نوره العجيب، فالشاهد إذا هو من يرى رؤيا واضحة، ويقتدر على الإفصاح عما رأى بكل دقة وأمانة، بلسانه وبحياته وإن لزم الأمر بموته أيضا. لأن الشهادة والاستشهاد مشتقان من مصدر واحد. كما شهد يوحنا بلسانه الفصيح، وحياته النقية الجريئة، فأضحى شاهداً وشهيداً. وعندما نحيا إيماننا ونمتلي بالروح القدس يكون لنا الثمار والمواهب الروحية لنشهد للنور. ولكن هل من حاجة للنور إلى الشهادة؟ أليس النور خير شاهد لنفسه؟ نعم. ولكن الناس يحتاجون إلى الشهادة عن نور المسيح العجيب وسمو تعاليمة وقيمة الروحية الفاضلة لأن السيد المسيح فى تواضعه واخلائه لذاته من المجد لم يأتي في شكل ممجد بل أتانا في "شبه الناس". وان كان له سلطان واعمال الآب { صدقوني اني في الاب والاب في والا فصدقوني لسبب الاعمال نفسها}(يو 14:11). ان تحتاج الناس إلى من يوجه نظرهم إلي عريس النفس البشرية وسيدها لاسيما من يعيشوا في وادي الظلمات ويحتاجوا لمن يعلن لهم نور المسيح العجيب على مستوى شهادة يوحنا المعمدان فى حياة مقدسة فلقد نلنا الإيمان كل الامكانيات اللازمة لنحيا فى قداسة وبر ونشهد للحق وينبغى ان نختبر الحياة بالروح والحق، أمين.