28‏/05‏/2014

† تأملات فى عيد الصعود - لنيافة الأنبا موسى


                  تأملات فى عيد الصعود

                                             لنيافة الأنبا موسى


على جبل الزيتون... حيث علمت أن اليوم هو يوم الصعود... ولاحظت أن التلاميذ قد هرولوا إلى هناك...ليأخذو ابركتك الأخيرة...ويعاينوا صعودك المجيد!! وما هى إلا لحظات...حتى ظهرت لهم بوجهك المنير...وابتسامتك الودودة...ووداعتك المعهودة...وحبك اللانهائى... نيافة الأنبا موسى فرفعت يديك الطاهرتين...وباركتهم جميعاً...ثم انفردت عنهم... وصعدت إلى السماء...صعدت إلى السماء جسدياً...كما علمتنى الكنيسة... جسدك وعروسك...فأنت لم تصعد بلاهوتك فقط...بل بلاهوتك المتحد بناسوتك...فى طبيعة واحدة من طبيعتين...وهكذا أفهم تعليم كنيستك...فى القداسين الباسيلى والغريغورى...ففى الباسيلى نقول للآب السماوى :"أومن أؤمن أؤمن... أن هذا هو الجسد المحيى...الذى أخذه ابنك الوحيد...ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح...من سيدتنا وملكتنا كلنا...والدة الإله القديسة الطاهرة مريم...وجعله واحداً مع لاهوتك...بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير...واعترف الاعتراف الحسن أمام بيلاطس البنطى...وأسلمه عنا على خشبة الصليب المقدسة...بإرادته وحده عنا كلنا...بالحقيقة أؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته...لحظة واحدة، ولا طرفةعين...يعطى عنا خلاصاً، وغفراناً للخطايا...وحياة أبدية لمن يتناول منه" (القداس الباسيلى - الاعتراف).

وفى القداس الغريغورى...نخاطبك أيها الابن الوحيد قائلين:
"لا ملاك، ولا رئيس ملائكة، ولا رئيس آباء، ولا نبياً...ائتمنته على خلاصنا... بل أنت بغير استحالة تجسدت وتأنست...وشابهتنا فى كل شئ ما خلا الخطيئة وحدها...وصرت لنا وسيطاً لدى الآب...والحاجز المتوسط نقضته...والعداوة القديمة هدمتها... وصالحت السمائيين مع الأرضيين...وجعلت الاثنين واحداً...وأكملت التدبير بالجسد...وعند صعودك إلى السموات جسدياً...إذ ملأت الكل بلاهوتك...قلت لتلاميذك ورسلك القديسين...سلامى أعطيكم... سلامى أنا أترك لكم...هذا أيضاً، الآن أنعم به لنا يا سيدنا...وطهرنا من كلدنس، ومن كل غش، ومن كل رياء...ومن كل شر، ومن كل مكيدة...ومن تذكار الشر الملبس الموت" (القداس الغريغورى - الصلح).
وبينما أنت صاعد إلى فوق... فى سحابة مقدسة... وعيون التلاميذ تشخص إليك... وتحدق فيك... فى لهفة ودهشة وتساؤل... هل سنصعد معك يا سيد؟!

أم ستنزل إلينا بعد زيارة خاطفة للسماء؟! أم ماذا بالضبط؟! لم تترك تلاميذك فى حيرة... بل أرسلت إليهم ملاكين قالا لهم: "أيها الرجال الجليليون...ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟! إن يسوع هذا، الذى ارتفع عنكم إلى السماء... سيأتى هكذا، كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء" (أع 11:1).

فرجعوا إلى أورشليم... ومكثوا يصلون فى علية مار مرقس... التلاميذ والعذراء والنسوة ومن معهم... إلى أن حلّ عليهم الروح المعزى فى صوّر ثلاثة :

1 ريح عاصف... فالريح والروح كلمة واحدة... الريح حياة الجسد، والروح حياة الروح!!

2 وألسنة من نار... فالروح هو النار التى تطهرنا من أدناس الخطية...

3 وألسنة جديدة... فالروح القدس هو الذى يعطينا صدق التجديد وإرسالية الخدمة، وإمكانية الكرازة!!

وهكذا أنطلق الرسل يخدمون ويبشرون... حتى نشروا المسيحية فى كل مكان... فى أنحاء العالم المعروف حينئذ...بقوة الروح... وعمق الصلاة... ويقين الإيمان... وفاعلية الكلمة... صاروا شهوداً للرب... + فى أورشليم (القلب)... + وفى اليهودية (الأسرة)... + وفى السامرة (الأصدقاء)... O وإلى أنحاء الأرض (الجميع)... ربى يسوع... مسيح الصعود... اسمح لى بأن آخذ بركات صعودك المجيد... ففى هذا الحدث المبارك أجد لنفسى بركات كثيرة...


1- أعرف أن الجسد هو وزنة مقدسة... وأنه كما شارك الروح فى الخطيئة، سيشترك معها فى المجد!!
فأعطنى أن أقدس جسدى لك... بكل طاقاته وصحته... بكل حواسه ومشاعره... بكل مراحل عمره، حتى إلى يوم اللقاء!!


2- وأعرف أن السماء هى موطنى الأخير... فهى الوطن السمائى الخالد... الذى تشتاق إليه نفسى... والذى يستريح فيه كيانى... من عناء هذا الدهر... وظلمة هذا العالم... وشقاوة هذا التراب!! وكم تفرحنى كلمات قديسك المحبوب... الأنبا موسى الأسود: "أذكر ملكوت السموات... لكى تتحرك فيك شهوته"...


3- وأعرف قوة شفاعتك الكفارية... فأنت الآن فى يمين العظمة... قائم تتشفع فينا بقوة دمك وفدائك... وتغفر لنا خطايانا وآثامنا !! رآك الحبيب يوحنا... جالساً على عرش فى السماء... شبه حجر اليشب الأحمر... رمز الفداء!! والعقيق الأبيض... رمز القداسة!! وقوس قزح حول العرش... رمز الرحمة!! وحولك أربعة وعشرون قسيساً... رمز قديسى العهدين: القديم والجديد... وأمامك سبعة مصابيح... رمز رؤساء الملائكة... أو رمز روحك القدوس العامل فى الأسرار... وقدام عرشك بحر زجاج شبه البلور... رمز المعمودية المطهرة!!


وفى وسط العرش أربعة كائنات مملوءة عيوناً...رمز البشيرين الأربعة!!


الأسد.. رمز مارمرقس.. الذى بدأ إنجيله بالصوت الصارخ...والعجل... رمز مارلوقا... الذى بدأ إنجيله بالذبائح... والإنسان... رمز مارمتى... الذى بدأ إنجيله بالإنسان... والنسر... رمز ماريوحنا... الذى بدأ إنجيله بالكلمة... الكل يسبح ويمجد... ويطرحون أكاليهم عند قدميك... فهم فى الأصل قد أخذوها منك... أنت الخالق القدوس، الفادى المحب!! أنت الماشى وسط المناير!!أنت الممسك بيدك قادة الكنيسة!!أنت الأول والآخر... البداية والنهاية... الحىّ وكنت ميتاً... وها أنت حىّ إلى الأبد!!

4- وأعرف أن صعودك وعد بالملء بالروح... فأعتكف مع تلاميذك الأطهار... لعلى آخذ قبساً مما أخذوه...
فمن أنا حتى يتنازل روح الله إلىَّ؟!

ولكنها محبتك الحانية... وتواضعك المجيد... ووعدك الأكيد... أن "ينسكب روحك على كل بشر" (يؤ 28:2)، (أع 17:2). فأعطنى يارب روحك الذى يبكتنى على كل خطية... والذى يرشدنى كلما احتجت إلى نورك، ويذكرنى بكل ما قلته لى، ويعزينى فى كل آلامى وضيقاتى، ويثمر داخلى بثمارك المقدسة، ويهبنى بعضاً من مواهب خدمتك... لعلى أخدمك ما حييت!!

5- وأعرف أن صعودك وعد بالمجىء الثانى... كما وعد الملاكان تلاميذك الأطهار... وهو وعد أكيد... حينما تأتى لتدين العالم... وتأخذ إليك الأبرار... هناك على السحاب... ثم إلى مجد، فى الملكوت!!

فأعطنى يارب أن أستعد لمجيئك الثانى... بل أن أستعد كل يوم... حتى لا يأخذ أحد إكليلى... الذى يمكن أن تهبه لى... إن تبعتك حتى النهاية!!

قيامتك يارب... نافذة على الخلود... فليكن "ملكوتك فى داخلى" (لو 21:17)... كوعدك الصادق والأمين ،

04‏/05‏/2014

† التدبير الروحي في الخماسين المقدسة - بقلم نيافة الانبا مكاريوس

التدبير الروحي في الخماسين المقدسة
بقلم نيافة الانبا مكاريوس



يشكو الكثيرين أنفسهم في مثل هذه الأيام بأنهم يتراجعون روحياً وتبرد حميتهم الروحية، فالصوم قد توقّف والميطانيات ممنوعة ومسحة النسك التي كانت تغطي السلوك التدبيري قد بهتت.
ولكن فترة الخمسين المقدسة
 إن كانت تشير إلى شيء فهي إنما تشير إلى الأبدية، لا خطايا ولا توبة بالتالي، لا دموع و قرع صدر لأنه الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد، فالطعام روحي "لان ليس ملكوت الله أكلاً و شربًا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس (رومية 14: 17). والسجود بفرح، وفي سفر الرؤيا جاء ذكر السجود للجالس على العرش اثنتي عشر مرة " وكانت الحيوانات الاربعة تقول امين والشيوخ الاربعة والعشرون خروا وسجدوا للحي إلى أبد الآبدين (رؤيا 5 : 14) إذا فالسجود ليس في كل مرة هو سجود التذلل، وانما يمكن أن يتم بمشاعر البهجة الممزوجة بالفرح، مثلما ينحني إنسان أمام أب كاهن أو حتى جده ليقبل يده بودّ وفرح وليس بتذلل. هكذا يوجد السجود في السماء، ويمكن بالأحرى أن يتم على الأرض وفي فترة الخمسين.
إذا هذه الفترة ليست للتسيب وإلاّ فإن ذلك يعني أننا صمنا على مضض مكرهين ! وما أن انتهى الصوم حتى تنفس البعض الصعداء !. لذلك ربما لاحظت أن البعض يتعجّل نهاية القداس ليلة العيد، ومثله من يتعمّد أن يأكل دسماً بشراهة يومي الأربعاء والجمعة خلال الخمسين !!.
أعرف بعض الآباء في البرية والذين اعتادوا الصوم حتى الثالثة كل يوم، فإذا حلت الخمسين حلوا صومهم صباحاً بكسرة خبز بسيطة على أن تكون الوجبة الأساسية في موعدها عند الثالثة، بل منهم من كان له تدبير  - بالاتفاق مع الأب الروحي – على صوم يوم في الاسبوع بمستوى ما خلال هذه الفترة بل وعمل عدد من الميطانيات أيضاً. فإذا لم يحدث شيئا من هذا خلال الخمسين فإننا سنجد صعوبة شديدة في استئناف الجهاد الروحي في صوم الآباء الرسل.
إن الإنسان الروحي يتساوى عنده الصوم مع الطعام فيختار الصوم، والمسوح مع الأرجوان، والتنعم مع الزهد، ففرحه داخلي وتعزيته في المسيح وغايته الأبدية، والقانون هو السمو فوق كل القوانين