بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
هو إله الكل، خالق الكل، والمُعتني بالكل، ورازق الكل. وكل أحد له نصيب فيه. وهو ضابط الكل ومُدبِّرهم. هو إله جميع الكائنات: إله الملائكة والبشر، والحيوان والطير، والطبيعة الجامدة.
مادام اللَّه قد خلق السموات والأرض، فهو إذن إله السماء وكل ما فيها، وإله الأرض وكل ما فيها، وكل ما تحت الأرض، وما بين السماء والأرض.
هو إله الحقول التي يرويها الماء فتحيا وتنمو. وهو إله الزهور الموجودة في الحقول. وإله النحل الذي يمتص رحيقاً من الزهور ويحوله شهداً. وإله الإنسان الذي يأكل هذا الشهد المصنوع من هذا الرحيق.
إنه إله الطيور التي لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وهو الذي يقوتها. وهو إلَه زنابق الحقل التي لا تتعب ولا تغزل، ومع ذلك ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. هو أيضاً إلَه العصفور يُنجيه من فخ الصيادين. وهو أيضاً إلَه الصيادين الذين نصبوا الفخ للعصفور.
هو إلَه الأرواح، وإلَه الأجساد. إلَه الأحياء الذين على الأرض، وإلَه الذين أدركتهم الوفاة وتركوا العالم الحاضر.
إنه إلَه الأقوياء وإلَه الضعفاء. إلَه هابيل الذي قتله أخوه، وأيضاً إلَه ذلك الأخ القاتل.
n إنه إلَه الحُكماء، وإلَه البُسطاء. هو إلَه سقراط وأفلاطون وأرسطو، وهو إلَه أي إنسان أُمي لا يعرف القراءة والكتابة. وهو يفيض بنعمته على هؤلاء وأولئك.
n إنه إلَه الملائكة الذين يُسبِّحونه في السماء قائلين: قدوس قدوس قدوس ... وإلَه الملائكة الذين يرسلهم إلى الأرض لعمل إنقاذ أو لتبليغ رسالة. أولئك الذين يطيعون أمره للفور وينفِّذون مشيئته بدون إبطاء ... وهو في نفس الوقت إلَه البشر الذين يكسرون وصاياه أحياناً أو يترددون في تنفيذ إحدى الوصايا.
n إن اللَّه هو إلَه الأبرار الذين يعيشون في حياة الفضيلة والقداسة. وفي نفس الوقت هو إلَه الخطاة الذين يقودهم إلى التوبة. إنه إلَه أولئك الشيوعيين المُلحدين، الذين على الرغم من إلحادهم أعطاهم القوة والمعرفة لكي يصعدوا في سفينة الفضاء إلى القمر. وأطال آناته عليهم سبعين سنة حتى رجعوا إلى الإيمان ... هو إلَه أوغسطينوس الذي عاش بعيداً عن الإيمان وعن الحياة الطاهرة زمناً طويلاً. إلى أن أرجعه لحياة التوبة وقاده في حياة البِرّ حتى كتب كتاب اعترافاته وقال فيها: " كنت يارب معي، ولكنني لفرط شقاوتي لم أكن معك. لقد تأخرت كثيراً في حبك أيها الحب الذي لا حدود له ".
n إن اللَّه الذي خلق الكُل، وبنفسيات متنوِّعة، لم يطلب من الجميع أن يكونوا في نسق واحد من الحياة. لذلك فهو إلَه البتوليين وإلَه المتزوجين. إلَه النُّسَّاك الذين يعيشون في البراري وشقوق الجبال، وأيضاً إلَه الذين يُجاهدون في خدمة المجتمع وفي العمل وسط الناس. إنه إلَه الذين يعيشون في حياة التأمل والصلاة، وإلَه الذين يعيشون في حياة الخدمة. إنه إلَه القديس أنطونيوس المتوحد في جبل، وإلَه يوسف الصديق الذي كان يعمل كوزير تموين في مصر، يُخزن القمح ويبيعه بحكمة لكي ينقذ الناس من المجاعة. وهو أيضاً إلَه الرعاة الذين يبذلون كل جهدهم في إفتقاد الرعية والإهتمام بها ... إنه إلَه الذين يعملون في مجال التعليم، وفي نفس الوقت هو إلَه الذين يتتلمذون على أيديهم. مُبارَك هو الرب الذي يُشعر كل إنسان أيَّاً كان عمله، وأيَّاً كان وضعه في المجتمع، إنه تحت رعاية اللَّه وتحت حفظه وتحت إهتمامه.
إن اللَّه هو إلَه المرضى الذين يطلبون منه الشفاء، وإلَه الأطباء الذين يُعالجونه. الكل يتطلَّعون إليه، ويضعون حياتهم بين يديه. فهو يُعطي الطبيب الحكمة في معرفة المرض وفي طريقة التعامل معه وعلاجه. وهو يُعطي المريض الصبر وإحتمال المرض والثقة في اللَّه الشافي.
n إن اللَّه يهتم بالكل، ويبقى أن الكل يهتمون بأنفسهم. هو يعمل بنعمته في الجميع، ولكن المُهم أن يستجيب الجميع لعمل نعمته. والبشر في ذلك ليسوا في إتجاه واحد. منهم مَن يناديه اللَّه فيسمع ويسعى وراءه. ومَن يرفض النداء ويرفض السير في طريق اللَّه. وهنا نتذكَّر أيضاً عبارة القديس أوغسطينوس حينما قال للَّه: " كنت معي ولكنني لم أكن معك ".
n وهنا نسأل عن الرافضين للَّه: هل اللَّه أيضاً يرفضهم؟ هو إلَه لهم، ولكنهم لا يريدون أن يكونوا له! ومع ذلك فإن اللَّه الطيِّب والطويل الروح، الذي لا يشاء موت الخاطئ مثلما أن يرجع ويحيا ... هو يطيل أناته على أولئك الرافضين. رُبَّما الذي لا يأتي اليوم، سوف يأتي غداً. والذي لا يريد أن يتوب، يُقدِّم اللَّه له أسباباً كثيرة للتوبة، ومؤثرات تعمل فيه. لأن اللَّه ليس هو إلَه للطائعين فقط، وإنما للعُصاة أيضاً، حتى يُخلِّصهم من عصيانهم بسعة صدره. وإن كان إنسان أضعف من أن يحيا في حياة الفضيلة، فهذا إن تخلَّى عنه الكل، لا يتخلَّى عنه اللَّه. لأن اللَّه هو إلَه الضعفاء أيضاً، يسندهم حتى يقيمهم. إنه مُعين مَن ليس له مُعين، ورجاء مَن ليس له رجاء. وهو يُشجِّع صغيري النفوس، وينتشل الواقعين في اليأس، فيغرس فيهم القوة والرجاء والأمل. إنه يشفق على المساكين، ويعصب مُنكسري القلوب. ويُنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق.
لذلك يا أخي القارئ: لا تُفكِّر أبداً في وقت سقوطك أن اللَّه قد تخلَّى عنك. كلا بل هو يهتم بك بالأكثر، لأنك مُحتاج إليه بالأكثر. حتى إن قَوِيَت عليك الحروب الروحية أو الحروب التي من سائر البشر، فثق تماماً أن اللَّه سوف يتدخل برحمته لكي يعينك وينقذك من تعبك. وإن تعرَّضت إلى خطية متعبة. فقل في ثقة كاملة: إعطني يارب قوة لأصمد وأنتصر. موقناً أن اللَّه ليس فقط إلَه القديسين، إنما هو أيضاً هو إلَه المُحارَبين بالخطية يساعدهم في الانتصار عليها.
.