{ روح الانسان تحتمل مرضه اما الروح المكسورة فمن يحملها} (ام 18 : 14).
أسباب انكسار الروح الانسانية ...
+ فى وسط المتغيرات المتلاحقة التي يواجها الانسان فى عالمنا المعاصر، ومع الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نواجهها فى مجتمعاتنا والصراعات الفكرية والدينية والنفسية تنكسر الروح الانسانية وتئن تحت ثقل الهموم والاحزان والمشاكل وقد تنهار النفس وتنكسر الروح ويمرض الجسد أو يفقد العقل قدرته على التفكير السليم وقد تسأل الحكيم قديما قائلا: {روح الانسان تحتمل مرضه اما الروح المكسورة فمن يحملها} (ام 18 : 14). ان مشاكل العمل وزيادة الاعباء المادية والحاضر غير المستقر والخوف من المستقبل المجهول والضغوط المتزايدة تتسبب فى كثير من المشكلات وتؤدى الى اختفاء المحبة فى البيوت وتفاقم الخلافات التي قد تصل الى الانقسام والخصام وقد تصل الى الانفصال والطلاق. ورغم التقدم التكنولوجي الذى يشهده عالمنا المعاصر الا ان التغيرات المتلاحقة وعدم القدرة على التأقلم معها ولاسيما فى العالم الثالث الذى تنتهك فيه الحريات وتتفاقم المشكلات دون حلول عملية لها أو تخطيط سليم لعلاجها ومع معاناة الانسان من التعصب والجهل والفقر والمرض والكراهية تنكسر الروح وتحتاج الى العلاج الإلهي والبشرى والنفسي السليم لها.
+ ان روح الإنسان وقد صدمتها التجارب الصعبة أو أثقلتها الخطايا والذنوب وهى لا تقوى على التوبة والرجوع الى الله غافر الذنوب أو تهتز بضياع الآمال فى حاضر ومستقبل أفضل. فتتكسَّر تحت وطأة ثقل الهم والخطية وصغر النفس او الاضطهاد فتنكسر وتضعف وقد يتعرض الانسان للصدمات عن طريق فقدان ابن عزيز، أو زوجة فاضلة، أو عن طريق انهيار مشروعاته أو تدهور صحته او فقده لوظيفته، او خيانه صديق، ولكل هؤلاء نقول ان الله قادر ان {يشفي المنكسري القلوب ويجبر كسرهم} (مز 3:147). ونحن نعلم ان الروح الانسانية سر الحياة {الجسد بدون روح ميت} (يع 26:2). كما ان النفس هي مركز العاطفة والإرادة {فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك} (تث 5:6). والجسد هو الهيكل الذي يحوي الروح والنفس، وحين تُنكسر الروح يصبح الإنسان كئيباً وحزيناً او يائساً فاقدا لطعم الحياة ويصل به الامر الى الرغبة فى الموت ومع ان الله اله صالح وارادته ان تكون لنا حياة افضل وقد خلقنا على صورته ومثاله لكنه قد يسمح بانكسار الروح نتيجة لبعد الانسان عن الله او كبرياء قلبه أو خطاياه مما يستدعى منا الطاعة والمحبة والخضوع لإرادة الله والرجوع اليه. فعندما سقط داود فى الخطية انكسرت روحه فصرخ للرب قائلاً: {أسمعني سروراً وفرحاً فتبتهج عظام المنسحقة } (مز 8:51).
+ وعندما نتحدث عن كسر الروح فلا نقصد تواضع الروح والقلب المنكسر الوديع الذى يشعر بضعفه امام الله { قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح } (مز 34 : 18) ان التواضع امام الله والناس هو ذبيحة حب مقبولة لله {ذبائح الله هي روح منكسرة القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره }(مز 51 : 17) هولاء المنكسرى القلوب يكونوا كاواني يعلن فيها وبها الله نوره {لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. ولكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منّا}(2كو 6:4-7). فالنور الذي فينا هو نور المسيح، ونور المسيح يظهر في أواني حياتنا الخزفية حين تتواضع أرواحنا. فالروح المتواضع لا يرذله الله بل يكون الوسيلة التي يشم بها الآخرون رائحة المسيح الذكية فينا حين يروا فرحنا وسلامنا رغم التجارب والضيقات.
شفاء الروح المنكسرة ...
قد تحتمل روح الانسان القوية المرض التي تتعرض له ويقوم الجسم بالهجوم على ما يتعرض له من ميكروبات او جراثيم ويتغلب عليها اما متى انكسرت الروح فانها تحتاج الى عون من الله وارشاد من روحه القدوس الى الصلاة الواثقة والعميقة والصلة باهل السماء وطلب مساعدة من الاباء الروحيين والمرشدين او الاطباء النفسيين او الاصدقاء المخلصين. وقبل هذا كله نحتاج الى الصدق مع النفس فى خلوة وهدوء لتحديد المشاكل التي نواجهها وكيف نعالجها ونتغلب على المعوقات التي تواجهنا، فالانسان الحكيم ادرى بنفسه {لان من من الناس يعرف امور الانسان الا روح الانسان الذي فيه هكذا ايضا امور الله لا يعرفها احد الا روح الله } (1كو 2 : 11). لقد طلب يونان النبي الموت لنفسك فى لحظات الضيق وقال "موتي خير من حياتي" (يو 8:4). وقد تظلم الحياة أمام عينيك، ولكن ثق أن الله سيشفي روحك المكسورة بمهارة يديه، ويصنع من حطام حياتك إناء بحسب مسرة قلبه {لأنه هو يجرح ويعصب. يسحق ويداه تشفيان} (أي 18:5).
+ الإيمان بالله ومحبته وابوته وغفرانه .. الإيمان عامل هام فى تحلى الانسان بالثقة فى النفس وبالصبر وطول البال والاحتمال وكلما زادت عشرتنا بالله وثقتنا فيه، نلتجئ اليه لناخذ منه قوة ونتعلم من حكمة ونلقى عليه همومنا ولمعرفة الله لطبيعتنا الضعيفة التي تحتاج الى العون والمحبة والشفاء جاء الينا متجسدا ووعدنا انه معنا كل الايام والى انقضاء الدهر فهو يشفى منكسرى القلوب والارواح ومخلص للمساكين، وواهب البصر والبصيرة للعميان والحرية للمقيدين وهو القادر ان يجبر الروح المنكسرة كما تنبأ عنه حزقيال النبي قديما { واطلب الضال واسترد المطرود واجبر الكسير واعصب الجريح }(حز 34 : 16). لذلك قال المخلص فى بدء خدمته { روح الرب علي لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للماسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية. واكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه الى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة اليه. فابتداء يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم} (لو18:4-21). لقد جال السيد المسيح ومازال يجول بيننا ويقترب الينا ليصنع خيرا ويدعو الخطاة الى التوبة والرجوع الى الآب السماوي وهو يستطيع ان يهب السلام للانسان كخالق محب له، وهو يريد ان يحرر المقيدين بقيود الشيطان او محبة المال او المستعبدين بالشهوات او الضعف او الخوف، فلماذا لا نلتجأ اليه وهو العالم بضعف البشر وقد تألم مجربا وانحنى تحت ثقل الصليب والظلم وترك الاصدقاء واستهزاء الرعاع والجهلاء { لانه في ما هو قد تالم مجربا يقدر ان يعين المجربين }(عب 2 : 18). وهو الذى قال لنا { تعالوا الي يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال وانا اريحكم (مت 11 : 28). انه يدعونا لنسأل الآب القدوس وهو يعطينا كأب صالح اكثر مما نطلب او نفتكر { اقول لكم اسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم. لان كل من يسال ياخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له. فمن منكم وهو اب يساله ابنه خبزا افيعطيه حجرا او سمكة افيعطيه حية بدل السمكة. او اذا ساله بيضة افيعطيه عقربا. فان كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الاب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسالونه} (لو 9:11-13). فتعالوا يا منكسري القلوب والارواح للذى يستطيع ان يجبر الكسير لانه يستطيع ان: { يشفي المنكسري القلوب ويجبر كسرهم }(مز 147 : 3)
+ قوة الصلاة .. هل جربت قوة الصلاة والحديث مع الله فى دموع وركوع وخشوع، طالبا تعزية الروح الروح وقيادته لنا ولاخوتنا وحلول الله الذى يستطيع كل شئ ولا يعسر عليه أمر، لقد اختبر الكثيرين من رجال الله القديسين كيف استجاب الله واخرجهم من انكسار النفس وحول الكسرة الى نصرة على المستوى الجماعي او الفردى، تحولت الضيقة فى عهد الملكة استير ومردخاى الى نصره وفرحة واجتازت حنة أم صموئيل ثلاث تجارب مرة التجربة الأولى في نفسها، فقد كانت محرومة من الانجاب. والتجربة الثانية في بيتها، فقد كانت ضرتها تكيدها وتنغص عليها حياتها {كانت ضرتها تغيظها أيضاً غيظاً لأجل المراغمة } (1صم6:1). والتجربة الثالثة حتى في صلاتها فى خيمة الاجتماع ومن رئيس الكهنة إذ قال لها عالي الكاهن وهو يظنها سكرى {حتى متى تسكرين؟ انزَعي خمركِ عنكِ}(1صم 13:1-14). فجابت عالي الكاهن قائلة { إني امرأة حزينة الروح.. أسكب نفسي أمام الرب}(1صم 10:1-15). وقد صلى من اجلها عالى الكاهن وقد شفى الرب روحها المكسورة الحزينة بعد أن صلَّت إليه وسكبت نفسها أمامه، ووهبها صمؤئيل النبي العظيم {ثم مضت.. في طريقها وأكلت ولم يكن وجهها بعد مُغيَّراً } (1صم 18:1). وبالصلاة رغم ثقل التجربة على ايوب النبي عبر الانكسار وتحول الى انتصار واعلن الله قداسة ايوب وجعله مثالا لنا فى الصبر والصلاة والثقة فى الله، لقد كسرت التجارب روح أيوب، ولكن الرب شفى هذه الروح المكسورة بتعويضه السخي {وزاد الرب على كل ما كان لأيوب ضعفاً.. وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاه} (أي 10:42-12).
+ الالتجاء الى رجال الله والخدام الامناء.. تحت وطأ الظروف الصعبة وفى مواجه المحن نحتاج الى الصديق الصدوق او الاب الروحي الذي ينصح ويقوى وينير الطريق الروحي امام الانسان المجاهد، نحتاج للانسان الامين المريح الذى يقف معنا فى التجربة ونحتاج للمساندة من بعضنا البعض، فلا نكتم فى انفسنا ونظل نعانى دون البوح بمشكلاتنا حتى نقع صرعى المرض والصدمات، ان أفضل المؤمنين ليسوا بمعزل عن الضغوط وقد قال احدهم مرة: (اذا كانت لديك هموم فاكشفها لمن تأتمنه على اسرارك ويأخذ بيدك وان لم يكن لديك هموم فقل له كيف تخلصت منها ليتعلم منك). ليس معنى الإيمان ان نعيش بدون ضغوط أو احزان، فحتى رئيس ايماننا الرب يسوع قد تألم وعانى وحزن وفى بستان جثيمانى قال لتلاميذه {نفسي حزينة جدا حتى الموت امكثوا ههنا واسهروا معي} (مت 26 : 38). وقد قام منتصرا وهو قادر ان يعيننا فالإيمان تعزية وقوة للمؤمن فى مواجهة الظروف { مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح ابو الرافة واله كل تعزية. الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع ان نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله. لانه كما تكثر الام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا ايضا} ( 2كو 3:1-5). وكما اننا نتعزى فى الضيقات من الله يجب علينا ان نقف عونا وسند لمن هم يعانوا من ضيقات الحياة حبا فى من احبنا وعمل بوصاياه هكذا كان طوبيا قديما { وكان طوبيا يطوف كل يوم على جميع عشيرته ويعزيهم ويؤاسي كل واحد من امواله على قدر وسعه (طو 1 : 19) . فعلى قدر طاقتنا نحن ايضا يجب ان نعزى ونسند منكسرى الروح والقلوب فى صلواتنا واحاديثنا واعمالنا لكي ما نقوى بعضنا بعضا فى الطريق الى الله ونحن مترنمين فى قلوبنا للرب.
+ الرجاء والحياة الابدية ... مهما طالت رحلة غربتنا على الارض فهي قصيرة جدا بالمقارنة بالابدية السعيدة، فلنثق ان رحلتنا غربتنا ستنتهى وياليتها تنتهى من اجل عمل صالح. فلا نفقد رجائنا فى المسيح يسوع ربنا لا فى ان ضغوط الحياة ستزول بنعمته وقوة ارادتنا وعملنا وجهادنا. ونتمسك بالرجاء فى الحياة الابدية{ لذلك لا نفشل بل وان كان انساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوما فيوما.لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا اكثر فاكثر ثقل مجد ابديا. ونحن غير ناظرين الى الاشياء التي ترى بل الى التي لا ترى لان التي ترى وقتية واما التي لا ترى فابدية}( كو16:4-18) نحن اذا نحيا فرحين فى الرجاء، صابرين فى الضيقة { فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة }(رو 12 : 12). لقد اصيب ايليا النبي بالضيق والاكتئاب وبعد ان كان خارجا من انتصار على انبياء البعل ولكنه خاف من تهديد الملكة الشريرة ايزابل ووعيدها بقتله وهرب الى الصحراء { ثم سار في البرية مسيرة يوم حتى اتى وجلس تحت رتمة وطلب الموت لنفسه وقال قد كفى الان يا رب خذ نفسي لانني لست خيرا من ابائي } (1مل 19 : 4). ولكن الله اله الرجاء ارسل اليه ملاكه وأطعمه وقواه وتكلم مع الله فى صراحة عن مخاوفه وكيف بقي وحده يعبد الرب وهم يطلبون نفسه للقتل ولكن الله طمأنه وقال له { وقد ابقيت في اسرائيل سبعة الاف كل الركب التي لم تجث للبعل وكل فم لم يقبله}(1مل 19 : 18). وكلفه الله بمهام عمليه بان يقيم من يخلفه بعده ومن ثم نقله وشهد لبره وراينا فى انتقال ايليا النبي كيف ان حياتنا الابدية هي امتداد طبيعي لوطن افضل. وكل ما عنده هذا الرجاء به يحيا فى حياة الإيمان الواثق ويتجدد شبابه الروحي وتتقوى روحه وجسده ايضا يسكن على رجاء { واما منتظروا الرب فيجددون قوة يرفعون اجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون} (اش 40 : 31).
أعين الكل تترجاك
+ أيها الرب الاله القادر على كل شئ والعارف كخالق لنا بضعف البشر، أب كل الارواح ومخلص الجميع، والعالم باحوالنا ومتاعبنا وضيقات الحياة، اليك نرفع الدعاء ونحيا فى الإيمان على رجاء ونحن نثق فى قدرتك على شفاء ارواحنا وانفسنا واجسادنا وحواسنا وافكارنا، وامامك يارب نطرح مشكلاتنا ومتاعبنا طالبا منك الحلول العملية والشاملة والقادرة ان تفرج الهموم والاحزان وتزيل انكسار الروح وتقويها وانت الامين والاب الحنون لكل الطالبين والصارخين اليك ليلا ونهارا .
+ ايها المسيح كلمة الآب الذى قبل كل الدهور، رئيس كهنة الخيرات العتيدة، ومعلمنا ناموس الكمال والفضيلة، الذى ولد فى ملء الزمان من القديسة العذراء مريم واذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع ذاته واطاع حتى الموت، موت الصليب، سعينا الى خلاص جنس البشر، يا من قلت لنا تعالوا الي يا جميع المتعبين والثقيلى الاحمال وانا اريحكم. ها نحن نأتي اليك واثقين انك تقدر وتريد ان تعين المجربين وترفع الظلم عن المظلومين وتقوى الضعفاء وترد الضالين، فانظر ياربنا الى عالمك بعين الرحمة والشفقة والحب والى شعبك وكنيستك واعنا واشفى كسرى القلوب وحرر المقيدين واعمل بنعمتك لنكون رعية واحده لراعى واحد.
+ يا روح الله القدوس، المعزي الحاضر فى كل مكان والمالئ الكل، انت تعزي المتعبين وترفع البائسين وتعلم الجهال وتقود شعب بفيض من ثمارك ومواهبك وعطاياك، فتعال ايها الروح الناري واعطينا حرارة روحية بها نتغلب على الخطية فتضمحل فينا فنتقوى بعد ضعف ونتشجع ونتحرر من الخوف وناخد حكمة لا يستطيع جميع معاندينا ان يقاوموها او يناقضوها، اننا فى بحثنا عن الشفاء الروحى، نركع فى خشوع ان تحل فينا ومن ثمارك تعطينا محبة وفرحا وسلاما وطول اناة ولطف وصلاح ووداعة وتعفف وصبر، فتهون غربتنا ونجد فيك عزائنا وبك نحيا على رجاء الابدية السعيدة، أمين.