تعزية وتغذية روحية (2)
المعزي القوي
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
{كانسان تعزيه امه هكذا اعزيكم انا}
(اش 66 : 13)
عندما نحزن ونكتئب من أجل عزيز رحل أو صديق خان او نصدم من واقع الحياة المر الذى نواجهه وعندما نعانى ولا نستطيع ان نعبر بالمعاني عما يحزننا، أو لا نجد مشجع أو أحد يفهمنا. وعندما نعاني من أزمات عائلية فى عالم نجد فيه العداء وعدم الاستماع وسوء التقدير، وعندما نمر بازمة اقتصادية فى ظل غلاء يتزايد وموارد تقل ومطالب تتزايد أو نمر بضيقات نفسية واحزان أو نواجه الصدمات العاطفية ونشعر ان موتنا خير من حياتنا. عندما نفقد التعزية ممن حولنا علينا ان نرفع أيدينا وقلوبنا نفوسنا الى الرب حتى وان ظننا ان التعزية عنا بعيدة { في يوم ضيقي التمست الرب يدي في الليل انبسطت ولم تخدر ابت نفسي التعزية} (مز 77 : 2). يجب ان لا نبحث عن طرق خاطئة للتعزية أو نهرب منها بالوقوع فى أنحرافات أو ممارسات خاطئة ولا نفقد الرجاء ونتمسك بالثقة فى الله ونأتي اليه ونبثه فى صمت كل أحزاننا والأمنا وأمالنا وأفكارنا وضعفنا وخوفنا فهو المعزي القوى والقادر على تعزيتنا وسماع صوت أنينا المكتوم وحزننا الدفين، وهو القادر يعزينا بروحه القدوس نبع التعزية ومصدر كل فرح ورجاء.
الله عنا ليس ببعيد بل به نحيا ونتحرك ونوجد، وبائس ذلك الانسان الذى يبحث فى تعزية أرضية، من عالم يفتقر الى الفرح والسلام، ربما يسمح الله بالضيقة حتى نتعلم منها أو نتواضع وينكسر القلب لكي نصرخ الى الله ونلجأ اليه ولكي لا تتعلق قلوبنا بالأرض وما عليها من أشياء فانية، بل ترتفع الي السماء. قد ينتقل عزيز لنا ونكتئب ونحزن لكن عندما ترتفع قلوبنا الى السماء حيث المسيح جالس نشعر براحة أحبائنا الذين رقدوا فيه ومعه وانهم قريبين منا، يصلون عنا وترتفع قلوبنا الى هناك حيث سنذهب ونعد أنفسنا للوطن السعيد. فعندما نرى ما فى العالم من أحزان يجب ان تتجه قلوبنا الى الله مصدر التعزية والرجاء والفرح.
الصلاة واللجوء الى الله... فى كل ظروف حياتنا المفرحة والصعبة، فى اوقات الشدة والضيق أو الفرح واليسر، علينا ان نلجأ الى الله القادر على كل شئ كأب صالح يفرح بحديث الابناء مع أبيهم وينصت الى طلباتهم { ادعني في يوم الضيق انقذك فتمجدني} (مز 50 : 15). بالصلاة ناخذ العون والقوة والتعزية من الله { لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله} (في 4 : 6). علينا ان نصلى بايمان وثقة فى الله وبلجاجة مع الشكر لننال التعزية والسلام ويسدد الله آحتاجاتنا بحسب غناه { وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه }(مت 21 : 22). لنصلى ليهبنا الله السلام وقت الخطر وينجينا من كل ضيقة، هكذا صلى دانيال وانقذه الله من الأسود الجائعة ونجي الفتية فى أتون النار، وكما أنقذ القديسين بطرس وبولس من السجن، هو أمس واليوم والى الأبد يقدر ان يعزى فى الضيق والحزن وينصف فى الظلم ويقوى فى الضعف وهو رجاء من ليس له رجاء ومعين من ليس له معين، ميناء الذين فى العاصفة.
الروح القدس المعزي .. الروح القدس هو المعزي الحقيقي وعندما يسكن فى المؤمن يقدر ان يعزيه ويغذيه ويرشده ويعينه ويفرح قلبه وعنه قال السيد الرب { وفي اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب. من امن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه}( يو 37:7-39)، وعلينا ان لا نحزن بخطايانا الروح القدس { ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء} (اف 4 : 30). لاننا ان أحزنا مصدر الفرح فكيف نجد العزاء؟. علينا ان نصلى ان يحل الله بروحه القدوس داخلنا ونطلب منه التعزية وننقاد الى صوته الوديع الهادي والمرشد الى البر والصلاح ونعبر عن ما يجول فى خواطرنا من مخاطر ونطلب من اله التعزية ان يرفع عنا كل ضعف ويعطي فى أوقات الشدة التعزية والرجاء والفرح.
الكتاب المقدس مصدر للتعزية .. علينا ان نسترجع من الكتاب المقدس تعزية الله لكل من فى ضيقة، ونرى تدخله الحاسم فى الوقت المناسب لصالح المؤمنين للانقاذ والتعزية، القراءة فى الكتاب المقدس نبع لا ينضب من التعزية {لان كل ما سبق فكتب كتب لاجل تعليمنا حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء} (رو15 : 4). وعندما نقرائه نتعزى {فلما قراوها فرحوا لسبب التعزية} (اع 15 : 31). فلا نهمل المائدة الغنية التي لكلمة الله الشهية ونبحث عن تغذية من مصادر تزيد النفس تعب وفراغ. فكلمة الله قوية وفاعله { لان كلمة الله حية وفعالة وامضى من كل سيف ذي حدين وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة افكار القلب ونياته} (عب 4 : 12)
الاباء القديسين والاقتداء بهم ..
سير القديسين وأقوالهم.. حياتنا على الأرض غربة قصيرة ان قيست بامجاد الأبدية السعيدة وطريقنا الى السماء ضيق وكرب، لكن قد سار فيه الكثير من الآباء قبلنا وحملوا الصليب بفرح وشكر وصبر وكان الله لهم عونا وهو قادر ان يعزينا من خلال حياتهم وأعمالهم وأقوالهم، وفيها نجد القدوة وعلينا ان نتمثل بايمانهم {والذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع ان نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله} (2كو 1 : 4). وكما اننا شركاء فى الآلام نكون شركاء فى التعزية أيضا {فرجاؤنا من اجلكم ثابت عالمين انكم كما انتم شركاء في الالام كذلك في التعزية ايضا} (2كو 1 : 7). علينا ان نتخذ من الاباء القديسين وهم سحابة شهود محيطة بنا شفعاء وأصدقاء نلجأ اليهم فى الضيق والمرض والحزن فنجد الراحة والتعزية، السلام والفرح والصبر والرجاء.
أنت تعزيتي... وسط أمواج الحياة التي تعصف بسفينة حياتى، وفى وقت الحزن والضيق انت يا الله تعزيتي وسلامى، صوت الحلو الهادي الوديع يطمنني انني لست وحيد، بل بك ومعك أسير وانت تقول لي انك معى كل الأيام والي إنقضاء الدهر، واذ انت الأب الحنون تعلم طلباتنا وتشعر باحزاننا وتستطيع ان تحي العظام وهي رميم، وقادر ان تقيم الأموات وتقيمني من موت الخطية وتحييني حياة أبدية .
روحي القدوس يارب الذى قاد ابائنا القديسين فى أرض غربتهم وكان لهم التعزية والتعزية فى صحراء الحياة هو ايضا يعطينا الرجاء ويلازمنا كينبوع فرح وسلام فى كل لاسيما فى وقت الشدة، الروح القدس الذى عمل مع ابائنا أنطونيوس وبولا أول السواح فى سنين الوحدة فى الصحراء، والذى قوى أثناسيوس وكيرلس فى جهادهم ضد الهراطقة، هو الروح المعزي للشهداء فى عذاباتهم، والمعترفين فى شهادتهم للإيمان، الروح الوديع الذى وهب الحكمة لدانيال النبي والنعمة للقديسة مريم العذراء، والذى اعطي توبة حارة لاغسطينوس والقوى الانبا موسي، هو الروح الذى عزي أيوب النبي فى بلاياه، والذى عمل بنعمته الغنية فى القديس بولس الرسول هو قادر ان يعمل مع كل نفس فى حاجة للتعزية والسلام فى الفرح، فليكن ناصرا لنا كل حين، أمين.