لا تكتسب فضيلة
بتحطيم فضيلة اخرى
بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
إن الشيطان يتضايق من فضائلك الثابتة التى صارت وكأنها من طبيعتك، لذلك يحاول أن يحطمها بكافة الحيل. ومن بين هذه الحيل أن يقدم لك فضيلة اخرى جديدة عليك ليست لك بها خبرة، لكى تحل محل الفضيلة الأولى الثابتة. ومن أمثلة ذلك:
1- إن كنت تحيا فى وداعة وهدوء ودماثة خلق وسلام قلبى. ويريد الشيطان أن يفقدك كل هذا. فماذا يفعل؟ أنه لا يستطيع أن يذم الرقة والوداعة، أو أن يقول لك "أترك طبعك هذا المحبوب من الكل"... ولكنه يصل الى غرضه عن طريق الإحلال، ويقدم لك فضيلة بديله، دون أن يشعرك أنها بديلة.. وكيف ذلك؟
* يدعوك باسم الحماس فى نشر البر، أن تساهم فى إصلاح المجتمع، وأن توبخ وتنهر، وتكشف أخطاء الآخرين لكى يخجلوا منها ويتركوها! وتظل تفعل هذا بغير حكمة. وأنت لا تعرف قدر من تتناوله بالنقد، ولا الأسلوب المناسب، ولا ما هى ردود الفعل، ولا بأى سلطان تفعل ذلك. وهكذا تسلك فى طريق القسوة والتشهير بالآخرين، وفى اسلوب السب والقذف. وتسودّ صورة الغير فى نظرك، وتتحول الى قنبلة متفجرة تقذف شظاياها فى كل اتجاه...
* وهكذا تفقد وداعتك ورقتك. وتكره الناس ويكرهونك. ثم ما تلبث أن تتعب من هذا الأسلوب الذى لا يتفق مع طباعك، وتحاول أن تعود الى حالتك الأولى، ولكنك لا تجد قلبك نفس القلب، ولا فكرك نفس الفكر. بل ترى أنك قد فقدت بساطتك ونقاوة فكرك، كما فقدت حسن علاقتك بالآخرين وفقدت أمثولتك الصالحة التى كان ينتفع بها غيرك.. وإذا بالشيطان قد أطمعك فى فضيلة لا تعرف كيفية السلوك فيها، وافقدك فضيلتك الأولى! فما احتفظت بالأولى، ولا ربحت الثانية. وصرت فى بلبلة...
* ينبغى أن تدرك تماماً أن أعمال الخير لا يهدم بعضها بعضاً، وأن كل انسان له شخصيته التى قد تختلف عن غيره، وقد لا يناسبه ما يناسب غيره. وليس كل أحد له سلطان أن يوبخ وينتقد. كما أنه ليس للكل معرفة كيف يستخدم حسناً فضيلة جديدة عليه.
***
2- مثال آخر للفضيلة التى يحاول بها الشيطان أن يضيع فضيلة اخرى:
انسان يعيش فى نقاوة القلب، بعيداً عن العثرات الجسدية. فهو محترس تماماً، لا يقرأ قراءات ولا ينظر الى أية مناظر تعثره. ولا يختلط بأية خلطة خاطئة، ولا يستمع الى أية أحاديث طائشة. بل يحتفظ بأفكاره نقية لا تُدخل الى قلبه شيئاً غير طاهر.. هذا الإنسان يريد الشيطان أن يحاربه، ولا يستطيع أن يقدم له شهوة مكشوفة، لأنه لابد أن يرفضها. فماذا يفعل؟.
* يفتح أمامه الباب ليكون مرشداً روحياً يقود الشباب الى الطهارة. إذ كيف يعيش فى حياة الطهارة وحده، ويترك اولئك المساكين يسقطون كل يوم دون أن يقدم لهم مشورة صالحة تنقذهم مما هم فيه! ويقنعه بأن من يرد خاطئاً عن ضلال طريقه، إنما يخلص نفساً من الموت، ويستر كثرة من الخطايا. ويظل يثير الحماس فى نفسه لكى يقبل هذه الخدمة الروحية الحيوية، وأن يرشد الذين يأتون اليه...
* ثم تأتى الخطوة التالية وهى أنه لكى يكون إرشاده عملياً، لابد أن يستمع الى مشاكلهم وأخطائهم. ويظل اولئك يصبّون فى أذنيه أخبارهم وقصص سقوطهم. وقد يقولون كل شئ بالتفاصيل. وربما يكون فى ما يحكونه ما يعثر.. ويستمع (المرشد) الطاهر إلى كل ما كان يبعد قبلاً عن سماعه، ويعرف ما كان يجب مطلقاً أن يعرفه. وكل واحد من اولئك يقدم صورة جديدة أو صوراً عديدة من الخطأ...
* وعن طريق الإرشاد يجد صاحبنا عقله وقد امتلأ بصور دنسة. وأصبح يعرف أشياء صارت تشوّه طهارة تفكيره، وتدنسه بأخبار وقصص مجرد ذكرها قبيح. وإن لم تعثره وتغرس فيه إنفعالات خاطئة، فعلى الأقل تنجس فكره، وكأنه قد قطف أثماراً غريبة من شجرة معرفة الخير والشر..!
* فإن حاول أن يبتعد، يقال له: وما ذنب هؤلاء الشبان؟!
وقد يكونون قد تعلقوا به واستراحوا الى ارشاده. وربما يتعبون ضميره بأنهم – إن تخلى عنهم – قد يرجعون الى خطاياهم! ويلحّون عليه أن يظل يسندهم حتى يقفوا على أرجلهم.. ربما هو يكون قد رسبت فى ذهنه – ولو بالسمع – صور لم ينظرها من قبل، وربما يسقط بالفكر، ويكون الشيطان قد نجح فى اسقاطه وافقده نقاوته الأولى.
***
3- وقد تأتى حيلة الشيطان فى عرض الإرشاد بصورة اخرى، يقدّم فيها – لا أخباراً تدنس القلب – بل شكوكاً تتعب العقل...
إذ يكون القلب فى بساطة الإيمان، وتكون قراءاته كلها روحية تعمّق صلته بالله. ثم يأتى من يطلبون معونته وارشاده فى شكوك عقيدية أو إيمانية تتعبهم. وتتوالى الشكوك من هنا وهناك لكى تجد لها حلاً، ويبدأ ايمان هذا (المرشد) أن يتحول شيئاً فشيئاً من القلب الى الفكر والبحث العلمى. وقليلون من يتقنون الأمرين معاً...
ويجد أن الشكوك تتكاثر عليه، وليست له موهبة الرد عليها..
* وينبغى أن نعرف أنه ليس كل أحد له القدرة على الإرشاد. فالذين لهم هذه الموهبة، لا يصيبهم ضرر سواء من المشاكل الروحية وسماع الخطايا الجسدية، أو من المشاكل العقائدية وسماع الشكوك.
ولكن حيلة الشيطان الماكرة هى أنه يقدم الإرشاد للذين ليست لهم الموهبة، فيصيبهم منه ضرر. كما انه يقدم لهم ذلك باسلوب ضاغط، يشعرهم به أنه ضرورة ملحة وأنه واجب مقدس..
وما أسهل على القلب المتضع أن يرد قائلاً "ولكننى لا أعرف. أنا الذى لم أستطع أن ارشد نفسى، كيف يمكننى ارشاد آخرين؟!.