19‏/10‏/2011

† أين هابيل أخوك؟ - للأب القمص أفرايم الاورشليمى


صراخ الدم البرئ على ضفاف النيل
لقد قام قايين على أخيه فى حسد وبغضة، ثم قتله ودفنه وظن فى جهل ان الامر أخفى عن عيون الله والناس! وعندما وجه له الله السؤال: { فقال الرب لقايين اين هابيل اخوك فقال لا اعلم احارس انا لاخي }(تك 4 : 9). كانت أجابته كاذبة غاشة . لقد كذب قايين حتى على الله . ونسى ان الله لا يغفل ولا ينام وهو عالم بكل شئ . لقد سمع قايين من الله ما يفضح امره { فقال ماذا فعلت صوت دم اخيك صارخ الي من الارض. فالان ملعون انت من الارض التي فتحت فاها لتقبل دم اخيك من يدك. متى عملت الارض لا تعود تعطيك قوتها تائها وهاربا تكون في الارض. فقال قايين للرب ذنبي اعظم من ان يحتمل.انك قد طردتني اليوم عن وجه الارض ومن وجهك اختفي واكون تائها وهاربا في الارض فيكون كل من وجدني يقتلني} تك 11:4-14. كان قايين هو الاخ الاكبر لاخيه وهذه مسئولية ادبية تجاه أخاه ان يرعاه ويحميه من الذئاب الخاطفة . أما ان يتبرأ من دمه وهو قاتله فهذه جناية مع سبق الاصرار والترصد . اننا فى مذبحة ماسبيروا وكما تأكد بشهود كثيرون ان المتظاهرين كانوا مسالمين لم يحملوا الا أشارة الصليب علامة المحبة والبذل ونرى اجسادهم وقد تم فرمها بالمدرعات والبعض يقتل بالرصاص الحى وتختلط الدماء النبيلة بنيل مصر الخالد ،مصدر الخير والخضرة والحياة ، ويتبرأ قايين الحارس للأمن من دم اخوة له فى الوطن بل ويلبس التهمة الى المقتول ويصبح هو الجلاد والمحقق والحكم فاننا نرفع شكونا الى الله الذى لا ينعس ولا ينام وهو قادر ان ينصف الصارخين اليه ليلاً ونهاراً وهو متمهل عليهم .وان استطاع الجانى ان يهرب من عدالة الارض فهيهات ان يتهرب من عدالة السماء ! ونحن نثق ان الله قاضاً عادلاً وعبر التاريخ كان قصاص الله أقوى وعدل الله أكثر أنصافاً من قصاص وعدل الناس وهو القائل{ لي النقمة انا اجازي يقول الرب} (رو 12 : 19). ان دماء أخوتنا الذين استشهدوا فى الكشح وكنيسة القديسين بالاسكندرية وماسبيرو، والمقطم تصرخ الى الله مطالبة بالعدل الإلهي . وان الله يسمع ويعي ويقدر دماء ودموع وصلوات المظلومين ويستجيب لصراخهم .
الكراهية وباء قاتل .. اننا نواجه وباء شرس فى بلادنا العزيزة التى نصلى من أجل سلامها وجميع بنيها فيها. ولابد لنا جميعا ان نتكاتف بروح المسئولية وقبول الاخر فى مقاومته. انه وباء الكراهية القاتل يؤذى صاحبه اولاً ويوجه طاقاته للهدم بدلا من البناء وعندما تتطور الكراهية للحقد والحاق الأذى بالاخر فانه يدمر صاحبه ويؤذى الأخرين ويعوق تقدم المجتمع وتتطور نتائجه من عدم قبول الأخر الى تشويه سمعته وتكفيره وهو القتل الأدبى وينمو فى الحاق الأذى بالأخرين ومحاربتهم فى معيشتهم وممتلكاتهم وابنائهم وأمنهم ومستقبلهم . ويتطور القتل من قتل فرد الى الفتن وحرق الممتلكات والاماكن المقدسة باسم الله وهو برئ من الظلم. أن حق الأنسان فى الحياة من أسمى الحقوق التى لا يحق لاحد ان يسلبها منه ويجب ان نتعلم حتى من اعداء الامس قيمة وكرامة الانسان، فقد تم هذه الايام مبادلة جلعاد شاليط الاسير الاسرائيلى بما يذيد عن الف أسير فلسطينى ومع وقوفنا بجانب اخوتنا الاسرى الفلسطينين وصلواتنا لتحريرهم من الاسر فلنتعلم ان نعطى للانسان كرامته واحترام حقه فى الحياة بغض النظر عن دينه وجنسه ورايه. وعلى النظام السياسى العربى ان يحافظ على سلامة مواطنيه وأمنهم وتأمين حياة كريمة لهم وهذا هو الواجب والمسئولية وعلى السلطات الحاكمة ان تقاوم كل اشكال الكراهية والتمييز وتعمل لمعالجة قضايا الفقر والمرض والتعصب والجهل الذى يتفشى فى مجتمعاتنا ان اردنا النهوض ببلادنا .
اسباب الكراهية ومعالجتها ... ان ندعو مفكرى بلادنا العربية ومثقفوها ورجال السياسة والدين والأمن وكل نفس عاقلة الى التفكير المتعقل والهادئ والحكيم لبحث أسباب وباء الكراهية وعدم قبول الآخر سوء من نفس الدين او المذهب او العرق او المختلف عنه والعمل الصادق لأجتثاث كل أسبابه ومعالجة نتائجها. ويجب علينا ان نتبنى المبادئ العامة والسامية للدين والتى تجمع ولا تفرق، والتى تبنى ولا تهدم . ويجب ان نلتف حول القيم الروحية والاخلاقية التى توحدنا ونتبنى المشاريع القومية التى تنهض بمقدراتنا. ان الاقتصاد المصرى يعانى التدهور ولايمكن ان ينهض الا فى وجود الأمن والأمان للمواطنين والسائحين وليحيا الجميع فى مصر أمنين ومطمئنين.
- أن مسيحيوا مصر والشرق هم عنصر أصيل من مركب الشرق الحضارى وتاريخهم الطويل منذ فجر المسيحية ومشاركاتهم فى بناء حضارة الشرق قبل الأسلام وبعده ووطنيتهم الصادقة وتبنيهم لقضايا أوطانهم لم تكن محل شك فى يوم من الأيام . كما ان المحافظة على التنوع الدينى والثراء الفكرى والتواجد المسيحي العربى فى مصر والشرق العربى هو معلم حضارى وحق أصيل ومستقبل مشترك تقع مسئوليته على أكتاف الجميع حكام ومحكومين، والمسيحى الشرقى بثقافته العربيه وبحكم انتمائه الى الارض والتاريخ هو جزء لا يتجزء من ماضى وحاضر ومستقبل الوطن العربى .
- ان يجب ان نسعى الى علاج ما يصيب الجسد المصرى الواحد من امراض قبل ان يستفحل الداء ويصبح بلا دواء . ولابد ان نقف جميعا معاً ضد من يحض على الكراهية للغير سواء فى منهاج التعليم المدرسي او الدينى وفى وسائل الأعلام والاجهزة المختلفة وان نحرص على الوحدة الوطنية والمساواة والعدل والمحبة بين ابناء الوطن الواحد . وكل فى موقعه مدعو لمحاربة التعصب وكراهية وتكفير الأخر وأظهار ما فى الدين من عدل وتسامح وقبول ومساواة .
- أننا كمسيحيين كنا وسنظل نحب الله ونلتزم بمحبة أخوتنا فى الوطن كدعوة الأنجيل وتعاليم السيد المسيح التى تعلم بمحبة القريب كالنفس وبالاكثر الاخوة فى الوطن والتاريخ. المحبة المسيحية تمتد حتى الى تشمل محبة الأعداء والمسيئين " سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل" متى 43:5-48. واننى أقدر عالياً أصوات الكثيرين من العقلاء الرافضين للظلم والانفلات الامنى والداعين لتحقيقات عادلة ومحايدة ونزيهة فى هدم كنيسة ادفو وحادثة ماسبيرو الأليمة والدامية والمحزنة لقلوبنا جميعا وكل الاحداث الطائفية ، ونطالب بالوقوف والعمل معاً من أجل حاضر بلادنا ومستقبلها ضد كل أعمال الكراهية والعنف والقتل ومعالجة آثارها النفسية والأقتصادية والاجتماعية حرصاً منا على توفير حياة أمنه وكريمة للجميع .
ان رسالتي الى أخوتي المسلمين هى أننا فى سفينة واحدة واي عطب فيها سيغرقها ونغرق معها جميعاً، واى فتيل مشتعل فيها لا نسارع الى اخماده سيحرق الجميع. عشنا معاً اربعة عشر قرناً وسنبقى معاً الى قيام الساعة فلنتعاون معاً بالحق والعدل من أجل بناء مستقبل حر وكريم نتمتع فيه بالامن والأمان ونحافظ على أمن الوطن وكرامة المواطن وحق كل مصرى فى الحرية الدينية والسياسية والفكرية، ولنقاوم معاً الجهل والفقر والمرض والكراهية ومعاً نتجاوز المحن والضيقات وبالنور والحق نبغض الظلم والظلمة ونبنى مستقبل سعيد لنا ولأبنائنا ولاحفادنا جميعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق