06‏/12‏/2012

† أبوة الله وحضوره الدائم معنا - للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى




أبوة الله لنا..

+ يظن البعض ان الله كضابط شرطة يقتفى اثر الهاربين منه حتى يقبض عليهم ويعاقبهم ويظنه البعض الاخر انه بعيد كما السموات لا يهتم بما يجرى او يحدث فى عالمنا، وقد يصوره البعض على انه سيد قاسى جبار بلا حنان او حب، ولكن بمجئ السيد المسيح الى عالمنا متجسدا، يعلم ويغفر ويشفى ويعلن محبة الله لم نعد فى ظلام عدم معرفة الله. بل اصبحنا نعرف ان الله أب محب رحيم وراعى صالح واله قدير وعارف لكل شئ، حاضر فى كل مكان وله احشاء رحمة أم حنون، وديان رحوم فى عدله وعادل فى رحمته، يغفر للتائبين ويسعى لخلاص الخطاة والضالين. لقد تجسد واعلن لنا ذاته فى المسيح يسوع واعطانا ما يمكن ان نقول عنه " أفضل صورة لمعرفة الله" كما كتب القديس يوحنا الحبيب { والكلمة صار جسدا وحل بيننا وراينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة وحقا} (يو 1 : 14). لهذا عندما طلب فيلبس من السيد المسيح لكي يريهم الاب السماوي فكانت اجابته مقنعة { قال له فيلبس يا سيد ارنا الاب وكفانا. قال له يسوع انا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي راني فقد راى الاب فكيف تقول انت ارنا الاب. الست تؤمن اني انا في الاب والاب في الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي لكن الاب الحال في هو يعمل الاعمال. صدقوني اني في الاب والاب في والا فصدقوني لسبب الاعمال نفسها} (يو 8:14-11).

+ لقد علمنا السيد المسيح له المجد ان نخاطب الله " أبانا" انه أب بحق يهتم بابنائه ويرعاهم . لقد كانت الناس قبل التجسد الإلهي تخاطب الله بالكائن او الخالق او القاضي او الله العلي، وقد تعمق البعض فى معرفتهم لله ودعوه كالاب { كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه} (مز 13:103). فجاء الرب يسوع المسيح وجعل ابوة الله الحانية هي لهج افكارنا وقلوبنا وارواحنا فى كل صلاة نخاطب الله أب لنا { فقال لهم متى صليتم فقولوا ابانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليات ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض }(لو 11 : 2). واوضح لنا عناية الله بنا كأب صالحا محبا للبشر { ام اي انسان منكم اذا ساله ابنه خبزا يعطيه حجرا. وان ساله سمكة يعطيه حية. فان كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري ابوكم الذي في السماوات يهب خيرات للذين يسالونه} (مت 9:7-11).

+ فباي حق ندعو الله ابانا؟ انه الإيمان الذى به نتمتع ببنوة الله { لانكم جميعا ابناء الله بالايمان بالمسيح يسوع }(غل 3 : 26). { واما كل الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله.}( يو 12:1-13). ان ابوة الله لنا كما علمنا السيد المسيح لا تجعله يهتم بالاشياء العظمى فى حياتنا فقط بل بتفاصيل هذه الحياة من مأكل ومشرب وملبس وحتى شعور رؤوسنا مما يعطى الابناء السلام الداخلي والاستقرار والثقة وسط تجارب الحياة.

+ ابوة الله ومحبته لنا دائمة ومستمرة حتى عندما ندير ظهورنا له فى جهل او عدم طاعة أو خطية وان كانت خطيتنا هي بمثابة كسر لقلب الله وخيانة لمحبته وليس كسرا للوصية فقط لهذا ضرب السيد المسيح مثل الابن الضال ليبين لنا محبة الأب السماوي وبحثه عن الضال حتى انه يبذل ذاته لخلاصنا فى رحلة البحث عنا ورجوعنا اليه. بهذه الابوة الرحيمة والرعاية الحكيمة فاننا على الرغم عدم فهمنا لمجريات الاحداث المتلاحقة أو التي يمكن ان تحدث معنا او من حولنا فاننا نثق تماما في الله وفى ان كل الاشياء تعمل معا للخير لنا لانه يحبنا وليس هذا مدعاة للتواكل او الكسل بل للشجاعة والايجابية والعمل لاننا لهذا دعينا { لاننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها} (اف 2 : 10). اننا نفرح بابوة الله لنا ونثق ونسر اننا اخوة واخوات بعضنا لبعض محتملين بعضنا بعض فى المحبة ويجب ان ننظر لجميع الناس فى كل مكان من هذا المنطلق لابوة الله لنا واخوتنا لبعض ولهذا فاننا نتعاون ونشترك معا فى السراء والضراء ومساعدة المحتاجين والفقراء ونعمل معا على الاهتمام بالضعيف حتى يقوى والصغير ليكبر والمريض ليشفى. ونعمل ان لا يكون بيننا انقسام او خصام بل نسعى بالروح والقلب الواحد { ولكنني اطلب اليكم ايها الاخوة باسم ربنا يسوع المسيح ان تقولوا جميعكم قولا واحدا ولا يكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد وراي واحد} (1كو 1 : 10). ونفتكر ونعمل معا كل ما هو طاهر وعادل ومسر كابناء الله القديسين {اخيرا ايها الاخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن ان كانت فضيلة وان كان مدح ففي هذه افتكروا }(في 4 : 8)



الله معنا عبر الزمان وظروفه المختلفة



قد يخاف الانسان عندما يشعر انه وحيد او ضعيف بلا معين أو قوه أكبر تسنده وتقويه او تأخذ بيده فى الضيقات والتجارب ولكن عندما نعلم بوجود الله معنا كأب واله وراعى صالح يقودنا فى موكب نصرته عبر الزمان وفى كل مكان وفى مختلف الظروف والاحوال، فاننا نتعزى ونتقوى بالله ونثق ونطمئن ونحيا على رجاء فى الخلاص من الخطية والضيقة والضعف والمرض ومن الخلاص من أعدائنا الخفيين والظاهرين ونصرتنا حتى على الموت الذى صار للمؤمنين بمثابة انتقال لحياة ابدية مع الله كما جاء عن اورشليم السمائية { وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم الها لهم} (رؤ 21 : 3).

لقد دعى اسم السيد المسيح "عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا " منذ القديم وذلك ليطمئن شعبه فى وجوده معهم مخلصا لهم من الاعداء فقد حدث فى عهد اشعياء النبي قبل ميلاد السيد المسيح بما يقرب من سبعمائة عام ان تحالفت مملكة اسرائيل مع مملكة ارام للهجوم على مملكة يهوذا، ان خاف احاز ملك يهوذا وضعف قلبه فارسل له الرب رسالة تطمين على يد اشعياء النبي { وحدث في ايام احاز بن يوثام بن عزيا ملك يهوذا ان رصين ملك ارام صعد مع فقح بن رمليا ملك اسرائيل الى اورشليم لمحاربتها فلم يقدر ان يحاربها. واخبر بيت داود وقيل له قد حلت ارام في افرايم فرجف قلبه وقلوب شعبه كرجفان شجر الوعر قدام الريح. فقال الرب لاشعياء اخرج لملاقاة احاز انت وشارياشوب ابنك الى طرف قناة البركة العليا الى سكة حقل القصار. وقل له احترز واهدا لا تخف ولا يضعف قلبك من اجل ذنبي هاتين الشعلتين المدخنتين بحمو غضب رصين وارام و ابن رمليا} (أش 1:7-4). ورغم ذلك لم يطمئن احاز فعاد اشعياء الي الملك بكلام الرب { ثم عاد الرب فكلم احاز قائلا. اطلب لنفسك اية من الرب الهك عمق طلبك او رفعه الى فوق. فقال احاز لا اطلب ولا اجرب الرب. فقال اسمعوا يا بيت داود هل هو قليل عليكم ان تضجروا الناس حتى تضجروا الهي ايضا. ولكن يعطيكم السيد نفسه اية ها العذراء تحبل و تلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل} (أش 10:7-14). ان الله من اجل خلاصنا حل متجسدا فى بطن العذراء وهو بلاهوته لا يحد وهو يريد ان يحل بالإيمان فى قلوبنا ايضا {ليحل المسيح بالايمان في قلوبكم} (اف 3 : 17). ولدينا وعده الصادق انه سيكون معنا ليس فى فترة تجسده على الارض بل على الدوام { وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} (مت 28 : 20).وانه حيث اجتمع اثنين او ثلاثة باسمه سيكون فى وسطهم { لانه حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فهناك اكون في وسطهم } (مت 18 : 20) أنه اله السلام القادر ان يهبنا سلامه { لانه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا ابا ابديا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية} ( أش 6:9-7) وهو الذى قال لنا مطمئنا لنا{ سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب }(يو 14 : 27).

التجسد الإلهي مصدر الشجاعة والقداسة.. فهو دافع للشجاعة وعدم الخوف حتى من الموت، وهو حافز لنا لنبادله المحبة لانه احبنا اولا، ودافع للإيمان فالله اخلى ذاته من اجلنا وهذا ما اعلنه زكريا الكاهن حتى والمسيح جنينا فى الحشاء البتولي {مبارك الرب اله اسرائيل لانه افتقد وصنع فداء لشعبه. واقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه. كما تكلم بفم انبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من اعدائنا ومن ايدي جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع ابائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذي حلف لابراهيم ابينا.ان يعطينا اننا بلا خوف منقذين من ايدي اعدائنا نعبده. بقداسة وبر قدامه جميع ايام حياتنا} ( لو 68:1-75). بالإيمان بالمسيح يدعى اسمه علينا ونصير محسوبين عليه ومدافعا عنا ومتألما فى الأمنا ومشاركا فى أفراحنا ولم نعد غرباء { فلستم اذا بعد غرباء ونزلا بل رعية مع القديسين واهل بيت الله} (اف 2 : 19).

صرنا بالتجسد وثماره ابناء لله بالايمان والتبني ومسكنا للروح القدس وثماره ومواهبه وعطاياه حسب غنى نعمته فى المجد. مما يجعلنا ننمو فى القداسة ونقاوة الفكر فى حياة مقدسة واستحياء كما قال يوسف العفيف { كيف اصنع هذا الشر العظيم واخطئ الى الله} (تك 39 : 9). فحتى لو وجد المؤمن فى غرفة لوحده فانه يثق في وجود الله معه كفاحص الكلى والقلوب مما يوجد لدى الانسان حياء الفكر وضبط الحواس والعواطف جاعلين الله أمامنا فى كل حين { جعلت الرب امامي في كل حين. لانه عن يميني فلا اتزعزع} (مز 16 : 8).



التجسد الإلهي والرجاء .. وسط صعوبات الحياة مهما كانت الظروف المحيطة بنا، فاننا لسنا وحدنا فى برية هذا العالم بل الله معنا ومصدر رجائنا { الرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} (رو 5 : 5). اصبحنا نحيا دائما فرحين فى الرجاء الذى ربما لا يفهم كنهه من يحيا بعيدا عن الله { فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة } (رو 12 : 12). بالرجاء نثق ان الضيقات ستنتهى وان خفة ضيقتنا الوقتية تنشأ لنا ثقل مجد ابدى { لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا اكثر فاكثر ثقل مجد ابديا }(2كو 4 : 17). ومهما كانت خطايانا فنتوب الى الله ويقبلنا كما قبل اللص عندما قال له اذكرني يارب متى جئت فى ملكوت فقال له { فقال له يسوع الحق اقول لك انك اليوم تكون معي في الفردوس} (لو 23 : 43) ومهما كانت ضعفنا او خوفنا، فلنا رجاء فى التوبة والقبول والسلوك مع الله وامامنا انكار بطرس وضعفه وخوفه وكيف حرره الله واعاده الى رتبته الرسولية فلهذا نحيا فى رجاء منتظرين عمل الرب معنا { اما عرفت ام لم تسمع اله الدهر الرب خالق اطراف الارض لا يكل ولا يعيا ليس عن فهمه فحص. يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثر شدة. الغلمان يعيون ويتعبون والفتيان يتعثرون تعثرا. واما منتظروا الرب فيجددون قوة يرفعون اجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون}(أش 28:40-31). بهذا الرجاء ننتصر على كل حروب الشيطان والتجارب التي تواجهنا وكما انتصر السيد المسيح على جبل التجربة على حروب ابليس المتنوعة كنائب عنا فهو يقدر ان يعطينا القدرة على الانتصار ويجعل الضعفاء المتمسكين بالرجاء فى اله قوة ترهب الشياطين



اليك نرفع الصلاة ..

اليك ايها الاب السماوي نرفع الصلاة ونطلب فى رجاء ان تنعم علينا بالثقة فى ابوتك والإيمان بوجودك الدائم معنا فى الضيق والاحزان لتكون لنا عونا وعزاء، وفرحا ورجاء، فليس لنا فى الضيق سواك معين وانت الاب الحنون والراعي الصالح الذي نثق في قيادته لنا الى المراعي الخضراء ومياه الراحة ووسط وادى ظل الموت نثق انك كما كنت مع الفتية فى اتون النار ونجيتهم هكذا ستكون مع شعبك فى كل زمان ومكان وتنقذهم من كل التجارب وتقودهم فى موكب نصرتك.



علمنا ان نهبك قلوبنا مسكنا مقدسا لك، نرفع عليها تسابيح الشكر والعرفان بالجميل، ونقدم لك صبرنا على الضيقات واحتمالنا التجارب فى صلاة ورضي كرائحة بخور طيبه مقبولة امامك. واذ نرفع اليك قلوبنا وسط المخاطر والضيقات فانت تعطى التجربة ومعها المخرج والحل، وان راينا ان الحاضر ملبد بالغيوم والمستقبل مظلم امامنا فاننا نعلم انك قادر ان تشق وسط البحر طريقا للنجاة والخلاص والتحرر من عبودية ابليس واعوانه، وكما حملت شعبك قديما كما على اجنحة النسور واخرجتهم من عبودية فرعون وتسلطه فانت هو أمس واليوم والى الابد.

ايها الاله القدوس الذى اقترب الينا على الارض بل تجسد وصار بشرا لكي ما يرفعنا بالايمان الى مرتبة البنوة لله ويردنا الى رتبتنا الاولى نشكرك على محبتك المعلنة لنا والمخلصة لضعفنا ونسالك يالله القدوس بدالة البنوة ان تنظر الى اخوتنا المتعبين لتريحهم والضعفاء لتقويهم والضالين لتهديهم والبعيدين لتقربهم اليك والساقطين لتقيمهم والمتألمين لتكون لهم عزاء وصبرا وقوة . نسألك من اجل الرعاة والرعية لتقودنا بابوتك وتفتقدنا بخلاصك لنعود اليك بقوة وتفرح الأم مع البنين بعودة ورجوع الخاطئين وتقوى الضعفاء وتنعم علينا بسلامك الكامل، أمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق