20‏/11‏/2013

† للضعفاء إله يقوِّيهم - بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث



للضعفاء إله يقوِّيهم
بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث

      إن اللَّه هو إله الكل. هو خالق الكل، والمُعتني بالكل، والمُهتم بالكل. هو خالق السموات والأرض، والمهتم بكل مَن هم في السموات ومَن هم على الأرض، بل ومَن هم تحت الأرض أيضاً. إنه إله لكل المخلوقات: للملائكة والبشر، وأيضاً للحيوانات وللحشرات، يعطيها طعامها، ولكن بوجهٍ خاص هو إله الضعفاء.
«« نعم إن اللَّه في حنوه يقف إلى جوار الضعيف ليسنده ... إنه مُعين مَن ليس له معين، ورجاء مَن ليس له رجاء. عزاء صغيري القلوب، ميناء الذين في العاصف. وكل إنسان قلبه صغير، لا يحتمل متاعب الدنيا، ولا متاعب الناس، ولا متاعب الخطية. هذا إن اضطربت سفينته وسط الأمواج العاصفة، يرى اللَّه مُنقذاً له في كل هذا.
«« إن اللَّه دائماً مع الضعفاء، وضد الأقوياء المُعتزين بقوتهم. إنه بعُمق محبته يبشر المساكين بالفرح. يعصب منكسري القلوب. يُنادي بالمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق ... لقد كان اللَّه مع يوسف المسكين، الذى ألقاه أخوته في البئر، وبيع كعبد في أرض مصر. وألقوه في السجن ظُلماً. ولم يُدافع في كل ذلك عن نفسهِ. وكان مع داود الضعيف أمام شاول الملك وكل سلطانه وجنده وقوته وقسوته. وكان مع داود الفتى حينما وقف أمام جليات الجبار. وكان مع موسى الوديع الهادئ ضد فرعون المتعالي المعتز بقوته.
      اللَّه هو أيضاً حافظ الأطفال. يُراعي ضعفهم ويسندهم ويحميهم. كما أن اللَّه أيضاً يحكم للمظلومين الذين لا يستطيعون أن ينالوا حقَّهم. لذلك إن كنت ضعيفاً فلا تخف ما دام الرب معك. واحذر من أن تكون قوياً والرب مُفارقك. لقد كانت الكنيسة عزلاء وضعيفة أمام كل قوة الدولة الرومانية وبطشها وأسلحتها وبخاصة أيام الإمبراطور نيرون الظالم. ولكنها انتصرت وانتشرت لأنَّ قوة الرب كانت معها.
«« لذلك إن وجدت جباراً مُعتزاً بجبروته، قل له: لقد قربت نهايتك. إنني أذكر من تأملاتي بعض الكُتَّاب الروحيين: " قال الشيطان للَّه: اترك لى الأقوياء فأنني كفيل بهم. أما الضعفاء فإذ ليست لهم قوة لذلك يحاربونني بقوتك أنت فلا أقدر عليهم ".
«« إذا كُنت في ضيقة أو في خطية، فلا تقف أمام اللَّه وتذكُر وعوداً منك أو تعهدات، كمَن هو واثق بقدرته على التنفيذ. إنما قف أمام اللَّه كضعيف يطلب المعونة ... قل له: ساعدنى يارب لكى أترك هذه الخطية. لأني كُلَّما أتركها أعود إليها مرة أخرى، إننى أعرض ضعفي أمام جلالك الإلهى. وأنت يارب تعرف يقظة أعدائي، وضعف طبيعتي أنت تعرفه يا خالقي. وأنا في حروبي الروحية لا أغلب إلا بقوتك.
«« إن الإنسان المتواضع المنسحق القلب، الذى يقف أمام اللَّه كضعيف يطلب معونته الإلهية، فهو الذي يمكنه أن يأخذ قوة من اللَّه يستطيع بها أن ينتصر. ذلك أنك إن وقفت أمام اللَّه كقوي، تكون معتمداً على ذراعك البشري. وحينئذ تتخلَّى عنك النعمة لكى تشعر بضعفك وتتضع ... إذن فلا تفتخر بقدرتك.
«« وإذا ما عرفت ضعفك، لا تحتقر إنساناً ضعيفاً ساقطاً. بل قُل لنفسك: أنتي مُعرَّضه للسقوط مثله لولا نعمة اللَّه التى تسندني. نعم نعمة اللَّه التى تحتمل ضعف الضعفاء بما لا يُحد من طول آناته.
      إن شعورك بقوتك في الحروب الروحية، إنما يفقدك الاحتراص، ويفقدك التدقيق، ويوقعك في الغرور، ويبعدك عن الصلاة. ألم يقُلْ سليمان الحكيم عن الخطية إنها طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء " يقصد المعتمدين على قوتهم فقط "... حقاً إن المُعتزِّين بقوتهم، نادراً ما يصلون. إذ لا يشعرون بحاجة إلى صلاة تسندهم. وصعب على هؤلاء أن يتضعوا.
«« ومع ذلك إن شعرت أنك ضعيف، لا تخف من ضعفك. وإن كنت مغلوباً من خطية ما، فلا تيأس من إنغلابك. لقد كان أوغسطينوس ضعيفاً أمام الخطية ومغلوباً لكنه بنعمة اللَّه انتصر على كل ذلك. بل إنه نما في النعمة حتى صار راهباً ثم أسقفاً، ثم قائداً للروحيات في جيله. وهكذا كان موسى الأسود، وبلاجيه، ومريم القبطية، وآخرون ... ولكن قوة اللَّه التى تسند الضعفاء، قادتهم في موكب النصرة. وهكذا هو عمل اللَّه المُحب، الذى يستطيع أن يعطي للمُعيي قوة، ويثبت له أجنحة كالنسور، ويرتفع في حياة الروح.
«« على أن شعورك بالضعف، لا يعني أن تتصف دائماً بهذه الصفة. بل على العكس تؤمن أنك تستطيع كل شيء في اللَّه الذى يقويك. لذلك أنت تشعر أنك ضعيف بذاتك، ولكنك قوي جداً باللَّه العامل فيك. فاحرص على عمل القوة الإلهية فيك، واتضاعك الدائم. من هنا يكون الإنسان الروحي قوياً جداً ولكن ليس بقوته وشخصيته، وإنما بقوة اللَّه العاملة فيه.
«« بهذا لا تقف أمام اللَّه وتقول سأترك هذه الخطية ولا أرتكبها بعد الآن. إنما قُلْ: أعطني يارب قوة لأتركها. لأنك إن لم تمسك بيدي لن أتقدَّم خطوة واحدة بدونك ... إننى لست أقوى من الشيطان، الذى هو أكثر حيلة، وأكثر معرفة بالنفس البشرية وضعفاتها، وأكثر خبرة بالحروب الروحية ... أنت يارب الذى تنقذني منها. أفرح لا بقوتي، بل بنعمتك التى تُخلِّصني ... أنا لا أحب اطلاقاً أن أتكبَّر. والكتاب يقول: " قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح "، نجِّني يارب من كليهما، ولك المجد الدائم إلى الأبد، آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق