28‏/06‏/2013

† الروح القدس وحاجتنا اليه - للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى



 
الروح القدس، الرب المحيي..
+ عندما نتكلم عن الروح القدس فنحن نتكلم عن الله لان الله روح {الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا} (يو 4 : 24). الروح القدس هو أقنوم الحياة ومعطيها فهو الرب المحي، الواحد فى الطبيعة الإلهية مع الأب والإبن. بهذا أمر السيد المسيح تلاميذه ان يبشروا به فى كل الأرض { فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس} (مت 28 : 19).فالله الهنا واحد كائن بذاته، ناطق بكلمته، حي بروحه القدوس {فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الاب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد} (1يو 5 : 7). الروح القدس هو الإله الخالق{روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني} (أى 33: 4). وكما يقول الكتاب {أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضا تهديني يدك وتمسكني يمينك} (مز 139: 7-10). أن الروح القدس حاضر في كل مكان، والقديس بطرس في حواره مع حنانيا وسفيرة قد اعتبر أن من يكذب على الروح القدس يكذب على الله ( أع 5: 4).
+الله واحد من حيث جوهره. الآب والابن والروح القدس. الروح القدس قال عنه الرب يسوع المسيح {أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق}(يو14 : 16، 17). فكلمة "آخر" هنا لا تعنى انفصاله عن الآب أو عن الابن بل تعنى أن له أقنوميته الخاصة المتمايزة. إذن الروح القدس ليس طاقة أو قوة، كما يدّعى شهود يهوه، بل هو اله حقيقي يتكلم ويسمع. فهو أقنوم إلهي واحد في الجوهر مع الآب والابن. { قال الروح القدس أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه} (أع 13 : 2). وعبارة "افرزوا لي" تشير إلى شخصية الروح القدس أنه صاحب ضمير الملكية. وقال السيد المسيح {ذاك يمجدني} (يو16 :14)، وكلمة ذاك تقال عن شخص أو أقنوم وليس عن قوة أو طاقة. وقال عنه أيضا {متى جاء ذاك روح الحق} (يو16 :13). وقال عنه "يأخذ" وقال عنه "يخبر" وقال عنه "يشهد".كل هذه الأشياء التي قيلت عن الروح القدس تدل على أقنوميته.فكما أن الابن له شخصيته الحقيقية التي أدركناها حينما جاء لخلاص العالم، فالروح القدس أيضا له شخصيته الحقيقة التي أدركناها حينما جاء ليقود الكنيسة ويشهد للمسيح ويعمل في الأسرار. الروح القدس مساوي للآب والابن في الجوهر وهو أقنوم حقيقي له شخصيته المتمايزة.من أجل هذا حرمت الكنيسة مقدونيوس فى المجمع المسكوني المنعقد بالقسطنطينية سنة381م. وعزلته من رتبته كبطريرك لانه أنكر الوهية الروح القدس وقال أنه عمل إلهي منتشر فى الكون وقال ان الروح القدس يشبه الملائكة ولكنه رتبة أسمى منهم. وليس بأقنوم متميز مما أستوجب حرمه وتجريده من رتبته الكنسية. الروح القدس هو روح الله ويتحدث ويعزى المؤمنين ويقدسهم ويهب الحياة ويقيم الخدام ويعلمنا ويرشدنا الى الحق ويدبر أمورنا ويدافع عنا وهو الذى يقيم أجسادنا فى اليوم الأخير واليه نرفع الصلاة قائلين: ( ايها الملك السمائي، روح الحق الحاضر فى كل مكان، والمالي الكل، كنز الصالحات ومعطي الحياة، هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس وخلص نفوسنا).
+الروح القدس يقدم لنا شركة فائقة الوصف مع الأب فى أبنه ويعمل فينا لنؤمن بالاله الواحد، الله الأب ضابط الكل وابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا، كلمة الأب الأزلي، الذى تجسد وتأنس من الروح القدس ومن القديسة العذراء مريم ولم يحد التجسد من لاهوته وصلب عنا خلاصا وقام ليقيمنا معه وصعد الى السموات جسديا ليصعد طبيعتنا الى السماء وارسل لنا الروح القدس، الرب المحيي، المنبثق من الأب الذى حل على التلاميذ والمؤمنين فى يوم الخمسين ليؤسس ويقود الكنيسة الى التوبة والقداسة. الروح القدس يعمل فينا لنؤمن بالله ونطيع ونعمل وصاياه وهو الذى يمنحنا الاستنارة والقداسة والقوة ويعزينا فى غربة العالم. يقول القديس كيرلس السكندرى: ( أن التجديد فى الحقيقة هو من عمل الثالوث القدوس، حتى وإن ظهر أننا ننسب لكل أقنوم على حده عملا مما يحدث لنا أو للخليقة، ولكن علينا أن نؤمن ان كل شئ هو من الآب خلال الابن فى الروح القدس).
حاجتنا للروح القدس...
+ نحن نعيد لحلول الروح القدس فى يوم الخمسين على التلاميذ القديسين والرسل المكرمين بفرح جزيل، وبروح الصلاة ليحل علينا ويعمل فينا ويقود نفوسنا ويبكتها على كل خطية ويمنحها القوة لتتوب وتكره الخطية لانها عداوة لله ونطلب منه ان يهبنا التعزية والصبر فى الضيق. ويعلمنا ويذكرنا بكل ما قاله الرب يسوع المسيح { واما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم} (يو 14 : 26). لقد حل الروح القدس على المؤمنين فى يوم الخمسين كالسنة نار منقسمة { ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملا كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم السنة منقسمة كانها من نار واستقرت على كل واحد منهم.وامتلا الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بالسنة اخرى كما اعطاهم الروح ان ينطقوا.} ( أع1:2-4). وهذا يبين لنا طبيعة الروح القدس النارية التي تحرق الخطايا والأثام، وتعطى إستنارة وفهم وحكمة وعلم، وتهب حرارة روحية للمؤمنين فى كل زمان لاسيما اولئك الذين ينقادون بروح الله.
+ قديما كان الأنبياء في العهد القديم يعزوا الشعب وسط ضيقاتهم بمجيء المسيا المخلص كمعزي لهم (إش ٩: ٦؛ مي ٥: ٦؛ زك ٣: ٨). وعندما جاء المسيا كان للمؤمنين راعيا صالحا ومعزيا وعندما فارقهم بالجسد، صارت الحاجة ملحة إلى معزى آخر يمكث مع المؤمنين للابد هو الروح القدوس. وهذا ما فعله السيد المسيح خلال تجسده لحساب مؤمنيه، وكما ان صعود المخلص الصالح كان طريقنا للتمتع بحلول الروح القدس على الكنيسة واستقراره داخلها لكي يتمتع المؤمنين بهذه السكنى ثم ليسحب قلوبنا إلى المسيح الممجد في السماء، فتلتهب أعماقنا للحياة مع الله والشهادة له ثم للانطلاق إلى العريس السمائي.
+ الروح القدس والتوبة...
الروح القدس يعمل فى الخليقة كلها ليخلق ويجدد وجه الارض { ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الارض } (مز 104 : 30). فهو الذى يعطي الحياة وهو روح التجديد الدائم والذى يدعو ويحث للإيمان ويغفر خطايا الراجعين الى الله. وهو حال فى كل مكان ويعمل ويتمم الاسرار المقدسة لكي يهبنا نعمة البنوة فى المعمودية ويبكتنا على الخطية ويحثنا على التوبة ويغفر الخطايا فى سر التوبة والاعتراف ويقدس ويثبت المؤمنين بالمسحة المقدسة وهكذا فى كل الاسرار. الروح القدس يفضح الخطايا أمام بصيرة المؤمن الداخلية فنكتشف حاجتنا للغفران المستمر بقدر ما نحتمل، ويعطينا رجاء فى التوبة وفرح وعزاء بقبول الله للتائبين. وهو الذى يعطينا روح الصلاة والتضرع { وكذلك الروح ايضا يعين ضعفاتنا لاننا لسنا نعلم ما نصلي لاجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بانات لا ينطق بها} (رو 8 : 26).الروح القدس كما قال عنه الرب يسوع {ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى برّ، وعلى دينونة} (يو8:16) فهو وحده يقدر أن يدخل القلب ويفضح الخطية لنرجع إلى عذوبة الشركة مع الله. إنه قادر أن يقنع أعماق الإنسان أن سعادته وسلامه وفرحه وخلوده وعدم فساده يكمن في الالتصاق بالمخلص لا بالخطية، وأن لذة العشرة مع الله لا تُقارن بأية لذة للخطية.لذلك دعى بالباركليت، وهي كلمة يونانية قديمة "بارا" تعني الملازمة، و"كليت" تعني الدعوة للمعونة، فهو الملازم المعين، أو القائد المعزي، الشفيع المدافع. إنه ينخس قلب الإنسان قبل أن يؤمن أو يسكن فيه مغيرا طبيعته، ليعطيه الإيمان، ويهيئه لقبول عطية الروح القدس، وذلك ما حدث يوم الخمسين {فلما سمعوا نُخسوا في قلوبهم، وقالوا لبطرس وسائر الرسل... توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس} (أع 37:2-39). ان التبكيت على الخطية يحمل معنى حث الإنسان على التخلي عن عدم إيمانه بالمسيح، بهذا ينفتح أمامه باب المغفرة. أما عن التبكيت على برٍّ، فان الروح القدس يبكت الانسان على عدم إدراكه لبرّ المسيح وقداسته، فقيامته وصعوده إلى السماء هما الدليل على برّه. لذلك إذ صعد السيد إلى السماء أرسل روحه ليحمل قلوب البشرية إلى حيث المسيح جالس، فيتلامسوا معه ويختبروا برَّه فيهم ويصير المسيح لهم برًا. أما تبكيته {واما على دينونة فلان رئيس هذا العالم قد دين} (يو 16 :11).فقد ادان الرب ابليس وقيده ووهبنا السلطان ان ندوس كل قوة العدو ولم يعد لدينا العذر فى الانهزام أمام حيل ابليس ان تمسكنا برئيس إيماننا. الروح القدس يكشف لنا أنه بالصليب دين عدو الخير وشُهر به (١ كو ٢: ١٥).وهكذا يختبر المؤمن في حياته اليومية عربون السلطان الذي ناله للانتصار على تجارب العدو ولكي يتمتع بكمال النصرة في يوم الدينونة حيث يُدان إبليس ويتمتع الإنسان بكرامة فائقة ويحتل الإنسان الدرجة السماوية الفائقة التي سقط منها إبليس وكل جنوده. لهذا جاء فعل "دين" يحمل معنى الاستمرارية، فالغلبة على قوات الظلمة عمل يومي مستمر.
يقول القديس الأنبا أنطونيوس فى رسالته الاولى لاولاده الروحيين عن الروح القدس وعمله فى التوبة : ( الجسد يتطهر بالصوم الكثير وبالسهر وبالصلوات وبالخدمة التي تجعل الإنسان ينضبط في جسده ويقطع من نفسه كل شهوات الجسد. ويصبح روح التوبة هو مرشده في هذه الأمور، ويختبره بواسطتها لئلا يقتنصه العدو إليه مرة ثانية. وعندئذ يبدأ الروح الذي يرشده، أن يفتح عيني نفسه لكي يعطيها التوبة ايضا لكيما تتطهر ويبدأ العقل ايضا في التمييز بين الجسد والنفس، وذلك عندما يبدأ أن يتعلم من الروح كيف يطهرهما بالتوبة. وعندما يتعلم العقل من الروح فإنه يصبح مرشدا لكل أعمال الجسد والنفس معلما إيانا كيف نطهرهما.ويفصلنا عن كل الثمار اللحمية التي اختلطت بأعضاء الجسد منذ المعصية الأولى. ويعيد كل عضو من أعضاء الجسد إلى حالته الأصلية دون أن يكون فيه أي شيء من روح الشيطان.ويصبح الجسد تحت سلطان العقل المتعلم من الروح كما يقول الرسول بولس {أقمع جسدي واستعبده} (1كو 9: 27) لأن العقل يطهره في أكله وفي شربه وفي نومه، وبكلمة واحدة فإنه يطهره في كل حركاته. حتى انه من خلال طهارة العقل يتحرر الجسد حتى من الحركات الطبيعية التي فيه... هذه الأشياء قلتها لكم يا محبوبون لكي تعلموا كيف ينبغي على الإنسان أن يتوب جسدا ونفسا ويطهرهما كليهما. فإذا ما غلب العقل في هذا النضال، فإنه حينئذ يصلي بالروح ويبدأ في أن يطرد من الجسد شهوات النفس التي تأتي اليها من ارادتها الخاصة. حينئذ يصير للروح القدس شركة وألفة مع العقل، لأن العقل يحفظ الوصايا التي سلمها إليه الروح).
+ الروح القدس والاستنارة...
الروح القدس هو روح الحق الحكمة والعلم والمعرفة. هو معلمنا وقائدنا لطريق الفضيلة والبر {اما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم} (يو 14 : 26). هو الذى يعطي إستنارة لبصيرتنا الداخلية لندرك بنوتنا لله ويعمل فينا لطاعة وصاياه وهو الذى يتكلم فينا وقت الضيق { لان الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب ان تقولوه} (لو 12 : 12). هو الذى يعطي البصيرة الروحية لنشهد للحق فى شجاعة وعدم خوف {وأما متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق،لأنه لا يتكلم من نفسه،بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية} (يو 13:16). وهو الذى يكشف لنا عن حقائق الله والنفس لننمو فى النور، ومن محبة الى عمق فى الحياة مع الله حتى نعى ما أعد لنا من أمجاد فى السماء فنطرح عنا ثقل الخطية ونحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا { بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع اذن ولم يخطر على بال انسان ما اعده الله للذين يحبونه. فاعلنه الله لنا نحن بروحه لان الروح يفحص كل شيء حتى اعماق الله} (1كو 9:2-10) هو روح النبوة (رو ٨: ١٤). الذى يقود المؤمنين في الطريق، ويبقى سندا لهم حتى يبلغ بهم إلى النهاية، حيث يتمتعون بكل الحق. إنه أشبه بربان السفينة العارف بأسرار المنطقة البحرية، يقودها ويبلغ بالمسافرين إلى البر بأمان. لذلك نطلب أن ننمو في المحبة التي تنسكب في قلوبكم بالروح القدس المعطي لنا من الله (رو ٥:٥). لنتعرف على ذلك النور الروحي وننال معرفة أفضل وأكمل.
بالروح القدس يتعزي المؤمنين فى الضيق والاضطهاد عالمين ان الضيقة لفترة محدوده ويعقبها ثقل مجد ابدي فنحيا على رجاء وثقة فى الله{ فاذ قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح. الذي به ايضا قد صار لنا الدخول بالايمان الى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله. وليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. والصبر تزكية والتزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} (رو1:5-5) هكذا كان حال الكنائس فى العصر الرسولي رغم الضيقة تنمو فى سلام المسيح بالروح {واما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر} (اع 9 : 31). عاش ابائنا سواء فى العالم ومعاناته اليومية وهم يماتوا من اجل المسيح حاملين صليبهم بفرح وحتى المتوحدين فى الجبال كان الروح القدس مصدر سلامهم وفرحهم وتعزيتهم فى حياة النسك والزهد، هو الذى علمهم وقادهم وكانوا بركة فى جيلهم كما كان القديس الانبا بولا أول السواح بركة للعالم وكان مصدر تعزيتهم الوحيد هو الله.
+ الروح القدس والتقديس.. الروح القدس هو واهب القداسة يدفعنا من عالم الظلمة والخطية للتوبة المستمرة والإيمان العامل بالمحبة لنحيا فى النور والقداسة. لهذا جاء الرب يسوع المسيح وكرس وخصص حياته لتقديسنا { لاجلهم اقدس انا ذاتي ليكونوا هم ايضا مقدسين في الحق }(يو 17 : 19) ان دعوة الله لنا هي دعوة للقداسة {بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم ايضا قديسين في كل سيرة} (1بط 1 : 15). ودور الروح القدس هو ان يدخلنا الى التمتع بحياة المسيح المقدسة، اذ يهبنا نعمة الاتحاد به وحلول المسيح له المجد بالإيمان فينا لتقديسنا وتبريرنا بعمل الروح القدس {اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح الهنا (1كو 6 : 11).
ان تقديسنا بالروح يحتاج منا لحياة الجهاد الروحي فالروح القدس لا يبخل علينا بالتقديس لكنه لا يعمل فينا بغير ارادتنا أو ونحن متكاسلون. المعمودية تعطينا ولادة جديدة كابناء لله بالتبني لكنها لا تعطي المؤمن عصمة من الخطية لهذا قال السيد الرب { ملكوت السماوات يغصب والغاصبون يختطفونه} (مت 11 : 12). بالميرون المقدس ننال نعمة الروح القدس لكن نحتاج ان نضرمها داخلنا بالجهاد والاشتراك بالعمل مع الله لتظهر ثمار الروح القدس فى حياتنا وكلما كنا أمناء فى القليل يقيمنا الله على الكثير. لهذا نحن نحتاج للثبات فى المسيح بالاسرار المقدسة وبكلامه المشبع وبالصلاة والصوم وكلما ثبتنا فيه ينقينا لنأتي بثمر أكثر{ كل غصن في لا ياتي بثمر ينزعه وكل ما ياتي بثمر ينقيه لياتي بثمر اكثر.انتم الان انقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به. اثبتوا في وانا فيكم كما ان الغصن لا يقدر ان ياتي بثمر من ذاته ان لم يثبت في الكرمة كذلك انتم ايضا ان لم تثبتوا في. انا الكرمة وانتم الاغصان الذي يثبت في وانا فيه هذا ياتي بثمر كثير لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا.} ( يو 2:15-5)
الروح القدس يختمنا بختم ملوكي فى أعماق النفس الداخلية لنحمل صورة الملك المسيح فينا ويكون لنا فكر المسيح وتصير النفس مكرسة للرب {الذي فيه ايضا انتم اذ سمعتم كلمة الحق انجيل خلاصكم الذي فيه ايضا اذ امنتم ختمتم بروح الموعد القدوس} (اف 1 : 13). الروح القدس يعمل فى المؤمن بدون إنقطاع مادمنا فى جهادنا الروحي نتقبل ونستجيب لعمله فينا ويقودنا فى حياة الكمال المسيحي ومحبة الله والتطلع الى أمجاد السماء.
يقول القديس مقاريوس الكبير فى العظة الخامسة: (المسيحيون لهم عالم مختلف خاص بهم، ومائدة أخرى وثوب آخر ونوع آخر من التمتع والتنعم، وشركة أخرى وطريقة أخرى للتفكير والعقل، ولهذا السبب فإنهم يتميزون عن باقي البشر. إذ أن لهم الامتياز أن ينالوا قوة هذه الأمور في داخل نفوسهم منذ الآن بواسطة الروح القدس.لذلك فإن أجسادهم تُحسب أهلاً في القيامة للاشتراك في خيرات الروح الأبدية هذه، وسوف تختلط بذلك المجد الذي قد عرفته نفوسهم بالاختبار في هذه الحياة. لذلك يجب على كل واحد منا أن يجتهد ويسعى ويجد في كل فضيلة، وان يؤمن ويطلب من الرب لكي يجعل الإنسان الباطن شريكا في ذلك المجد هنا منذ الآن وأن تصير للنفس شركة في قداسة الروح، لكي ما نتطهر من أدناس الشر وليكون لنا في القيامة ما نكسو به عرى أجسادنا عند قيامتها وما نغطى به عيوبها، وما يحييها وينعشها إلى الأبد في ملكوت السموات لأن المسيح سوف ينزل من السماء، ويقيم نسل آدم كله الذين رقدوا من بدء العالم، حسب الكتب المقدسة وسيقسمهم جميعا إلى قسمين، فأولئك الذين يحملون علامته أى ختم الروح سيدعوهم إليه باعتبارهم خاصته وسيقيمهم عن يمينه، كما يقول { لأن خرفي تسمع صوتي وأنا أعرف خاصتي وخاصتي تعرفني} "يو27،14: 10" وحينئذ تلتحف أجساد هؤلاء بالمجد الإلهي من أعمالهم الصالحة، ويمتلئون من مجد الروح، وهكذا إذ نتمجد في النور الإلهي ونختطف إلى السماء لنلاقى الرب في الهواء حسب المكتوب فإننا نكون كل حين مع الرب مبتهجين معه إلى دهر الدهور).

18‏/06‏/2013

† نحو غد أفضل (6) - رسالتنا فى الحياة / للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى



 نحو غد أفضل (6)
رسالتنا فى الحياة
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى


الولادة والنمو والمسئولية ...
ما بين الميلاد والوفاة قصة حياة كل واحد وواحدة منا على وجه الارض، كتاب مفتوح نكتب فيه كل ساعة وكل يوم الكثير من سطور الافكار والعواطف والاعمال وعلينا ان نحرص ان نكتب سيرة عطرة لكل منا حسب طاقاته وإمكانياته ومواهبه، فلا يوجد انسان الا وقد حباه الله بالكثير من الوزنات ليتاجر بها ويربح، وما الموهبة والعبقرية الا إكتشاف لمواهبنا وطاقاتنا وتنميتها بالجهد المتوالي وعلى مر الأيام والسنين يتكون لدينا تراكمات من النجاح. وقد يكون هناك ايضا الكثير من الأخطاء التي ممكن ان نستفيد منها فى بناء شخصيتنا والتعلم من أخطائنا لنصل للأفضل والحكيم هو من يتعلم من أخطاء غيره ومتوسط الحكمة يتعلم من أخطاءه والاقل حكمة لا يتعلم ولا يستفيد من الأخطاء والجاهل هو من تكون عثراته سبب فى فشله أو تحطيمه وربما هلاكه الأبدي ما لم يتوب فالشرير بحبال خطيئة يمسك.
عندما يولد طفل جديد الى العالم فان الله يعلن لنا بولادته الرحمة الغنية التي تهب المولود نعمة الوجود ليعمل ويثمر ويشترك فى العمل مع الله طيلة حياة الانسان. الله بعلمه السابق يعرف كل شئ عن الانسان. هكذا قال الرب لارميا النبي {قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب} (ار 1 : 5). وعلم  الله السابق لا يجبرنا على شئ بل يهبنا حرية الإختيار والمسئولية الأدبية ويحاسبنا فى نهاية الرحلة على كل ما فعلناه ولانه اله رحيم يهبنا التوبة باب للغفران وإصلاح الذات وتقويمها، وولادة طفل جديد تقول ان الله لم ييأس من البشرية بعد ويعطيها حياة وجعل الأبوين يشتركان فى اعطاء الحياة لانسان جديد فى العالم ويجب ان يكون الوالدين مؤهلين لرعاية المولد الجديد لانهم مسئولين أمام الله والمجتمع عن تربيته، وللاسف فاننا نجد البعض يفشلوا فى ذلك الإختبار. لقد عاقب الله عالى الكاهن لانه علم بخطايا ابناءه ولم يعاقبهم ويربيهم التربية الجيدة. كما مدح الكتاب اباء وامهات لانهم أخرجوا ابناء صالحين نافعين لمجتمعهم. وعلى النقيض من ذلك حتى وسط عالم الظلمة استطاعت يوكابد ان تنشئ قديسين هم موسي النبي وهارون رئيس الكهنة ومريم النبية وفى ظرف سنوات الرضاعة ربت موسي النبي على مخافة ومعرفة الله {بالايمان موسى بعدما ولد اخفاه ابواه ثلاثة اشهر لانهما رايا الصبي جميلا ولم يخشيا امر الملك. بالايمان موسى لما كبر ابى ان يدعى ابن ابنة فرعون. مفضلا بالاحرى ان يذل مع شعب الله على ان يكون له تمتع وقتي بالخطية.حاسبا عار المسيح غنى اعظم من خزائن مصر لانه كان ينظر الى المجازاة.} ( عب 23:11-26). لهذا تقع مسئولية كبيرة على الوالدين فى تربية الابناء لاسيما فى سنوات الطفولة الاولي { رب الولد في طريقه فمتى شاخ ايضا لا يحيد عنه} (ام 22 : 6). وكما يقول المثل التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر. عندما يكبر الطفل يتأثر بالاصدقاء ولهذا نهتم بالتوجيه الاسرى فى إختيار الاصدقاء { المعاشرات الردية تفسد الاخلاق الجيدة} (1كو 15 : 33) ثم يتأثر الفرد بالبيئة المحيطة والمجتمع. ويقع علي عاتق الاباء السعي لتحقيق التكامل والتوازن فى شخصية ابنائهم منذ الصغر كما قيل عن ربنا يسوع المسيح فى تجسده { واما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس} (لو 2 : 52). و يجب ان نهتم بمختلف جوانب تقدمنا ونمونا من الجوانب العقلية والجسدية والروحية والدراسية  والاجتماعية والنفسية... الخ.
رسالتنا فى الحياة ..
 + لقد خلقنا الله لاداء رسالة على الأرض ويجب على كل واحد وواحده منا إكتشاف دوره فى المجتمع ورسالته فى الحياة والمساهمة فى بناء نفسه وأسرته وكنيسته ومجتمعه {لاننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها} (اف 2 : 10). يجب ان يعرف الانسان ماذا يريد من الله { فاجاب يسوع وقال له ماذا تريد ان افعل بك} (مر 10 : 51) وماهو الدور الذى يمكن به ان يكون  كل منا نافع لبناء نفسه ومن حوله وبناء ملكوت الله على الأرض. ولهذا يجب ان نسأل الله فى صلواتنا ونقول له {يا رب ماذا تريد ان افعل؟} (اع 9 : 6) وعندما تتفق ارادتنا على طاعة الله ومعرفته مع ارادته لنا بالنجاح والاثمار نأتي بثمر ويدوم ثمرنا ونربح انفسنا ومن حولنا وهذا يستوجب بناء الإنسان الداخلي بالدراسة والقراءة والعمل والقيام بامانة وإخلاص بادوارنا فى كل مجال. وليس كبر أو صغر الوظيفة أو الدور هو الذى يتحكم فى مصيرنا بل المحبة والاخلاص فى اداء دورنا وهذا يستدعى إمتداد راسي فى حياتنا بالعلاقة والعمق مع الله والإنقياد لارشاد الروح القدس وروح الكتاب المقدس والصلاة التي بها نحيا فى المسيح ونتعلم منه ونسير على خطاه وبعد ذلك  الإمتداد الأفقي نحو الغير من الدائرة الأقرب فى البيت والعائلة والكنيسة الى مجتمع الاصدقاء والعمل والمجتمع المحيط.
+ لكي ننجح ونثمر علينا ان نثبت اذا فى المسيح { اثبتوا في وانا فيكم كما ان الغصن لا يقدر ان ياتي بثمر من ذاته ان لم يثبت في الكرمة كذلك انتم ايضا ان لم تثبتوا في. انا الكرمة وانتم الاغصان الذي يثبت في وانا فيه هذا ياتي بثمر كثير لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا. ان كان احد لا يثبت في يطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق.ان ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي.} ( يو 4:15-8).  اننا نثق ان الله يريد منا ان نعطى مذاقة روحية للمجتمع الذى نحيا فيه وان نأخذ من نوره ونستنير ونبنى أنفسنا وغيرنا { انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجا و يضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} (مت 13:5-16)
+ لقد خلق كل منا لاداء مهمة فى فترة غربة على الارض { غريب انا في الارض لا تخف عني وصاياك} (مز 119 : 19). فى الغربة قد ننال من النجاح والتوفيق بقدر ما نجتهد ونعمل ونبنى لمستقبل أفضل. وقد يعانى المؤمن الكثير من المعوقات لاسيما فى مجتمع تسوده روح التنافس والحروب الروحية من الشيطان وأعوانه ولكن بالتصميم على خدمة الله ونقاوة القلب والمحبة لله والغير والخير يطل المؤمن على شواطئ الأبدية بالرجاء الواثق الذى به نحيا الإيمان الواثق والسلام الى ان نصل الى المحبة الكاملة والوطن السمائي فلكل شئ تحت السماء وقت {للولادة وقت وللموت وقت للغرس وقت ولقلع المغروس وقت} (جا 3 : 2).
 نحن فى حياتنا لا نلقى رجائنا لا على مال زائل ولا منصب لا يدوم ولا اشخاص راحلون ولكل على الله الحي القادر على كل شئ {عليك القيت من الرحم من بطن امي انت الهي} (مز 22 : 10). فى الغربة يجب ان نجاهد جهاد الإيمان الحسن لنربح إكليل السماء كما قال القديس بولس الرسول {قد جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعي حفظت الايمان. واخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره ايضا} (2تيم 7:4-8). ان حياتنا على الارض لا تقاس بطولها بل بعمقها ولا بما تركناه من مال بل ما تركناه من خير ومن جليل الأعمال من أجل الله ومحبة فيه وفى أخوتنا وخلاص أنفسنا.
أطلاله على الأبدية ...
+ ان محبتنا وإخلاصنا وأمانتنا لله والكنيسة والوطن والعمل والإنسانية والقيم واجب على المؤمن لكي يطل به على الأبدية السعيد التي يظنها البعض بعيده، ولكن المؤمن يرى انه يبتدئ ملكوت الله السمائي على الأرض فى داخله ويبنى بيته السعيد فى السماء بما يكنزه فيه لهذا قال الرب { لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون.  بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون. لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا} (مت 19:6-21).
 + المؤمن يثبت نظره نحو الابدية. وهذا يشبع حاجته الروحية فى إمتداد الحياة  مع الله فى سلام وفرح ومحبة ويجعل لحياتنا هدف وقيمة لنسير فى الحياة مدركين ان كل أعمالنا ومحبتنا وجهادنا له أجر { صنع الكل حسنا في وقته وايضا جعل الابدية في قلبهم التي بلاها لا يدرك الانسان العمل الذي يعمله الله من البداية الى النهاية} (جا 3 :11). ومن أجل الملكوت السمائي وبنوتنا لله نعمل ونجاهد بضمير صالح وإيمان بلا رياء. هكذا راينا إبراهيم أبو الاباء يتغرب ما بين الخيمة والمذبح ويطيع الله مقدما حتى أعز ما لديه ابنه الوحيد على مذبح المحبة من أجل قيامة أفضل. وهكذا كان القديس الأنبا أبرام أسقف الفيوم المتنيح  يرى فى الفقير والغريب والضيف والمريض والمحتاج أفضل إستثمار لأموال الكنيسة. لكن عندما تغيب الرؤية الروحية يكنز الإنسان لنفسه كما الغني  الغبي الذى طلب الله نفسه فوجدها بلا ثمر. وكما الغني الذى جاور لعازر البلايا دون ان يعطيه شئ حتى من الفتات التي تتساقط على مائدة. وذهب لعازر ليتعزى والغني ليتعذب.
+ من منا يستطيع اذا فى كل وقت ان يقول لله مستعد قلبي يا الله فى كل وقت؟. أنه المؤمن الواثق الذى يحي الغربة ويرسل مدخراته الى الوطن السمائى، ويجاهد الجهاد الحسن ليكمل السعي . أو البار الذى تكون حياته بحق غربة على الارض فيها يحيا سفير للسماء يقول مع القديس بولس الرسول { اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله} (2كو  5 :  20). فالنفس التي تستحق ملكوت السموات هي التي تحيا الإيمان فى توبة دائمة ويقظة روحية وكعبد حكيم يتاجر بوزناته ويربح وكإبن وارث للسماء يعمل فى حقل الملكوت. ويسمع ذلك الصوت المملوء فرحا { فقال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21). ومن اجل ان نمسك بالحياة الأبدية ننمو فى معرفة الله ومحبته وصنع ارادته وننقى قلوبنا لنعاين الله { طوبى للانقياء القلب لانهم يعاينون الله} (مت 5 : 8). نسير بخطي واثقة  فى أبوة الله لنا ومعونة ربنا يسوع المسيح من خلال عمل نعمة الروح القدس ووسائط الخلاص. نركض فى ميدان الحياة  حاملين صليب الجهاد اليومي وصلب الذات والشهوات أو احتمال المرض او الإضطهاد أو الحاجة  أو الصوم فى شهادة للإيمان والحق واثقين ان عناية القدير ستقودنا  وتكمل جهادنا {انتم الذين بقوة الله محروسون بايمان لخلاص مستعد ان يعلن في الزمان الاخير} (1بط 1 : 5). المؤمن المستعد للقاء الله يستطيع رغم كل الظروف الصعبة ان يحيا فى سلام وفرح ورجاء ويواصل رسالة على الأرض فى أمانة وثقة ورجاء وفى نفس الوقت باشتياق للوطن السمائي ويقول مع بولس الرسول { لي اشتهاء ان انطلق واكون مع المسيح ذاك افضل جدا} (في 1 : 23).




12‏/06‏/2013

† تأملات فى عيد الصعود المجيد - للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى



تأملات فى عيد الصعود المجيد

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

تتويج العمل الخلاصى بالصعود المجيد
+ عيد الصعود المجيد يمثل تتويج للعمل الخلاصى الذى قام به السيد المسيح من أجلنا فى رحلة تجسده فى العهد الجديد بدء من البشارة بالتجسد الإلهي {فاجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} (لو35:1 ). الي الميلاد العجيب واقتراب الله الكلمة الينا ومجيئه متجسدا ومعلنا محبته للبشرية وعمله على ارجاعها الى الفردوس والبنوة لله { والكلمة صار جسدا وحل بيننا وراينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة وحقا} (يو 1 : 14) وصولا الى إكمال الفداء بالصليب والموت ليحمل عقاب خطايانا ثم بالقيامة لتبريرنا والصعود المجيد ليصعد طبيعتنا البشرية الممجدة للسماء كسابق لأجلنا. فلقد صعد الرب الى أعلى السموات بالجسد البشرى الذى اخذه من العذراء مريم كجسد روحاني نوراني ممجد، واصعد طبيعتنا البشرية معه الى السماء، وانتهت مرحلة اخلاء الذات التدبيرى من اجل خلاص جنس البشر وبصعود المخلص تمجد الابن الكلمة واستحقت البشرية نعمة ومواهب وثمار الروح القدس { قال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث. وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. وانتم شهود لذلك. وها انا ارسل اليكم موعد ابي فاقيموا في مدينة اورشليم الى ان تلبسوا قوة من الاعالي. واخرجهم خارجا الى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم واصعد الى السماء. فسجدوا له ورجعوا الى اورشليم بفرح عظيم. وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله امين} (لو44:24-52).
+ السيد المسيح الملك الظافر الممجد في السماء وعلي الأرض في أحد الشعانين دخل الي اورشليم كملك وديع وعادل ومتواضع ، وفى عيد الصعود يدخل غالبا الي أورشليم السمائية، كان في أحد الشعانين راكبا على جحش واليوم راكبا على السحاب، دخل أولا وسط تسابيح الشعب واليوم تستقبله الملائكة بالتسابيح، لقد استقبله أطفال القدس خلصنا يا ابن داود واليوم يهتف الاباء والانبياء الذين ماتوا على رجاء ومعهم نحن خلصتنا وادخلت طبيعتنا الى السماء، فى عيد الصعود نصلى ليصعدنا من الضعف والخوف والمرض والخطية وينقذنا من أعدائنا الخفيين والظاهرين .
+ ان الاحتفال بعيد الصعود المجيد هو تقليد رسولي كما جاء فى الدسقولية التي هي تعاليم الاباء الرسل (من أول اليوم من الجمعة الاولى احصوا أربعين يوما إلى خامس السبوت ثم أصنعوا عيد لصعود الرب الذى اكمل فيه كل التدبيرات وكل الترتيب وصعد إلي الاب الذى أرسله وجلس عن يمين القوة (دسق 31). لقد استقبلت الملائكة وكل قوات السماء المخلص بما يليق به من إكرام وسجود كما تنباء بذلك داود النبي { ارفعن ايتها الارتاج رؤوسكن وارتفعن ايتها الابواب الدهريات فيدخل ملك المجد.من هو هذا ملك المجد الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال. ارفعن ايتها  الارتاج رؤوسكن وارفعنها ايتها الابواب الدهريات فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد رب الجنود هو ملك المجد } مز 4:24-10. ونحن نتمثل بالملائكة ونفرح مع الاباء الرسل بصعود الرب الى السموات كسابقاً من أجلنا مترنمين كأمر داود النبي { يا جميع الامم صفقوا بالايادي  اهتفوا لله بصوت الابتهاج. لان الرب علي مخوف ملك كبير على كل الارض.صعد الله بهتاف الرب بصوت البوق. رنموا لله رنموا رنموا لملكنا رنموا. ملك الله على الامم الله جلس على كرسي قدسه}( مز1:47).
+ يذكرنا القديس ساويرس الأنطاكي (459-536م ) ، بهذا العيد كأَجل الأعياد إذ يقول: "إني احتفل بتقاليد الرسل القديسين التي سلمها لنا أعمدة الكنيسة كميراث أبدي لا يفنى بعد أن تسلموها كل واحد بدوره كما يتسلم الابن من أبيه، وهذه تمت على أيديهم وأزهرت في الكنيسة، ومن بين هذه التقاليد التي استلمناها ما تنادي به الكنيسة اليوم لتعلمنا به أن المسيح لأجلنا صعد إلى السموات" صعد السيد المسيح الى السموات بالجسد الممجد اذ انه بلاهوته حال فى كل مكان ولا يحويه مكان وكما نستقبل ارسال القنوات الفضائية ونراها صوت وصورة دون ان نحدها فى الجهاز التلفزيوني الخاص بنا هكذا التجسد الإلهي لم يحد اللاهوت ولنا منه الوعد الذى يعطي ثقة وإيمان وسلام للمؤمنين  { وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} (مت 28 : 20). ونحن نثق ان الله كائن معنا { لانه حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فهناك اكون في وسطهم} (مت 18 : 20) .
عيد الصعود وحياتنا الروحية ...
+ عيد الصعود المجيد يرفع قلوبنا وأفكارنا وارواحنا الى السماء حيث المسيح جالس عن يمين الاب. فنحن نشكر الله الذى أقام طبيعتنا واصعدها الى السماء. ونصلي ان يقيمنا من الكسل والتعلق بالأرضيات الي سمو الفكر وارتفاعه عن كل فكر غريب عن محبة الله { هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستاسرين كل فكر الى طاعة المسيح }(2كو 10 : 5). ان السيد المسيح  الذى نزل لأجل خلاصنا هو الذى صعد ايضا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف 9:4، 10). فنحن مدعوين الى الصعود بحياتنا مع من صعد ليقيمنا ويرفعنا الى مرتبة البنوة والحياة السمائية . ويرى القديس أغسطينوس أن حياتنا على الأرض يمثلها الرقم اربعين، حيث نلتزم بتنفيذ الوصايا العشرة كل أيام حياتنا فنبلغ كمال التطويبات، ونعمل على طاعة وصايا الله في كل أركان المسكونة أو جهاتها الأربع أينما وجدنا فالرقم أربعين يشير الى حياتنا التي نعمل فيها فى العالم للثبات في المسيح لنرتفع معه ولا نخجل منه فى مجيئه الثاني { والان ايها الاولاد اثبتوا فيه حتى اذا اظهر يكون لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه} (1يو 2 : 28)

+ ان جبل الزيتون كما يمثل الآلم والمعاناة فى حياة المخلص الصالح وفيه قُبض عليه وسيق كشاة حتى الى الصليب وهو ايضا جبل السلام والفرح والارتفاع والصعود الى السماء، ونحن لكي ما نتمجد مع المسيح ونصعد معه الى الفردوس وملكوت السموات فاننا نحمل بفخر صلبينا { فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله ووارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} (رو 8 : 17). ونحن اذا نتبع خطي التلاميذ والاباء الرسل نفرح بالصعود ونواظب على الصلاة بروح الوحدة والرجاء. ونحتمل بفرح ونحمل صليبنا بشكر فبيت عنيا على جبل الزيتون حيث صعد الرب تعني بيت العناء والطاعة وكل من يود أن يرتفع قلبه إلى السماء يلزمه أن يحتمل مع المسيح ويشاركه الآلم ويحمل الصليب. وان تكون له سمة الطاعة التي للابن نحو أبيه. يمكننا أن نقول بأنه من أجل عصياننا نزل من السماء، وبطاعته رفعنا إلى سماواته. لقد رفع يديه الحاملتين لآثار الجراح ببركة صليبه، مقدّمًا دمه المبذول ثمنا لرفعنا معه. وكما ان التلاميذ لم يحزنوا على صعود الرب ومفارقته لهم حسب الجسد، إنما رجعوا إلى أورشليم بفرحٍ عظيمٍ، فلقد أدركوا أنه حيث يوجد الرأس تكون الأعضاء، وما تمتع به السيد المسيح إنما هو باسم الكنيسة كلها ولحسابها هكذا نحن ايضا ترتفع قلوبنا حيث المسيح جالس عن يمين العظمة فى الأعالي.
+ رجع التلاميذ الى العلية يواظبوا على الصلاة بنفس واحدة طالبين مواهب وثمار وعطية الروح القدس المعزي { حينئذ رجعوا الى اورشليم من الجبل الذي يدعى جبل الزيتون الذي هو بالقرب من اورشليم على سفر سبت. ولما دخلوا صعدوا الى العلية التي كانوا يقيمون فيها بطرس ويعقوب ويوحنا واندراوس وفيلبس وتوما وبرثولماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا اخو يعقوب. هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته} (أع 12:1-14). ونحن ايضا علينا ان نواظب على الصلاة بوحدانية القلب والمحبة ونصلى ليحل علينا الروح القدس وثماره ومواهبه ويقودنا الله فى موكب نصرته، نطلب من الرب ان ينظر بعين الرأفة والمحبة الى كل نفس فى الكنيسة رعاة ورعية وان يصعد بلادنا من التخلف والتعصب والجهل وعدم الأمان الى حياة السلام والتقدم والمعرفة والنور ويقوى إيماننا به للننتظربفرح مجئيه الثاني.
+ أن يسوع المسيح الذى ارتفع عنا إلى السماء سيأتي هكذا ليدين العالم وياخذ الابرار للحياة الدائمة معه ونحيا معه كملائكة باجساد نورانية روحية ممجده {ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون واخذته سحابة عن اعينهم. وفيما كانوا يشخصون الى السماء وهو منطلق اذا رجلان قد وقفا بهم بلباس ابيض. و قالا ايها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء ان يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سياتي هكذا كما رايتموه منطلقا الى السماء} (أع 1: 9-11)  سيأتي السيد المسيح فى مجده للدينونة ومكأفاة الابرار ومعاقبة الاشرار {فان ابن الانسان سوف ياتي في مجد ابيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله} (مت 16: 27). ولهذا فنحن نعد أنفسنا بالتوبة الدائمة وثمار الأعمال الصالحة منتظرين سرعة مجئ ربنا يسوع المسيح.
أجذبنا اليك ..
+ اليك ايها المسيح القائم منتصر على الضعف البشري والشيطان وكل قواته والموت وسلطانه نرفع قلوبنا وارواحنا ونفوسنا ونصلى لتجعلنا بك وبروحك القدوس ابناء قيامة وفرح وسلام ورجاء متجدد. فنحن ابناء القيامة {فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطنبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله} (كو 3 : 1). نطلب ما فوق حيث انت جالس عن يمين الله الآب. فنحن غرباء على الأرض كسفراء عنك نطلب من الناس المصالحة مع السماء بالتوبة والإيمان ووطنا الحقيقي هو السماء بامجادها واليها نشتاق وبجمالها تنجذب قلوبنا وبمحبتك المشبعة نريد ان ننمو يوما فيوم.
+ ربنا والهنا يا من صعدت الى السماء بمجد عظيم وانت القادر ان تجذبنا اليك وانت القدوس القائل {وانا ان ارتفعت عن الارض اجذب الي الجميع }(يو 12 : 32). فكما تنجذب الاجسام المادية الي الارض بحكم قانون الجاذبية، ندعوك ونحن كابناء وبنات روحيين لك ان تجذبنا اليك بالروح وترفع أعين قلوبنا الى السماء حيث أنت جالس عن يمين العظمة فى الأعالى، وحين تكون قلوبنا فوق فى السماء لن يجذبها العالم بحبال الباطل ولا الشيطان باغراءات الشهوات الجسدية ولا تعظم المعيشة أو شهوة العيون ولا ننظر الى ماهو زائل بل اليك تكون شهوة النفس والروح وتشبع عواطفنا وقلوبنا بروحك القدوس.
+ ايها الرب الهنا الذى أتم وعده لرسله القديسين بحلول الروح القدس عليهم ووهبهم القوة والحكمة والنعمة {لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض} (اع 1 : 8). فبقوة الروح القدس جالوا باسمك كارزين وللتوبة والإيمان مبشرين وردوا الى الإيمان الكثيرين وكان الروح القدس هو العامل والمتكلم فيهم {لان الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب ان تقولوه }(لو 12 : 12). نصلى اليك فى ثقة ورجاء ان تهبنا روح القوة والحكمة والنعمة ليعمل فينا وبنا من أجل بناء ملكوتك السمائي داخل نفوسنا وليستخدما روحك القدوس لنعلن محبتك لكل احد ولنزداد فى الرجاء بقوة الروح القدس { وليملاكم اله الرجاء كل سرور وسلام في الايمان لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس} (رو 15 : 13). نصلى لكي نثمر فى الروح ونثبت فيك ويدوم ثمرنا. {واما انتم ايها الاحباء فابنوا انفسكم على ايمانكم الاقدس مصلين في الروح القدس} (يه 1 : 20). ربى لتكون قلوبنا منجذبة الى السماء، اليك يا الله ، لنصلى فى الروح وتقبل صلواتنا وتستجيب لطلباتنا من أجل خلاص ونجاة كل أحد، أمين.