النفس البشرية والسعى للحياة الأفضل
تقييم للواقع الحالى وأهمية التطور..
+ الانسان كائن عاقل مسئول .. يستطيع بنعمة التفكير معرفة ومراجعة وتقييم حياته وتطويرها للأفضل، يستطيع الإنسان ان يرفض السلوكيات الخاطئة وان يكتسب العادات الإيجابيه ولهذا دعانا الكتاب المقدس الى عدم مسايرة الاشرار بل الى التغيير للأفضل ومعرفة ارادة الله الصالحة الكاملة وتغيير وتجديد الذهن كمحرك وباعث للتغيير { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2). ويجب ان يكون لنا الرغبة الصادقة والارادة والحافز للتغيير، ثم يجب ان نقوم بعملية تقييم صادق ومعرفة لانفسنا وما هى نقاط القوة أو الضعف فى شخصياتنا، ويجب ان نعرف ما لدينا من أمكانيات وقدرات مادية وبشرية ثم استخدامها لعمل التطوير اللازم والضرورى لحياتنا للوصول للحياة الافضل التى نبتغيها لنا ولمن هم حولنا.
+ البيئة وتاثيرها على سلوكنا.. تؤثر البيئة فى الإنسان سواء الاهل او الاصدقاء او محيط العمل والمجتمع، فهي مؤثر هام فى عمليات أكتساب الانماط السلوكية المختلفة. وسلوكنا يتأثر بنتائج السلوك ايضاً ، سواء بالقبول والترحيب من المحيطين او الاستهجان وعدم الرضا. فالطفل الصغير مثلاً يحاول نطق الكلمات والتقدم فيها متى وجد تشجيعاً واستحسان ويتقدم فى ذلك أعتماداً على توقع الحصول على الاستحسان. والسلوك العدوانى او الكذب والرياء والرشوة تنمو وتزداد متى لاقت القبول والتشجيع وتقل وتختفى من وجد فاعلوها العقاب والاستهجان . من اجل ذلك يحثنا الكتاب المقدس على تحذير المخطئين وتشجيع صغار النفوس وان نكون سند وتدعيم للضعفاء { ونطلب اليكم ايها الاخوة انذروا الذين بلا ترتيب شجعوا صغار النفوس اسندوا الضعفاء تانوا على الجميع} (1تس 5 : 14).
+التطور المتلاحق فى عالمنا المعاصر.. نحن فى عصر يتميز بالتطور التقنى والعلمى والحضارى وعالم المعرفة الكونية المتقارب وكأننا نعيش فى القرية الواحدة بفضل التلفزيون والدش واكمبيوتر والنت والصحف والمجلات التى تنقل لنا ما يجرى فى العالم من أحداث وأخبار وتطور. ونحن نتأثر بما يحدث حولنا من أحداث وتطورات على المستوى الفردى أو الجماعى. ورغم ثبات الحقائق الإيمانية والعقائدية والقيم الروحية والتى يجب ان نتمسك بها ونحياها. فعلاقة الإنسان بربه تستمد وتبنى على الإيمان الثابت والراسخ وعلاقة الانسان بالغير تعتمد على القيم الروحية السامية المستمدة من روح الدين التى تدعو الى المحبة والعدالة والمساواة والحرية والكرامة وحقوق الانسان والإيجابية فى فعل الخير، وعلاقتنا بذواتنا تقوم على احترام انسانية الانسان وكرامته كتاج الخليقة وسيدها، وسعيه الى خلاصه وقيامه برسالته بامانة فى نطاق الاسرة والمجتمع . وكلما فهم الإنسان نفسه وما هى نقائصه وعالجها، يستطيع ان يكون ناجحا فى علاقته بالله والناس { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه} (مت 16 : 26). لهذا يجب ان يكون لدينا الرؤية الصادقة والواقعية والطموحة لبناء أنفسنا للأفضل والسعى الى تطوير ذواتنا وأسرنا ومجتمعنا .
+ عالم الكمبيوتر والتطور المتسارع .. فى عالم الكمبيوتر كمثال للتطور السريع نقوم بعمل تحديث دائم لبرامجه ليوكب التطور الحادث فى عالم الكمبيوتر ولمواجهة العقبات التى تواجهنا فى العمل. وتتنافس شركات الكمبيوتر فى تطوير منتجاتها لخدمة عملائها. كما يتم تحديث برامج مواجه الفيروسات والقرصنة فى عالم النت والكمبيوتر، فهل نستفيد من ذلك التطور الحادث فى العالم من حولنا فى تطوير أنفسنا أم نسعى للرجوع للخلف والتخلف ونعيش على تمجيد سيرة السلف الصالح فقط دون ان نتعلم منهم مواكبتهم لعصرهم وسبقهم زمانهم وتمسكهم بالقيم الروحية القويمة. يجب على كل واحد منا ان يساهم فى صنع حضارة وتاريخ وعلم وفن عصره حسب امكانياته وجهاده والمواهب التى يمتلكها.
كيفية الوصول الى الحياة الأفضل ...
+ مواطن نافع لنفسه ولغيره .. ليس المهم ان يكون الانسان منا الرجل الأهم أو الرئيس والرأس فى موضعه سواء بالاهداف الشريفة او بالكذب والخداع والرشوة وبتمجيد الذات يصنع له الاتباع . ولكن المهم ان يكون الواحد منا عضوا نافعا وامينا وصادقا فى جسم الاسرة والمجتمع فى موقعه ووظيفته حتى لو اصبح يدا تعمل فى هذا الجسم، او عقلا يفكر نحو النفع العام وصالح الاسرة والكنيسة والمجتمع { فان الجسد ايضا ليس عضوا واحدا بل اعضاء كثيرة. ان قالت الرجل لاني لست يدا لست من الجسد افلم تكن لذلك من الجسد. وان قالت الاذن لاني لست عينا لست من الجسد افلم تكن لذلك من الجسد. لو كان كل الجسد عينا فاين السمع لو كان الكل سمعا فاين الشم. واما الان فقد وضع الله الاعضاء كل واحد منها في الجسد كما اراد. ولكن لو كان جميعها عضوا واحدا اين الجسد. فالان اعضاء كثيرة ولكن جسد واحد. لا تقدر العين ان تقول لليد لا حاجة لي اليك او الراس ايضا للرجلين لا حاجة لي اليكما. بل بالاولى اعضاء الجسد التي تظهر اضعف هي ضرورية. واعضاء الجسد التي نحسب انها بلا كرامة نعطيها كرامة افضل والاعضاء القبيحة فينا لها جمال افضل}( 1كو14:12-23). ويجب علينا ان نحترم كل انسان مهما كان عمله وموقعة ووظيفته ونشجع هؤلاء الامناء والمخلصين ويجب ان يعاقب القانون العابثين والكاذبين والمفسدين . ان اصلاح حال المجتمع يبدأ من أصلاح حال الأفراد فيه وتبنى القيم النبيلة والعمل الصادق والجهد فى تطوير وتنمية النفس .
+ مالم نفهم أنفسنا ونسعى الى التخلص من أخطائنا وتطوير امكانياتنا وتثقيف عقولنا وتعديل سلوكنا الفردى والجماعى فاننا سنقع فى الجمود الفكرى والثقافى والحضارى الذى يؤدى الى نضوب وتخلف المواطن والوطن. لا يجب علينا ان نعيش على الفتات الساقط من ارباب العلم والتقدم . يجب علينا النظر بعين الرجاء الى المستقبل الأفضل وتبنى التخطيط العلمى السليم القائم على معرفة وتدارس نقاط الخلل فى حياتنا وما هى الحلول الممكنة لمعالجتها ثم أفضل السبل بالامكانيات المتاحة لنا للقيام بالاصلاح. وليس علاج الخلل هو الهم الوحيد لنا بل يجب ان نطمح الى وضع اهداف وخطط مستقبلية سليمة وطموحة من واقع حياتنا وتقييم ومتابعة المعوقات والتغلب عليها.
+ تنمية الضمير الأخلاقي السليم .. أهتمام الله بالانسان كتاج وسيد الخليقة تجلى فى خلقته للإنسان بعقل مميز ومفكر ومبدع ومنحه نعمة الضمير لهذا علينا ايقاظ الضمير الواعى فينا وتنمية بعيدا عن مؤثرات البيئة الخاطئة { لذلك انا ايضا ادرب نفسي ليكون لي دائما ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس} (اع 24 : 16). ولابد ان يكون لنا الضمير السليم والمنقاد بروح الله {اقول الصدق في المسيح لا اكذب وضميري شاهد لي بالروح القدس} (رو 9 : 1). كما ان الله منحنا علم معرفته ووهبنا الوصايا المقدسة كسراج فى الطريق الروحى { واما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء }(1تي 1 : 5). جاء السيد المسيح الى عالمنا لتكون لنا الحياة الأفضل على الارض ونرث ملكوت السموات متى تبعناه وسير على هدى وصاياه وكنا أمناء على الوزنات الممنوحة لنا من الله واستثمارها { واما انا فقد اتيت لتكون لهم حياة و ليكون لهم افضل }(يو 10 : 10). فان كنا نسعى الى الحياة الأفضل فعلينا الرجوع الى الله ومعرفة ارادته نحونا وماذا يريد منا ان نفعل . فالله يريد خلاصنا { يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون }(1تي 2 : 4). كما يريد قداستنا { لان هذه هي ارادة الله قداستكم}(1تس 4 : 3). وهو قادر ان يجعل منا أوانى مقدسة نافعة وللكرامة متى احببناه واطعنا وصاياه ونمينا فى معرفته { واله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح }(1تس 5 : 23).
+ العقل والروح والوصول للأفضل .. يجب ان نتخلص من الاخطاء الفكرية ونبنى حياتنا على أساس القيم الإيمانية والروحية والاخلاقية السليمة كمرجع للتقييم والتقدم. فالافكار الشريرة تعمل فى قوى الادراك والاهواء وتثير الانسان وتفقده التمييز الحكيم والشهوات تلوث الخيالات. وعندما تسيطر الشهوات والخطايا عل النفس فانها تمرض وتتحطم وتموت { لا يقل احد اذا جرب اني اجرب من قبل الله لان الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب احدا. ولكن كل واحد يجرب اذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة اذا حبلت تلد خطية والخطية اذا كملت تنتج موتا} (يع 13:1- 15). لهذا يجب على المؤمن ان يحيا حياة التوبة والصلاة المستمرة طالبا ارشاد الله والتمييز والحكمة من لدنه. يجب علينا تغذية عقولنا بما هو مفيد وبناء من علوم مختلفة لاسيما فى مجال عملنا وتجديد وأكتساب ومتابعة التطور فى عالم المعرفة بما يتطور من ادائنا العقلى والوظيفى والعملى. نسعى الى النجاح والاخذ بيد من حولنا أيضا . كما اننا يجب ان نعمل فى اطار الامكانيات المادية المتاحة لنا ونسعى الى المتاجرة بالوزنات التى بين ايدينا وتنميتها للوصول الى حياة الشبع والسعادة وان كان الطموح للنجاح واجب على المؤمن فيجب ان يكون لدينا القناعة ككنز لا يفنى حتى لا يتحول الطموح الى طمع ضار بالنفس والغير. العقل يتشكل بكل الصور العقلية للاشياء والقيم التي يستقبلها وعندما يتامل فيها ويقتنع فيها يأتى دور الارادة الواعية الى تنفيذها وتحويلها الى أفعال وواقع .
+علاج النفس والقلب وتحريرهما من الاهواء.. صحة النفس تكون بالرجوع الى الله وعبادته وتحرير النفس من الاهواء والدوافع الخاطئة ورفض الميول الشريرة فى بدايتها حتى لا تستميل الانسان الى الشر. وهذا يحتاج الى اليقظة الروحية والاستنارة بكلمة الله التي تهب الانسان البصيرة الروحية السليمة والاستنارة كما قول القديس الانبا انطونيوس : ( اننى اعتقد انه عندما يكون الذهن نقى وفى حالته الطبيعية السليمة، فانه يكتسب بصيرة خارقة، ويعلن له الله ارادته). علاج النفس يحتاج الى ضبط الحواس كابواب للفكر وتغذية الفكر وحفظه من الغواية للارتقاء به والصعود الى الله وتقديم الصلوات النقية . كما ان القلب وعواطفه تحتاج الى ضبط وتوجيه وشجاعة أدبية لرفض ما هو خاطئ وقبول وتبنى المثل العليا واقتناء الفضائل لاسيما الامهات منها التي تتوالد منها العواطف النبيلة ، كالمحبة الروحية والتواضع والصدق مع النفس، والإيمان السليم والرجاء والامل فى مستقبل أفضل. القلب كمركز للانسان الداخلي يجب ان يتطهر من الشهوات والاهواء والخيالات ومن الجهل والنسيان حتى لا يظلم او يتقسى او يتنجس. وكلما احببنا الله ووصاياه واحببنا الاخرين محبة روحية توافقنا مع ارادة الله ونجحنا فى الحياة { وعندنا الكلمة النبوية وهي اثبت التي تفعلون حسنا ان انتبهتم اليها كما الى سراج منير في موضع مظلم الى ان ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم }(2بط 1 : 19). وهذا يحتاج الى الجهاد ضد الاهواء وطلب عمل نعمة الله وروحه القدوس لتستنير النفس وتصل للكمال النسبى المطلوب.
+ متابعة وتقييم وحساب النفس ... ان أفضل طريقة لفهم انفسنا ومعرفتها ياتى من وصف وملاحقة افكارنا ومشاعرنا وما نفعله فى مواقف الحياة المختلفة فلا يعرف الانسان الا روح الانسان الساكن فيه كما ان امور الله يعرفها روحه القدوس الذى يستطيع ان يرشدنا الى الحق ويعلمنا يقودنا فى الطريق الى الله متى طلبنا عمل نعمته المغيرة والمحررة والغافرة { لان من من الناس يعرف امور الانسان الا روح الانسان الذي فيه هكذا ايضا امور الله لا يعرفها احد الا روح الله. ونحن لم ناخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله} 1كو11:2-12. نحتاح للنمو الروحي السليم بمحاسبة النفس سواء بجلسة صادقة مع الذات كل يوم أو فى المناسبات او فى نهاية السنة ووضع خطة لما نريد الوصول اليه وكيفية تحقيقة مع الجهاد المستمر للنمو فى حياة الفضيلة والتقوى. يجب ان يكون لنا العقل الناضج والفكر المستنير والعواطف المنضبطة والارادة والعزيمة القوية للتغير للأفضل وتحقيق الذات داخل القيم الروحية الاصيلة وبغايات ووسائل شريفة ونبيله للوصول الى النجاح والسعادة.
+ اهمية تنظيم الوقت .. يشتكى الكثيرين منا من قلة وضيق الوقت وعدم قدرتهم على اداء كل الأعمال المنوطة بهم، سواء فى التحصيل الدراسى أو الحياة الاجتماعية أو العمل او الحياة العامة او الروحية الامر الذى يحتاج منا الى تنظيم وترشيد وتحديد للاولويات من حيث الأهمية. فياتى ما هو هام جدا ومستعجل فى اول القائمة ثم الاهم فالاقل أهمية، ثم الامور الثانوية . على ان يكون لدينا القدرة على التكيف مع المستجدات والاستجابة للمتطلبات الطارئة وادخال التعديل والتغيير المطلوب حسب الضرورة . ويجب المحافظة على العلاقات الجيدة مع من حولنا وتنميتها والعمل على أكتساب وفتح مجالات جديدة للعمل والتطوير فى مختلف المجالات بحسب الامكانيات المتاحة وتطويرها . مما يحقق الرضا النفسي والنجاح العملى والتفوق للوصول الى الحياة الأفضل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق