25‏/01‏/2013

† اسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم - الخوري الدكتور جوزيف ترزي




اسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم! هذا ما يُردّده عامة الناس، بعد إعادة سبك كلام السيّد المسيح، كلّما انتقد أحدٌ رجال الدين الفاسدين، دفاعاً عنهم وإقراراً بطاعتهم وذلك عملاً بوصيّة السيّد المسيح كما يدّعون.

إنّ النّص الحرفي لكلام السيّد المسيح كما ورد في إنجيل متّى 23: 2-3 هو: "إنّ الكتبة والفرّيسيّين جالسون على كرسيّ موسى، فكلّ ما قالوا لكم احفظوه واعملوا به، وأمّا مثل أعمالهم فلا تفعلوا لأنّهم يقولون ولا يفعلون." ويُفسِّر معظم الناس هذا الكلام بأنّه:

أوّلاً: يجب طاعة رجال الدّين طاعةً مطلقة دون أيّ اعتراض، وفق قول المسيح: "كلّ ما قالوا لكم احفظوه واعملوا به."

ثانياً: رجال الدّين هم بشكل عام مراؤون يقولون ما لا يفعلون، وأعمالهم بصورة عامّة طالحة، ولكن مهما كانت أعمالهم شرّيرة فيجب أن يُطاعوا طاعة عمياء، ويَبقوا في كراسيهم ومراكزهم الدينيّة دون أيّ حسيب أو رقيب، أو حساب أو عقاب.

الشقّ الأول من هذا التفسير، أيّ وجوب طاعة رجال الدّين طاعةً مطلقة والعمل بأقوالهم، خاطئ تماماً ومضلّل، وينطوي على أخطار جسيمة. لقد عنى السيّد المسيح بقوله: " كلّ ما قالوا لكم احفظوه واعملوا به" ما طابق وانسجم مع شريعة موسى فقط، أيّ واقعياً الوصايا العشر وليس شيئاً آخر، كما أنّ قوله "جالسون على كرسيّ موسى" ليس هو إلاّ إشارة إلى كرسيّ الشرف في الكِنيْس (معبد اليهود) الذي منه يُلقي الواعظ أو المعلم تعاليمه. وهذا واضح كلّ الوضوح في آيات الإنجيل المقدّس. فالمسيح هاجم بشدّة وبلا هوادة، ليس فقط أعمال الكتبة والفريسيين، بل تعاليمهم الأخرى غير المنسجمة مع الوصايا العشر. فقال مثلاً: " لِمَ تتعدَّون وصيّة الله مِن أجل سنّتكم (تقاليدكم)، فقد قال الله أكرم أباك وأمّك ... وأنتم تقولون كلّ مَن قال لأبيه وأمّه كلّ قربان منّي تنتفع به، فلا يكرم أباه وأمّه، فقد أبطلتم وصيّة الله مِن أجل سنّتكم ... هذا الشعب باطلاً يعبدني إذ يعلّمون تعاليم الناس ووصاياهم" (متّى 15: 1-6). وقد تناول هجومه الصاعق على الكتبة والفرّيسيين في تسع وثلاثين آية في الفصل الثالث والعشرين مِن إنجيل متّى، إلى جانب أعمالهم، تعاليمهم أيضاً،أي أقوالهم مثل: "الويل لكم أيّها القادة العميان القائلون مَن حَلَفَ بالهيكل فليس بشيء ومَن حَلَفَ بذَهَب الهيكل يُطالَب. أيّها الجهّال العميان أيّهما أعظم الذَّهَب أم الهيكل الذي يُقدّس الذَّهَب .." (متّى 23: 16-20).

ثم إنّ الفرّيسيين سنّوا القوانين والشرائع ما لا يتسع المجلّدات وفرضوها على الشعب مُثقلين كاهلهم بما لا يُطاق حمله: "يحزمون أحمالاً ثقيلة شاقّة الحمل ويجعلونها على مناكب الناس ولا يُريدون أن يُحرّكوها بإحدى أصابعهم " (متّى 23: 4)، فهل يجب طاعة هذه القوانين والقيود والشرائع غير الإلهيّة والعمل بها فقط لأنّ الكتبة والفرّيسيين يجلسون على كرسيّ موسى للوعظ والتعليم، ؟ وقِس على ذلك الشرائع والقوانين التي يسنّها الجالسون على الكراسي الرسولية في المسيحيّة، فهل يحقّ لهم وضع نُظم بِيعية لا تتفق ولا تنسجم وروح التعاليم المسيحية ثمّ يطلبون من الشعب طاعتها؟ وهل على الشعب طاعتهم طاعة عمياء فقط لأنهم يجلسون على الكراسي المذكورة دون النظر إلى ما إذا كانوا أهلاً لها؟ أفيقوا أيّها النّاس ولتكن بصائركم نيّرة نفّاذة وضمائركم حيّة لتميّزوا بين الحقّ والباطل. هل مِن المعقول أن يوصي المسيح بطاعة مَن يأمر بمعصية الله.

أمّا بشأن الاستنتاج القائل بأنّ رجال الدّين أعمالهم شرّيرة عموماً وأنّهم يقولون ما لا يعملون، وإن كان صحيحاً إلى حدٍّ كبير، ولكن يجب ألاّ يُفهم مِن ذلك الشمولية، فهناك رجال دين صالحون يعملون ما يقولون وإن كانوا قلّة في زماننا هذا. ولا ننسى أنّ السيّد المسيح كان يُوجّه كلامه إلى الكتبة والفرّيسيين الذين كانوا بالدرجة الأولى مفسّرين ومُشرّعين، وليس للكهنة المرسومين مِن اللاويين الذين كانوا يمارسون الطقوس الدينية ويُقيمون الصلوات الاستشفاعية، وليس بالتأكيد لكهنته المسيحيين لأنه ما كان قد أسس كهنوته المسيحي بعد. طبعاً هذا لايعني استثناء الكهنة كليًّا، سواءً أكانوا يهوداً أو مسيحيين، مِن الانتقادات اللاذعة التي وجّهها السيّد المسيح إلى الكتبة والفرّيسيين.

أمّا القول بأنّ رجال الدين الفاسدين الطالحين يجب مسامحتهم ببقائهم في مناصبهم، جالسين على كراسيهم مهما كانت أعمالهم شرّيرة أو سيّئة فهذا هراء. فالمسامحة شيء وبقاء رجال الدين الفاسدين في مراكزهم شيء آخر. فهذا النوع مِن رجال الدّين يجب أن يُحاسَبو طبقاً للشرائع الإلهيّة والقوانين الكنسية، فعقوبة المذنبين ينصّ عليها بل يفرضها الكتاب الإلهي. فبالإضافة إلى الأمثلة الكثيرة قي العهد القديم عن عقاب الله للمخطئين، يظهر عدل الله وتظهر معه عقوبته في أمثلة كثيرة في العهد الجديد وفي التاريخ. فالله محبّ ولكنّه يعاقب على الخطأ. ومِن هذه قصّة حنانيا وسفّيرا (أعمال 5: 9)، وعقوبة عليم الساحر (أعمال 13: 8-11)، وعقوبة العزل: "لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1كو 5: 11)، "وارفعوا مِن بينكم الشّرير" (1كو 5: 13). وعقوبة العزل هذه تحدّث عنها يوحنّا الرَّسول، أكثر الرّسل حديثاً عن المحبّة، فقال: "فَمَن أتاكم ولم يأت بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام، فإنّه من قال له سلام فقد اشترك في أعماله الشرّيرة" (2 يوحنّا 10، 11)، وأمثال أخرى كثيرة مِن أنواع العقوبات يذكرها الكتاب المقدّس.



إنّ العقوبة لا تتناقض مع عمل النعمة بل كثيراً ما كانت سبباً لاستيقاظ النفس وحفظ أبديّتها. وقوانين الكنيسة حافلة بعقوبات للخطأة وضعها الآباء والرّسل، والمجامع المقدّسة، وكبار الآباء القدّيسين، فلماذا إذن وضَعَ الآباء هذه القوانين إذا كانت المسامحة بالذنب يُبطل العقوبة، ولا سيّما وأنّ الآباء القدّيسين هم أوّل من يُسامحون الناس على أخطائهم. وأخيراً يجب أن تكون العقوبة بحقّ لأنّ العقوبة بدون حقّ هي ظلم.

بناءً على ما سبق، يمكننا استنتاج ما يلي:

أولاً: إنّ القول "إنّ الكتبة والفرّيسيّين جالسون على كرسيّ موسى، فكلّ ما قالوا لكم احفظوه واعملوا به ..." يخصّ ما طابق وانسجم مع شريعة موسى، والوصايا العشر على نحو خاصّ ، وكلّ ما خالف هذه الوصايا وروح هذه الوصايا، ليس فقط لا يدخل في نطاق قول السيّد المسيح بل يتوجب عدم طاعته.
ثانياً: إنّ التعميم بأنّ كلّ رجال الدين أعمالهم شرّيرة خطأ، فهناك من كان منهم أعمالهم صالحة، وليس كلّهم مرائين يقولون ما لا يفعلون وإن كان هذا النوع قلّة في زماننا.



الخوري الدكتور جوزيف ترزي

راعي كنيسة مار يعقوب السروجي للسريان الأرثوذكس في أمريكا





http://www.suryoyoreformer.org/Articles/Arabic/observe.htm



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق