20‏/03‏/2009


يا ابني أعطني قلبك
(أم 23 : 26)

للأب القمص أفرايم الأورشليمي
راعي الطائفه القبطيه بالناصره

قلبك مسكن الله

يطالبنا الله أن نحبه من كل القلب " فمحبة الله من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس أفضل من جميع المحرقات والذبائح " مر 12 : 33 . ولهذا لام الرب قديماً الشعب الذي يقترب منه بفمه ويكرمه بشفتيه وأما قلوبهم فبعيدة عنه أش 9 2 : 13 ويقول لكل واحد فينا " يا لبني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي " أم 23 : 26 . القلب هو مركز الإنسان الداخلي والذي منه تصدر العواطف والمعرفة العاقلة والقرارات وهو في العبرية " لب " " לב " أي جوهر وباطن الإنسان بما فيه من ذكريات وقرارات وفيه يتحاور الإنسان وينفتح على الله أو ينغلق دونه .
ولما كان من العسير على الأخرين النفاذ إلى الإنسان الداخلي فان مظهر الإنسان الخارجي يدل على داخله . وأفعاله تشهد على ما في قلبه وما يقوله يحكم على ما في قلبه من تصورات وأفكار لأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان .
لقد خلق الله الإنسان على صورته وكشبهه بقلب صالح ولما كان السقوط رأينا الإنسان يعرب من الحديث مع الله بل " ورأى الرب إن شر الإنسان قد كثر في الأرض وان تصور أفكار قلبه إنما هو شر كل يوم " تك 5 : 6 فانه بالخطية قد تدنس القلب وبالكبرياء قد فسد .
وبإتباع الإنسان لأهوائه وشهوات قلبه ذاغت وتقست قلوب الكثيرين فان الله بالناموس الطبيعي والضمير وبالأنبياء عمل على إيقاظ قلوب بني البشر ليرجعوا إلى الله فيجدونه وان يعطوا الله قلوبهم ويلاحظوا طرقه ووصاياه " ثم إن طلبت الرب إلهك تجده أذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك : تث 4 : 29 . بل ووعد أن يختن الرب إلهنا قلوبنا لكي نحبه من كل القلب والنفس فنحيا به وهذا ما أتمه الله في العهد الجديد بحلول الروح القدس على المؤمنين ليصير قلبهم مسكناً لروح الله يقدسه له لنصير هياكل روح الله ويصير قلبنا مذبحاً مكرساً للعبادة وبصلوات التقية والمحبة الصادقة وإذ يتنقى القلب يعاين الله ويعمل المسيح بالإيمان فيه .

قلوب مريضة

هناك العديد من القلوب التي تعتبر مريضة وتحتاج إلى العلاج والإصلاح فالقلوب القاسية هي قلوب حجرية لا ترق لضعف ولا ترحم أحد هذه القلوب الشريرة التي يخرج منها الشر " لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل ، زنى ، فسق ، سرقة ، شهادة زور ، تجديف .... " مت 15 : 19 هذه التي تجعل القلب نجس " القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه "أر 7 1 :9 إن الله يعرف هذه القلوب وهو قادر إن يغيرها ويحولها لقلوب طاهرة أن تقدمت إليه بالتوبة.
لقد وهب الله سليمان القلب قلباً حكيماً ومميزاً حتى انه لم يكن مثله قبل ولا يقوم بعده نظيره أمل 3 : 12 ، وأعطاه حكمة وفهماً كثيراً ورحابة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر أمل 4 : 29 هذا القلب الحكيم إذ اسلم نفسه لحياة اللذة والترف " كان في زمان شيخوخته إن نساءه أملن قلبه وراء ألهه أخرى ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب كقلب داود أبيه " أمل 4 :11.
هكذا خدعت دليلة شمشون الجبار وأسلمته لأعدائه بقولها له " كيف تقول احبك وقلبك ليست معي وهوذا ثلاث مرات قد خذلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة " قض 15 : 16 فلما باح لها بسر قوته سلمته لأعدائه ليعاملونه كالحيوان يطحن لهم ...
لهذا جاء المسيح له المجد يحررنا من الشهوة قائلاً " من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه " مت 5 : 28 .
يحذرنا الكتاب من قلب الملتوي " كراهية الرب ملتو القلب ورضاه مستقيمو الطريق " أم 11 : 20 . ومن اجل هذا يدعو المرنم الرب ليوحد قلبه لخوف الله " علمني يا رب طريقك لأسلك في حقك ، وحد قلبي لخوف اسمك " مز 6 8 : 11 .
يحذرنا الله من محبة العالم وشهواته وخطاياه " لا تتبع هواك ولا قوتك لتسير في شهوات قلبك " سير 2 : 5 وكذالك
يحذرنا من من محبة المال الذي هو أصل كل الشرور لان الطمع يفسد القلب ويظلم البصيرة الداخلية . " فانظروا أيها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان في الارتداد عن محبة الله الحي " عب 3 : 12 ولا تعرجوا بين الفرقتين فالقلب المنقسم لا ينجح ولا ينال شيء صالح .

كيف أقتني قلباً صالحاً

إن الخطية والشيطان يلوثا القلب بالشرور فبدلاً من أن يكون مصدر الصلاح والخير يصير مدنسا ونجساً . فاعمل جاهداً على الصراخ إلى الله بتواضع ودموع لحراسة قلبك وتنقيته لكي يصير مسكناً لله ومذبحاً للصلاة .

ولكي يتقتني القلب الصالح فجاهد متضرعاً لله ان يعمل فيك ولتسندك نعمتة الغزيره وأعلم ان :

1- انسحاق قلب الإنسان الخاطئ بالتوبة والصلاة إلى الله والرجوع إليه وبتجديد الإنسان الداخلي بالدموع " تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتعرفوا إرادة الله الكاملة الصالحة المرضية " وإذ نعرف إرادة الله نصمم على تنفيذها باتضاع قلب ووداعة . التوبة هي كراهية للخطية وبقدر ما تعمل على تنقية قلبك من كل خطية تصبح مستعد لحلول نعمة ربنا وعمل روحه فيك " فتخلع الإنسان العتيق لتلبس الإنسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه " كو 3 9 : 10 .
2- الإيمان العامل بالمحبة .... إن إيماننا بالتجسد الإلهي . وبان الله جاء وإعطانا البصيرة الروحية يحررنا من الخطية وكلما وثقنا في قدرة الله وفي فدائه الثمين وحبه " هذه هي المحبة ليس إننا نحن أحببنا الله بل انه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا " ( 1 يو 4 : 10 ) فإننا نحبه ونعمل وصاياه لأنه غاية الوصية هي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء . بالتجسد الإلهي امتلك ربنا يسوع المسيح قلباً مثلنا لكنه كان طاهراً بلا خطية يمتلئ بالحنان نحو البشر . بهذا القلب الحنون لمحب أشفق علة المرضى والمحتاجين والخطاة وداوى كل إمراضنا ودفع ديون خطايانا ساتراً على ضعف الضعفاء وحالاً للمقيدين وشافياً للمتسلط عليهم إبليس . وهو لا زال يعمل ويريد إن يعمل معك فان أمنت كل شيء مستطاع للمؤمن.
3- نعمة الروح القدس تطهر القلب ... يصرخ المرنم طالباً من الله" قلباً نقياً اخلق في يا الله وروحاً مستقيماً جدده في أحشائي ، لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني" . إن القلب المنكسر والمنسحق لا يرذله الله إن المعمودية هي ولادة جديدة للإنسان من الماء والروح تطهر القلب وتعطينا غفراناً لخطايانا الأصلية والتي اقترفناها قبل العماد وبالميرون المقدس نصير هياكل للروح القدس الوديع الذي يحرق خطايانا ويقودنا في حياة الفضيلة والبر لتظهر ثمار الروح القدس في حياتنا . والتوبة والاعتراف تغفر الخطايا التي نقترفها بالجهل والضعف والنسيان وكل تعدي علي وصايا الله . وكلما جاهدت مدققاً في حياتك الروحية يصير قلبك مسكنًا يستريح في الله ومذبحاً ترتفع منه الصلوات النقية فاحرص على عبادة الله ومحبته من كل القلب والإنسان الداخلي ليضرم الله نعمة روحه القدوس داخلك مطهراً القلب جاعلاً إياه مسكناً له .
4- أثبت في الرب : إن كلمة الرب تنقي الإنسان وتقدسه وكلما حرصت على قراءتها في صلاة وتأمل وتواضع كان لها الفعالية في نموك وتقديسك " لان كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والنخاع ومميزة لأفكار القلب ونياته " عب 4 : 12 . " فشكراً لله إنكم كنتم عبيداً للخطية ولكن أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها " رو 6 : 12. احرص على القراءة فإنها تحررك من النجاسة وتعطيك مادة مقدسة للصلاة والتأمل ولاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذالك لأنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا . نعم ان سر قوتنا هي كلمة الله التي تغلب الشرير " خبأت كلامك في قلبي كي لا اخطأ إليك " مز 115 : 119 فأحفظ كلمة الله في قلب
جيد صالح وأثمر بالصبر ثمار تليق بأبناء الله . تناول من الأسرار المقدسة باستمرار وباتضاع قلب طالباً من
الرب أن يهبك حياة العفة والقداسة والنمو في الإيمان فان جسد ودم المسيح يسوع الاقدسين قوة ومظهر للثبات في الرب وغفران الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه بانسحاق قلب وداوم على الصلاة فإنها الصلة التي تربطك بالله القادر على أن يقودك في موكب نصرته . واطلب الرب باستقامة قلب فيعطيك سؤال قلبك.


صلاة القلب

معروف طبياً أن القلب هو المضخة التي تغذي حوالي 300 مليون خلية في جسمك وهو الة صغيرة من 250-300 غرام كقبضة اليد في الإنسان السليم لكنه يضخ حوالي 70 ألف لتر من الدم في اليوم الواحد ويدق حوالي 10 ألاف مرة في اليوم على مدى 70 عاماً يكون قد ضخ مليون برميل من الدم في الجسم أما في مجال النمو الروحي والصلاة الدائمة فيوصي الرب إن نصلي كل حين ولا نمل وتقول عروس النشيد للرب" نائمة أنا أما قلبي فمستيقظ" فكيف تجعل من قلبك مضخة للصلاة تضخ للسماء تسبيح وطلبات واتصالات وتوسلات من اجل خلاص العالم ومن اجل الخطاة ومن اجل كل من هم في حاجة وكيف تقتني لك قلب شفوق نقي يراعيان الله وملائكته ويحل فيه ملكوت الله إن ذلك يأتي بالصلاة الدائمة عبر هدوء حواسك وأفكارك ومناجاة الاسم الحلو الذي لربنا يسوع المسيح أثناء الشهيق والزفير " يا رب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ " أو غيرها من الصلوات السهمية القصيرة " يا الله التفت إلي معونتي يا رب أسرع واعني " أو كما علم القديس أنبا انطونيوس تلاميذه " يا رب يسوع ارحمني ، يا رب يسوع اعني ،أنا أسبحك يا رب يسوع " قلها في هدوء وتعود عليها طالباً من الرب أن يلهب قلبك بروحه كما قال تلميدي عمواس " فقالا لبعضهما البعض الم يكن قلبنا ملتهباً فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب " لو 24 : 32 .
في عملك ردد صلاتك كعمل داخلي للقلب لا يملكه إلا الله وتلذذ باسمه الحسن فيعطيك سؤال قلبك ولن تستطيع من نار حبه السكوت كما جاء في ارميا النبي " فقلت لا اذكره ولا انطقه بعد باسمه فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم استطيع " أر 9 : 20 .
احمل نير المسيح عليك وتعلم منه لأنه وديع ومتواضع القلب فتجد راحة لنفسك واصرخ طالباً منه أن يهبك نقاوة القلب لكي تقدر أن تعاينه داخلك ويحرك قلبك بالرحمة نحو كل الخليقة العاقلة وغير العاقلة وترفع صلواتك من اجل الجميع .
احترس على تنقية قلبك من كل خطية حتى لو كانت الثعالب الصغيرة فإنها تفسد الكروم والثمار المتولدة من الصلاة والصلاح . نقي قلبك من الغضب والذم والكراهية والرياء والإدانة فان هذه الخطية تمنع نعمة الله من الجريان داخل قلبك ابعد عن الكلام البطال والخداع ولا تطلب مديحاً من الآخرين وإلا تكون قد استوفيت أجرك . لا تجعل قلبك يتعلق بما هو ارضي بل ليكون كنزك في السماء لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا . اطرد من داخلك كل محبة غريبة طالباً محبة الله من كل القلب والنفس والفكر والقدرة فتحل نعمة الله عليك .
قدم تواضعاً وإتعاب الجسد بالصوم والصلاة واخدم الآخرين " لا بخدمة العين كمن يرضي الناس بل كعبيد للمسيح عاملين مشيئة الله من القلب " أفس 6 : 6 .
ضع الأبدية في قلبك واعلم انك غريب عن الأرض ووطنك الحقيقي هو السماء "فالله وضع الكل حسناً في وقته وأيضا جعل الأبدية في قلوبهم التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله من البداية إلى النهاية " جا 3 : 11 فاعرف إن لمحبتك لله ولأتعابك على الأرض مكافأة على الأرض بها تسعد وتسر للحياة في كنف الأب السماوي المحب وفي النهاية حياة أبدية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق