21‏/03‏/2009

أحد السامريه

أحـــــد الســـامريـــــة




رابح النفوس العجيب

جاء السيد المسيح إلى اليهودية بعد أن حفظ العيد فى أورشليم ( يو 3 : 22 ) ، والآن يتركها بعد أربعة أشهر من الحصاد ؛ فى الطريق عبر السيد المسيح على السامرة ، والتقى عند البئر بأمرأة سامرية تزوجت قبلا بخمسة رجال والذى معها ليس برجلها ، دخل معها السيد فى حوار بالرغم من العداء بين اليهود والسامريين ، فاجتذبها إلى خلاصها ، بل وجعلها كارزة بالخلاص ، اجتذبها فتمتعت بالمعرفة ، وأدركت أنه المسيا الذى يخبرنا بكل شىء ، وبعد دقائق تركت جرتها لتجتذب المدينة بأسرها ويؤمن كثيرون بالسيد المسيح ، حقا من يلتقى برابح النفوس العجيب يشاركه سماته ، فيصير هو أيضا رابحا للنفوس .

خلال هذا اللقاء يحثنا السيد المسيح على العبادة الجديدة ، حيث قدم لها ولأهل مدينتها ماءا حيا يفيض فى داخلهم ، لقد أعلن السيد أنه عوض بئر يعقوب يقدم المياة التى من يشرب منها لا يعطش إلى الأبد ، إذ تهب حياة جديدة أبدية ، وأن الساعة قد أتت لتتحقق العبادة على مستوى أعظم من جبل جرزيم أو الهيكل ، حيث يسجد العابدون للآب بالروح والحق ، وأن له طعام جديد وهو أن يفعل مشيئة الذى أرسله ...
مجيئه إلى السامرة
" ....... وكان لابد له أن يجتاز السامرة " يو 4 : 4
أبرز السيد المسيح اهتمامه بالسامرة والسامريين ، فمدح الأبرص السامرى غريب الجنس ، الذى وحده دون التسعة اليهود البرص عاد ليشكر السيد على تطهيره له ( لو 17 : 15 – 18 ) . كما قدم لنا مثل السامرى الصالح الذى تحرك قلبه بالحب العملى ليهتم بجريح يهودى أكثر من الكاهن اليهودى واللاوى ( لو 10 : 33 – 36 ) وأخيرا قبل صعوده وضع على عنق الرسل الألتزام بالخدمة فى السامرة : " تكونون لى شهودا فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض " ( أع 1 : 18 ) .
" ....... وكانت هناك بئر يعقوب ، فإذ كان يسوع قد تعب من السفر ، جلس هكذا على البئر ، وكان نحو الساعة السادسة " يو 4 : 6
نحو الساعة السادسة ، أى الظهيرة ، تعب السيد المسيح بسبب السير فى وسط حر الظهيرة ، كإنسان حقيقى خضع للضعف الجسدى فتعب ، ..... ليس عجيبا أن نسمع عن السيد أنه تعب وعطش فى وقت الظهيرة ، وهناك تركه تلاميذه ، فإن هذا المنظر يحمل صورة للسيد المسيح على جبل الجلجثة حيث استراح على الصليب فى وقت الظهيرة وقد حمل أتعابنا وأعلن عطشه لكل نفس بشرية ، هناك أيضا تركه تلاميذه هاربين ، ليجتاز المعصرة وحده .
إنه يسأل أن يشرب ذاك الذى فى طريقه أن يعطى ، لكنه يشرب لا من ماء جدول يفيض ، بل يشرب من تصرفاتك الصالحة ، يشرب الكأس أى الآلام التى يكفر بها عن خطاياك ، حتى إذ تشرب من دمه المقدس تروى عطش هذا العالم !!
هكذا تمتع إبراهيم بالله بعد أن حفر بئرا ( تك 21 : 30 ) ، واسحق تقبل زوجته وهو سائر بجوار البئر ( تك 24 : 62 ) ، التىكانت قادمة إليه كرمز للكنيسة ... رفقة وجدت من يبحث عنها عند البئر ، ....
+ قوة المسيح خلقتك ، وضعف المسيح ( تعبه ) جدد خلقتك ، ............
قوة المسيح أوجدتك حيث لم تكن ، وضعف المسيح جعل ما يلزم دماره ألا يهلك .......
لقد خلقنا بقوته ، وبحث عنا بضعفه .....

" فجاءت امرأة من السامرة لتستقى ماء ، فقال لها يسوع : أعطينى لأشرب ، لأن تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعاما " يو 4 : 7 – 8
مجىء المرأة عند الظهيرة بعد أن حمل الرجال والنساء مياههم إلى منازلهم يكشف عن موقف الشعب منها ، إذ لم تكن لها الجرأة أن تواجه أحدا ، فجاءت فى وسط الحر لتستقى ماء من البئر بمفردها ، مسيحنا هو إله المرذولين والمطرودين ، يخرج منهم أبناء الملكوت وكارزين بالحق .
هذا اللقاء يذكرنا برفقة وراحيل وابنة يثرون كيف تزوجن خلال اللقاء عند البئر بزيجات مباركة باسحق ويعقوب وموسى ، هكذا وجدت السامرية عريس نفسها عند بئر يعقوب ، ونحن نجد مسيحنا عريسا لنا عند جرن المعمودية ...
بدأ السيد المسيح حواره معها بطلب متواضع : أن يشرب ماء ، ذاك الذى من أجلنا افتقر ، الآن من أجلنا صار شحاذا لكوب ماء ، ليس لأحتياج شخصى ، وإنما ليكشف لها عن احتياجها هى إليه ، فتشرب وترتوى من ينابيع نعمته الغنية .
بينما مضى التلاميذ إلى المدينة ليشتروا طعاما استغل السيد هذه الفرصة ليدخل فى حوار مع المرأة السامرية ، ويسحبها هى وأهل المدينة لخلاصهم ، هذا هو طعامه الحقيقى أن يتمم مشيئة الآب ، وهى خلاص النفوس .
" فقالت له المرأة السامرية :
كيف تطلب منى لتشرب وأنت يهودى وأنا امرأة سامرية ؟
لأن اليهود لا يعاملون السامريين " يو 4 : 9
دهشت المرأة السامرية لموقف السيد المسيح ، فإنه ما كان يمكن ليهودى أن يطلب شيئا من سامرى ، مهما بلغ احتياجه أو واجه من متاعب ومصاعب ، دون أى استثناء ، كما دهشت كيف يتوقع من سامرية أن تعطيه طلبه بينما يحمل السامريون عداء لليهود ...
لم يكن هناك تعامل بين اليهود والسامريين سواء من جانب العبادة أو التجارة ، بل ولا يجوز لليهودى أن يستعير إناء من سامرى أو يشاركه نفس الطعام .

" أجاب يسوع وقال لها : لو كنت تعلمين عطية الله ،
ومن هو الذى يقول لك أعطينى لأشرب ، لطلبت أنت منه ، فأعطاك ماء حيا " يو 4 : 10
سحب السيد المسيح هذه المرأة إلى طريق الخلاص ، لا بالهجوم على العبادة فى السامرة ، بكونها منشقة ، وأنها قد شوهت الأيمان والعبادة ، وإنما بسحب فكرها من الأنشغال بالعداوة القائمة بين الفريقين إلى الدخول إلى أعماق نفسها لتعطش إلى الماء الحى ، وتدرك حاجتها إلى المخلص .
الآن ليس الوقت للنزاع ، بل للجلوس الهادىء مع النفس والتمتع بعطايا الله المجانية ، فقد حان وقت افتقاد الله للعالم كله بإرسال المسيا المخلص ، شهوة قلب السيد المسيح أن نعرفه ، فنطلبه ونقتنيه ، فنرتوى منه أبديا !
السامرية لم تكن تدرك عطية الله الذى أرسل أبنه الوحيد ليبذل ذاته عن العالم ( يو 3 : 16 ) ، ولا عطية الروح القدس الذى يفيض فى النفس كنهر يرويها ويروى آخرين ، ويقدم الروح مواهب روحية لا حصر لها لخلاص العالم ، هذه العطايا إلهية مجانية قدمها الله من أجل مبادرته بالحب لنا ونحن بعد أعداء ...
" المـــــاء الحــى " : هو نعبير شائع لينابيع المياة التى تفيض بلا توقف ، يقابله " الماء الميت " الراكد فى البرك والمستنقعات ومخازن المياة حيث تتعرض للتلوث ، يشير الماء الحى إلى :
" الــــروح الــــقدس " الذى يروى النفس ويحول قفرها إلى فردوس مثمر ، ويغسل ما فى النفس من دنس .

" فقالت له المرأة : يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة ، فمن أين لك الماء الحى ؟ ....
ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذى أعطانا البئر ، ....
وشرب منها هو وبنوه ومواشيه ؟ " .... يو 4 : 11 ، 12
كان يحدثها عن الروحيات بينما هى كانت تفكر بطريقة مادية ، ومع هذا فمن لهجة حديثه شعرت بالألتزام أن تحترمه وتوقره ، فبدأت تقول : " يــاســــيــد "
اعتزت السامرية بالبئر التى حفرتها يد بشرية ، ولم تدرك أنها أمام الينبوع الإلهى الحى ، فقد سبق فعاتب الرب شعبه قائلا لهم : " شعبى عمل شرين ، تركونى أنا ينبوع المياة الحية ، لينقروا لأنفسهم أبارا آبارا مشققة لا تضبط ماء " ( إرميا 2 : 13 ) .
تأمل ما قاله نيقوديموس : " كيف يمكن لأنسان أن يولد وهو شيخ ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد ؟ ( يو 3 : 4 ) أما هذه المرأة فكانت أكثر توقيرا من نيقوديموس ، إذ قالت : يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة ، فمن أين لك الماء الحى ؟
حسن أن تعتز السامرية ببئر أبيها يعقوب ، لكنها لم تعرف كيف تعبر خلاله إلى إله يعقوب واهب المياة الحية ، كان يليق بها أن تنطلق مع يعقوب أبيها لترى سلم يعقوب الصاعد من رأسه إلى السماء ، فتتهلل بالصليب فاتح أبواب السماء للعالم كله !
" أجاب يسوع وقال لها :
كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا ، ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا ،
فلن يعطش إلى الأبد ، بل الماء الذى أعطيه ، يصير فيه ينبوع ماء ،
ينبع إلى حياة أبدية " يو 4 : 13 – 14
لم يجبها : " نعم أنا أعظم من يعقوب ، لكنه بلغ هذا الهدف بحديثه معها ......
الماء الذى فى البئر هو ملذات العالم فى أعماقه المظلمة ، من هذا يسحب البشر بأوانيهم التى للشهوة .. عندما يحصل شخص على لذة العالم ، هل يمكنه ألا يعطش مرة أخرى ؟ !
فى لطف شديد بدأ السيد المسيح يكشف لها عن الماء الحى ! أوضح أنه لا وجه للمقارنة بين ماء يروى الجسد إلى حين ، وماء يسند النفس أبديا ويرويها ، فلا تعتاز إلى شىء ....
الماء الذى يقدمه السيد المسيح له ميزات خاصة :
+ هو عطية إلهية " أنا أعطيه " .. لذا يهب فرحا إلهيا ...
+ يهب حياة أبدية بلا احتياج ، " لن يعطش إلى الأبد " ...
+ ماء داخلى فى النفس " يصير فيه " لذا يناجيها واهب المياة الحية ، قائلا : " أختى العروس جنة مغلقة ، عين مقفلة ، ينبوع مختوم " ( نشيد الأناشيد 4 : 12 )
+ يحول الأعماق إلى ينبوع فياض على الغير ، : " من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى " ( يو 7 : 38 ) .

" قالت له المرأة :
يا سيد أعطنى هذا الماء لكى لا أعطش ، ولا آتى إلى هنا لأستقى " يو 4 : 15
+ أرأيت كيف أن المرأة صعدت قليلا إلى التعاليم العلوية ؟ ... لقد ظنت أن هذا الماء أعلى قدرا من الماء المحسوس ....
+ أرأيت كيف أن المرأة فضلت المسيح على رئيس الآباء إذ أوضحت رأيها فى يعقوب ومقدار عظمته وعرفت الأفضل منه ؟
+ هنا أكتسبت بصيرة أكثر جلاء ، لكنها لم تكن قد أدركت بعد الصورة الكاملة ، لأنها قالت : " أعطينى هذا الماء حتى لا أعطش ، ولا آتى إلى ههنا لأستقى " ....

" قال لها يسوع :
اذهبى وادعى زوجك وتعالى إلى ههنا " يو 4 : 16
حول السيد المسيح الحوار من الحديث عن الماء إلى الحديث عن حياتها الزوجية ، ... أوضح السيد المسيح لها ، دون أن يجرح مشاعرها ، أنه يعرف ما فى قلبها كما يعرف كل أسرارها العائلية ، لكى يحثها على الشعور بالخطية ، وحاجتها إلى التوبة .

" أجابت المرأة وقالت : ليس لى زوج ....
قال لها يسوع : حسنا قلت ليس لى زوج ... لأنه كان لك خمسة أزواج ،
والذى لك الآن ليس هو زوجك ، هذا قلت بالصدق " يو 4 : 17 ، 18
فى رقة عجيبة لم يجرح مشاعرها لأنها تعيش مع من هو ليس برجلها بعد خمس زيجات ، وحول حوارها من المجادلة حول الخلافات بين اليهود والسامريين إلى العبادة الجديدة التى تضم كل العالم ، ويتمتع بها المؤمن أينما وجد .
كم كانت حكمة هذه المرأة عظيمة ، وكم كان خضوعها إذ قبلت التوبيخ ... فى هذا التوبيخ يذكر أمرين : يعدد جميع أزواجها السابقين ، ويوبخها على ذاك الذى تعيش معه حينئذ وهى تحاول أن تخفى أمره ، هنا ماذا صنعت المرأة ؟ لم تبد ضيقا ولا تركته هاربة ، ولا حسبت كلامه إهانة ، لكنها على العكس أبدت إعجابها به ، وفاق تقديرها له ، إذ قالت : " يا سيد أرى أنك نبى " ، تطلع إلى رزانتها إذ لم تندفع إليه مباشرة لكنها وهى تقدره وتعجب منه قالت : " أرى " أى " يبدو لى " أنك نبى .

" قالت له المرأة :
يا سيد أرى أنك نبى ، آباؤنا سجدوا فى هذا الجبل ،
وأنتم تقولون إن فى أورشليم الموضع الذى ينبغى أن يسجد فيه " يو 4 : 19 ، 20
هكذا تحول الحوار إلى الحديث عن موضع العبادة : هل هو أورشليم أم جبل الجرزيم ؟
إذ ظنت أنه نبى لم تطلب شيئا زمنيا ، لا صحة الجسد ولا الممتلكات ولا الثروة ، لكنها اهتمت بالدين ، إنه لأمر عجيب ! يسكن فى الأعالى وهو قريب من المتواضعين ، إنه : " يرى المتواضع ، أما المتكبر فيعرفه من بعيد " ( مز 138 : 6 )
أتريد أن تصلى فى هيكل ؟ الجبل فى داخلك ، إن كنت أنت أولا هيكل الله ، لأنه فى هيكله يسمع من يصلى .
" قال لها يسوع :
يا أمرأة صدقينى إنه تأتى ساعة ، لا فى هذا الجبل ،
ولا فى أورشليم ، تسجدون للآب ، أنتم تسجدون لما لستم تعلمون ،
أما نحن فنسجد لما نعلم ، لأن الخلاص هو من اليهود " . يو 4 : 21 ، 22
لقد حلت الساعة التى جاء فيها ابن الأنسان ليرفع الأنسان من الحرف إلى الروح ، فما يشغل ذهن المؤمنين ليس الموضع ، بل وضعهم كأبناء للآب السماوى .
بقوله : " لما لستم تعلمون " يشير إلى إنكار السامريين لأسفار الأنبياء التى تمهد طريق المعرفة للتعرف على شخص المسيا المخلص ، وبقوله " نسجد لما نعلم " يشير إلى الأسفار الإلهية كطريق آمن للمعرفة والعبادة الحقيقية ، ضم السيد المسيح نفسه إلى جمهور العابدين ، لأنه صار فى تواضعه ابن الأنسان .
لم يخجل ابن الله الوحيد من أن يعلن طاعته للآب وسجوده وعبادته له ، بينما يستهين كثير من بنى البشر فى كبريائهم بالعبادة ويحسبونها مضيعة للوقت ....

" ولكن تأتى ساعة وهى الآن ،
حين الساجدون الحقيقون يسجدون للآب بالروح والحق ،
لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له " يو 4 : 23
عوض الأنشغال بمكان العبادة يلزم الأنشغال بحال الفكر الداخلى ، وهيكل الله داخل النفس ، وكيفية تقديم العبادة لله الذى هو روح . فالله يطلب العابدين بقلوبهم ، ونادرا ما يوجدون ....
العبادة بالروح تحول القلب إلى صهيون الحقيقية التى يشتهيها الله كقول المرتل :
" لأن الرب اختار صهيون ، اشتهاها مسكنا له ؛ هذه هى راحتى إلى الأبد ؛ ههنا أسكن لأنه اشتهيتها " ( مز 132 : 13 – 14 ) .

" اللــــــه روح ،
والذين يســـجدون له ، فبالروح والحق ينبغى أن يســـجدوا ،
قالت له المرأة :
أنا أعلم مسيا الذى يقال له المسيح يأتى ،
فمتى جــــــاء ذاك ، يخــــبرنا بكل شــــىء " يو 4 : 24 ، 25
أخيرا جاء الحوار بخصوص المسيا ، فإذ لم تعترض السامرية على ما يقوله بل شعرت بقوة فى داخلها سألته عما كان يدور فى أذهان اليهود والسامريين ، وهو : متى يأتى المسيا ؟ فمع العداوة القائمة بين اليهود والسامريين إلا أن أمرا واحدا كان الكل يترقبه ، وربما تحدث كثير من المعلمين عنه فى ذلك الوقت ، وهو تحقيق الوعد الإلهى الخاص بمجىء المسيا وحلول مملكته .
مع ما لحق بها من فساد بسبب خطيتها لكن شوقها لمعرفة الحق وترقبها فى تواضع لمجىء المخلص هيأها للألتقاء مع السيد والتعرف عليه والشهادة له .

" قـــــال لهــــــا يســـــــوع ،
أنــا الــذى أكلمــــــك هــــــــــــــــو ! " يو 4 : 26
لم يتحدث السيد المسيح مع اليهود ، ولا حتى مع تلاميذه بعبارات مباشرة هكذا : أنا الذى أكلمك هو " .... الحصاد قد أعد ، فقد قام الأنبياء بالغرس لينمو ، والآن قد جاء إلى النضوج وينتظر الرسل كحاصدين له ، ... فبالنسبة للمرأة السامرية كان اسم " المســــيا " ليس بجديد عليها ، كانت بالفعل تترقب مجيئه ، لقد آمنت بالفعل أنه قادم ، من أين كان لها أن تؤمن بهذا لو لم يغرسه موسى ؟
كـــــــرازة المرأة السامـــــــرية الناجحــــــة :
" وعند ذلك جاء تلاميذه ، وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع إمرأة ،
ولكن لم يقل أحد ماذا تطلب ؟ أو لماذا تتكلم معها ؟ " يو 4 : 27
لم يكن فى ذهن التلاميذ أن معلمهم الذى كانوا يترقبون ملكوته العظيم على الأرض يتحدث مع امرأة فقيرة سامرية ، إنها ليست من قطيع إسرائيل الضال ، وفى ذهنهم لا يمكن أن يكون لها دور فى ملكوته ، فلماذا يتحدث معها ؟
هذا ومن جانب آخر فإنه لم يكن من عادة الرجال أن يتحدثوا مع نساء فى الطريق ، حتى وإن كانت زوجاتهم ، وقد وجدت قوانين كثيرة سنها الحاخامات فى هذا الشأن .

" فتركت المرأة جرتها ، ومضت إلى المدينة ، وقالت للناس ،
هلموا انظروا إنسانا قال لى كل ما فعلت ،
ألعل هذا هو المسيح ؟ " يو 4 : 28 ، 29
إذ تمتعت السامرية بالحق الإلهى تركت جرتها ! ...... ونسيت ما جاءت من أجله ، وعادت إلى المدينة دون الماء ، إنما لتقدم ماء الحق لأهل المدينة ، أخبرت الجميع فى الشوارع أنها وجدت الكنز الذى تبحث عنه ، ووجدت ينبوع سرورها الداخلى .
سبق أن طلب السيد منها أن تدعو زوجها ، وها هى قد دعت كل رجال المدينة ونجحت فى مهمتها ..... !
لم تخبرهم أنه حاورها فى أمور دينية خطيرة خاصة بمكان العبادة وطريقة ممارستها ، بل ما لمس قلبها حقا أنه عرف أسرارها واجتذبها بقوة كلمته إليه ، فتعرفت على شخصه ، إنه هو المسيا ... !
هنا امرأة أعلنت عن المسيح للسامريين ، ... وفى نهاية الأناجيل أيضا امرأة رأته قبل كل الآخرين تخبر الرسل عن قيامة المخلص : " فجاءت مريم المجدليــــــة وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا " . ( يو 20 : 18 ) ...
جاءت السامرية لتستقى ماء ، وعندما استنارت وعرفت الينبوع الحقيقى للتو احتقرت الينبوع المادى ، وهى فى هذه الواقعة البسيطة تعلمنا أن نتجاوز عن أمور الحياة المادية عندما نصغى للروحيات .... على جناحى الفرح والبهجة أسرعت ودعت المدينة بأكملها ، وأتت بهم إلى الرب يسوع .
آمنت المرأة السامرية على الفور ، وبذلك اتضح أنها أكثر حكمة من نيقوديموس ، بل وأكثر شجاعة وثباتا ، لأن نيقوديموس بعد أن سمع قدر ما سمعت المرأة الآف المرات لم يذهب ويدعو آخرين لسماع هذه الكلمات ، ولا تحدث بصراحة على الملأ ، لكن هذه المرأة فعلت ما لم يفعله الرسل ، إذ قامت بالكرازة للجميع تدعوهم إلى المسيح ، بذلك قادت مدينة بأكملها إلى الأيمان بيسوع المسيح .
" هلموا أنظروا إنسانا قال لى كل ما فعلت ،
ألعل هذا هو المسيح ؟ " يو 4 : 29
كلمات السامرية تكشف عن سعادتها الداخلية بلقائها مع المسيا مخلص العالم ، وتمتعها بمن يملأ أعماقها ، لم يهبها الرجال الستة سعادة ، لكن لقاءها مع مخلصها بعث فيها روح السعادة ، والعمل من أجل الآخرين لخلاصهم .
كانت السامرية حكيمة فى كرازتها ، إذ لم تملى عليهم إيمانها فيه بل بحكمة طلبت منهم أن يأتوا وينظروا ليتحققوا من شخصه : " ألعل هذا هو المسيح ؟ ! .

" فخرجوا من المدينة وأتوا إليه ،
وفى أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين :
يامعلم كل " يو 4 : 30 – 31
بينما انطلقت المرأة السامرية للكرازة بكل قوة ، إذ بالتلاميذ ينشغلون بتقديم طعام للسيد المسيح ، لأنه كان جائعا ومتعب .

" فقال لهم :
أنا لى طعام لأكل لستم تعرفونه أنتم " يو 4 : 32
كان السيد المسيح ينتهز كل فرصة ليرفع عقول تلاميذه وقلوبهم إلى ما فوق الزمن ، إلى السماء عينها ، لقد أعلن لهم عن مدى بهجته بخلاص النفوس بكونه طعامه الشهى ، لقد وجد شبعه وراحته فى التعب من أجل كل نفس ، ومن أجل تحقيق خطة أبيه ، إنه لن يستريح بل يبقى مثابرا على العمل حتى يعبر من هذا العالم .

" فقال التلاميذ بعضهم لبعض :
ألعل أحدا أتاه بشىء ليأكل ؟ قال لهم يسوع :
طعامى أن أعمل مشيئة الذى أرسلنى ،
وأتمم عمله " يو 4 : 34
إن حديث السيد المسيح هنا يشير إلى عمل المسيح فى حياة الناس لكى يعملوا إرادة الآب ، ويتمموا عمله ، لأن ما يفعله الناس كأعضاء فى جسد المسيح ، يحسب كأنه هو نفسه قد عمله .
أكلنا وشربنا وقراءتنا وخدمتنا وعبادتنا كلها إنما لخدمة خلاص النفوس ، هذه هى إرادة أبينا السماوى ، طعام نفوسنا الشهى .
لقد هلكت النفوس بسبب عدم المعرفة ، وقد وهبنا الله مفتاح الملكوت الذى هو انجيله ومعرفة كلمته .

" أما تقولون أنه يكون أربعة أشهر ثم يأتى الحصاد ،
ها أنا أقول لكم ، أرفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد أبيضت للحصاد " يو 4 : 35
يطلب السيد المسيح الحصاد الذى لن يتحقق بدون العمل الجاد بسرور ومثابرة ، فالعمل ضرورة حتمية وملحة للتمتع بالحصاد .
إنه يرى الحصاد القادم حيث يأتى كثير من السامريين إليه خلال خدمة المرأة السامرية ، يؤمنون به ويتأهلون للبس الثياب البيضاء .

" والحاصد يأخذ أجرة ، ويجمع ثمرا للحياة الأبدية ،
لكى يفرح الزارع والحاصد معا " يو 4 : 36
الآن يتقدم السيد المسيح بكونه الزارع الذى غرس الكلمة فى قلب السامرية ، وفى ساعات قليلة جدا قام بدور الحاصد ، وفرح وتهلل من أجل الثمر حيث آمن به كل أهل المدينة قائلين : " إن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم "
" لأنه فى هذا يصدق القول : إن واحدا يزرع ، وآخر يحصد ، أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه ،
آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم " يو 4 : 37 – 38
الأنبياء هم الذين زرعوا ولم يحصدوا ، وأما الذين حصدوا فهم الرسل ، لكن لم يحرم الذين زرعوا فقط من الفرح بالمكافأة على أتعابهم ، إنما تهللوا وابتهجوا بالرغم من أنهم لم يحصدوا .

" فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين ،
بسبب كلام المرأة التى كانت تشهد أنه قال لى كل ما فعلت ،
فلما جاء إليه السامريون ، سألوه أن يمكث عندهم ، فمكث هناك يومين " يو 4 : 39 – 40
لم ير أهل سوخار معجزة ما ، لكن ما اجتذبهم إلى السيد المسيح هو شخصه وحديثه الإلهى ، تمتعوا بكلمة المسيح الواهبة الحياة ....
لم يذكر الكتاب أنه صنع آيات بينهم ، إذ كانوا بسطاء محتاجين ومستعدين لسماع الكلمة ، تعلقوا بالسيد المسيح من أجل الحق ، ولم يطلبوا آيات لكى يتحققوا من شخصه كما طلب كثير من القيادات اليهودية .
" فآمن به أكثر جدا بسبب كلامه ،
وقالوا للمرأة :
إننا لسنا بعد بسبب نؤمن ،
لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم " يو 4 : 41 – 42
لقاؤهم مع السيد المسيح وهبهم نموا فى الأيمان وتزايدا فى عدد المؤمنين ، رؤيتهم للسيد المسيح وسماعهم له ثبت إيمانهم الذى تسلموه من المرأة ، وانجذب كثيرون معهم فى ذات الأيمان ، كما تعرفوا عليه أنه ليس مخلص اليهود وحدهم ولا معهم السامريون فحسب ، بل هو بالحقيقة مخلص العالم الذى قال عنه إشعياء النبى : " جعلتك نورا للأمم ، لتكون خلاصى إلى أقصى الأرض " ( إش 49 : 6 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق