20‏/03‏/2009

تأملات في عيد الصليب


كنيسة البشارة للأقباط الأرثوذكس بالناصرة
تقدم

تأملات في عيد الصليب

" ولكننا فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا "
المسيحية والصليب أمران متلازمان ، وصنوان لا يفترقان .. فأينما وحينما يرى الصليب مرفوعا أو معلقا ، يدرك المرء أنه أمام مؤسسة مسيحية أو مؤمنين مسيحيين .. ولا عجب فالصليب هو شعار المسيحية ، بل هو قلبها وعمقها ...
لقد تأسست المسيحية على أساس الصليب وبالصليب .. ولا نقصد بالصليب قطعتى الخشب أو المعدن المتعامدتين ، بل نقصد الرب يسوع الذى علق ومات على الصليب عن حياة البشر جميعا ، والخلاص الذى أتمه ، وما صحبه من بركات مجانية ، نعم بها البشر قديما ، وما زالوا ينعمون ، وحتى نهاية الدهر ...والفكرة الشائعة عن الصليب أنه رمز للضيق والألم والمشقة والأحتمال .. لكن للصليب وجهين : وجه يعبر عن الفرح ، ووجه يعبر عن الألم . ونقصد بالأول ما يتصل بقوة قيامة المسيح ونصرته .. ونقصد بالثانى مواجهة الإنسان للضيقات والمشقات .. ويلزم المؤمن فى حياته أن يعيش الوجهين ، ويختبر الحياتين ...بالنسبة للمؤمن المسيحى ، فإن الصليب بهذه المفاهيم ، هو حياته وقوته وفضيلته ونصرته .. عليه يبنى إيمانه ، وبقوة من صلب عليه يتشدد وسط الضيقات وما أكثرها .. هذا ما عناه القديس بولس الرسول بقولـه : " ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع ، الذى من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب ، مستهينا بالخزى .. فتفكروا فى الذى احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا فى نفوسكم " ( عب 12 : 2 ، 3 ) .
ملايين المؤمنين فى انحاء العالم عبر الأجيال حملوا الصليب بحب وفرح ، وأكملوا مسيرة طريق الجلجثة ، فاستأهلوا أفراح القيامة ... هذا بينما عثر البعض فى الصليب ، وآخرون رفضوا حمله ، فألقوه عنهم ..
ولم يكن مسلك هؤلاء وأولئك سوى موتا إيمانيا وروحيا لهم " نحن نكرز بالمسيح مصلوبا ، لليهود عثرة ولليونانيين جهالة . وأما للمدعوين يهودا ويونانيين ، فبالمسيح قوة الله وحكمة الله " ( 1 كو 1 : 23 ، 24 ) .
كيف حملت الكنيسة الصليب
هناك مفاهيم كثيرة يمكن أن تدخل تحت عنوان " الكنيسة والصليب " .. هلى هو موضوع يصف حقبة من حياة الكنيسة مضت وانتهت ، أم هو موضوع الحاضر المعاصر ... إن المعنى يشمل الأمرين معا ! الحاضر على ضوء الماضى .. وما نعنيه هو " كيف حملت الكنيسة الصليب " ؟ .. كيف أحبته فاحتضنته .. كيف تعاملت معه ، وكيف حملته .. كيف تصرفت إزاء الضيقات ، وكل قوى الشر التى تصدت لها فى العالم .. كيف عاونت كل إبن من أبنائها ، وكل عضو فيها على حمل الصليب .. كيف صارت شاهدة للصليب وسط عالم وضع فى الشرير .. ونود أن ننبه قبل الخوض فى الموضوع أن كل ما ينطبق على الكنيسة ، ينطبق على كل عضو فيها ..
مواصفات الكنيسة :
أ – حملان بين ذئاب :
فى إرسالية السبعين رسولا التدريبية ، حينما أرسلهم الرب يسوع أثنين أثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعا أن يأتى ، قال لهم " اذهبوا ، ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب " ( لوقا 10 : 3 ) .
والحملان صورة للمؤمنين بالمسيح فى وداعتهم وبساطتهم .. أما الذئاب فرمز لأهل العالم فى غدرهم وشرهم .. طبيعة الكنيسة كما أسسها المسيح وكما يريدها دائما " حملان بين ذئاب " ..
إن الحمل صورة للرب يسوع الذى قيل عنه إنه لا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته ..
صورة للمسيح الوديع الذى دعانا أن نتعلم منه الوداعة وتواضع القلب فنجد راحة لنفوسنا .. المسيح حمل الله الذى بلا عيب يدعو كل من يتبعونه أن يكونوا حملانا . هكذا يقدمهم للعالم ...
" حملان بين ذئاب " ... إنه منظر يبعث الرعب فى النفس ... إن ذئبا واحدا يكفى لأفتراس قطيع من الحملان الصغيرة التى لا تقوى على الحركة أو الهرب .. هل يعقل أن مسيحنا المحب يرسل أولاده للعالم كحملان بين ذئاب ؟! نعم .. هكذا أرسلهم ، لأنه كان يعلم أنه قادر على حمايتهم من ضراوة الذئاب ووحشيتها .. والعجيب ، أنه فى النهاية – كما يقول القديس أغسطينوس – حولت الحملان الذئاب وجعلت منهم حملانا !!
ويعنى أغسطينوس بذلك الشعوب الوثنية التى آمنت بالمسيح وتغيرت طبيعتها بفضل هذه الحملان !!
ب – متجردة من المقتنيات :
" لا تقتنوا ذهبا ولا فضةولا نحاسا فى مناطقكم ، ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا عصا " ( متى 10 : 9 ، 10 ) ..
" لا تحملوا شيئا للطريق " ( لوقا 9 : 3 ) ... هذا ما أوصى به السيد المسيح رسله وتلاميذه حينما أرسلهم فى إرساليات تدريبية .. لقد جردهم من كل شىء : من المال والطعام والثياب وحتى العصا التى يدافع بها عن نفسه فى الطريق الموحشة .. لقد جردهم من كل شىء ليكون هو لهم كل شىء ... لا تحملوا شيئا للطريق : لأنه هو نفسه الطريق .. المسيح للنفس المؤمنة هو كل شىء .. هو غناها فمن التصق به وافتقر إلى شىء ؟ .. وهو غذاء النفس ، وكساؤها .. ألم يوصينا بولس الرسول أن نلبس الرب يسوع المسيح ( رو 13 : 14 ) .
جـ - مشابهة لصورة ابن الله :
يصف القديس بولس الرسول أولئك الذين يحبون الله المدعوين حسب قصده أنهم " مشابهين صورة إبنه ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين " ( رومية 8 : 29 ) . .. وأحد أوجه الشبه مع ابن الله هو الألم ... يتنبأ إشعياء النبى عن السيد المسيح فيقول عنه أنه :
" رجل أوجاع ومختبر الحزن " ( إش 53 : 3 ) ... هذه صفة أصيلة فى المسيح المخلص .. فالمسيح لم ير يوما ضاحكا ، لكنه شوهد باكيا عند قبر لعازر ( يو 11 : 35 ) .. وقبيل آلامه على الصليب ، كان محصورا فيما كان عتيدا أن يكمله ، وسمع يقول :
" نفسى حزينة جدا حتى الموت " ( مر 14 : 34 ) ... فلقد تجسد ابن الله من أجل فداء البشر ، والفداء استلزم الألم والصليب . وإن كان المسيح قد تألم ، فليس التلميذ أفضل من معلمه ، ولا العبد أفضل من سيده ( متى 10 : 24 ) .
الصليب فى حياة المسيح : إن كان إشعياء النبى قد تنبأ عن المسيح أنه رجل أوجاع ومختبر الحزن ( إش 53 : 3 ) ، فإن هذه الآلام والأحزان لم تبدأ فى جثسيمانى ، بل بدأت منذ ولادته بالجسد ...
لقد ولد الطفل يسوع وهو يحتضن الصليب ، وظل يحتضنه فى حب ويحمله حتى علق عليه عند الجلجثة .. ونحن وإن كنا نجهل معظم حياة الرب يسوع بالجسد حتى بدأ خدمته الكرازية فى سن الثلاثين ، لكننا نستطيع أن نتبين ملامح الصليب ونراها من خلال بعض المواقف ...

نرى الصليب فى مولده ، حينما ولد فى مذود للبهائم إذ لم يكن ليوسف ومريم موضع ( لو 2 : 7 ) ... نراه فى مذبحة أطفال بيت لحم ( متى 2 : 16 ، 17 ) ... وفى الهرب إلى مصر طفلا والتغرب بين ربوعها حتى مات هيرودس الملك الطاغية الذى كان يطلب نفس الصبى ليقتله ( متى 2 : 14 ، 20 ) . ويلخص بطرس الرسول مسلك المسيح واحتماله الآلام بقولـه " لأنكم لهذا دعيتم ، فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا ، تاركا لنا مثالا لكى تتبعوا خطواته .. الذى لم يفعل خطية ولا وجد فى فمه مكر " ( بطرس الأولى 2 : 21 ، 22 ) .. قال رب المجد يسوع " إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى " ( متى 16 : 24 ) . وإن كان المسيح قد دعانا أن ننكر ذواتنا ، فلقد أنكر هو نفسه وأخفى لاهوته فى بعض المواقف ...
فلقد أنكر نفسه حاملا الصليب حينما تقدم إلى يوحنا المعمدان كأحد الخطاة ليعتمد منه ( متى 3 : 13 ، لوقا 3 : 21 ) .. وأنكر نفسه فى تجربة إبليس له ( متى 4 : 1 – 10 ) ... وحينما قدم عظته على الجبل أفتتحها بتطويب المساكين بالروح والحزانى فى العالم ( متى 5 : 3، 4 ) ..كان المسيح يحتضن الصليب حينما شتم ولم يكن يشتم عوضا ، ولا يهدد ، بل كان يسلم لمن يقضى بعدل ( بط الأولى 2 : 23 ) ..وحين أنكر اليهود بنوته لأبيه السماوى ... ( يو 6 : 42 ) .
وحين وجه اليهود إليه أقذع شتائمهم أنه سامرى وبه شيطان ( يو 8 : 48 ) ، وأنه لا يخرج الشياطين إلا بقوة بعلزبول رئيس الشياطين ( متى 12 : 24 ) ...
وحينما أتهمه الفريسيون والكتبة أنه ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت ( يو 9 : 16 ، 5 : 18 ) ...
وفى غيرها كثير جدا كان المسيح يحتضن الصليب ، ما رد اتهاما لقائليه ، ولا عاملهم بنفس روحهم .
الضيقات وحمل الصليب فى تعليم المسيح
إن كنا قد رأينا الصليب أو مثال الصليب فى حياة المسيح بالجسد ، فقد أعلن هو عنه صراحة حينما كان يتكلم عن الضيقات كنصيب مقدس للمؤمنين عليهم أن يحرصوا عليه ، وألا يفرطوا فيه من أجل البركة ..
بعد لقاء المسيح مع الشاب الغنى ، الذى دعاه إلى أن يوزع ماله على الفقراء ويحمل الصليب ، لكن هذا الكلام لم يرقه فاغتم ومضى حزينا ( مرقس 10 : 17 – 22 ) ، قال له بطرس " ها نحن قد تركنا كل شىء وتبعناك " . فكان جواب الرب عليه " الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتا أو أخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو إمرأة أو أولادا أو حقولا لأجلى ولأجل الإنجيل ، إلا ويأخذ مئة ضعف الآن فى هذا الزمان بيوتا وأخوة وأخوات وأمهات وأولادا وحقولا مع اضطهادات ، وفى الدهر الآتى الحياة الأبدية " ( مرقس 10 : 28 – 30 ) ...
وهنا نلاحظ أن المسيح له المجد يحصى الأضطهادات ضمن البركات التى يعوض بها الإنسان فى هذا العالم عن محبته له !!
كمبدأ عام فى حياة المؤمنين قال المسيح " اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق " ( لو 13 : 24 ) ... " لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك ، وكثيرون هم الذين يدخلون منه . ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذى يؤدى إلى الحياة ، وقليلون هم الذين يجدونه " ( متى 7 : 13 : 14 ) ..أما عن تعليمه بخصوص الضيقات فقد قال :
" فى العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " ( يو 16 : 33 )
" ستبكون وتنوحون والعالم يفرح . أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح . المرأة وهى تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت . ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح ، لأنه قد ولد إنسان فى العالم " ( يوحنا 16 : 20 ، 21 ) ..." تأتى ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله . وسيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الآب ولا عرفونى . لكنى قد كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أنى أنا قلته لكم " ( يو 16 : 2 – 4 ) . " وسوف تسلمون من الوالدين والأخوة والأقرباء والأصدقاء ويقتلون منكم . وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمى . ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك . بصبركم اقتنوا أنفسكم " ( لو 21 : 16 – 19 ) ...
أما عن حتمية حمل كل مؤمن للصليب فقال :
" من لا يأخذ صليبه ويتبعنى فلا يستحقنى . من وجد حياته يضيعها . ومن أضاع حياته من أجلى يجدها " ( متى 10 : 38 ، 39 ) .." إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى ، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من أجلى يجدها " ( متى 16 : 24 ، 25 ، لوقا 9 : 23 ، 24 ) ..." من لا يحمل صليبه ويأتى ورائى فلا يقدر أن يكون لى تلميذا " ( لو 14 : 27 ) ...
ثمار الصليب
منذ أيام قدماء المصريين والصليب علامة حياة، وقد اتخذوا "مفتاح أونخ" الذى يشبه الصليب فى شكله، علامة الحياة بعد الموت، حيث كلمة "أونخ" معناها (حياة). نعم... فالرب حين مات عنا على عود الصليب، مات الناسوت فيه، وظل اللاهوت متحداً بعناصر الناسوت الثلاثة: الجسد الإنسانى والنفس والروح الإنسانية. إذ (لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين) والسبب بسيط، فاللاهوت خالد لا يموت، وغير محدود، يمكنه أن يظل متحداً بالجسد المسجى فى القبر، وبالنفس الإنسانية والروح الإنسانية، اللتين ذهبتا إلى الفردوس، بعد أن أطلقت الأنفس والأرواح التى كانت فى قبضة إبليس فى الجحيم، مكان إنتظار الأشرار.
نعم... فقبل الصليب كانت نفوس الأبرار مع نفوس الأشرار فى مكان واحد، وإن كان الفرق الجوهرى أن النفس البارة تنتظر المسيح المخلص، الذى سينقلها إلى الفردوس، أما النفس الشريرة فهى تنتظر يوم العقاب النهائى، والحكم الأبدى، حين تنتقل إلى جهنم.


إذن فالثمرة الأولى من ثمار الصليب :
1- الفردوس المفتوح :
حيث اختفى الكاروبيم الحارس للفردوس، واللهيب المتقلب والسيف، ودخل الرب ظافراً يحمل المفديين، والراقدين على الرجاء، إلى فردوس النعيم، حيث ينعمون فى شركة مع الله إلى يوم القيامة المجيدة، حين ينتقلون إلى وضع المجد الأبدى، والفرح الدائم، فى ملكوت السموات، وأورشليم السمائية. وبعد أن كان يعقوب يقول لأولاده فى العهد القديم: "أنى أنزل إلى ابنى نائحاً إلى الهاوية" (تك 35:37)، صار اللص التائب مستحقاً - من خلال التوبة والإيمان بدم المسيح - أن يسمع من فم الرب: "اليوم، تكون معى فى الفردوس" (لو 43:23). أما الثمرة الثانية للصليب
2- الشيطان المنهار :
لقد حاول الشيطان أن يتعرف على شخص الفادى، حتى إذا ما تأكد أنه المسيح المنتظر، والمخلص العتيد، يمنع موته، وبهذا لا يتم الفداء.. "لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1كو 8:2). لكن الرب المحب لفدائنا وخلاصنا، أخفى ألوهيته عن الشيطان، إذ قبل بالتدبير شكل الضعف:
 فنام : "وإذا اضطراب عظيم قد حدث فى البحر حتى غطت الأمواج السفينة وكان هو نائماً" (مت 24:8).
 وجاع : "فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليله جاع أخيراً" (مت 12:4).
 وبكى : لموت ليعازر "بكى يسوع" (يو 35:11).
 وتألم : "وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه" (مر 19:15)، "شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن اتألم" (لو 15:22).
 وصلى : "حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثسيمانى فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى امضى وأصلى هناك" (مت 36:26).
 وأنّ : "ورفع نظره نحو السماء وأنّ وقال له افثَّا. أى انفتح" (مر 34:7).
وبهذا أبعد الشيطان عن خطته التى يتمنى تنفيذها، وجعله يتعجل صلب الرب الذى كان فيه فداؤنا. وعندما ذهبت نفس الرب الإنسانية إلى الجحيم ككل الأنفس، حتى البارة فى ذلك الوقت، تصور الشيطان أنه تمكن من المسيح، وأنتهى منه إلى الأبد، وحاول أن يقبض على هذه النفس كغيرها، ولكن هيهات!! فلقد كان اللاهوت متحداً بها كما كان متحداً بالجسد المسجى فى القبر، وهكذا صرع الشيطان، وانفكت قبضته عن بنى آدم الراقدين على رجاء وأخذهم الرب ظافراً منتصراً، وأدخلهم إلى الفردوس السعيد.
لهذا ترنم الكنيسة قائلة: "يا كل الصفوف السمائية، رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح... قد قام الرب من بين الأموات.. وسبى الجحيم سبياً" (نشيد عيد القيامة). وهكذا انتهت قبضة الشيطان، إذ قد رآه الرب "ساقطاً" مثل البرق من السماء (لو 18:10)


3- الحياة الأبدية :
نعم... فالموت قد انتهى بموت الرب الفدائى عنا، لم يعد للموت سلطان علينا... "لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال" (أوشية الراقدين)... الحكم الذى كان علينا، رفعه الرب عنا بموته النيابى... "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها" (أش 4:53)، "هو أخذ اسقامنا وحمل أمراضنا" (مت 17:8)، والفساد الذى أصاب طبيعتنا، أعطانا الرب الطريق لإلغائه، وذلك من خلال المعمودية (حيث نموت ونقوم مع الرب ونتجدد بالروح القدس) "أنتم الذين قد اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح" (غل 27:3). وبالميرون (حيث يسكن فينا روح الله، وندشن كهياكل مقدسة له) "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم الذى لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم.. فمجدوا الله فى أجسادكم" (1كو 19:6). والتناول (حيث نثبت فيه وهو فينا) "من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىّ وأنا فيه" (يو 56:6)... "هذه هى الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو 3:17).
وهنا قول جميل للقديس أثناسيوس الرسولى: الموت... إذ قهره المخلص، وشهر به على الصليب، وأوثق يديه ورجليه، فإن كل الذين هم فى المسيح يدوسونه إذ يمرون به، ويهزأون به شاهدين للمسيح، ويسخرون منه مرددين ما قيل عنه فى القديم: "أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية" (1كو 55:15)، (هو 14:13) وجب أن لا يشك أحد فى أن المسيح قد أبطل الموت وأباده وأوقف فساده

هذه بعض وأهم ثمار الصليب المجيد، فردوس مفتوح وشيطان منهار، وأبدية سعيدة... فهل هذا ما نحياه الآن كلما رشمنا الصليب، أو حضرنا صلوات الآلام، أو صمنا الأربعاء أو الجمعة... ليتنا نفعل!!


تأملات في الصليب
* ربى يسوع... هبني فهما و إدراكا لقوة صليبك، و أشعرني عندما أكون في شدة العالم و ضد مبادئ العالم أنى لست مهزوما بل منتصرا بقوة صليبك ....
* ربى يسوع... إن عطشك لا يرويه الماء و لا الخل بل ترويه توبتي و رجوعي لك تحت أقدام الصليب حيث تبقى هناك عطشانـــا......
* أتأمل كيف بصقوا على وجهك و أرى إني أنا الذي أستحق هذه البصقات لأن عيني الشاردة هي المتسببة فى هذه البصقات....
* أيها الرب يسوع أن الصليب كان الوسيلة الوحيدة للقاء اللص معك. ما أسعدها ساعة و ما أمتعه صليب .....
* ربى يسوع.. أعطني روحك المملوء حبا الذي قال لصالبيه: يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. لأن هذه الصلاة هي التي أوقعت اللص القاتل أسيرا في أحضان محبتك ....
* ربى يسوع.. جبيني المملوء بالأفكار هو الذي يستحق إكليل الشوك، فأربط فكري بأشواكك المقدسة، و أعطني فكر المسيح....
* إلهي.. عرفت جيدا معنى قولك لي أن أحمل صليبي كل يوم كما حملت صليبك أنت.. صليبي هو جهادي ضد الخطية، و صليبك هو خطيتي التي فشلت أنا في مقاومتهــــــــا........
* ربي يسوع أنا لا أطلب صليبا معينا.. و لكن الذي تختاره مشيئتك لي، و أنا لا أريد أن أعرض عليك خدماتي.. بل أن تستخدمني أنت فيهــــا .....
* ربى يسوع.. إني أتأملك مصلوبا و قلبي كالصخر، ما هذا الجفاف الروحي؟ يارب أفض فيّ ينبوع دموع.. يا ربي يسوع اضرب الصخرة فتفيض دموعــــا...
* ربى يسوع ... أعنى أن احمل صليبي بقوة و شجاعة و حب للحق و تمثلا بك و بفرح و سعادة للشهادة لك في عالم مخــادع.....
* ربى يسوع أنت الذي تعطى الماء الحي الذي يشرب منه لا يعطش إلى الأبد، ثم بعد ذلك تعطش إلىّ.. سبحانك ربى.!!!!!. يا لمحبتك لي أنا الساقط!!!!!!!!
* ليس هناك قوة في الوجود تربط يسوع إلا خطيتي... لأنه صنع هذا محبة لي. إذا لم تكن هذه الرباطات إلا رباطات خطيتي
* يا أبتاه.. الآن أعطني أن أقرأ في كل حركة طول يومي، ما هي مشيئتك، و أتممها بأسرع ما يكون، و بفرح عظيم. عندئذ سأرى من حيث لا أدري إني في حضن أبي ...
* يا أبتاه.. أعطني أن أكون سريع الاستجابة لإلهامات روحك القدوس فيّ عن طريق الصلاة....
* إن حياتي ستظل بلا معنى و لا طعم و لا فائدة إن لم تعلن مشيئتك فيّ لأتممها
* إن أخطر لحظة فى حياتى هى التى أنسى فيها التفكير في المسيح ... انها لحظة الانحلال و الضعف، و التعرض للسقوط فى أبسط خطية
* ما أقواك أيتها التوبة و ما أروعك، انك أروع أيقونة للقيامة
* ربنا يسوع غلب العالم لأنه لم يكن للعالم شئ فيه. إذا كان للعدو جواسيس داخل بلدي كيف أستطيع مواجهته؟
* نحن نحمل قوة لا نهائية أمام عالم مادي مغلوب رغم مظهره القوي، هذا هو إيماننا
* يارب.. أنت ترشدنا، و لكننا نتركك و نبحث عن إرشاد العالم و تعزيته، ثم نفشل فنجدك كما كنت. عندئذ نحس بخطئنا نحوك
* أنت يا الهى أب... كلك حبك للبشرية و سكبت روح حبك فىّ ، و هذا هو الطريق الوحيد لمعرفتك و الحياة معك
* الخادم هو إنسان غسل يسوع قدميه القذرتين، و يغسلها كل يوم... من أجل ذلك هو يجول مع يسوع من كل قلبه ليغسل أقذار كل الناس
* ربي.. أعطني أن أبكي على خطية أخي مثلما أبكي على خطيتي لأن كلاهما جرحاك يا حبيبي يسوع ......
* إن النفس الساقطة عندما تقوم تشع منها قوة هائلة من قوة قيامة الرب يسوع
* يا نفسي اهتمي بداخلك لتعجبي يسوع، العريس السماوي لا يهمه نوع الموضة بل يهمه الجمال الداخلي للنفس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق