أولاً:- ما هي الصّـــــــلاة
1- يجب علينا أن نصلي ليس فقط بعادة الجسد أو بعادة رفع الصوت أو بعادة الصمت أو بإحناء الركب بل ينبغي أولاً أن نراعي العقل مراعاة مضبوطة وننتظر الله حتى يكون معنا ويطَّلع على النفس ويشرف على مداخل الفهم ويعلمنا متى يجدر بنا السكوت ومتى يليق رفع الصوت أو الصراخ نحوه على شرط أن يكون العقل منتهاً انتباهاً شديداً نحو الله.
فلتكن النفس بكليتها مستسلمة للرب في الصلاة بمحبة لا تسرع او تتوه ولا تتزعزع بمشاغل فكرها بل بكل اجتهاد مخلص تعمل كل ما بطاقتها حتى تجمع ذاتها مع أفكارها أمام المسيح تلازمه بانتظار حتى يشرق عليها ويعلمها حقيقة قانون الابتهال ويلهمها الصلاة الروحانية النقية اللائقة بالله والسجود أمامه بالروح والحق.
فالله هو الذي يعلمنا كيف نصلي بالروح والحق لأن الرب يحل على نية النفس الصالحة ويقيمها أمام كرسي مجده ويستريح فيها.
2- إن كان أحد عرياناً من الملابس الإلهية السمائية التي هو قوة الروح القدس كما قيل إن كان أحد ليس فيه روح المسيح وعدِمَ أن يكون من خاصته, فليبْكِ متوسلاَ بالصلاة إلى الرب حتى يهبه اللباس الروحاني ألسمائي ليستر نفسه العارية من القوة الإلهية لأنه عارٌ يكون غيره مسكواً بالروح وهو مكسو بعيب الشهوات الدنية.
ثانياً:- يا لعظمــة الصّــــَلاة
3- قمة كل سعي صالح وتاج كافة التدبيرات المتقنة هو الإدمان على الصلاة لأن بواسطتها ننال باقي الفضائل إن طلبناها من الله بصبر كل يوم.
وقوة الصلاة تبتدئ في الذين حُسبوا مستحقين لشركة قداسة الله ودخلوا تحت عنايته الروحانية, حتى يصير عقلهم ملتصقاً بالرب بمحبة لا توصف.
لأن الذي يغضب نفسه على الصلاة كل يوم حتى يدمن عليها ويكرم محبة الله في كل شيء, فإنه يحصل حرارة المحبة الإلهية حتى يتَّقد بها ويوهب نعمة الروح القدس.
رابعاً:- فاعلية الصّــــَلاة
4- تأمل حكمة الله..... وصلاحه, كيف يتشبه بنا ويتجسم في النفوس القديسة المستحقة المنية فبعد أن كان غير منظوراً, وبعد أن كان فائقاً على كل حس يصير ملموساً ومحسوساً وتُذاق حلاوته, بقدر لطاقة النفس; فتختبر صلاح نوره ورضاه غير الموصوف. ومتى شاء صار فيها ناراً آكله تحرق منها كل خبث, ومتى صار لها راحة تفوق كل نطق فتنعش النفس براحة اللاهوت, ومتى شاء صار فرحها وسلامها ومعزياً معانقاً لها....
فليسعَ كل واحد في إرضائه حتى يري خيرات السماء بالحق ويختبر بالفعل بهجة اللاهوت وغناه الذي لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر, أعني روح الرب الذي هو للنفوس القديسة راحة وفرح وبهجة وحياة أبدية....
والنفس التي تُحسَب أهلاً لنوال تلك القوة من العلاء باشتياق زائد بانتظار وإيمان ومحبة وتنال النار السمائية نار الحياة الدائمة فإنها تنفك حقاً من كل محبة عالمية وتنحل من كل رباط الخطيئة.
إن حياة النفس وانشراحها يكونان بالعِشرة الخفية مع الملك ألسمائي لا غير, لأنه إن كان من أجل محبة الشركة الجسدية يترك الرجل أباه وأمه ليلتصق بزوجته فكم بالحري الذين يُحسَبون أهلاً لشركة الروح القدس الذي هو المحبوب ألسمائي, فإنهم بدون نزاع يتجردون بالكلية من حب العالم, حيث يظهر لهم كل شيء فيه نفاية نظراً لكونهم يمتلئون من الشهوة السمائية ويألفون دوام فعلها.
وإن ظهر لنا أنه أمر صعب أن نرجع عن كثرة خطايانا التي يبدو وكأنها تملَّكت فينا, فلنتذكر ونعتبر كيف أن ربنا في سلوكه بين البشر أعاد البصر للعميان رحمة منه, وشفي المشلولين وكل أنواع الأمراض الصعبة, وأقام الأموات, وأخرج من إنسان واحد لجئون من الشياطين وردَّ للمجنون عقله, فكيف لا يُهدي بالحري النفس حينما ترجع إليه ملتمسة منه الرحمة وهي في حاجة إلى معونته فإنه لا بد يأتي بها إلى حال الحرية وفرح الإنعتاق من الشهوات وإلى تجديد الذهن ويردها إلى صحة الفضيلة ونور البصيرة ويرفع عنها عمي الكفر وصمم عدم الطاعة وموت الجهل وقلة التقوى ويعيد إليها حكمة الفضيلة ونقاوة القلب لأن الذي خلق الجسد هو بعينه الذي خلق النفس فكما أنه في سعيه على الأرض كان كل الذين يأتون إليه ويطلبون منه العون والشفاء يمنحهم بكرَمه وصلاحه كل ما يحتاجون إليه كطبيب صالح ليس له مثيل, كذلك أيضاَ في حال النفس والروحيات سواءً. لأنه إن كان قد تحرك بالشفقة إلى هذا الحد على الأجساد التي تنحل وتموت وقضي لكل واحد مطلوبة برضي وإحسان فكم بالحري يصنع للنفس الخالدة التي تأتي إلى الرب بالصلاة ملتمسة عوناَ متطلعة إلى رحمته لنوال نعمة روحه لأجل فدائها وخلاصها ونجاتها ألا يباد ويهبها الفداء والشفاء عن رضي طبقاً لكلمة وعده؟؟
فهذه التعاليم كلها قد نصحنا أن نلتمس منه عطية النعمة بجسارة بلا انقطاع ولا فتور, فإنه جاء إلى العالم من أجل الخطاة ليرجعهم إلى نفسه ويشفي المؤمنين به.... إذن, فلنلتصق به دائما وبأقصى طاقتنا, فهو مستعد لمعونتنا لانه رحيم وشافي العلل التي لا دواء لها ويفتدي الذين يدعونه ويرجعون إليه ويتعلقون به بتأمل واشتياق على قدر استطاعتهم.
5- إن النفوس التي تحب الرب حباً حاراَ لا ينطفئ فإنها تستأهل الحياة الأبدية وتحسب أهلاً للإقتداء من الأهوال الشريرة, وتنال نور الروح القدس وحضوره الفائق للوصف وتصير معه في شركة سرية وملء النعمة.
وأما النفوس الخالية من الهمة والجراءة ولا تطلب شيئا من هذا فإنها لا تزال باقية كأنها في الجسد لأنها لم تحصل على رجاء قداسة قلبها بالصبر وطول الأناة.
6- لهذا ينبغي لنا أن نصلي إلى الله من كل القلب باجتهاد وإيمان ليهب لنا في قلوبنا كنز المسيح الحقيقي وقوة الروح وفاعلية حتى نجد فائدته فينا نحن أولا التي هي الخلاص والحياة الأبدية والرب نفسه وعندئذ نستطيع أن نفيد غيرنا أيضاً لاقتدارنا على التداخل فيهم فنخرج لهم من كنز المسيح الذي فينا كل صلاح بالأقوال الروحانية ونكشف لهم الأسرار السماوية لأن إرادة الآب الصالح ارتضت أن يحل المسيح في كل من يؤمن به ويحبه فالمسيح قال الذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه اظهر له ذاتي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلا.(يو21:14-23)
هذا هو إحسان مشية الرب غير المتناهي, وهذا ما ارتضت به محبة المسيح الفائقة للوصف, هذا ما وعد به صلاح الروح القدس غير المنطوق به, فالمجد للثالوث القدوس من أجل مراحمة, لأن كل الذين حُسبوا أن يصيروا بني الله المولودين من فوق من الماء والروح يحل المسيح فيهم وينيرهم ويريحهم والروح يقودهم ويهديهم, والنعمة تعمل في قلوبهم سراً وتكون لهم راحة روحية.
أما طرائق عمل الروح في النفس فهي مختلفة حسب مشيئة الروح وحال الإنسان: فالنفس تارةً تسمو بالروح كأنها وليمة الملك وتكون في فرح وسرور لا يوصف؛
وتارةً تكون كالعروس في مؤلفة عريسها متنعمة باللذات الإلهية؛
وتارةً تكون في خفة وسمو وغيرة كالملائكة التي لا يحجبها عن الله هذه الكثافة الأرضية؛
وتارةً تكون كالثمل من الخمرة عندما تسكر بالروح وبالأسرار الإلهية؛
ثم تعود وكأنها في همَ وتأسُف على جنس البشر تتشفع في ذرية آدم كلها, وتولول وتنوح على البشرية, وتضطرم فيها محبة روحانية على طبيعة بني آدم; وأحياناً يتَّقد فيها الروح من جهة الآخرين في محبة فائقة المقدار, حتى أنها تشاء لو تخطف كل إنسان وتضعه في قلبها دون أن تفرَّق بين الجيد والرديء؛
وأحياناً تصير كالبطل اللابس السلاح والدروع, تهجم على الأعداء وهي متسلحة بأسلحة الروح وتقاتلهم بجراءة حتى تدوسهم تحت رجليها؛
وأحياناً تستريح النفس في هدوء وسكون وصمت إذ تكون منهمكة في لذة روحانية وسلام وامن؛ وأحياناً تكون مشغولة بالفهم والحكمة حينما تضبطها النعمة لتعلمها معرفة الروح في أمور لا يستطيع أن ينطقها لسان؛
وأحياناً تصير عادية كأحد العوام.
هكذا تختلف طرائق عمل النعمة في النفس وهي تقودها حسب إرادة الله ورضاه, فتتمرن وتنضج إلى أن تصل في النهاية إلى الأب السماوي تامة نقية وبلا دنس.
وهكذا فإن تنعمات النعمة التي سردناها مختلفة, ولكن ليس لفاعليتها انقطاع بل فالعلية تلي أخري, وهكذا إلى أن تصل النفس إلى كمال الروح, فعندما يتم تطهيرها من أهواء الفساد تتحد بالروح المعزي بألفة لا توصف وتحسَب أهلاً أن تصير روحانية في ذاتها بهذا الإتحاد.... وإذ تنغمر بالروح القدس تصير شبه المسيح نفسه وتملك في باطنها فضائل الروح(أي ثمار الروح السبعة).
فلنتوسل, إذن إلى الله في إيمان المحبة والرجاء الوافر لكي يمنحا النعمة السماوية نعمة موهبة الروح القدس, حتى يتولانا هذا الروح نفسه ويقودنا إلى إرادة الله الكاملة لكي بمفاعيل هذه النعمة وتأثيرها نتهذب روحانياً فتحسب أهلاً لإدراك ملء المسيح كما نص الرسول قائلاً . و تعرفوا محبة المسيح حتى تمتلئوا إلى كل ملء الله (اف3: 19) لأن الرب قد وعد كل الذين يؤمنون به أنهم إذا سألوه بالحق فإنه يعطيهم أسرار شركة الروح القدس. إذن, علينا أن نَنذر نفوسنا كلها للرب, ثم نجتهد على قدر طاقتنا متعبدين بالنفس والجسد, مسمَّرين أنفسنا في صليب المسيح لعلنا نصير أهلاً للملكوت السمائي, ممجدين الآب والابن والروح القدس إلى مدي الدهور.
7- من يشاء أن يأتي إلى الرب, ويُحسَب أهلاَ للحياة الأبدية ويكون مسكناً للمسيح ويمتلئ بالروح القدس ويكمل وصايا الرب بطهارة وبلا عيب, عليه أن يبتدئ أولاَ بالإيمان بالرب مسلَّماً نفسه كلها لهداية وصاياه, مودَّعاً نهائياً حتى لا يثقل قلبه أو فكره بشيء من الأشياء. وبعد ذلك عليه أن يواظب على الصلاة بإيمان, منتظراً فتقاد الرب ومعونته في كل وقت, رابطاً عقله بالمسيح في ثبات, وأخيراً عليه أن يغضب نفسه على كل الأعمال الصالحة والوصايا, وغضب النفس هنا لأزم بسبب الخطيئة الماسكة فيه.
فعليه أن يغضب نفسه أن يكون ذا عقل متضع قدام جميع الناس فلا يطلب كرامة من أحد أو مديحاً أو افتخاراَ, بل يجعل نفسه أقل الناس وأردأهم. جاعلاً الرب مثلا أمام عينيه على الدوام كما قال الرب نفسه. تعلموا مني لأني وديع و متواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم (مت 11 : 29)؛ وملكوت السماوات يُغصَب و الغاصبون يختطفونه (مت 11 : 12)؛ واجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق (لو 13 : 24) واضعا في باله على الدوام تواضع ربنا ولا يتعداه, متمثلاً كيفية معيشته وحلمه وسيرته, جاعلاً هذا قانوناً لنفسه لا يسهى عنه أبداً.
وعليه أن يغضب نفسه على الصلاة ويدُمن عليها فتور بإيمان, لعل الرب يحل فيه ويصيَّره كاملاً ويقويه في جميع وصاياه ويجعله مسكناً لنفسه.
وكل الأشياء التي يفعلها في البداية بالاغتصاب وبنفور قلب فإنه سيفعلها بعد ذلك بإرادته إذا تعوَّد الصلاح, جاعلاً الرب أمامه على الدوام مقيماً على انتظاره وحبه.
فإذا رأي شد تشوقه واجتهاده الحسن وكيف أنه يغضب نفسه إلى تذكار الرب وكل الأعمال الصالحة بتواضع عقل ووداعة ويغصب قلبه ويدفعه إلى ذلك رغماً عن مشيته, ويجهد نفسه ويأمرها ويغصبها فحينئذ يظهر الرب له رحمته وينقذه من أعدائه ومن الخطيئة الماسكة فيه ثم يملأه بالروح فيصير بعد ذلك قادراً أن يفعل أوامر الرب بالحق بلا تعب أو صعوبة لأن الرب نفسه يكون هو العامل فيه وحينئذ يخرج ثمار الروح بطهارة.
هكذا كل من يأتي إلى الرب, عليه في البداية أن يغصب نفسه إلى كل عمل صالح حتى ولو كان قلبه مخالفاً لذلك منتظراً رحمة الرب بإيمان لا يتزعزع.
يغضب نفسه إلى المحبة إن كان خالياً من المحبة.
يغضب نفسه إلى الحِلم إن كان ناقصاً من الحِلم.
يغضب نفسه إلى الشفقة وإلى اقتناء قلب حنون.
يغضب نفسه إلى تحمل الذل والهوان بصبر جميل, وإن رُذل. أو فُضح فلا يتحرك بالغيظ على ذلك كما هو مكتوب لا تنقموا لأنفسكم أيها الأحباء(رو19:12)
يغضب نفسه إلى الصلاة إذا لم تكن له صلاة روحانية, فإذا رآه الله في هذا الجهاد معذَّباً نفسه في هذا الاغتصاب فإنه يهب له روح الصلاة الحقيقة وينعم عليه بالمحبة والوداعة والرحمة والحِلم الحقيقي ويملأه من كل ثمار الروح.
وأما إذ غضب أحد نفسه إلى الصلاة فقط حتى ينال موهبتها من الله ولا يغصب نفسه إلى بقية الفضائل اللازمة المتقدم ذكرها ولا يجتهد في غصب نفسه عليها فإنه لا يمكنه أن يحصل عليها بنقاوة ويعتاد فعلها بطهارة.
لذلك على كل من يأتي إلى الرب بالصلاة أن يميل قلبه نحو كل صلاح بقدر طاقته, ويسأل الله الصالح والمحسن لأن النعمة الإلهية تحل عليه في ساعة الصلاة والتضرعات بالذات والذين يسألونه يمنحهم طلباتهم.
أما من كان خالياَ من الصفات السابقة ولم يحاول أن يغصب نفسه عليها ويتعودها ولم يمل بقلبه إليها, فإنه حتى وإن نال درجة من النعمة فإنه يعدمها لا محالة ويسقط في الكبرياء ولا يتقدم أو يترقى في النعمة الموهوبة له.
فكل من شاء أن يُرضي الله بالحق وينال منه النعمة السماوية وأن ينمو ويكمل في الروح القدس فعليه أن يغصب نفسه إلى وصايا الله كلها ويُخضع قلبه لها مهما كانت ضد مشيئته كما هو مكتوب لأجل هذا بإزاء كل وصاياك قومت نفسي وكل طريق ظلم أبغضت(مز 119 : 104)
فكما أن الإنسان عليه أن يسير بالتغصب والجهاد حتى يثبت في الصلاة إلى يتعود عليها, كذلك هو الحال في جميع أفعال الفضيلة, عليه أن يغصب نفسه إليها بعقل مطيع ويعَّود نفسه العادات الصالحة, ولا يكفّ عن مداومة الطلب و الصلاة إلى الله في كل وقت حتى وبعد أن ينال كل مشتهيات نفسه ويذوق الله ويصير شريكاً في الروح القدس إذ يلزم أن يجتهد في تربية الموهبة المعطاة له حتى يجعلها منيرة ويتأصل في التواضع والمحبة والوداعة.
والروح القدس نفسه يعلمه كل ذلك, ويعلمه الصلاة الحقيقية والمحبة والوداعة الصحيحة.الله ونسجد له بالروح والحق,حيث الروح ذاته يصلي فينا ويعلمنا ما ينبغي أن نصلي من أجله بالحق.
8- إن كان أحد عرياناً من الملابس الإلهية السمائية, التي هي قوة الروح القدس, كما قيل؛ إن كان أحد فيه روح المسيح وليس هو من خاصته فليبكِ متوسلاً بالصلاة إلى الرب حتى يهبه اللباس الروحاني السمائي. ليستر نفسه العارية من القوة الإلهية. فعار أن يكون غيره مكسواً بالروح وهو مكسو بعيب الشهوات الدنية.
الإنسان الأول لما رأي نفسه عرياناً خجل, فما أعظم فضيحة العري, فإن الجسد إذا تعرَّي هكذا يعَّرضنا لفضيحة كبري, فكم تكون النفس العارية من القوة الإلهية التي لم تكتسِ باللباس الأبدي الروحاني, الذي هو الرب يسوع نفسه.
لذلك فكل من كان غير مكتس بذلك المجد الإلهي, يجب عليه أن يستحي ويقر بفضيحته كما استحي آدم من عري جسده.... ويطلب من المسح ليكسوه بالمجد والنور ومع أتن آدم ستر نفسه بورق التين إلا أن خجله لم يفارقه لعلمه بفقره وعريه, هكذا ينبغي أن لا تنخدع النفس بزعمها أنها بارة وأن عليها لباس الخلاص وهي في الحقيقة قد علمت لنفسها غطاء من الأفكار الباطلة.
فإن استند أحد على برَّه ولم يطلب بر الله البر الحقيقي الذي هو يسوع المسيح الذي جعله الله لنا براً وقداسة وفداء كما قال الرسول(1كو30:1) فإن تعبه يصبح باطلاً ولا تكون له فيه ثمرة لأن كل بر الإنسان يصير في اليوم الأخير بمنزلة خرقة نجسة كما قال النبي(أش6:64)
فلنطلب إذن, من الله بتوسل وصلاة لكي نلبس الخلاص الذي هو الرب يسوع المسيح النور الفائق الوصف الذي إذا لبسته النفس لا ينزع منها قط.
وكما أن المرأة التي كانت معتلة بنزف الدم لما آمنت بالحق ولمست طرف ثوب ربنا شفيت حالاً ونشف ينبوع دمها النجس, كذلك كل نفس فيها جرح الخطيئة الذي لا دواء له, والذي تنبع منه الأفكار الخبيثة النجسة فإن أتت إلى المسيح بالصلاة بإيمان حقيقي فإنها تسترد صحتها وتخلص من ينبوع الشهوات الفاسدة الذي كان لا علاج له. لأن ينبوع الخطيئة الذي يخرج أفكاراً نجسة , لا ينقطع و يجف إلا بقوة المسيح فقط. وليس لأحد غيره قدرة على شفاء هذه البلوى... لأنه الطبيب الحقيقي الذي يشفي مجاناً, والذي بذل نفسه وسفك دمه وصنع فداءً لنفس وحررها من العبودية وأخرجها من الضربة العظيمة غير المنظورة أما شفاؤها فقد صار من قبل الطبيعة الإلهية وبموهبة الروح القدس, هذا هو دواؤها الذي أعاد إليها الصحة والطهارة والحياة. ولكن لو لم تأتِ المرأة بنفسها إلى الرب ما كانت شُفيت. والأعمى أيضاً, فمع أنه لم يستطع أن يمشي ويأتي إلى الرب بنفسه إلا أنه صرخ صرخة أشد- في قوتها- من المسير على الرب مستنداً على ذراع رسول, لأن الرب أته بنفسه وأعطاه البصر؛
هكذا النفس التي جُرِحت بشهوات الفساد والتي عميت بظلمة الخطيئة فهي لا تزال على كل حال لها إرادتها حتى تصرخ إلى يسوع وتناديه ليأتي إليها بنفسه ويصنع لها فداء أبدياً.
فإن كان الرب عند مجيئه على الأرض اعتني بالأجساد الفاسدة , فكم بالحري يعتني بالنفس غير المائتة المخلوقة على صورته؟
فلنؤمن به, إذن ولنأتِ إليه بالحق ليُتم فينا عمله الشافي لأنه وعد بأن يعطي روحه القدس للذين يسألونه, ويفتح للذين يقرعون وان كل الذين يطلبونه حتماً يجدونه والذي وعد لا يكذب, له المجد والقدرة إلى الأبد آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق