بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
أسألك يا أخي بماذا تهتم؟ ما هى الأولويات في إهتماماتك؟ لاشكَّ أنه حسب إهتمامك يكون حماسك، ويكون عملك وتكون إرادتك. والسؤال الخطير هو: هل كل إهتماماتك بحياتك الأرضية، أمْ بمصيرك الأبدي في العالم الآخر؟ إنه حسب إهتمام كل واحد، هكذا تكون حياتك.
وأنت مثلاً حينما تستيقظ كل يوم، بماذا يكون إهتمامك؟ هل تهتم بالاستعداد للذهاب إلى عملك، فتشغل كل وقتك بذلك؟ أم إهتمامك الأول هو كيف تبدأ اليوم مع الرب، فيكون اللَّه أوَّل مَن تتحدث إليه في صلاة أو تأمُّل ... أم تقول ليس لديَّ وقت للصلاة! ويقيناً لو وضعت الصلاة والتَّأمُّل في قمة إهتمامك، لأمكنك أن تجد لهما وقتاً.
+ حتى في الحياة الروحية ... كثيرون يجعلون قمة الإهتمام في النشاط والحركة. وليس في روحانية العمل. ففي الخدمة الإجتماعية مثلاً قد نجد نفس الظاهرة: الإهتمام الوحيد هو العناية بالفقراء مادياً، سواء في المساعدات المالية، أو في مشاكل المرض أو الإسكان وما إلى ذلك. ويندر أن نعطي إهتماماً حقيقياً بروحيات هؤلاء المحتاجين!
ونفس الوضع في عناية الأسرة بالطفل: نرى الإهتمام الأول للأب والأم هو تربية أطفالهما من جهة الإهتمام بصحة أولادهما، وأكلهم وشربهم ولبسهم، وأيضاً بتعليمهم وإعدادهم لوظائف لائقة .. ثم بعد ذلك تزويجهم ... وفي كل ذلك لا تهتم الأسرة بإعطاء الأطفال الغذاء الروحي اليومي، مثلما يهتمون بغذائهم الجسدي. بينما كل أب مسئول عن تربية أبنائه روحياً، وكذلك الأم مسئولة ... وعلى الرغم من عدم تربية الأولاد روحياً، يقول كل من الأب والأم
" أشكرك يارب، إني أديت رسالتي من جهة أبنائي. الآن ضميري استراح من جهتهم!! ".
+ مثال آخر يحدث في حالة الخصم والخصومة: هل إذا كان لك خصم، يكون إهتمامك الأول أن تُحطِّمه أم أن تحاول أن تكسبه؟! إنه حسب إهتمامك سيكون تصرفك معه.
+ نتطرق أيضاً إلى إهتمام كل شخص بنفسه: الإهتمام هو في شهوات جسده كيف يُحقِّقها؟! أم إهتمامه في أموره المالية كيف ينميها يوماً بعد يوم؟ أم إهتمامه في الوصول إلى السُّلطة بأية الطُّرُق؟! أم إهتمامه في أن يكون له مركز إجتماعي ينال به إحترام الناس وإعجابهم؟! وفي كل ذلك قد يختفي من إهتمامه كيف يقتني الفضائل واحدة بعد أخرى! وأيضاً لا يكون من إهتمامه أن يضبط نفسه بالطريقة التي لا يخطئ بها أبداً ... عجيب أن الناس لا يهتمون بهذا الأمر أبداً.
+ البعض أيضاً يهتم بمُجرَّد الراحة النفسية، له ولغيره، حتى لو لم تكن على أساس روحي! فالأم مثلاً قد تضع في اهتمامها الأول أن تكسب محبة ابنها، وأن تريحه لكي يريحها، ولو كان ذلك على حساب روحياته! فتدللَه وتعطيه كل ما يطلب، وتُغطي على أخطائه، ولا توبِّخه على خطأ خشية أن تفقد محبته!! فينشأ الولد مُدلَّلاً ويفسد. لأن أمه لم تضع في إهتمامها أن تقوده في الطريق السليم، حتى ولو وجد حيناً، حتى ولو وقفت ضد إرادته الخاطئة، ثم تقنعه وتصلحه وتصالحه. إنها إن إهتمت براحة نفسيته، وليس بروحياته، ستفقده أبديته ... بل حتى في حياته الإجتماعية سيفشل. لأنه سيخرج إلى المجتمع فلا يجد نفس التدليل الذي إعتاده في البيت، فيتعب. وتكون التربية المنزلية قد أضرت به نفسياً، ولو بعد حين.
+ كذلك نرى الإهتمام بحالة المريض النفسية، وليس بمصيره الأبدي،! وبألوان كثيرة من الكذب والخداع، يُخفي عنه حقيقة مرضه خوفاً على نفسيته ومعنوياته التي توضع في قمة الإهتمام ... إلى أن يُفاجئه الموت، ويموت بدون إستعداد، ويهلك ...! بينما المفروض في الأمراض الميئوس منها أن يعد المريض لأبديته وبحكمة، لست أنصح أن تكاشفه بحقيقة مرضه إن كان لا يحتمل. إنما أن نضع في قمة إهتمامنا أن نعده روحياً بكل حكمة تقوده إلى الحياة مع اللَّه، وليس بسبب الخوف من الموت ... إنما بأسلوب إيجابي مؤثِّر وبكل وسائط النعمة المتاحة.
+ هناك سؤال أساسي نعرضه في موضوع الإهتمام: هل أنت تركز كل إهتمامك بنفسك، أم تهتم بغيرك، ولو فضلته على نفسك؟ هل إهتمامك الأول هو ذاتك؟ أم أنت تخرج من دائرة الذات، لتهتم بالآخرين ... إهتماماً من عُمق قلبك، تصل فيه إلى العطاء والبذل، إلى حد بذل النفس أيضاً ... هل تهتم براحتك أم براحة غيرك؟ وهل في إهتمامك براحتك، لا مانع لديك أحياناً أن تبني راحتك على تعب الآخرين؟! كالأسرة التي تطلب من عائلها طلبات فوق إحتماله، وترهقه وتحرجه وتربكه، ولا تبالي! أمَّا الروحيون والمصلحون فقد جعلوا إهتمامهم الأول يتركَّز في المجتمع الذي يعيشون فيه. كما يهتمون أيضاً بالوطن كله، وبالعالم البشري أيضاً كالمساهمة في راحته وفي تخفيف أتعابه. وهكذا ظهرت هيئات وجمعيات هدفها إنقاذ الآخرين أو إعانتهم من كل ناحية ... مثل الهيئات العالمية للصحة، ولتربية الأطفال، ولإنقاذ العالم من الجوع والكوارث والمشكلات الإجتماعية، والهيئات التي تجاهد للمحافظة على حقوق الإنسان.
+ ونرى للأسف أنه أحياناً يكون كل إهتمام الشخص أن يصل إلى طلب ما. وربما لا يكون غرضاً روحياً، ولا غرضاً إحتماعياً. إنما هو لإثبات الذات ووجودها أولارتفاعها بطريقة ما. وفي سبيل الوصول لهذا الغرض، لا يهتم بالوسيلة ماذا تكون؟ بريئة أو غير بريئة، صالحة أو مدمِّرة. ولا يبال إن كانت وسيلة خاطئة! إنه تركيز الإهتمام كله في الوصول إلى الغرض حتى ولو ضيَّع الإنسان نفسه! وكم من أشخاص بإهتمامهم بأغراضهم قد وصلوا إلى الجريمة أو إلى إضاعة الغير. وعجيب أن بعض المهتمين بالإصلاح، قد يهتم بملء عقول سامعيه بالمعلومات، دون أن يهتم بروحياتهم أو أبديتهم!!
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق