بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
العدالة الإجتماعية هى من أسمى القيم التي يحرص عليها العالم المتحضر، بل كانت موجودة منذ بداية الخليقة. وقد نادى بها الأنبياء والرسل والمصلحون والمفكرون الأحرار في تفكيرهم. وينادي بها رجال الدين على إختلاف مذاهبهم.
+ والعدالة الإجتماعية تنادي بالمساواة وعدم التمايز. على أننا سنناقش هذه النقطة أيضاً. فأول من نادى بالتمايز والتفريق، هم اليهود الذين قالوا بفكرة "شعب الله المختار". أما باقي الشعوب الأخرى، فكانوا يدعونهم "الأمم" Gentiles أي الأجناس الأخرى. على أن عبارة
"شعب الله" أصبحت الآن تعني كل من يؤمن بالله في أرجاء المسكونة كلها.
على أن هناك تفريقاً آخر في علم Anthropology ( أي علم الإنسان ) الذي يضع الجنس الأبيض Nordics فوق باقي الأجناس، وفي قمته الجنس الآري. وهكذا يفرّق بين شعوب الشمال والجنوب بصفة عامة في أصلها.
+ ومن جهة العدالة الإجتماعية، نحن نشكر الله على أنه قد أنقضى زمن الرق، حيث كان الإنسان يستعبد أخاه الإنسان، أو يشتريه ويتخذه له عبداً، ويتصرف فيه كما يشاء. وإن شاء أن يبيعه لغيره، أو حتى أن يقتله، فمن حقه ذلك! وهكذا كانت معروفة عبارة "العبد والسيد". ولا ننسى في هذا المجال، أن يوسف الصديق بيع كعبد!
ومع أن الرق قد زال، إلا أننا ـ للأسف الشديدـ نرى بعض الكبار يعاملون الذين تحت أيديهم كعبيد! بينما الكل ينادون: قد خلقنا الله أحراراً، فلا يستعبدنا أحد...
+ ومن جهة العدالة الإجتماعية، نتكلم أيضاً في موضوع الإقتصاد والمال: إن الله حينما خلق الأرض، أوجد فيها من الخير ما يكفي سكانها جميعاً. ومازالت خيرات الله قائمة لا تنضب. ولكن المشكلة القائمة باستمرار، هى في سوء التوزيع. وهذا الأمر له جوانبه العديدة، منها ما يختص بالأفراد، ومنها ما يختص بالمجتمع كله.
+ من المعروف أن الحياة الاشتراكية تهدف إلى إزالة الفوارق الإجتماعية، أو التقريب بين الناس، فلا تزيد الهوة في المستويات بين أفراد الشعب الواحد.
على أننا يجب أن نميز بين الشخص الذكي صاحب المواهب الذي يستطيع أن يُنمي رزقه، وإن دخل في مشروع ينجح فيه، وبين شخص غيره لا ذكاء له ولا نشاط وهو الذي يتسبب في فقره. وليس من العدالة الإجتماعية المساواة بين ذكي وغبي، أو بين نشيط وخامل، وبين صاحب مواهب ومن لا مواهب له! إنما كل واحد ينال من الأجر حسب قدرته على العمل والإنتاج.
+ إذاً لابد أن توجد في المجتمع طبقات. ولكننا لا نريد أن تكون الهوة واسعة بين أعلى الطبقات وأدناها، بحيث تختفي أحياناً الطبقة الوسطى! ويتكون المجتمع من كبار الأغنياء وأدنى الفقراء!
وفي كل ذلك لا يعقل إطلاقاً أن يكون الجميع في مستوى واحد. وإلا فلماذا إذاً أن يتعب من يتعب، ويجاهد من يجاهد؟! وإلا أيضاً ستزول الحوافز الداخلية، ويشعر المرء أنه تعب أو لم يتعب، فالأمر سيان!!.
+ على أننا في وجوب العدالة الإجتماعية نتحدث عن الفقير رغم أنفه، الذي يريد أن يعمل ولا تتاح له فرصة للعمل، أو الذي يكافح حتى ينتهي من دراسته الجامعية، ثم يصطدمه مشكلة البطالة!! حقاً لا نقول إن هذا ذنبه، إنما هى خطيئة المجتمع الذي لا يوجد له عملاً ولا رزقاً.
+ ثم هناك أيضاً مشكلة الذين يريدون أن يتعلموا، والفرصة لا تتاح لهم كثيراً. لأن عبارة
"مجانية التعليم" التى نادت بها الدولة قديماً، أصبحت لا توجد في الواقع العملي. وضاعت عبارة الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، حينما قال وهو وزير للتعليم "إن العلم لازم كالماء والهواء".
+ حقاً ماذا يفعل الإنسان العادي، أمام مشكلة المصروفات المدرسية التي ترهقه في تعليم أبنائه، ومشكلة الدروس الخصوصية أو المجموعات، وبوجه خاص في مدارس اللغات؟!
بالإضافة لذلك كله، إن مشكلة "أطفال الشوارع" هى عار في جبين العدالة الإجتماعية، ومعها النسبة الكبيرة ممن صُنفوا بإنهم تحت مستوى الفقر. ويدخل معهم كثير من سكان النجوع، الذين لا يجدون ضروريات الحياة من كافة نواحيها.
+ إن الدولة مسؤولة أمام الله والناس على رعاية كل الشعب من جهة المأكل والمشرب والملبس والمسكن، وأن تكفل لهم حياة لا يشعرون فيها بالعوز ومذلة الإحتياج... وهنا نتعرض لمشكلة غلاء الأسعار وعدم كفاية مستوى الأجور لتغطيتها. ومعروف أن ثمن الطعام هو نفس ثمنه بالنسبة للفقير والغني. من يأتي الفقير بطعامه وطعام أولاده؟!
+ كذلك فأن مبدأ (تكافؤ الفرص) هو من أهم مبادئ العدالة الإجتماعية. وهو بلا شك يتنافى مع ما يحدث في المجتمع من المحاباة والمحسوبية والتمييز وعد المساواة في التوظيف وفي الترقية. وكلها تدخل تحت موضوع الظلم الإجتماعي الذي لا تقره العدالة الإجتماعية.
+ وهنا ندخل في موضوع [الاشتراكية] وما معناها... هل تعني اشتراكنا معاً في كل الحقوق السياسية، وفي كل الحقوق الإجتماعية، وإشتراكنا في خير هذا الوطن وفي مصيره؟ أم أن عبارة (الاشتراكية) أصبحت بلا مفهوم واضح؟ وأخشى أن تلحقها أيضاً كلمة (المواطنة) فتصبح هى الأخرى كلمة بلا مفهوم واضح! وأيضاً "العلاج على نفقة الدولة"! فكثير من أفراد الشعب حالياً ليست لهم قدرة على مواجهة بعض الأمراض، سواء من جهة تكاليف العلاج أو ثمن الأدوية. وكل هذا ضد العدالة الإجتماعية.
+ إننا نشجع ما تفعله الجمعيات الخيرية، والهيئات التعاونية، وما تقوم به الملاجئ، ودور الإيواء، وجمعيات الإسعاف. وأيضاً ما تقوم به الأيدي السخية في العطاء. كل أولئك لمساعدة الدولة فيما تعمله من جهة رفع الأجور، وما تنوي أن تعمله كلما أتيحت لها إمكانيات أكثر.
ونصلي من أجل أن تسود العدالة الإجتماعية في كل موضع، حتى تصبح عدالة كاملة شاملة بقدر المستطاع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق