مفهوم الصبر
توجد لكلمة الصبر في اللغة العربية مرادفات ومعاني عديدة منها :المثابرة، الأناة، التأني، التسامح، التجلّد، المجالدة، ضبط النفس، تمالك النفس والأعصاب، كظم الغيظ ، سعة الصدر، التروي . والصبر ثمرة من ثمار الروح القدس التي تحتاج الي جهاد ومعرفة في أقتنائها ،كما انها لا تعني عدم العمل او الركون لتدخل الله في حل المشكلات دون البحث في حلها واتخاذ افضل الوسائل للوصول للحل او علاج وانهاء المشكلات التي نواجهها في حكمة وقوة وجهاد وعمل بتأنى .
وذلك يعني انه يجب أن نفكر قبل كلّ عمل نُقدم عليه. نفكر أولا ثمّ نعمل.من أجل ان يدرك الإنسان ما يدور حوله ويعرف ما الذي يساعده وما الذي يعيقه، ما الربح وما الخسارة من وراء كلّ عمل يقوم به. قد نجد البعض يستعجل في الردّ على كلّ كلمة أو نظرة أو حركة من الغير. وردّهم هذا يمكن أن يكون وبالاً عليهم. وبالصبر ينبغي أن يترووا وأن يفكّروا قبل القيام بأي عمل وأن يتعوّدوا ضبط أعصابهم وكبح جماح أنفسهم حتى ان سمعوا ما لا يرضيهم فيكون تعاملهم بروح التسامح وسعة الصدر.
الله يطيل أناته ويصبر عليك لتتعلم
عزيزى .. الله يطيل أناته ويصبر على أخطائك فهل تطيل أناتك وتصبر على أخطاء الآخرين أليك . ان الله يُطيل أناته على الخطاة والجاحدين ، ومن أجل طول أناته لم يهلك البشر ولم يفنى العالم بكثرة شره بل أرتفع على الصليب ليحمل عقاب خطايانا وفتح ذراعية قائلاً { تعالوا إلى يا جميع المتعبين وثقيلى الأحمال وأنا أريحكم} لقد قاد الله بصبرة وطول أناته كثيرين إلى التوبة ومن أجل طول أناته يشرق شمسه على الأبرار والأشرار.
وانت عندما تواجه آخرين فيتصرفوا معك بدون لياقة وبعدم احترام فأضبط نفسك ولا تفقد رجاءك فيهم ، بل بطول أناتك أكسبهم وأعلم أن رابح النفوس حكيم ، والمثل يقول "أن قطرات من العسل تصطاد من الذباب أكثر مما يصطاده برميل من العلقم" فليكن لك الروح الوديع وسعه الصدر ولا تتبرم وتتذمر وأصبر . عندما كان داود النبى مطارداً من أمام أبنه أبشالوم أخذ أحد العامة يسبه وهو يلقى عليه بالأحجار فقال قائد جيش لداود : دعنى أقتله فرفض داود فى صبر وتواضع قائلاً : لا.. دعه لينظر الله إلى أتضاع عبده. ومن أجل تواضع داود رده الله إلى مملكته وأهلك أعدائه. وأنت أعلم أن الله يقاتل عنك وأنت صامت فلا تقابل الأخطاء بالأخطاء فالنار لا تطفأ بالنيران بل بالماء.أحتمل الافتراءات ولا تنتقم لنفسك والتمس الأعذار للناس كضعف بشرى يحتاج إلى العلاج والوقوف مع من يسئ إليك في خندق المحبة والتأنى والترفق به ولا تفقد الأمل في الإصلاح وسيأتى اليوم وستجنى ثمر الصلاح.
ثمار الصبر فى حياتنا
الصبر أساس الصداقات الناجحة والدائمة والدرع الواقى لمنع الخصومات ولذلك قال سليمان الحكيم "الرجل الغضوب يهيج الحقد ، وبطء الغضب يسكن الخصام" (1م 5 : 19). فإن أردت أن تحيا سعيداً وتعمر مديداً لا تغضب وكن صبوراً لكى لا تحطم سعادتك بيديك فالإنسان الهادئ يجلب السعادة لنفسه ، ولمن حوله ،ولمن يتعاملوا معه ويكون قوياً يستطيع أن يتعلم ويعطى من نفسه قدوة تبنى الآخرين. وثق صديقى أن مالك نفسه خير من مالك مدينه وضع أمامك أن طول الأناة والصبرمن صفات الله التى يجب أن نتعلمها. {بصبركم اقتنوا أنفسكم} (لو21: 19).وقال ميخا النبي {أصبر لإله خلاصي} (مي7: 7).وقال داود النبي {انتظر الرب واصبر له} (مز37: 7)وقال يشوع ابن سيراخ { انتظر بصبر ما تنتظره من الله لازمه و لا تتردد لكي تزداد حياة في اواخرك}(سيراخ 2 : 3)وقد صبر داود على حروب شاول 39 سنة، حتى مات واستراح من رذائله وحل محله.وقال القديس يعقوب الرسول: { قد سمعتم بصبر ايوب ورأيتم عاقبة الرب} (يع 5: 11) لقد صبر أيوب على التجربة فاسترداد ماله وابنائه وصحته وسمعته وباركه الله .وقال القديس بولس الرسول {أنا أصبر على كل شيء}(2تي2: 10).كما قال للكل: {إنكم تحتاجون إلى الصبر} (عب10: 36). وأيضاً {صابرين في الضيق} (رو12: 12) . ومع الصبر ستنتهى الضيقة بالانتصار والفرج .
وامتدح فضيلة الصبر لشعب كنيسة تسالونيكي وقال: {متذكرين عمل ايمانكم، وتعب محبتكم، وصبر رجائكم في ربنا يسوع المسيح} (1تس1: 3) وأكد الرسول على أن الإنسان المحب والمتضع يصبر على ضعفات الناس ملتمساً لهم العذر كبشر (1كو13).وتحدث سفر الرؤيا عن صبر القديسين والشهداء، على ظلم الأشرار، واضطهاداتهم الظالمة حتى نالوا أكاليلهم في النهاية (رو5: 3)، (يع1: 3) وينبغي علينا أن نصبر مثلهم (1بط2: 20) لنكون معهم، كما قال القديس بولس {بالإيمان والأناة (الصبر) يرثون المواعيد} (عب6: 12). { إنكم تحتاجون إلى الصبر، حتى إذا صنعتم مشيئة الله (الصبر) تنالون المواعيد} (عب10: 36). فالله يسند الصابر الشاكر، ويغضب من المتذمر.وشدد بولس الرسول على أن يكون كل الخدام – على كافة درجاتهم – صبورون في التعامل مع مرضى الروح (الخطاة) (1تي6: 11). وأن يرتضوا باحتمال الآلام والضيقات بصبر وشكر (2كو6: 4، 12: 12) حتى تعبر. ويكفينا وصية الرب نفسه لنا {بصبركم تقتنون أنفسكم } (لو19:21)
أبونا إبراهيم وعابد الأصنام
جاء عن اب الأباء ابراهيم فى التقليد اليهودى أن ضيفاً قدم اليه يوماً فرحب أبينا إبراهيم بالضيف وذبح له عجلاً وأعد الأطعمة.وقبل ان يأكلا ويبيتا طلب منه الصلاة معاً ، فالسفر في الغابات خطر ويعرض الضيف للحيونات المتوحشة .. وقبِل الشيخ ذو الستين ربيعاً وعندما طلب أبينا إبراهيم من الضيف أن يصليا أخرج الضيف وثناً من جيبه وأخذ يصلى إليه ويسجد له ! هنا قال له أبينا إبراهيم إن هذا خطأ لأن هناك الله خالق السماء والأرض له نسجد ونصلى هنا لم يقبل الضيف نصيحة رجل الإيمان وأستمر في صلاته وإذ بأبينا إبراهيم يحتد عليه ويطرد الشيخ من عنده لأنه عابد وثن وفي ذات الليلة كلم الله أبينا إبراهيم معاتباً قائلاً "يا إبراهيم ستون سنه وأنا محتمل الرجل صابراً عليه .. أما قدرت أن تصبر عليه ليلة واحدة".
أن الحب والصبر يصنع المعجزات والاحتمال يقيم الأموات والغضب لا يصنع بر الله.
ولو صبر أبينا إبراهيم على الرجل وقدم له حباً لربما تغير الرجل وعبد الرب اله إبراهيم من أجل محبة إبراهيم وكرم ضيافته وحسن استقباله.
هنا واذكر ما ورد في بستان الرهبان عن الأنبا مقاريوس وتلميذه عندما قابلهم كاهن وثن في إحدى المرات وكان التلميذ يتقدم معلمة في الطريق عندما قابل كاهن الوثن فلعنه بأوثانه وهنا أمسك كاهن الوثن التلميذ وضربه وتركه، وعندما قابل كاهن الوثن القديس ابو مقار قال له القديس تصحبك الشدة يارجل النشاط وكلمة كلام طيب تغير كاهن الوثن من معاملة القديس مقاريوس وامن بالمسيح علي يد القديس مقاريوس فلنطل أناتنا علي الآخرين وليكن لنا صبر علي اخوتنا وطوبي للرحماء فانهم يرحمون .
الصبر فضيلة نجاهد لاقتنائها..
الصبر عطية إلهية، منحة من الآب السماوي لكنه ايضا فضيلة نحتاج ان نكتسبها بالتعلم والجهاد الروحى لنكون حلماء ودعاء لا نثور ولا نغضب ونفكر قبل ان نتكلم ونتصرف ، فبالصبر ومحبة الإخوة تنتصرون على تجارب الحياة المستمرّة. عندما يُفتَقَد الصبر، يخمد صلاح النفس وتنمو الخطيئة. الصبر يزيّن النفس بماسات ليست من الأرض بل من أورشليم العلوية. الصبر يزيد من طاعة الكلمات الإلهية التي كُتِبَت في الماضي، وتُكتَب الآن، وسوف تكتَب في المستقبل. الصبر هو المحبة والطاعة. مارسْ الصبر بمحبة أخيك. مارسْ الصبر لتنفع نفسك. يزيد الصبر عندما يهتمّ الإنسان بالله . الصبر هو كلمة عذبة، نَفَس لطيف، سلاح لا يُغلَب، زينة لا تُقَدَّر للرجل، بركة من الله ، الإنسان الصابر، ينتظر بإيمان تدخل الرب في المشاكل وحلها في الوقت المناسب. فالإيمان يقود إلى الإنتظار، وتسليم الأمر لله إلى أن يشاء الله، ويقدم الشكر مقدماً، ويحصل المؤمن على الرجاء (رو15: 4) الذي يجعله لا يتذمر، بل يشكر باستمرار، فينال ثمر صبره (لو8: 15).ويؤيد هذا الكلام الأمثال الشعبية القائلة "اصبر تنول" ، "الصبر طيب"، "الصبر مفتاح الفرج". والصبر دعا إليه الرب يسوع الذي كان مثالاً للصبر العملي والطويل وقال: "الذي يصبر إلى المنتهى، فهذا يخلص" (مت 10: 22)،
ويمتليء الكتاب المقدس بنماذج رائعة من الصابرين الشاكرين المنتظرين لوعود الله مهما طال الزمن. مثل أيوب الصديق (يع5: 11) وسمعان الشيخ (لو2: 25) وبولس الرسول وغيرهم كثيرين. فهل نكون مثلهم؟ أم نتذمر ونتعب نفسياً وروحياً وبدنياً؟
وما أكثر أضرار عدم الإحتمال الناتج من عدم فهم الطبيعة البشرية الضعيفة وعدم اللجوء إلى الوسائط الروحية الفعالة لتهدئة الأعصاب (غل5: 22-23)وعلينا ان نعرف جميعاً أن الصبر مُر. ولكن نهايته راحة وفرح، بينما نفاذ الصبر، وعدم الإحتمال، مدعاة لغضب الله، ومجلبة لأمراض كثيرة نفسية وعصبية وبدنية، واسأل عديمي الصبر، وما أصابهم من عدم احتمالهم وتذمرهم وغضبهم . وتذكر قول يعقوب الرسول: "ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب، ورأيتم عاقبة الرب" (يع5: 11).فأصبر واشكر وانتظر فرج الرب، الذي سوف يأتي في الوقت المناسب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق