14‏/06‏/2011

- الأستجابة للدعوة الإلهية | للأب القمص أفرايم الأورشليمى



دعوة الى التبعية و التلمذة للرب ..

+ ذات يوما دخل السيد المسيح الى سفينة بعض من تلاميذه فى بحيرة طبرية وصار يُعلم ، حتى تعجب التلاميذ والجمع من تعاليمة . لانه كان يعلم بسلطان ومن قلب محب يسعى لخلاص المستمعين وتنوير اذهانهم وأشباع ارواحهم بكلام الحياة . كان التلاميذ قد قضوا ليلتهم يصارعون الأمواج والرياح ولم يصطادوا شيئاً، قال لهم الرب لما فرغ من التعليم ، ان يدخلوا للعمق ويلقوا شباكهم للصيد . ولان التلاميذ وثقوا فى معلمهم الصالح ، تعالوا نرى ماذا حدث : { فدخل احدى السفينتين التي كانت لسمعان و ساله ان يبعد قليلا عن البر ثم جلس و صار يعلم الجموع من السفينة. و لما فرغ من الكلام قال لسمعان ابعد الى العمق و القوا شباككم للصيد. فاجاب سمعان و قال له يا معلم قد تعبنا الليل كله و لم ناخذ شيئا و لكن على كلمتك القي الشبكة. و لما فعلوا ذلك امسكوا سمكا كثيرا جدا فصارت شبكتهم تتخرق. فاشاروا الى شركائهم الذين في السفينة الاخرى ان ياتوا و يساعدوهم فاتوا و ملاوا السفينتين حتى اخذتا في الغرق. فلما راى سمعان بطرس ذلك خر عند ركبتي يسوع قائلا اخرج من سفينتي يا رب لاني رجل خاطئ. اذ اعترته و جميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي اخذوه.و كذلك ايضا يعقوب و يوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان فقال يسوع لسمعان لا تخف من الان تكون تصطاد الناس. و لما جاءوا بالسفينتين الى البر تركوا كل شيء و تبعوه} لو 3:5-11.

+ ترك الرسل صيد السمك وتبعوا المخلص فى دعوته للدخول الى العمق ليجعلهم صيادى الناس الى الإيمان وإلي ملكوت الله السماوى حتى انه بعظة واحدة من القديس بطرس أنضم ثلاثة الأف نفس الى الإيمان { فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم و قالوا لبطرس و لسائر الرسل ماذا نصنع ايها الرجال الاخوة. فقال لهم بطرس توبوا و ليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس.لان الموعد هو لكم و لاولادكم و لكل الذين على بعد كل من يدعوه الرب الهنا. و باقوال اخر كثيرة كان يشهد لهم و يعظهم قائلا اخلصوا من هذا الجيل الملتوي.فقبلوا كلامه بفرح و اعتمدوا و انضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة الاف نفس.و كانوا يواظبون على تعليم الرسل و الشركة و كسر الخبز و الصلوات} أع 37:2-42. اننا ونحن نبتدي صوم الاباء الرسل فاننا نصلى من أعماق قلوبنا ليتمجد الله فى حياة كنيستنا وخدامها ومخدوميها ، ليملأ الروح القدس حياتنا بالثمار الصالحة الكثيرة من أجل خلاصنا وسعادتنا، ومن أجل ان نكون سامعين وعاملين بكلام الله حتى لا نتزعزع فى التجارب والضيقات { كل من ياتي الي و يسمع كلامي و يعمل به اريكم من يشبه، يشبه انسانا بنى بيتا و حفر و عمق و وضع الاساس على الصخر فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر ان يزعزعه لانه كان مؤسسا على الصخر }(لو 6 : 47، 48).

+ حينما تُغلق الأبواب في وجوهنا ونظن أن حظنا سيئ أو عندما نتعب فى العمل او التعامل او الخدمة ولا نجد المقابل أو التقدير فلا نحزن بل لنصلى بعمق ونفتح قلوبنا أمام السيِّد ونقدِّم له سفينة حياتنا ليدبرها حسب مشيئته الصالحة، فيردّ لنا "بهجة خلاصنا"، مقدّما لنا ثمارًا روحيّة دون حرمان حتى من ضرورات الحياة الزمنيّة . لقد اختبر التلاميذ لذَّة صيد السمك، الأمر الذي يعرفه هواة الصيد، وكما يقول المثل ( صيد السمك ولا أكله) ان الله قادر ان يرفعنا إلى سعادة أعمق، وأجر سمائي أعظم لصيد النفوس لتخرج من بحر هذا العالم الى معرفة وأتحاد بالملك السمائي ؛ هذه الخبرة ما كان يمكنهم أن يتذوقوها ما لم يصطادهم السيِّد نفسه في شبكته ويدخل بهم إلى سفينته، الكنيسة المقدَّسة.

+ قد تتعب الليل كله دون ثمر لان شمس البر ليس بسفينة حياتك او يريد ان يعلمك الصبر ، أو انه يجب تختفى انت ليظهر هو ، أو حتي لتعرف ان تضع الطعم الجيد الذى يناسب السمك فى سنارة خدمتك أو لأختبار أيماننا { يا لعمق غنى الله و حكمته و علمه ما ابعد احكامه عن الفحص و طرقه عن الاستقصاء }(رو 11 : 33). نحن نحتاج لحياة العمق والتسليم والأتكال على الله كما الصيادين ، فلقد غسل التلاميذ شباكهم إذا انقضى الليل كله بلا صيد، ليبقوا نهارهم في مرارة يصلحوا الشباك ليعاودوا الصيد من جديد في الليلة الجديدة، ولم يدرك هؤلاء الصيَّادون أن فشلهم هذا كان بسماحٍ من الله لأجل نجاح أبدي وزمني أيضًا. فإنَّ كانت السفينتان قد فرغتا تمامًا من السمك، إنما لكي لا ينشغل الصيَّادون بجمعه وفرزه وبيعه بل يستقبلون السيِّد في السفينة ليستخدمها منبرًا للتعليم، يصطاد خلاله الصيَّادين وجمهورًا من الشعب، وعندئذ لا يحرمهم حتى من السمك، إذ يسألهم أن يلقوا شباكهم للصيد فتمتلئ السفينتان حتى أخذتا في الغرق. هذه الخبرة عاشها أيضا معلِّمنا بولس الرسول الذي اصطادته شبكة مراحم الرب فلم يكف عن إلقاء الشبكة ليصطاد هو بنعمة الله الكثيرين ، إذ يقول: "لنا هذه الخدمة كما رُحمنا لا نفشل" (2 كو 4: 1). فلا تفشلوا انتم يا أحبائى { لان الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة و المحبة و النصح }(2تي 1 : 7). بل ثقوا فى مراحم وعمل نعمة ربنا فى حياتكم وخدمتكم ونحن علينا ان نزرع زرع البر والله هو القادر ان يُنمى ويأتي بالثمار .



أستجابتنا للدعوة الإلهية

+ لقد رأى معلِّمنا بطرس الرسول الصيد الكثير، فلم يهتم بالصيد في ذاته، إنما بالأكثر استنارت أعماقه منجذبًا لشخص المسيَّا صاحب السلطان على السماء والأرض والبحار ، فسجد له على ركبتيه، وشعر بمهابة تملأ أعماقه مكتشفًا خطاياه الداخليّة أمام رب السماء والأرض، فصرخ قائلاً{أخرج من سفينتي يا رب، لأني رجل خاطئ} لم يقوَ على إدراك هذا النور الفائق، وشعر بالعجز عن الدنو من هذا القدِّوس معترفًا بخطاياه. لقد صرخ "أخرج من سفينتي" إحساسًا بالمهابة الشديدة، فاستحق في تواضعه وإدراكه لضعفه أن يدخل الرب أعماق قلبه ويقيم فيه مملكته. وكما يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: (ليس شيء مقبولاً لدى الله مثل أن يحسب الإنسان نفسه آخر الكل. هذا هو الأساس الأول لكل الحكمة العمليّة). ولم يكن تواضع بطرس الرسول كلامًا أو عاطفة بل هو تفاعل مع العمل الحيّ الإيجابي، إذ قيل عنه وعن زملائه: { ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر، تركوا كل شيء وتبعوه} تركوا كل شيء ليكرَّسوا كل القلب لمن أحبوه، بالعبادة الحقيقية والكرازة. وكأن التواضع ليس مجرد شعور بالضعف، إنما هو الارتماء في حضن العريس السماوي ليعيش الإنسان بكل قلبه وطاقاته لحساب العريس وبإمكانيَّاته.

+ ان الله يدعو كل واحد منا قائلاً { اتبعني انت }(يو 21 : 22). وهى دعوة شخصية لكل واحد منا ان نتبع الرب بكل قلوبنا ونسير خلفه حاملين الصليب بفرح وشكر { تعال اتبعني حاملا الصليب }(مر 10 : 21). ان تبعيتنا لله تجعلنا له تلاميذ نتعلم ونتتلمذ على إنجيله وننقاد بروحه القدوس ، نتغير عن شكلنا بتجديد اذهاننا وارواحنا لنعرف ارادة الله ونصنعها فى محبة صادقة، واثقين فى قدرته على قيادتنا فى دروب الحياة كقائد عظيم منتصر . كما جاء قديما عن كالب فى ثقته بتنفيذ وعد الرب { ان جميع الرجال الذين راوا مجدي و اياتي التي عملتها في مصر و في البرية و جربوني الان عشر مرات و لم يسمعوا لقولي. لن يروا الارض التي حلفت لابائهم و جميع الذين اهانوني لا يرونها. و اما عبدي كالب فمن اجل انه كانت معه روح اخرى و قد اتبعني تماما ادخله الى الارض التي ذهب اليها و زرعه يرثها} (عد 14 : 24). نحن نتبع الرب واثقين انه كرس لنا الطريق الى الاقداس بدمه ليقودنا على الارض ويصل بنا الى ملكوته السماوى { فاذ لنا ايها الاخوة ثقة بالدخول الى الاقداس بدم يسوع. طريقا كرسه لنا حديثا حيا بالحجاب اي جسده.و كاهن عظيم على بيت الله. لنتقدم بقلب صادق في يقين الايمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير و مغتسلة اجسادنا بماء نقي. لنتمسك باقرار الرجاء راسخا لان الذي وعد هو امين} عب 19:10-23.

+ احترسوا اذاً يا أحبائي ولتكن قلوبنا كالأرض الصالحة نسمع ونفهم ونعمل ونأتي بالثمار الكثيرة ، نعمل على تنقية قلوبنا من زرع الشرير والأفكار غير النافعة ولا نعثر او نشك فى محبة الله من أجل ما نراه من أضطهادات وضيقات ولا ندع مشاغل الحياة أو غرور الغنى تخنق فينا كلمة الله وعملها داخل القلب { فاسمعوا انتم مثل الزارع. كل من يسمع كلمة الملكوت و لا يفهم فياتي الشرير و يخطف ما قد زرع في قلبه هذا هو المزروع على الطريق.و المزروع على الاماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة و حالا يقبلها بفرح. و لكن ليس له اصل في ذاته بل هو الى حين فاذا حدث ضيق او اضطهاد من اجل الكلمة فحالا يعثر. و المزروع بين الشوك هو الذي يسمع الكلمة و هم هذا العالم و غرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر.و اما المزروع على الارض الجيدة فهو الذي يسمع الكلمة و يفهم و هو الذي ياتي بثمر فيصنع بعض مئة و اخر ستين و اخر ثلاثين} مت 18:13-23.

اننا مع القديس بولس الرسول نقول { من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف.كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح.و لكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا.فاني متيقن انه لا موت و لا حياة و لا ملائكة و لا رؤساء و لا قوات و لا امور حاضرة و لا مستقبلة.و لا علو و لا عمق و لا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} (رو35: 8-39).

+ ان نمونا في الروحيات يحتاج منا الى الاستجابة الصادقة بعمق للدعوة الإلهية المقدمة لنا من الله بالحب القلبي والطاعة والعمل الصادق ، فالأرض التي ليس لها عمق لا تصلح لنمو النبات وثباته ، نطيع وصايا الله بمحبة ونصلى اليه من أعماق قلوبنا {من عمق قلبي طلبتك}(مز119) كما جاء فى المزمور {من الأعماق صرخت إليك}(مز130: 1). من عمق القلب وعمق الإحتياج، إن الصلوات التى من الأعماق تخترق السماء وتصل قدام الله، وسوف تنال رضاه ، لقد قدم لنا ابراهيم أبو الأباء مثالاً صادقا للأستجابة الى دعوة الله كما الرسل الأطهار حينما ترك أرضه وأهله وسار وراء إلهه { بالايمان ابراهيم لما دعي اطاع ان يخرج الى المكان الذي كان عتيدا ان ياخذه ميراثا فخرج و هو لا يعلم الى اين ياتي (عب 11 : 8)،(تك12: 1)، وتعمق في طاعة الله، عندما دعاه لتقديم ابنه ذبيحة ، فلم يتردد، ولم يؤجل، أو يشك، أو يتكاسل في تنفيذ هذا الأمر الصعب جداً. ولهذا باركه الله وجلعه اباً للمؤمنين ، كما قاد الاباء الرسل الذين استجابوا لدعوته وجعلهم منارة للدين وقادة للمؤمنين وقدوة لنا نتعلم وننهل من حياتهم وكتاباتهم . وهو يدعوا لك واحد منا لنسير على ذات الدرب واثقين فى قائد نصرتنا .



نتبعك بكل قلوبنا ...



+ ايها الاب السماوي الذى احبنا ويريد خلاصنا ويدعونا للإيمان به وتصديق وعوده والعمل بأوامره المقدسة . نتبعك بكل قلوبنا ونسير على هدى وصاياك وتعاليمك ، لا طمعا فى مكأفاة أو خوفاً من عقاب بل كابناء لاب صالح نحبه من كل القلب والفكر والنفس والقدرة ونريد ان نعمل معه ويشترك معنا فى كل عمل صالح لكى ما ننجح ونفلح ونتمثل بك ايها الاب القدوس.

+ يا مسيحنا القدوس يا الله الكلمة ، الحكمة الإلهية والمحبة المتجسدة من اجل خلاص جنس البشر ، يا من اعلنت لنا ان محبة الاب السماوى ليست كلمات تُقال بل هى قوة الحب والتجسد والتواضع والبذل والفداء ، التى تسعى فى بحث دائم ومستمر عن كل أحد لتخلصه وتعلن له ذاتك . نتبع محبتك ونصدق وعودك ونسير خلفك لتعلمنا وتقودنا فى موكب نصرتك.

+ ياروح الله القدوس ، القادر على كل شئ ، واهب الحياة ومجددها. العامل فى الأنبياء والرسل والكنيسة ، ينبوع النعم الالهية ، هبنا حكمة واعطنا ان نطيع قيادتك لسفينة حياتنا وسكناك داخلها ، وامنحنا رجاء نتمسك به للخلاص من ضيق العالم الحاضر ، وأملك على قلوبنا ونفوسنا وأجسادنا لنكون هياكل مقدسة لعمل نعمتك وادوات مقدسة لصنع ارادتك . ايها الاله الواحد ،الاب والابن والروح القدس ليتمجد اسمك القدوس فى كل شئ ولنكن عابدين لك بالروح الحق الان وكل أوان ، أمين .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق