09‏/01‏/2012

† تشتاق نفسى اليك يا الله - للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى



 {كما يشتاق الايل الى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي اليك يا الله} (مز 42 : 1)
طلبت من تشتاق اليه نفسى...
وسط الصحراء الجرداء، شحيحة المياة ، وتصارع الاقوياء على مصادر المياة ، ومع حرارة الجو  وملوحة الاعشاب الصحراوية يشتاق الايل الى جداول المياة العذبة ولكنه يخاف الاقتراب منها لتعرضه لافتراس الاسود او الذئاب . لكن من اجل حب البقاء ومن اجل ان يشفى غليل ظمئه  يخاطر بالاقتراب والارتواء. وانا ياربى والهى ومخلصى اشتاق اليك ، لان  مياه العالم الآسنة لا تروينى وحب الاشياء لا يستهوينى، ولا متع العالم الزائلة تشبع نفسى أو حتى  مقتنياته الثمينة لا تشبع حاجتى أو تملأ عيني . ومهما وجدنا من محبة الاصدقاء فهى الى حين وتفارقنا ومهما راينا فالعين لا تشبع من النظر ولا الاذن من السمع بل تظل قلوبنا تحتاج الى محبة روحية تغمرها بالسعادة التى من فوق وارواحنا تهفو للاتحاد بنبع الرحمة والمحبة والحنان ونفوسنا لن تشعر بالاطمئنان الا فى احضانك الالهية. ولن تشبع ارواحنا المخلوقة على صورتك ومثالك الا محبتك انت يا من تحبنا بلا مقابل وتقدم لنا الرحمة بغير حدود.
طلبتك انت يارب يا نبع المحبة { لك قال قلبي قلت اطلبوا وجهي وجهك يا رب اطلب} (مز27 : 8). ايها الاب القدوس الذى أحبنا حتى قبل ان نوجد ، كنا فى فكرك مسرة كاب صالح يفرح بابناءه . وللان فان ولادة كل طفل جديد تعلن انك انت اله المحبة الذى لم ييأس من العالم والذى يريد ان الكل يخلصون والى معرفة الحق يقبلون انت الذى اعطيتنا نعمة العقل والتمييز والروح الانسانية التى تسعى الى الكمال والعواطف الجياشة  واعطيتنا كل شئ بغني للتمتع وان كنا غير أمناء على الوزنات المعطاة لنا وان زاغ البعض عن الطريق الصالح وعبدوا المخلوق دون الخالق فانت بالرحمة والحنان تشفق علينا وتطيل الروح لانك اله رؤوف ومتحنن ، اشفقت قديما على اهل نينوى الذين لا يعرفون شمالهم من يمينهم وارسلت اليهم يونان النبى مناديا بالتوبة ، وها نحن نطلب منك يا ضابط الكل ان تتأنى على خليقتك وترسل فينا روحك القدوس مرشدا ومعلماً وهادياً اميناً ليشبع ظمأ النفوس العطشى وتجعل كلمتك عاملة فى ارواحنا وقلوبنا لكى نؤمن ونتوب ونأتى بالثمر ويدوم ثمرنا .

 ان طلبة قلبى هو الشبع منك يا الله وانت القائل {الى الان لم تطلبوا شيئا باسمي اطلبوا تاخذوا ليكون فرحكم كاملا }(يو 16 : 24). فاطلب وأسال واقرع باب تحننك  ان تكون انت نصيبى الصالح الذى لن يستطيع أحد ان ينزعه منى فلا الانسان مهما كان والمكان ولا الزمان يستطيع ان ينزع محبتك من القلب الذى يريدك ولا شئ يستطيع ان يمنع فرحنا الدائم بك وكمريم التى اختارت النصيب الصالح هكذا نختارك انت ايها المحبة الكاملة  { وفيما هم سائرون دخل قرية فقبلته امراة اسمها مرثا في بيتها. وكانت لهذه اخت تدعى مريم التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه. واما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة فوقفت وقالت يا رب اما تبالي بان اختي قد تركتني اخدم وحدي فقل لها ان تعينني. فاجاب يسوع وقال لها مرثا مرثا انت تهتمين وتضطربين لاجل امور كثيرة. ولكن الحاجة الى واحد فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها} لو 38:10-42. فلتشبع يارب اشتياقات قلوبنا لك لانك انت المحبة المعطاءة والجمال الفائق والرحمة الشاملة والعاملة واذ ناتى اليك ونحبك نثبت فى المحبة وتثبت انت فينا وتملك على قلوبنا وارواحنا ونفوسنا التى تنجذب اليك وتسعد بك وبمحبتك نحيا الارتواء والشبع وتمتد حياتنا لتصل الى الخلود والابدية ويبتدى ملكوتك داخل قلوبنا ولن ينتهى . لتشبع نفوسنا ليس بخبز العالم بل بكلام الحياة الابدية وترتوى ارواحنا من ينابيع روحك القدوس واحيا فى عرس دائم معك .
الروح القدس والارتواء والفرح ...
 أصلى طالباً منك ياروح الله القدوس أن تعمل فى كل نفس وفى نفسى الشقية ايضاً لكى ما تشعر بالظمأ وسط برية هذا العالم ، فلا يوجد شئ يشبع النفس والروح والعواطف سوى ينابيع الروح القدس التى تنبع فينا لنرتوى ونكون ايضاً قناة جيدة لتوصيل المحبة والفرح والسلام والتعزية الى الآخرين ليذوقوا وينظروا ما أطيبك ايها الروح الوديع الهادى. ان روحى عطشى وساظل اقرع على باب تحننك لكى ما تأتى اليها وتحل بالايمان فيها وتتخذها لك مسكنا ، وان رايت ان بيت قلبى مظلم فانت وحدك قادر ان تنيره وتطرد منه كل محبة غريبة عن طهرك ، وان رايت في قلبى تعلق بمتع العالم فانت قادر ان تنزع منه كل نفايات العالم وانا بفرح اتنازل عن كل شئ من اجل الجوهرة كثيرة الثمن التى هى نعمتك الالهية وان رايت انه ينقصنى الحكمة فها انا اطلب وانت تستطيع ان تعطى بسخاء { وانما ان كان احدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له} (يع 1 :5) اننى ليس اطلب حكمة هذا العالم الزائل بل الحكمة التى من عندك { واما الحكمة التي من فوق فهي اولا طاهرة ثم مسالمة مترفقة مذعنة مملوة رحمة واثمارا صالحة عديمة الريب والرياء} يع 17:3. وسط احزان الحياة ومنغصاته والآمه الكثيرة نحتاج الى تعزية الروح القدس المعزى لنجد سلاماً وسط الاضطرابات، وفرحاً مع الضيقات وصبراً على المشقات ونعمة فى كل مكان نحل فيه ونورا فى ظلمة الليل الحالكة السواد فلا تبعد عنا ياروح الله . بل اقتننا لك يالله لاننا لا نعرف أخر سواك ، اسمك القدوس هو الذى نقوله فلتحيا نفوسنا بروحك القدوس ولا يقوى علينا موت الخطية ولا على كل شعبك .

روحك القدوس هو فرحى الدائم ومصدر سعادتى فى كل ظروف الحياة ولهذا نصلى ان يحل فينا ويحرق كل الزوان الذى قد يزرعه العدو ولا يكون للخطية مكان فى القلب لان الخطية تطفئ عمل الروح فينا وان تمادينا  فانها تحزن روح الله القدوس بل يفارقنا ويتركنا كما فارق روح الرب شاول الملك من أجل تمرده وعدم سماعة لصوت الرب بل وبغته روح ردى ..فان احزنتك بسرورى بملاذ الدنيا الباطله فكيف لى ان أجد فرحا فى صحراء العالم القاحلة ، وان عصيت تبكيت الروح لى للتوبة فكيف ارجع اليك يا الله ، ها انا راجعاً اليك متمسكاً بوعودك الصادقة وانت القائل من يقبل اليٌ لا أخرجه خارجاً . فهبنى يارب توبة مقبولة واعترافا حسناً وأقبل صلاتى اليك وليعمل فى روحك القدوس ليرد لى بهجة خلاصك ويقودنى طول الطريق ويكون لى نعم الرفيق ومصدر الفرح والسلام وها انا اصلى اليك  فروحك القدوس يارب الذى ارسلته على تلاميذك القديسين ورسلك الاطهار المكرمين فى الساعة الثالثة هذا لا تنزعه منا ايها الصالح لكن جدده فى أحشائنا يارب ، قلباً نقياً اخلقه فى ياالله وروحك القدوس لا تنزعه منى .
الله يدعونى للارتواء والشبع ...
ان الله يقدم لنا دعوة عامة للجميع من كل جنس وامة ولسان للارتواء والشبع ويقول لنا على لسان اشعياء النبى { ايها العطاش جميعا هلموا الى المياه والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرا ولبنا. لماذا تزنون فضة لغير خبز وتعبكم لغير شبع استمعوا لي استماعا وكلوا الطيب ولتتلذذ بالدسم انفسكم. اميلوا اذانكم وهلموا الي اسمعوا فتحيا انفسكم واقطع لكم عهدا ابديا مراحم داود الصادقة... اطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب. ليترك الشرير طريقه ورجل الاثم افكاره وليتب الى الرب فيرحمه والى الهنا لانه يكثر الغفران. لان افكاري ليست افكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لانه كما علت السماوات عن الارض هكذا علت طرقي عن طرقكم وافكاري عن افكاركم.لانه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان الى هناك بل يرويان الارض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعا للزارع وخبزا للاكل. هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع الي فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما ارسلتها له. لانكم بفرح تخرجون وبسلام تحضرون الجبال والاكام تشيد امامكم ترنما وكل شجر الحقل تصفق بالايادي.عوضا عن الشوك ينبت سرو وعوضا عن القريس يطلع اس ويكون للرب اسما علامة ابدية لا تنقطع} أش 1:55-13.                ان خلاص الرب مقدم لنا مجاناً الكبير يجد فيه الفرح والارتواء والصغير يجد فيه الشبع والامتلاء . قد يدفع الناس كل ما لديهم ليحصلوا على السعادة والسلام والمحبة وكانهم يطاردوا السراب بينما الله يقدم لنا الفرح والشبع مجاناً ونحن نبتعد ونتمنع . انه يريد ان نعطيه اذان صاغيه ونطلبه ما دام يوجد وندعوه فهو قريب { طوبى للجياع والعطاش الى البر لانهم يشبعون }(مت 5 : 6). انه ينتظر منا فقط ان نريده ونترك طريق الشر وأفكار الأثم ونستمع لصوت الرب بايمان وهو قادر يستأصل من حياتنا الزوان والشوك وينبت عوضا عنها كل ما هو صالح ونافع  ومفرح . ان إيماننا بالعريس السماوي يستلزم الاتكال عليه في ثقة بامكانياته كقدير كُلّي الحكمة والحب، يعرف كيف يخطط لكل نفس بشرية ماهو لبنيانها وسلامها وخلاصها حتى إن بدت خطته غير مفهومة او صعبة لنا .
علينا ان نرتوى  بكلمة الرب واهبة الثمر. بل نتحد بكلمة الله المتجسد ليروي الطبيعة البشرية بدمه كمطر فريد قادر أن يُعيد خلقتها ويُجددها، محولاً إياها من برية قاحلة تسكنها الوحوش العنيفة إلى فردوس مثمر يسكنه الثالوث القدوس ويتهلل به السمائيون والأرضيون. وان نقبل كلمة الله المكتوبة لا للدراسة العقلانية البحتة وإنما كحياة مُعاشة تُعطي ثمر إلهي متكاثر، فلا يكفي انتزاع الشوك والقريس وإنما يلزم ظهور السرو والآس علامة ختمنا باسم الرب واهب الثمر الروحي. لقد طلب منا السيد المسيح ان نقبل اليه ونرتوى من نبع المحبة الدائم بل يتفجر من داخلنا فرحاً لا ينطق به ومجيد { وفي اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب. من امن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه } يو 37:7-39. فان كان الذين التصقوا بموسى النبي قديما شربوا ماءً من الصخرة في البرية حيث كانت الصخرة تتبعهم وتفيض عليهم بما يرويهم، فان من يؤمن بالسيد المسيح يحمل الصخرة في داخله، وينطلق الفيض لا من الخارج بل من بطنه، أي من إنسانه الداخلي حيث يُقام ملكوت الله.
 فها نحن نأتى اليك يا الله بكل قلوبنا وعواطفها لتشبعها وتفجر فيها ينابيع الماء الحي . نقدم لك  ارواحنا واشتياقاتها ونفوسنا وميولها ودوافعها وارادتنا لكى ما تقدسها وترويها وتملائها فرحا وسلاما ونعيما . ناتى اليك لتقودنا الى المراعى الخضراء ومياة الراحة ، لترد نفوسنا اليك فنسير معك وبك ولك كل الايام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق