{فقال يسوع يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون }
(لو 23 : 34)
يوم خالد في تاريخ البشرية .. ان يوم جمعة صلب السيد المسيح هو يوم خالدا مدى الدهر والى الابد سيبقى يوما للفداء، ورجاء للخطاة، ومصدر للتأمل والعزاء، سواء ونحن احياء أو عندما نلتقى بالسيد المسيح ديانا وملكا ومحاميا فى السماء. ونحن نعيش الاحداث الخلاصية فى يوم الجمعة العظيمة، نرى أمامنا يسوع المسيح المصلوب المسخن بالجراح، والذى يقابل بالهجوم من الذين كان يجول يصنع بينهم خيراً، ويُتهم من القادة الدينيين كذبا انه مجدف وكاسر السبت ومضل، ومن البعض انه مصدر فتنة ومدعى ملك عوض عن قيصر أو هيرودس { فقام كل جمهورهم وجاءوا به الى بيلاطس. وابتدأوا يشتكون عليه قائلين اننا وجدنا هذا يفسد الامة ويمنع ان تعطى جزية لقيصر قائلا انه هو مسيح ملك. فساله بيلاطس قائلا انت ملك اليهود فاجابه وقال انت تقول. فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع اني لا اجد علة في هذا الانسان. فكانوا يشددون قائلين انه يهيج الشعب وهو يعلم في كل اليهودية مبتدئا من الجليل الى هنا} (لو 1:23-5). نعم كان المسيح يسوع ملك ولكن ملك روحي على القلوب بالمحبة والبذل لهذا قال لبيلاطس{اجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا اسلم الى اليهود ولكن الان ليست مملكتي من هنا }(يو 18 : 36). انه الملك الذى تنبأ عنه الأنبياء { لانه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا ابا ابديا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الان الى الابد غيرة رب الجنود تصنع هذا} (أش 6:9-7). نعم ملكوته ملكوت أبدي {ملكوته ملكوت ابدي وسلطانه الي دور فدور} (دا 4 : 3). وسط هياج الغوغاء وحسد القادة واستهزاء الرومان والمحكمات الظالمة أمام حنان وقيافا والسنهدريم وبيلاطس وهيرودس، وبعد صدور حكم الموت على السيد المسيح وجلده و سير السيد حاملا الصليب فى طريق الآلام حتى الوصول الى الجلجثة نرى السيد المسيح حامل خطايا العالم { مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا} (اش 53 : 5). لقد راه يوحنا المعمدان من بعيد فى بدء خدمته فقال عنه {وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا اليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم} (يو 1 : 29).
نري المسيح يسوع مصلوبا، ينظر فى حنو الاله القدير ومحبة العظيم المتواضع الى كل هؤلاء ويطلب المغفرة لهم من الآب السماوي {فقال يسوع يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون }(لو 23 : 34). فى نعمة غنية يطلب الغفران لصالبيه. وان كان بالطبع لم يستفيد من هذا الغفران الا الذين أمنوا وتابوا كما اللص المصلوب معه الذى طلب منه ان يذكره فى ملكوته ولينجينوس الجندي الذى طعنه بالحربة وآمن بعد ذلك ومعهم نفر قليل ومنهم بطرس الرسول الذى ضعف وأنكر معرفته بسيده ثم تاب وبكى وعاد مبشرا وكارزا باسم السيد المسيح. هذا الحب والغفران والاحسان لا يستطيع ان يقدمه الا الله ومن يؤمن به ايمانا عميقا كما راينا فى حياة استفانوس رئيس الشمامسة المملوء من الروح القدس والحكمة عندما غفر لراجميه { ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية واذ قال هذا رقد }(اع 7 : 60).
اننا ننظر باستهجان الى هؤلاء الذين أتهموا السيد المسيح حسدا وجهلا أو خوفا على مراكزهم وسلطاتهم، أو بتحريض من الشيطان وقواته ولكننا كثيرين ما نخطئ الى الله سواء بجهل او تهاون او حتى عن سبق اصرار. ولكن يجب ان نعرف ان باب التوبة مفتوح أمامنا ونرجع سريعا بايمان وتوبة الى الله أمام قوة غفران الصليب، مؤمنين بنعمته الغنية وطالبين مغفرته القوية، ونتوب عن كل خطية ونسمع دم يسوع المسيح يكفر عن كل خطية فتستريح نفوسنا الشقية.
المثل العليا والقيم السامية ... عاش السيد المسيح ينادى بمثل عليا وحياة روحية نتمثل فيها بكمال الله { فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل }(مت 5 : 48) . وعلما المحبة للجميع { وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا} (يو 13 : 34) بل أوصي بمحبة الاعداء { واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم }(مت 5 : 44). وليس محبتنا لاعدائنا مدعاة لكراهيتهم لنا بل هي سبب لوقف كراهيتهم وتحويلهم الى اصدقاء الا لو كانوا شياطين غير عقلاء. لقد عاش المسيح المبادئ العليا التي نادى بها. علم وعمل بما نادي حتى فى وقت صلبه، علمنا ان نكون رحماء {فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضا رحيم }(لو 6 : 36) وطوال خدمته وللان وغدا يصنع رحمة { فاذهبوا وتعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة }(مت 9 : 13). لقد دافع عن الخطاة والمهمشين والمساكين والفقراء وكان يجول يعلم ويمحو الجهل بالتعليم ويشفى كل مرض وضعف فى الشعب.علمنا ان نحيا القداسة {لانه مكتوب كونوا قديسين لاني انا قدوس }(1بط 1 : 16) واعطانا الامكانيات ان ننمو فيها بالتوبة المستمرة وحياة الفضيلة والجهاد الذى تسنده النعمة الغنية بالاسرار المقدسة {مع المسيح صلبت فاحيا لا انا بل المسيح يحيا في فما احياه الان في الجسد فانما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني و اسلم نفسه لاجلي }(غل 2 : 20). هكذا رسم أمامنا المعلم الصالح الطريق الى السماء والاقداس وعلينا ان نسير فيه حتى لو سقطنا فى الطريق نقوم ونواصل الرحلة. فالصليب يجذبنا بالمحبة والتواضع والغفران والرحمة. فلا يقول احد انه صعب علي ان أحيا القيم الروحية التي نادى بها الرب، بل لنقول مع القديس بولس الرسول {استطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني} (في 4 : 13). وكما دعانا المخلص قائلا { ان كنت تستطيع ان تؤمن كل شيء مستطاع للمؤمن} (مر 9 : 23). ان الرب يسوع المسيح يقدم لنا النعمة الغنية وعمل الروح القدس الذى يعلم ويقود ويعزى ويقدس ويحرر كل السائرين فى طريق الكمال.
النعمة الغنية... اننا نقف تحت الصليب أمام النعمة الغنية الغافرة والمحررة والقادرة التي تغفر للمؤمنين التائبين وتعلم المحبة والرحمة والبذل والشفقة. ان دم المسيح المصلوب كفارة لخطايا العالم { وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضا} (1يو 2 : 2). انه باب للرجاء لكل الخطاة يدعوهم للتوبة والانقياد لروح الله {اذا لا شيء من الدينونة الان على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح }(رو 8 : 1). علينا ان نسلك فى النور ونعترف بخطايانا ودم المسيح يطهرنا من كل خطية { ولكن ان سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية.ان قلنا انه ليس لنا خطية نضل انفسنا وليس الحق فينا. ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم.} ( 1يو 7:1-9). الصليب محبة مجانية مقدمة من الله الآب فى ابنه الوحيد، كلمة الله المتجسد،لنوال الغفران والحياة الابدية {لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية}(يو 3 : 16). من اجل هذا نفتخر بالصليب علامة المحبة ورمز الفداء {واما من جهتي فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي و انا للعالم }(غل 6 : 14). فلنصلى طالبين من الله غني نعمته المحررة والغافرة ونحيا تحت ظلال الصليب لننال الخلاص وننعم بالحياة الأبدية، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق