04‏/09‏/2010

- نحب اللـه بتأمل صفاته الجميلة

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث




إنك يا أخى القارئ، قد تحب شخصاً أحياناً، لمجرد أن صفة معينة فيه تجذبك إليه. كأن يكون إنساناً شهماً، أو خفيف الظل مرحاً، أو يكون إنساناً ذكياً أو قوى الشخصية... إنما مجرد صفة واحدة تجذبك إلى محبته... فكم بالأولى الله سبحانه، الذى تجتمع فيه كل الصفات الجميلة، وعلى درجة غير محدودة من الكمال!! لا شك أنك كلما تأملت صفة من صفات الله الفائقة الوصف، ستجد نفسك تحبه.



?? هناك صفات يتميز بها الله وحده، ولا يشترك فيها أى كائن آخر. مما يجعلنا نقف فى ذهول ونحن نتأمل الله الأزلى الذى لم يسبقه أحد. أو الله الخالق الذى صنع كل شئ من لا شئ. أو الله الواجب الوجود... الله الحاضر فى كل مكان، وقبل مستوى الأزمان. الله غير المحدود، وغير المدرك، وغير المرئ، وغير المحوى، الله العارف بالخفيات، وفاحص القلوب والأفكار. الذى يسبحه غير المرئيين، ويسجد له الظاهرون... ألوف ألوف وقوف قدامه، وربوات ربوات يقدمون له الخدمة... إلى غير ذلك من الصفات التى يختص بها لاهوته... لا شك ونحن نتأمل عظمة الله، لابد أن نمجده. وحينما نتأمل كيف أنه على الرغم من كل هذا الجلال الذى يحيط بالله نرى كيف أنه فى كل مجده ينظر إلينا، ويولينا إهتماماً خاصاً. حينئذٍ نجد أننا نحبه.



?? إننا نحب الله أيضاً فى صفاته الأخرى التى يتصف بها بعض البشر، ولكنها عند الله كاملة وغير محدودة... مثل قوة الله وحكمته، ومحبته ورحمته، وصبره وطول أناته. وقد يتصف بعض البشر بأحدى هذه الصفات أو بكثير منها. ولكنها عند البشر ضئيلة، أما عند الله فهى فى جمال من الروعة لا يعبر عنها، وفوق مستوى إدراكنا. مثال ذلك إن الله راحوم وعادل. وهو كامل فى عدله، وفى نفس الوقت كامل فى رحمته. ولا تتناقض الصفتان. بل عدله مملوء رحمة، ورحمته مملوءة عدلاً. هو عادل فى رحمته، ورحيم فى عدله. وهنا يملكنا العجب والإعجاب. ولا نستطيع أن نملك أنفسنا من أن نحبه.



?? نحب الله القدوس، الكامل فى صلاحه. والذى على الرغم من كل هذا، يتعامل معنا نحن الخطاة، فى رفق وحنو وشفقة. بل يستر علينا فى كثير من أخطائنا، ولا يكشفها لغيرنا! ويحافظ علينا. ولا يحاكمنا على كل صغيرة وضئيلة كما يفعل معنا أخواتنا فى البشرية، الذين يخطئون مثلنا، ولكنهم يركزون على كل خطأ من أخطائنا، ويشمئزون!



?? إننا نحب الله الغفور، الذى لم نجد مثله فى مغفرته. الله الذى لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه يعرف طبيعتنا، يذكر أننا تراب نحن... الله الذى يغفر الخطايا مهما كثرت، ويصفح عنها إذا ما توبنا. ولا يعود يذكرها لنا فيما بعد... أى حنان هذا الذى يذيب قلب الإنسان التائب! وكلما يغفر له الرب أكثر، يحب الله أكثر وأكثر!! فيقول للرب فى صلواته: مثل كثرة رأفتك تمحو إثمى!!... حقاً لو كان الله يرصد جميع خطايانا، ما كان يخلص أحد. ولهذا فإنه يستحق كل الحب، هذا الإله الحنون الغفور، الذى لا يذكر لنا كل الماضى الآثيم، من أجل حاضر مستقيم!



?? إننا نحب أيضاً إلهنا الحكيم، ذا الحكمة الفائقة الوصف، الذى صنع كل المخلوقات بحكمة عجيبة. الذى بحكمة أوجد علاقة بين الأرض والشمس والقمر، ينتج عنها الليل والنهار، والصيف والشتاء، وأوجه القمر المتعددة. والذى جعل حكمة ما بين الأجواء، تنتج عنها الأهواء المتعددة. بل صور الإنسان فى حكمة عجيبة... فى كل من عمل المخ، والقلب، والأعصاب، وسائر الأعضاء. بدقة لا تخل إذا صارت حسب طبيعتها... الله الذى فى خلقه أوجد العشب والزهر. وأوجد الألوان العجيبة فى كثير من الطيور والأسماك، والألحان المتنوعة فى أصوات الطير.



?? إننا نحب الله الذى ـ فى حكمة بالغة ـ جعل هناك علاقة بين القوى والضعيف، مذهلة فى وصفها. فهو مثلاً وهب الغزال قوة فى الجرى، تجعله يستطيع الهروب من الأسد القوى القادر على إلتهامه. وهو قد أعطى أيضاً للقط قدرة تجعله يستطيع أن يتسلق شجرة ليهرب من الكلب. وهكذا أعطى كثيراً من الخلائق القدرة على النجاة ممن هو أقوى منها... بل الله أيضاً الذى أعطى الكرمة أن تنفض أوراقها فى الشتاء لكى يتدفئ من يجلس تحتها... وأن تكتسى بالورق فى الصيف لكى يستظل من يجلس تحتها أيضاً.



?? إننا نحب الله الغنى القوى. الذى فى غناه منح العالم كله من جوده. حتى أنه من فيض جود خيراته، لم يعد العالم معوزاً شيئاً من نعمة تحننه. فالخير يملأ الأرض كلها، إذا ما أحسن توزيعه، وإذا ما تحركت قلوب الجميع بحب الخير على كل أحد... الله الذى يملأ الدنيا غنى، والذى يجعل السماء تمطر على الأرض فتغذيها، أو الينابيع تنفجر من باطن الأرض لكى ترويها. فمن السماء من فوق ينزل الخير، ومن باطن الأرض من تحت يأتى الخير أيضاً. سبحانه الله فى كل عطاياه.



?? ونحن نحب الله القوى، الذى يستطيع أن يحمى، وأن يدافع عن كل ضعيف، ويمنح نعمة لصغيرى النفوس، ويقوى الركب المخلعة. ولا يترك الضعفاء مضغة فى أفواه الأقوياء... نحب الله الموجود بقوته فى كل مكان، ينظر ويسمع، ويسجل. وإذا بعبارة "ربنا موجود"، يسمعها الضعفاء فيطمئنون. ويسمعها العنفاء فيقشعرون. ويشعر الكل بأن ميزان الله العادل مازال موجوداً... يرى ويعمل ويحكم.



?? إننا نحب الله الذى يمنح الدب القطبى فروة فى جسده تعطيه الدفء من برودة الجو. بينما لا يكون الفراء فى أجساد حيوانات البلاد الحارة التى لا تحتاج إلى ذلك. نحب الله الذى يجعل اللبن فى ثدى الأم من البشر ومن الحيوان لكى يتغذى به الأبناء الرضع. نحب الله الذى يشبع كل حى من رضاه. الذى يهتم حتى بالحشرة التى تسعى تحت حجر لكى يعطيها رزقاً. الله الذى يهتم باليتيم وبالأرملة، وبالغريب وبالضيف. ولا يحرم أحداً من أعمال نعمته. فالكل من غنم رعيته. أوجدهم ويهتم بهم.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق