23‏/09‏/2010

حساب ردود الفعل


بقلم قداسة البابا شنوده الثالث


لا يوجد شيء ليست له نتائج. وكل أمر له ردود فعله. سواء تصرف الإنسان، أو الأحداث التي تحدث. وأنت يا أخي حينما تتعامل مع الناس، فلست تتعامل مع جمادات، وإنما مع نفوس لها مشاعر ولها انفعالات. فكل كلمة تقولها، أو كل تصرف أو معاملة، له رد فعل مع مَن تتعامل معه: المحبة لها ردود فعلها، والعداوة أيضاً لها ردود فعلها. فالقسوة لها رد فعلها، والطيبة أيضاً لها رد فعلها. بل ما يمر على العالم من الأزمات أو المشاكل له أيضاً ردود فعله.








فالبطالة مثلاً كانت لها ردود فعلها: لأنه لمَّا لم يجد الشباب عملاً ينشغلون به، كان رد فعلهم هو الإنشغال بما يضرهم ويضر غيرهم. وإذ لم تكن لهم فرصة للزواج وإنشاء بيت، كان رد الفعل هو الفساد الخلقي. بل إن البطالة عند البعض، كان من ردود فعلها اللجوء إلى المخدرات، لكي ينسى الشخص ما هو فيه من ضيق. وأيضاً الفقر له ردود فعله، والجوع له ردود فعله. وهذا الموضوع واسع جداً كمشكلة إجتماعية تحتاج إلى حلول عملية. لأنه رُبَّما من نتائج الفقر، قد يلجأ البعض إلى الإحتيال أو إلى السرقة. وأيضاً من ردود فعل هذه المشكلة ما نراه من أطفال الشوارع.






+ وإن كان ينبغي على الإنسان قبل كل كلمة يقولها، أن يُفكِّر في ردود فعله. ويحسب حساباً لتأثيرها على مَن يسمعه، ومدى إنفعاله بها. لذلك عليه أن يتحاشى الألفاظ القاسية، وعبارات التَّهكُّم، والكلمات التي لها أكثر من معنى، وقد يفهمها البعض على معنى سيئ. ويلزم أن يكون هناك إحتراس شديد في الكلام مع الأطفال. فالطفل يأخذ فكرة عنك من كلامك، ولا تستطيع أن تنزعها منه. لذلك عليك أن تكون صادقاً في كل ما تقوله له، وأن تفي بكل وعد تعده به، ولا تهز المثاليات التي في ذهنه بأخطائك في الكلام. ومن الناحية الأخرى، ثق أن كل إبتسامة منك في وجه طفل، تضع إبتسامة أخرى على شفتيه، فيُحبك ويستريح لك.






+ إن أدبك في معاملة الناس، وإحترامك لمشاعرهم، يكون لذلك رد فعل عندهم وعند غيرهم. أمَّا عبارات القسوة فلها ردود فعل تناسبها. بها تخسر الناس في مشاعرهم نحوك وأيضاً يكوِّنون فكرة عنك وعن طباعك لا تريحك. لذلك كن رقيقاً في معاملاتك للغير. فالرقة لها رد فعل عميق فيمَن يتعامل معك. لا تكن سريعاً في مهاجمة غيرك، أو بالتشهير بالغير. فكل هذا له ردود فعل سيئة.






+ وفي محيط الأسرة أيضاً، ينبغي أن تكون المعاملة في رقة وأدب وإحترام. ولا يظن البعض أن الدالة تسمح بزوال هذا الإحترام بين الزوجين أو حتى مع الأولاد. إحترم زوجتك أيضاً، واستخدم الرقة واللطف في معاملتها. وثق أن رد الفعل سيكون طيباً جداً في نفسيتها، وستبادلك نفس المعالمة. وعلى الزوجة أيضاً أن تراعي شعور زوجها، ولا تضغط عليه في الحديث أو الطلبات. لأنه ربما تطلب الزوجة شئ من زوجها، وتلح عليه إلحاحاً، وتكرر الإلحاح حتى تسبب له شيئاً من التبرُّم والضجر. وربما يكون رد الفعل أنه لا يحتمل المزيد من الإلحاح، فيرد عليها بشدة. إن السعادة التي يجدها الرجل في بيته، يكون من رد فعلها أنه يُفضِّل الوجود في بيته أكثر من الخروج إلى النادي وإلى الأصدقاء. وذلك إذا لم يجد ما يشبعه في بيته، حتى من جهة الأحاديث التي قد تدور كلها حول أمور تافهة تختلف تماماً عن أحاديثه مع أصدقائه خارج البيت.






+ كذلك في مُحيط الأسرة نذكر أن ما يظنه الآباء من الحزم الشديد في التربية وعدم منح بناتهم ما يحتاجون إله من الحب والحنان. فإن قسوة هؤلاء الآباء لها ردود فعلها. إذ قد تبحث الفتاة عن مصدر خارجي للحُب والحنان، فتستجيب لإغراء أحد الشبان وتخطئ معه، أو تهرب من بيتها، وبخاصة إذا كانت لا تجد من والدها سوى الإنتهار والكلام الجارح وسوء المعاملة. ونصيحتنا إلى الآباء والأمهات أن يشبعوا أبنائهم وبناتهم من الناحية العاطفية، في بعد عن التقيدات الكثيرة، حتى لا يصير البيت بمثابة سجن عند الأبناء.






نفس الوضع نقوله أيضاً في مجال الإدارة بالنسبة للمسئول الذي يقسو على الذين هم تحت رئاسته مِمَّا يُسبِّب لهم ضيق النَّفس وشهوة التَّخلُّص منه كرد فعل لمعاملته السيئة. ونفس الوضع يحدث مع كل رجل من رجال الأعمال يُقابل العاملين عنده بالإهمال وعدم مراعاة ما يحتاجون إليه من الرزق والظروف الإقتصادية الصعبة. أمَّا الذي يشتهر بالعطاء، فعطاؤه له رد فعل عميق في قلوب الذين يُحسن إليهم. وعكس ذلك البخيل فرد الفعل هو كراهيته، ورُبَّما سرقته أيضاً.






هناك أيضاً ردود فعل للحرية، وردود فعل أخرى للتسيب، تتفق على مدى نضوج الناس الذين يحسنون إستخدام الحرية، أو عدم نضوجهم بحيث يكون رد فعل الحرية عندهم هو المغالاة في الأخطاء.






ورُبَّما يكون من مظاهر التسيب نشر الشائعات الضارة. أو كرد فعل لإستخدام الحرية إستخداماً خاطئاً، والتعليم الخاطئ، وقيادة الغير إلى تفكير يضرهم وكما تقول كلمات الحكمة: " أعمى يقود أعمى كلاهما يسقطان في حفرة ".






+ إن ردود الفعل تظهر واضحة في الحياة الروحية لكل إنسان. فالذي يهمل ذاته، يهمل علاقته باللَّه، ويسمح لنفسه بقراءات لا تليق أو يترك نفسه ضحية لِمَا يُنشر أحياناً في النت، يكون رد فعل ذلك هو إنحرافه وسيره في الملاهي والعبث، أو تشويه فكره بأخبار أو معلومات تضلله وتقوده إلى الإنحرافات.






كما أن معاملة الآخرين لها ردود فعلها، كذلك تعاملك مع نفسك له أيضاً ردود فعل سواء من جهة ضبطك لنفسك أو تراخيك مِمَّا يكون رد فعله هو السقوط والضياع.













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق