02‏/02‏/2011

- الشر كثيراً ما يغلب الخير




بقلم قداسة البابا شنوده الثالث


منذ بدء الخليقة والشر يصرع الخير. حدث هذا في مقتل هابيل الصديق حينما قام عليه أخوه وقتله. وبعد ذلك رأينا الشر ينتشر في الأرض. وزاد جداً حتى أن اللَّه أغرق العالم كله بالطوفان لكي يبيد هذا الشر وكانت النجاة فقط لأسرة أبينا نوح. ثم انتشر الشر أيضاً، وساد الشذوذ الخلقي في مدينة سادوم، وكانت النتيجة أن الرب أحرقها كلها. وكانت النجاة فقط لأفراد من أسرة لوط البار.‏



‏+ وإنتقل الفساد من الأخلاق إلى عدم معرفة اللَّه. ووجدنا الشر ينتشر كثيراً في العالم الوثني، من جهة عبادة الأصنام وأيضاً تعدد الآلهة. وأصبحت الفئة التي تؤمن باللَّه قليلة جداً تركزت في عائلة أبينا إبراهيم، وليس كلها. ففي بلاد اليونان كانوا يعبدون كثيراً من الآلهة تحت قيادة زيوس. وفي بلاد الرومان كانوا يعبدون آلهة كثيرين تحت قيادة جيوبيتر كبير الآلهة. وفي مصر كثرت الآلهة في الزمن الفرعوني تحت قيادة رع وآمون. وإلى جوار ذلك عبد البعض بعض مظاهر الطبيعة. وأحياناً عبدوا الأرواح أو عبدوا النار.



‏+ أمَّا الخير فقد ظهر بواسطة الأنبياء الذين أرسلهم اللَّه لهداية الناس. ومن أعظمهم موسى النبي الذي كان أول مَن قدم للبشرية شريعة مكتوبة. وعلى الرغم من ذلك بدأ الشر ينتشر بعصيان وصايا اللَّه. حتى أن بني إسرئيل أنفسهم جاء عليهم وقت عبدوا فيه العجل الذهبي، وجاء وقت أيضاً انتشرت بينهم الوثنية، حتى أن اللَّه نفاهم إلى سبي بابل وأشور، ثم أعادهم بعد سبعين عاماً. وفي أيام السيد المسيح وبَّخهم قائلاً: " يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها. كم من مرة أردت أن أجمعك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يُترك لكم خراباً ". وقد كان.

‏+ كان الشر في قلوب الناس أعمق تأثيراً من الخير. وقد رأيناه في اتجاه آخر ينتشر في قسوة الأباطرة وتعذيبهم للناس. ولا ننسى ما حدث في أيام الإمبراطور نيرون من القسوة والتعذيب، وكذلك ما حدث أيام الإمبراطور ديوقلديانوس، والإمبراطور تراجان، والقسوة والتعذيب التي اتصف بها بعض الولاة، مثل أريانوس والي أنصنا وغيره. وكانت الدماء تسيل بلا رأفة. والشر يهجم على الإيمان بعنف. 



‏+ ومثل هذه القسوة رأيناها أيضاً في أعقاب الثورة الفرنسية، أيام روبسبير وزملائه. وكيف أن هذه القسوة شملت النبلاء والأغنياء. وسجل التاريخ أخبار المقاصل وألوان التعذيب التي حفل بها في لندن بيت أو متحف يُسمَّى بيت الرعب House of Terror. وعلى الرغم من أن تلك الثورة قامت للإصلاح، إلاَّ أن الشر دخل أيضاً في التنفيذ.



‏+ ولا ننسى أن الشر أيضاً كان له مجاله الواسع في الحروب الكثيرة التي سجلها التاريخ. وزادت سطوة الشر في أنواع الأسلحة المرعبة التي تدمر بلاداً بأثرها. ومن أمثلتها ما فعلته القنبلة الذرية، وكافة أنواع القنابل التي تحصد الأرواح حصداً. والعالم حالياً يتخوف بعضه من البعض في إنتاج هذه الأسلحة المرعبة وانتشارها وإستخدامها.



‏+ انتشر الشر أيضاً في مجال اللهو والعبث، وأصبحت له أنشطة في إفساد أخلاق الناس. وتحطمت العديد من الأسرات عن طريق الطلاق. وفسدت أخلاقياً العديد من الشباب، حتى وصلوا إلى المخدرات وتأثيرها. ورأينا مرضاً جديداً لم يكن معروفاً من قبل هو مرض الإيدز. وما أكثر انتشاره في بعض البلاد الأفريقية. 



‏+ دخل الشر أيضاً في مجال المال والإقتصاد. فأصبح المال يجد له طريقاً حتى في شئون السياسة. وأصبحت كثير من ذمم الناس تُشترى بالمال، وكثرت حوادث الاختلاسات وحوادث الرشاوي وحوادث السرق والنهب، وحوادث النصب والاحتيال.



‏+ إن الشر له حيل كثيرة وميادين ومجالات واسعة، أكثر مما للخير من المجالات. وله أساليبه التي ينتصر بها على الخير. فالخير لا يستطيع أن يكذب كما يفعل الشر. ولا يستطيع أن يخالف ضميره كما يفعل الشر. ولا يستطيع أن يحتال أو أن يغدر بالغير أو أن يؤذي أحداً. ولكن هذه الأساليب متاحة كثيراً أمام الشر. لذلك كله فالشر له فرصة أكبر في التغلب على الخير.



‏+ على الرغم من كل ما قلناه فإن الخير كانت له مجالات كثيرة عمل فيها. ففي إنقاذ الغير مثلاً كان للخير مجال في عربات الإسعاف وعربات المطافئ ومجال فيما يعمله الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وما تقوم به كثير من الجمعيات الخيرية، والملاجئ، وأعمال البِرّ في المستشفيات ونذكر في هذا المجال مثلاً مستشفى السرطان لعلاج سرطان الأطفال. وما قام به العلم في تخفيف آلام البشر. وأيضاً ما يقوم به الرُّعاة في هداية الناس نحو البِرّ. وكل ما يقوم به أصحاب المشروعات الخيرية وهى عديدة.

‏+ إن النفوس البارة لا تزال موجودة، ولو أن نسبتها قليلة إذا قيست بالنفوس الخاطئة. ولا يزال الشيطان نشيطاً جداً يُحارب كل ما يراه من أعمال الخير، وللأسف يجد الشيطان قلوب كثيرة مفتوحة له، تُرحِّب به وتشترك معه في الخطيئة. ولعل الشيطان يقف كثيراً مفتخراً لأن أعماله مثمرة ومنتجة وهو يهوى نشر الصراعات. فمن الممكن أن يخرج من صراع الأديان إلى صراع الحضارات والثقافات إلى صراع السياسات.



‏+ كم من المليارات أو مئات الملايين في الشرق الأقصى يعبدون براهما، أو كومفوشيوس أو بوذا. ويعيشون حياتهم في معتقدات أخرى يؤمنون بها ... ومع ذلك ففي كل أولئك ألوان من الخير في الأخلاقيات وليس في الإيمان.

إننا نرجو من كل قلوبنا أن تكون للخير قوة أكثر من قوة الشر، وحينئذ ينتشر الخير بين الأفراد والمجتمعات والدول ويرضى اللَّه على الناس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق