19‏/11‏/2009

خلاص وأصلاح الأخرين


" أيها الإخوة إن انسبق إنسان فاخذ في زلة ما فاصلحوا انتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضا " (غل 6 : 1)

يلزمنا فى إطار محبتنا للاخرين تنفيذاً للوصية المقدسة وطاعة الحق أن نهتم بهؤلاء الاخرين من أجل الوصول بهم إلى مستوى أفضل فى الامتلاء بالإيمان وطاعة الحق الإنجيلي ، لان الضرورة موضوعة على النفس التى تُروىَ أن تَروى غيرها من النفوس ، تماماً كما فعلت السامرية حينما ارتوت من ينبوع الحياة ذهبت تدعو الاخرين للارتواء منه أيضاً .. فليست هذه مهمة الكارزين وخدام الإنجيل فقط ، بل هذا دور كل إنسان مدعو إبناً لله تجاه كل إنسان بعيداً عن معرفة الله .

ولا يقبل لدى الله أن يتعذر الإنسان عن اهتمامه بخلاص الاخرين بما لديه من مشغوليات وارتباطات تعوقه عن وتعطله عن إتمام رسالته ، لأنه لا يجب أن نعطل تبليغ رسالة الإيمان والخلاص بما لدينا من معوقات وبما يشغلنا من أمور ، قد تكون فى نظرنا ذات أهمية بالغة ، ولكن ليس فى نظر الله ، الأمر الذى يؤكد دينونة الرافضين لخدمة المسيح و المعرضين عن إرجاع الخروف الضال .

ومتى بلغنا درجة متقدمة فى الغيرة على وصايا الإنجيل وطريق البر ومعرفة المسيح ، سوف لا نجد راحة إلا فى جذب كل النفوس لملكوت المسيح وطاعة الحق ، وتحقيق هذا الأمر يستلزم منا مراعاة الزلات التى يقع فيها الاخرين باستمرار ، لا لإدانتهم عليها ، وإنما لمساعدتهم على تجنبها ، ومن ثم إصلاحهم واقتيادهم لمعرفة الحق والامتلاء من النعمة والكمال الذى بالمسيح يسوع ..

ولكن يجب ملاحظة أن إصلاح هذه النفوس المريضة والساقطة مشروط بأن يكون من قبل أناس روحانيين وفى إطار من الوداعة ، وهذا ما دعا الطوباوى بولس الرسول أن ينبه تلميذه تيموثاوس إلى خطورة اهتمام الإنسان بتعليم الاخرين دون مراعاة هذا الإنسان واهتمامه بخلاص نفسه ، لذا قدم له النصيحة الرسولية المشهورة " لاحظ نفسك و التعليم " (1تي 4 : 16) وهذا معناه أن لا يترك الإنسان خلاص نفسه جانباً مفتكراً فقط فى خلاص الاخرين لئلا يضيع كل ما قد عمله وتعب فيه ويصير هو نفسه مرذولاً ..

لذا يستلزم الأمر أن يكون إصلاحنا لنفوس الضعفاء بقوة الروح القدس لا بالحكمة البشرية الضعيفة والعاجزة كل العجز عن النجاح فى تبليغ رسالة الخلاص واقتياد النفس لحظيرة الإيمان بالمسيح ، ومتى كان إصلاحنا لنفوس الضعفاء حسب إرادة الروح وتدبيره ، حتماً سنحصد كل نعمة ونجاح وتغيير فى حياتنا وحياة الذين استخدمنا الرب فى إرجاعهم .

وفى هذا المقال أرغب فى ذكر بعض الملاحظات التى أود أخذها بعين الاعتبار عند إصلاحنا للنفوس ، وهى كالتالي :

+ أمر الاهتمام بخلاص الاخرين ليس قاصراً فقط على الذين كرسوا أنفسهم بالكامل لخدمة الإنجيل ، بل هو عمل نابع عن نفس امتلأت يقيناً بأن الضرورة موضوعة على كل أبناً لله أن يسعى فى نشر ملكوت الله والدعوة لتبعية المسيح من كل القلب والضمير .

+ الزلات التى يقع فيها الاخرين مهما عظمت إلى الحد الذى معه ألحقت بهم الكثير من الخسائر والأحزان والأمراض ، نحن عرضة للسقوط فى هذة الزلات بعينها ،وذلك لأنه مكتوب " طرحت كثيرين جرحى و كل قتلاها أقوياء " (ام 7 : 26) ، فيجب أن نقاوم كل فكر من الأفكار الكاذبة والمضلة و التى تطمئنا كذباً بأننا صرنا مقتدرين و منائر فى الوعى والإرشاد الروحي ، وهذا ما دعا الرسول بولس ، كما أسلفت ، إلى التنويه عن أهمية مراعاة الإنسان لخلاص نفسه أبان تعليمه وإرشاده للاخرين ، وذلك من خلال رسالته إلى تلميذه تيموثاوس والتى قال فيها : " لاحظ نفسك و التعليم " (1تي 4 : 16) .

+ تكثر آلام الذين يتعبون فى التعليم والإرشاد الروحى عندما يفتكرون فى أنفسهم أنهم قد صاروا معلمين محصنين من السقوط والوقوع والإنحراف بسبب طول الزمان الذى أمضوه فى خدمة الكلمة و الإرشاد ، بحجة أن الله يفدى نفوس الذين يتعبون فى تعليم الكلمة واعتمادا على ما اكتسبوه من خبره فى مجال التعليم والإرشاد ، فالله حقاً امين وعادل ويحفظ نفوس أتقيائه ولا ينسى تعب المحبة ، ولكنه لا يطيق الكبرياء ولا يرتاح للذين يمجدون أنفسهم بأنفسهم .

+ تحتاج الكنيسة فى كل عصر ومكان إلى القلوب الممتلئة من نار الغيرة على خلاص الاخرين والبحث عن الخروف الضال وإصلاح نفوس الذين تملكت عليهم الخطية واستطاعت نار الشهوات أن تحرق كل رغبة كانت موجودة فيهم نحو السلوك حسب الحق ونور الإنجيل ، لا مفر من جذبهم لحظيرة الإيمان ثانية ولا سلام لنفس تتكاسل أو تخشى المبادرة بأمر إرجاعهم ، لأن فى إرجاعهم كل فرح للكنيسة ومساهمة فعلية فى بنيانها ، بل أن فى إرجاعهم كل فرح للسماء وقلب المسيح وروح القديسين .

+ إرادة الله للإنسان هى السعي الدائم من الإنسان نحو معرفة الحق وإتباعه رغم كل الظروف والصعاب ، لذا يسهل الرب دائماً طريق الذين يتعبون فى خدمة جذب النفوس وإرجاع الخروف الضال ، بل تمتد يد الرب بالمؤازرة القوية فى أبسط الخدمات التى من الممكن أن يقدمها شخص ما لإنسان يحتاج إلى إصلاح وإرشاد ، وهذا إنما يدل على حرص الله الشديد ورغبته الحاضرة كل حين على إصلاح نفوس الذين يسلكون بعيدا عن النور وطاعة الحق .

صديقي إن مسرة الروح القدس أن نهتم بكل أحد ونعتنى بخلاص الجميع ، و أن لا نتمركز حول أنفسنا وننسى أو نتجاهل أمر نشر الملكوت والتعب من أجله ، لأننا متى حققنا إرادة الرب وتغيرنا عن السلوك بالأنانية واللامبالاة بخلاص الاخرين حتماً سنعاين مواعيد للرب لم نكن نفتكر فيها من قبل ، لك القرار والمصير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق