لقداسة البابا شنودة الثالث
الشكّ حالة يكون فيها الإنسان مُزعزعاً قلقاً، لا يدري في أي طريق يسير. هو في حالة من عدم وضوح الرؤيا، يفقد فيها سلامه الداخلي، ويكون مُضطرباً في نفسه وفكره، فاقداً للثقة. وهكذا يصير الشكّ جحيماً للفكر والقلب معاً.
أحياناً يكون دخول الشكّ سهلاً. ولكن خروجه يكون صعباً جداً. وقد يترك أثراً مخفياً، ما يلبث أن يظهر بعد حين .. وإذا استمر الشك، ما أسهل أن يتحوَّل إلى مرض وإلى عُقد لها نتائجها. فيُقال إن هذا الشخص شكَّاك، أي أن الشكَّ صار طبعاً له.
وهذا الشكَّ ـ إذا استمر ـ فإنه يتلف الأعصاب، ويدعو إلى الحيرة وارتباك الفكر.
وفي عنف الشكّ، يمنع النوم، ومن نتائجه أيضاً، أنه يؤدي إلى التَّردُّد وعدم القدرة على البتِّ في الأمور.
والشكّ على أنواع كثيرة: منها الشكّ في اللَّه وفي العقيدة، والشكّ في الناس وفي الأصدقاء والأقارب، وأحياناً الشكّ في بعض الفضائل والقيم. بل الشكّ في النفس أيضاً،
وفي إمكانية التوبة وفي قبول اللَّه لها. وما أكثر تفرعات الشك ومجالاته. وسنحاول في هذا المقال أن نتعرَّض ولو بإيجاز لكل ذلك ...
فمن جهة الشكّ في اللَّه جلّ جلاله يكون ذلك على نوعين: إمَّا في وجود اللَّه، وإمَّا في مدى معونته لنا. والشكّ في وجود اللَّه، أي الإلحاد، فهو إمَّا محاربة من الشيطان، يحاول أن يزعج بها فكر المؤمن بينما القلب يرفضها بشدة. فلا يجوز للإنسان أن يتعامل مع هذا الفكر ولا أن يضطرب بسببه. والاثباتات على وجود اللَّه كثيرة ...
وقد يكون السبب في هذا الشكّ قراءة كتب الملحدين أو معاشرتهم والاختلاط بأفكارهم، أو يأتي ذلك من بحوث منحرفة في الفلسفة، أو في العلاقة بين الدين والعلم، وأصل الكون ونشأته. بينما لا خلاف بين الدين والعلم. فإن عرض البعض خلافاً: فإمَّا أن يكون سببه خطأً فيما يسمونه علماً، أو فهم خاطئ للدين.
وقد يكون الشكّ هو في مدى معونة اللَّه وحفظه، كأن يقول شخص: " لقد صلَّيت من أجل أمر مُعيَّن مرَّات عديدة بلا نتيجة. فما قيمة الصلاة إذن وما نفعها؟! ". ويبدأ أن يشكّ في جدوى الصلاة. أو في مراحم اللَّه. بينما اللَّه سيستجيب في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة. ويعطي الإنسان ما ينفعه وليس ما يطلبه. واللَّه بحكمته يعرف تماماً ما ينفعنا، ويمنحنا إيَّاه دون أن نطلب ...
إنَّ الشيطان يلقي بذاره من جهة الشكّ في اللَّه، لكي يجعلك تترك اللَّه، وتصبح فريسة في يديه هو. فعليك أن تبعد عن كل مصدر يبعدك عن اللَّه. أما الكتب التي تُشكِّكّ في وجود اللَّه أو معونته، فلا يصح أن يقرأها إلاَّ الثابت في الإيمان، القوي في عقيدته، الذي يستطيع أن يرد على ما فيها من إنحراف فكري هناك نوع آخر من الشكّ هو الشكّ في بعض الأصدقاء والأحباء والأقارب. هؤلاء إن كانت تربطهم المحبة والثقة، فلن يعرف الشكّ إليهم سبيلاً. ولكن إن نقصت المحبة،
حينئذ تنقص الثقة. فيكون القلب مستعداً للشكِّ، والأذن مفتوحة لكلام الوشاة. وكما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
قد صادفوا أُذناً صغواء ليِّنةً .. فاسمعوها الذي لم يسمعوا أحداً
وعلاج هذا الأمر هو المواجهة والصراحة. على أن يكون ذلك في محبة وفي غير إتهام أو قسوة. مع عدم التأثر بالسماعات والوشايات، وعدم تصديق كل ما يُقال. فكثيراً ما يكون الإتهام ظالماً، مهما كانت الدلالات واضحة. ولا يجوز الحُكم على أحد بدون الاستماع إليه.
وقد يحدث الشكّ أحياناً بين زوجين. فيشُكّ الزوج في أن زوجته تخونه، أو تشُكّ الزوجة في أن زوجها يخونها. وقد يكون سبب ذلك كلمة إعجاب بريئة أو إبتسامة.وأحياناً يحدث الشكّ كرد فعل لوسائل الإعلام. فإن رأت الزوجة فيلماً فيه زوج خان زوجته وهو في سفر أو في غربة. ثم تصادف أن زوجها قال لها إنه سيسافر في مهمة لبضعة أشهر، حينئذ يحاربها الشكّ وتقول له: " لن تسافر وحدك. رِجلِي على رِجلَك. في سفري معك أكون حصناً لك يحميك من أيَّة امرأة تحاول اجتذابك إليها ". إنَّ هذا الشكّ بين الزوجين، قد يكون سببه الغيرة الطائشة، أو عدم الثقة بالنفس. فإنَّ الزوجة التي تثق بنفسها، لا تظن في يوم من الأيام أن هناك امرأة أكثر منها جاذبية يمكن أن تؤثِّر على زوجها.
هناك شكّ آخر يمكن أن يوقعه الشيطان في بعض الفضائل أو القيّم. كأن يُشكِّك إنساناً في التسامح، فيقول عنه إنه لون من ضعف الشخصية. أو أثناء الصوم يحاربه بالأكل إذا جاع. ويقول له: " ما لزوم الصوم؟! وهل الفضيلة الجسدية لها قيمة؟! إنَّ اللَّه يهمه الروح قبل كل شيء. ليكن قلبك مع اللَّه، وكُل ما تشاء!! ".
وقد يُشكِّك الإنسان في ما هو الحرام؟ وما هو الحلال؟ ويحاول أن يطبق هذه الحيلة على السينما والتليفزيون وكل أنواع اللهو والموسيقى. ثم يتدرَّج إلى كل مال يصل إليه، وهل فيه حرام أو شبه حرام، كفوائد البنوك مثلاً. ثم في حق اللَّه من ماله، وعلى أيَّة جهة من العطاء يجوز أو لا يجوز. وهكذا يحيا في شكٍّ وفي حيرة ...
الشكَّ أيضاً ما أكثر ما يتعب الإنسان في المراحل المصيرية. ففي فترة الخطوبة: مَن تفضل الفتاة: هل الشاب الجذاب الذي تحبه؟ أم الغني الذي يكفل لها كل وسائل الراحة؟ أم صاحب المنصب الكبير؟ أم الذكي جداً الممتاز في دراسته؟ أم الشاب الذي يحبها ويهواها؟ وتبقى في حالة شكّ. وفي كل ذلك، هل تقبل ما يفضله أبوها، أم ما يفضله قلبها؟ أم ما يفضله عقلها؟...وشكّ المرحلة المصيرية قد يتناول نوع الدراسة التي يدرسها طالب بعد الثانوية العامة. بأيَّة كلية يلتحق؟ وأيَّة وظيفة تؤهلها؟ بل في الوظيفة بعد تخرجه: هل يفضّل العمل الحكومي أم العمل الحُر؟ وهكذا يتوه في شكوك تحتاج إلى بتٍّ، ورُبما إلى مشورة أيضاً من ذوي الخبرة. وإلاَّ يقع الشخص في دوامة من التَّردُّد. وفي المراحل المصيرية عموماً، يحتاج الإنسان إلى ثبات في هدف سليم، وفي وسيلة تحققه، مع معرفة للنَّفس وقدراتها ...
وهل ينجح فيه أم يفشل؟ أو شكّ إنسان في نفسه: هل هو محبوب من الناس أم لا؟ وهل تصرفاته مقبولة أم غير مقبولة؟ إن الفاقدين الثقة في نفوسهم يحتاجون إلى تشجيع. وكما أن الأطفال يحتاجون إلى كلمات مديح أو تشجيع ليثبتوا في الطريق السليم، كذلك الكبار أيضاً، يحتاجون إلى كلمة طيبة، وإلى رفع روحهم المعنوية وبخاصة إن كانوا في حالة مرض، أو في مشكلة أو ضيقة. حتى لا يدركهم اليأس، أو أن يقول الواحد منهم: " لا فائدة ... قد ضعت!! ".ومن جهة موضوع الشكّ: أشكّ أنه انتهى عند هذا الحدّ!
هل هناك خطوات لحل مشلكة الشك ، خاصة وان هنالك شخص يرى نفسه في معظم الامثلة السالفة الذكر .
ردحذف