" و لكن كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم "
(يع 1 : 22)
لا فائدة من سماع كلمة الرب دون السعى والمحاولة للعمل بها ، حتى ولو فشل الإنسان فى أن يسلك فى حياته بمقتضى كلمة الرب ، فالمحاولة وتكرارها لابد وأن تثمر ثمراً مباركاً آجلاً وعاجلاً ، طالما كانت هناك الإرادة الطيعة والمثابرة الدائمة للوصول إلى مستوى الذين كملوا فى التقوى والإيمان بالمسيح.
ولو كانت إرادة السيد من كلمته فقط لكى نتآمل فيها ونعجب بها معبرين عن ذلك بالكلام وباللسان ، لما حدثنا السيد عن عاقبة المخالفين وثمار عصيانهم لإرادة الرب ، الأمر الذى يشير وبوضوح إلى عزمه الاكيد ورغبته الدائمة فى سلوك الإنسان حسب مسرة الله ووفقاً لإرادته المعلنه فى الإنجيل ..
+ " و لتكن هذه الكلمات التي انا اوصيك بها اليوم على قلبك.و قصها على اولادك و تكلم بها حين تجلس في بيتك و حين تمشي في الطريق و حين تنام و حين تقوم. و اربطها علامة على يدك و لتكن عصائب بين عينيك.و اكتبها على قوائم ابواب بيتك و على ابوابك. ... " ( تث 6 : 6 -9 )
+ فقط عيشوا كما يحق لانجيل المسيح .... (في 1 : 27)
فإذا لاغنى عن طاعة الوصية المقدسة للإنسان الذى يريد ان يسلك فى النور ، ولابديل للسلوك حسب إرادة لله لنفس ترغب فى السلام و النجاة من كل تجربة ليست على مستوى إرادة الرب، فلقد أورد الرسول يعقوب قضية الطاعة والإذعان لكلمة الرب فى نفس الإصحاح الذى تكلم فيه عن التجارب الداخلية التى تقتل الإنسان نتيجة سلوكه حسب أهوائه وافكاره الشخصية ، ، وذلك لتوضيح حقيقة هامة وجديره بالأخذ فى الإعتبار وهى ارتباط التجارب الداخلية بعصيان كلمة الرب ورفض العمل بها ، فالتجارب الداخلية تاتى للإنسان لإمتحان صبره وإيمانه أما الخارجيه فنتيجة السلوك ضد روح الحق المعلن فى الانجيل .، وجدير بالإشارة هنا أن التجارب الداخلية ، وكما أوضح آباء الكنيسة ، لا تعنى ما قد يحل بنا من تجارب أو كوارثأو ضيقات، بل الخطيّة والظلمة ، وهذه التجارب الداخلية هى الذى طلبنا السيد ان نصلى لكى لا نجتاز بها ، وذلك عندما علمنا أن نصلى ونقول " و لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير ... " (مت 6 : 13) ، فالمقصود هنا بالتجارب ليست الخارجية التى تكون لإمتحان صبر الإنسان وإيمانه ، بل تلك التى تأتى ثمرة رفضه للوصية الإلهية المقدسة ، وما أصدق كلمات الوحى الإلهى التى كتبها سليمان الحكيم : " من ازدرى بالكلمة يخرب نفسه .. " (ام 13 : 13)
وهكذا تضمن لنا طاعة الوصية الإلهية وتنفيذها ،السير فى النور والسلوك بلا عثرة او ندامة ، وهذا هو وعد السيد لكل الذين يسمعون ويعملون ، أى التابعين له ، والذين يسلكون فى النور " فلقد وعدهم السيد بنور الحياة (يو 8 : 12) والمكافأة (ام 13 : 13) ..
ولكن عندما يسمع الإنسان كلمة الحياة ويرفض أو يتكاسل عن تنفيذها ، فهو لا شك والحال هكذا ، يرفض الحياة ، فهذه الكلمة هى القادرة ان تعطيه النعمة والبركة والفلاح فى كل مجالات حياته ، واولاد الله دائماً يميزهم النجاح والثمر ، وهذه هى مسرة الله من ناحية كل أولاده ، النجاح والثمر ، لذا وضع لهم الوصايا الكفيلة بصيرورتهم مثمرين وناجحين فى كل أعمالهم وأفكارهم وطرقهم ، ومن ثم فهى ليست وسيلة للتضيق عليهم او للحد من حريتهم ، كم أنها ليست عصا تاديب كما يظن البعض ، بل هى المرشد لكل محتار والسراج للذين يرغبون السير فى النور والسلاح الذى نقاتل به أجناد الشر الروحية فى معترك الجهاد الروحى ، هى علامة محبة الله للأنسان .، المحبة التى لا يعبر عن وعظمتها ومدى قوتها ..
فلولا وصايا الرب لهلك الإنسان بفعل جهلة " لأن كل من اخطا بدون الناموس فبدون الناموس يهلك .. (رو 2 : 12) بالإضافة إلى دورالوصية الكاشف والمميز للحق من الباطل " لم اعرف الخطية الا بالناموس فانني لم اعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته " (رو 7 : 7) ..
وكثيراً ما قرأنا اوسمعنا العظات والتآملات ، ولكننا للأسف خدعنا نفوسنا ، لاننا رفضنا الخضوع للكلمة وصوت الحق وفضلنا السلوك حسب ناموس ذهننا الفاسد ، وتركنا طاعة البر ، بل أختارنا لأنفسنا مسالك رديئة وفرحنا بما صنعناه لنفوسنا من مبادىء وأفكار وأعمال ، وكلها لا تمت بصله للحق أو الكمال الذى يرجوه المسيح لأولاده ، " تركوني انا ينبوع المياه الحية لينقروا لانفسهم ابارا ابارا مشققة لا تضبط ماء .. و امتلات ارضهم اوثانا يسجدون لعمل ايديهم لما صنعته اصابعهم " (ار 2 : 13، اش 2 : 8)
وأمر رفضنا للعمل بالوصية المقدسة تعرض له الطوباوى بولس الرسول ووبخ أهل العبرانيين عليه قائلاً :لانكم اذ كان ينبغي ان تكونوا معلمين لسبب طول الزمان تحتاجون ان يعلمكم احد ما هي اركان بداءة اقوال الله و صرتم محتاجين الى اللبن لا الى طعام قوي (عب 5 : 12) ، والسبب فى ذلك هو ان كبرياء النفس أحياناً يمنعها عن سماع صوت الحق ودعوة الإصلاح من قبل الروح بسيف الكلمة..
ولذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: " متى كانت النفس متعجرفة ثائرة ومتوترة الأعصاب ومستهترة فإنها لا تقدر أن تتقبل كلمة الروح. اسمع قول الرسول: "هذا الكلام صعب من يقدرأن يسمعه؟!" (يو ٦: ٦٠)، لكن متى كانت النفس قوية وصحيحة يكون كل شيء بالنسبةلها سهلاً وخفيفًا ويصير كل شيء بالنسبة لها في أكثر سمو ونشاط، فترتفع محلقة في الأعالي" .. ولكن النفس التى يسكنها الإتضاع ويزينها الإنسحاق تقول لعريسها دائماً "نيرك هيِّن وحِمْلَك خفيف" .
صديقى لا تظن أن بدون خضوعنا للوصية سنبرر ونكون مقبولين لدى الله " لأنه ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عندالله بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون" ( رو ٢: ١٣ ) ، ومن ثم فالضرورة موضوعة علينا ان نسمع ونعمل ، لان الميراث المعد فى السماوات للذين يتبعون المسيح من كل قلوبهم ، وتبعيته تقتضى منا محبته من كل القلب ، وعلامة محبة الإنسان للمسيح هى العمل بوصاياه " الذي عنده وصاياي و يحفظها فهو الذي يحبني .." (يو 14 : 21) ، ومن لا يحب المسيح فهذا هو المحروم من الميراث السماوى "ان كان احد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن اناثيما ( أى محروما) .. " (1كو 16 : 22).
فحرى بك الآن أن تطيع صوت الرب ، وتعرف يقينا ان طاعة الرب هى التى تؤهل لمعاينته والإلتقاء به ، وما أجمل قول القــديس مرقس الناسك " يختفى الرب فى وصاياه، فمن يطلبه يجـده فيهـا أثنـاء تنفيذهــا " ، فإن اردت رؤيته نفذ مشيئته ولا تكون خادعاً لنفسك ، لأن من يرفض السلوك فى النور يرفض النجاه ومن يرفض صوت الروح يرفض الخلاص ومن يرذل كلمة الرب يرذل الرب نفسه ، لك القرار والمصير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق