11‏/03‏/2010

العلمانية هي الحل

بقلم أحمد عبد المعطي حجازي

نقلا عن جريدة الاهرام القاهرية

في 11/3/2010

هذا الكتاب الذي أحدثكم عنه اليوم‏,‏ وأنا معتز به متحمس له‏,‏ صدر في وقته تماما‏,‏ فكل ما حولنا يشهد بالأزمة‏,‏ التي اشتدت وضاقت حلقاتها‏.‏ وكل ما حولنا إذن يسأل عن الحل وينتظر الانفراج‏,‏ وهذا هو جواب السؤال‏.

:‏ العلمانية هي الحل‏!,‏ وهذا الجواب هو الكتاب الذي أحدثكم عنه اليوم‏,‏ ألفه الأستاذ فاروق القاضي‏,‏ وصدر عن دار العين‏.‏ ولقد يري البعض أو حتي الكثيرون أن العلمانية ليست حلا للبطالة‏,‏ وليست حلا لارتفاع الأسعار‏,‏ وارتفاع إيجارات المساكن‏,‏ وبقاء الأجور علي ما هي عليه‏,‏ لكن هؤلاء الذين يتحدثون عما نعانيه في حياتنا العملية ولا يتجاوزونه الي ما وراءه يرون العرض ـ بفتح الراء ـ ولا يرون المرض‏,‏ ولأن الرؤية قاصرة محدودة‏,‏ فردود الأفعال غريزية عصبية لا وعي فيها ولا أناة‏,‏ والطريق يبدو أمامنا مغلقا بلا أفق‏,‏ والخديعة فيه سهلة‏,‏ ونحن معرضون لأن نضل ونتوه‏.‏
بل لقد تهنا بالفعل‏,‏ فبدلا من أن نرجع لعقولنا ونبحث عن حل ممكن في هذه الدنيا التي نسكنها‏,‏ وفي هذا العصر الذي نعيش فيه يبحث لنا بعضهم عن الحل‏,‏ فيما ورثوه من كتب صفراء‏,‏ أو فيما يخططون له ويتحينون الفرص للقيام به‏.‏ بدلا من حل نشارك جميعا في البحث عنه يحدثنا بعضهم عن حل سحري جاهز يقدمه لنا من يزعمون أنهم الناطقون وحدهم باسم الله‏,‏ المفوضون وحدهم لأن يحكمونا‏,‏ ويفرضوا سلطانهم علينا‏.‏ بدلا من اصلاح ديمقراطي حقيقي تستعيد به الأمة المصرية حقوقها‏,‏ وتعود به مصدرا للسلطات‏,‏ وتنصرف لمواجهة مشكلاتها الفعلية لتراها في حقيقة أمرها وحقيقة حجمها‏,‏ وتنخرط بكل طاقاتها في حلها‏,‏ وتتابع من خلال مجالسها النيابية وصحافتها الحرة ما يحدث‏,‏ وتراقب كل شيء‏,‏ وتحاسب كل مسئول‏,‏ وتعالج بفهم وحزم كل ما يقع من خطأ وتقصير ـ بدلا من هذه المواجهة العاقلة المضمونة النتائج سرنا في الطريق الذي يباعد بيننا وبين الحل‏,‏ ويسمح للمشكلات بأن تستفحل وتتعقد‏,‏ وتلتف علينا وتضيق علينا الخناق‏,‏ فلا نملك حينئذ إلا الاستسلام لمن يستغلون ما نحن فيه‏,‏ ويدفعوننا الي أسفل المنحدر‏,‏ فنزداد شعورا بالعجز والخوف‏,‏ ويقدمون لنا التطرف علاجا للتخلف‏,‏ ويرفعون لنا شعارات تبدو براقة وهي ليست أكثر من أوهام ـ أقول‏,‏ بدلا من أن نقوي جبهتنا‏,‏ ونستعيد ثقتنا بأنفسنا‏,‏ ونزداد تكاتفا وتلاحما‏,‏ ونستأنف السير في طريق النهضة‏,‏ ونؤكد استحقاقنا للديمقراطية‏,‏ وإيماننا بالعقل‏,‏ وحاجتنا للعلم واحترامنا لحقوق الإنسان ـ بدلا من أن نصارع التخلف‏,‏ ونتخلص من الأمية والطغيان‏,‏ نسمح للأزمة بأن تشتد‏,‏ وللمستفيدين من الأزمة بأن ينالوا من شعورنا الراسخ بالانتماء‏,‏ ويصيبوا وحدتنا الوطنية بالتصدع‏,‏ ويبذروا فينا بذور الفرقة‏,‏ والكراهية‏,‏ وهكذا تتحول مشكلاتنا المادية الي أزمة أخلاقية ومعنوية خانقة‏.‏
نحن نتساءل الآن عن مستقبلنا السياسي الذي لا نراه بوضوح‏,‏ ولا نعرف كيف نسهم في رسمه وبنائه‏,‏ والفساد يستشري‏,‏ والإنتاج الثقافي يتراجع‏,‏ والتعليم ينحط‏,‏ والعنف يزداد‏,‏ والفتنة الطائفية‏...‏ ووراء هذا كله التحالف الشرير الذي قام منذ بداية السبعينيات وقبلها بين التطرف الديني والطغيان‏,‏ وانتهي بنا الي ما نحن فيه الآن‏,‏ وما يتوالي علينا من آثاره ونتائجه‏,‏ محاكم التفتيش التي تطارد الكتاب والفنانين‏,‏ ومذبحة نجع حمادي‏,‏ وتصويت أعضاء مجلس الدولة ضد مساواة المرأة بالرجل‏,‏ وحقها في العمل في سلك القضاء‏,‏ ووقوف‏75%‏ من الشباب في استفتاء أخير الي جانب حق الزوج في ضرب زوجته‏!‏ واقرار غيرهم في استفتاء آخر بأن مصر دولة دينية‏,‏ فإذا كان هذا التحالف الشرير بين التطرف الديني والطغيان هو أصل الداء وأس البلاء‏,‏ فما هو الحل؟ الحل في هذا الكتاب الذي أحدثكم عنه‏,‏ فالعلمانية هي الحل‏!‏
العلمانية هي الحل‏,‏ لأن العلمانية هي خلاصة تجارب البشرية وثمرة نضالها الطويل وتضحياتها الغالية من أجل التحرر والتقدم‏.‏ وكما عرفت البشرية طريقها الي العلم واستطاعت من خلاله أن تكتشف الطبيعة وتسيطر عليها وتسخرها لتلبية حاجاتها وتحقيق مطالبها‏,‏ عرفت البشرية طريقها الي العلمانية وأقامت عليها الدولة الوطنية الحديثة التي انفصلت عن امبراطوريات العصور الوسطي وسلطناتها الدينية‏.‏
في العصور الوسطي كان البشر قبائل وعشائر لا يجمعهم إلا أمرأوهم من جانب ورجال دينهم من جانب آخر‏,‏ وقد تحالف الأمراء ورجال الدين ليوسعوا أملاكهم وينشئوا تلك الامبراطوريات الدينية التي أقامها المسيحيون والمسلمون في العصور الماضية‏.‏
لكن البشر تقدموا‏,‏ وخرجوا من عزلتهم‏,‏ ودخلوا في العصور الحديثة‏,‏ واكتسبوا معارف وخبرات لم تكن متاحة لهم من قبل‏,‏ وتحولوا من قبائل وعشائر الي أمم وشعوب ضاقت بالعبودية‏,‏ وعرفت أن لها حقوقا يجب أن تستردها‏,‏ ومصالح يجب أن ترعاها‏,‏ وهي لا تستطيع أن تسترد حقوقها أو ترعي مصالحها إلا بالعمل المشترك الذي يجب أن ينخرط فيه كل أبناء الأمة علي اختلاف عقائدهم ومذاهبهم وطبقاتهم ومستوياتهم‏,‏ فالعمل الوطني المشترك هو وحده السبيل الي الحرية والتقدم‏,‏ وتلك هي العلمانية التي أملت علي المصريين في ثورة‏1919‏ شعارهم الصحيح الناصع‏:‏ الدين لله‏,‏ والوطن للجميع‏!‏
الدين ضمير‏.‏ علاقة بين الإنسان الفرد وربه‏,‏ أما الوطن فملكية مشتركة وساحة نواجه فيها معا تحديات الحياة ونتغلب عليها معا‏,‏ والفصل إذن بين النشاط الديني والنشاط الوطني مبدأ أساسي في النظم الديمقراطية‏,‏ لابد من احترامه حتي لا يستغل الدين في السياسة‏,‏ ولا تستغل السياسة في الدين‏.‏
حين أقف بين يدي الله لا أكون مسئولا إلا أمامه سبحانه‏,‏ أما في النشاط الوطني فأنا مسئول أمام غيري من المواطنين‏,‏ والعلمانية إذن هي المبدأ الذي يمكننا من الاخلاص لعقائدنا الدينية من ناحية‏,‏ ولواجباتنا الوطنية من ناحية أخري‏,‏ أما خلط الدين بالدولة فيفسد الدين والدولة معا‏,‏ والدولة الدينية إذن ليست هي الحل كما زعم الذين رفعوا هذا الشعار‏,‏ وإنما الحل في العلمانية‏,‏ أي في فصل الدين عن الدولة‏.‏
الدولة الدينية تفرض علي رعاياها عقائد حكامها‏,‏ وتسخرهم لخدمة مصالح هؤلاء الحكام‏,‏ أما الدولة العلمانية فتضمن لمواطنيها حريتهم وحقهم في أن يفكروا لأنفسهم‏,‏ ويختاروا حكامهم‏,‏ وينموا قدراتهم‏,‏ ويصححوا أخطاءهم‏,‏ ويعالجوا مشكلاتهم‏,‏ ويقفوا متساوين أمام القانون الذي لا يميز بين النساء والرجال‏,‏ أو بين الأغنياء والفقراء‏,‏ أو بين البيض والسود‏,‏ أو بين المسلمين وغير المسلمين‏.‏
ليست وظيفة الدولة أن تضمن للمواطن دخول الجنة‏,‏ وانما وظيفتها أن تضمن له دخول المدرسة ليتعلم‏,‏ والمستشفي ليعالج‏,‏ وسوق العمل لينتج ويكسب رزقه ويعيش‏,‏ تاركة له حريته الكاملة في أن يفكر كما يشاء‏,‏ ويعبر كما يشاء‏,‏ ويمارس شعائره الدينية كما يشاء‏.‏
حرية الاعتقاد مكفولة في الدولة العلمانية‏,‏ والذين يزعمون أن العلمانية تعادي الدين جهلاء يهرفون بما لا يعرفون‏,‏ أو شهود زور كذابون‏,‏ فلا تصدقوهم‏!‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق