: العلمانية هي الحل!, وهذا الجواب هو الكتاب الذي أحدثكم عنه اليوم, ألفه الأستاذ فاروق القاضي, وصدر عن دار العين. ولقد يري البعض أو حتي الكثيرون أن العلمانية ليست حلا للبطالة, وليست حلا لارتفاع الأسعار, وارتفاع إيجارات المساكن, وبقاء الأجور علي ما هي عليه, لكن هؤلاء الذين يتحدثون عما نعانيه في حياتنا العملية ولا يتجاوزونه الي ما وراءه يرون العرض ـ بفتح الراء ـ ولا يرون المرض, ولأن الرؤية قاصرة محدودة, فردود الأفعال غريزية عصبية لا وعي فيها ولا أناة, والطريق يبدو أمامنا مغلقا بلا أفق, والخديعة فيه سهلة, ونحن معرضون لأن نضل ونتوه. بل لقد تهنا بالفعل, فبدلا من أن نرجع لعقولنا ونبحث عن حل ممكن في هذه الدنيا التي نسكنها, وفي هذا العصر الذي نعيش فيه يبحث لنا بعضهم عن الحل, فيما ورثوه من كتب صفراء, أو فيما يخططون له ويتحينون الفرص للقيام به. بدلا من حل نشارك جميعا في البحث عنه يحدثنا بعضهم عن حل سحري جاهز يقدمه لنا من يزعمون أنهم الناطقون وحدهم باسم الله, المفوضون وحدهم لأن يحكمونا, ويفرضوا سلطانهم علينا. بدلا من اصلاح ديمقراطي حقيقي تستعيد به الأمة المصرية حقوقها, وتعود به مصدرا للسلطات, وتنصرف لمواجهة مشكلاتها الفعلية لتراها في حقيقة أمرها وحقيقة حجمها, وتنخرط بكل طاقاتها في حلها, وتتابع من خلال مجالسها النيابية وصحافتها الحرة ما يحدث, وتراقب كل شيء, وتحاسب كل مسئول, وتعالج بفهم وحزم كل ما يقع من خطأ وتقصير ـ بدلا من هذه المواجهة العاقلة المضمونة النتائج سرنا في الطريق الذي يباعد بيننا وبين الحل, ويسمح للمشكلات بأن تستفحل وتتعقد, وتلتف علينا وتضيق علينا الخناق, فلا نملك حينئذ إلا الاستسلام لمن يستغلون ما نحن فيه, ويدفعوننا الي أسفل المنحدر, فنزداد شعورا بالعجز والخوف, ويقدمون لنا التطرف علاجا للتخلف, ويرفعون لنا شعارات تبدو براقة وهي ليست أكثر من أوهام ـ أقول, بدلا من أن نقوي جبهتنا, ونستعيد ثقتنا بأنفسنا, ونزداد تكاتفا وتلاحما, ونستأنف السير في طريق النهضة, ونؤكد استحقاقنا للديمقراطية, وإيماننا بالعقل, وحاجتنا للعلم واحترامنا لحقوق الإنسان ـ بدلا من أن نصارع التخلف, ونتخلص من الأمية والطغيان, نسمح للأزمة بأن تشتد, وللمستفيدين من الأزمة بأن ينالوا من شعورنا الراسخ بالانتماء, ويصيبوا وحدتنا الوطنية بالتصدع, ويبذروا فينا بذور الفرقة, والكراهية, وهكذا تتحول مشكلاتنا المادية الي أزمة أخلاقية ومعنوية خانقة. نحن نتساءل الآن عن مستقبلنا السياسي الذي لا نراه بوضوح, ولا نعرف كيف نسهم في رسمه وبنائه, والفساد يستشري, والإنتاج الثقافي يتراجع, والتعليم ينحط, والعنف يزداد, والفتنة الطائفية... ووراء هذا كله التحالف الشرير الذي قام منذ بداية السبعينيات وقبلها بين التطرف الديني والطغيان, وانتهي بنا الي ما نحن فيه الآن, وما يتوالي علينا من آثاره ونتائجه, محاكم التفتيش التي تطارد الكتاب والفنانين, ومذبحة نجع حمادي, وتصويت أعضاء مجلس الدولة ضد مساواة المرأة بالرجل, وحقها في العمل في سلك القضاء, ووقوف75% من الشباب في استفتاء أخير الي جانب حق الزوج في ضرب زوجته! واقرار غيرهم في استفتاء آخر بأن مصر دولة دينية, فإذا كان هذا التحالف الشرير بين التطرف الديني والطغيان هو أصل الداء وأس البلاء, فما هو الحل؟ الحل في هذا الكتاب الذي أحدثكم عنه, فالعلمانية هي الحل! العلمانية هي الحل, لأن العلمانية هي خلاصة تجارب البشرية وثمرة نضالها الطويل وتضحياتها الغالية من أجل التحرر والتقدم. وكما عرفت البشرية طريقها الي العلم واستطاعت من خلاله أن تكتشف الطبيعة وتسيطر عليها وتسخرها لتلبية حاجاتها وتحقيق مطالبها, عرفت البشرية طريقها الي العلمانية وأقامت عليها الدولة الوطنية الحديثة التي انفصلت عن امبراطوريات العصور الوسطي وسلطناتها الدينية. في العصور الوسطي كان البشر قبائل وعشائر لا يجمعهم إلا أمرأوهم من جانب ورجال دينهم من جانب آخر, وقد تحالف الأمراء ورجال الدين ليوسعوا أملاكهم وينشئوا تلك الامبراطوريات الدينية التي أقامها المسيحيون والمسلمون في العصور الماضية. لكن البشر تقدموا, وخرجوا من عزلتهم, ودخلوا في العصور الحديثة, واكتسبوا معارف وخبرات لم تكن متاحة لهم من قبل, وتحولوا من قبائل وعشائر الي أمم وشعوب ضاقت بالعبودية, وعرفت أن لها حقوقا يجب أن تستردها, ومصالح يجب أن ترعاها, وهي لا تستطيع أن تسترد حقوقها أو ترعي مصالحها إلا بالعمل المشترك الذي يجب أن ينخرط فيه كل أبناء الأمة علي اختلاف عقائدهم ومذاهبهم وطبقاتهم ومستوياتهم, فالعمل الوطني المشترك هو وحده السبيل الي الحرية والتقدم, وتلك هي العلمانية التي أملت علي المصريين في ثورة1919 شعارهم الصحيح الناصع: الدين لله, والوطن للجميع! الدين ضمير. علاقة بين الإنسان الفرد وربه, أما الوطن فملكية مشتركة وساحة نواجه فيها معا تحديات الحياة ونتغلب عليها معا, والفصل إذن بين النشاط الديني والنشاط الوطني مبدأ أساسي في النظم الديمقراطية, لابد من احترامه حتي لا يستغل الدين في السياسة, ولا تستغل السياسة في الدين. حين أقف بين يدي الله لا أكون مسئولا إلا أمامه سبحانه, أما في النشاط الوطني فأنا مسئول أمام غيري من المواطنين, والعلمانية إذن هي المبدأ الذي يمكننا من الاخلاص لعقائدنا الدينية من ناحية, ولواجباتنا الوطنية من ناحية أخري, أما خلط الدين بالدولة فيفسد الدين والدولة معا, والدولة الدينية إذن ليست هي الحل كما زعم الذين رفعوا هذا الشعار, وإنما الحل في العلمانية, أي في فصل الدين عن الدولة. الدولة الدينية تفرض علي رعاياها عقائد حكامها, وتسخرهم لخدمة مصالح هؤلاء الحكام, أما الدولة العلمانية فتضمن لمواطنيها حريتهم وحقهم في أن يفكروا لأنفسهم, ويختاروا حكامهم, وينموا قدراتهم, ويصححوا أخطاءهم, ويعالجوا مشكلاتهم, ويقفوا متساوين أمام القانون الذي لا يميز بين النساء والرجال, أو بين الأغنياء والفقراء, أو بين البيض والسود, أو بين المسلمين وغير المسلمين. ليست وظيفة الدولة أن تضمن للمواطن دخول الجنة, وانما وظيفتها أن تضمن له دخول المدرسة ليتعلم, والمستشفي ليعالج, وسوق العمل لينتج ويكسب رزقه ويعيش, تاركة له حريته الكاملة في أن يفكر كما يشاء, ويعبر كما يشاء, ويمارس شعائره الدينية كما يشاء. حرية الاعتقاد مكفولة في الدولة العلمانية, والذين يزعمون أن العلمانية تعادي الدين جهلاء يهرفون بما لا يعرفون, أو شهود زور كذابون, فلا تصدقوهم! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق