ليتكم تتعلمونه منى .
كتبها الأديب والشاعر فـايـز البهجــورى
لا أتذكر من الذى علمنى ، فى طفولتى المبكرة ، أن أتعلم من كل شخص أو شيئ ألتقى به . أو أى حدث أراه أو أعيشه ، وأتعلم منه متى أقدم على عمل أو أمتنع عنه .
لقد اكتشفت فيما بعد أن هذا هو أعظم درس تعلمته فى حياتى .
واليكم قصتى مع الغربان .
فى يوم من أيام طفولتى المبكرة إصطدت غرابا بنبله . وأمسكت به وهو حى . ولم أعرف بعد ذلك ماذا أفعل به .
فلحم الغراب لا يؤكل . وكذلك لم أكن أعرف كيف أقوم بتحنيطه للاحتفاظ به محنطا .
خطرت ببالى فكرة غريبة . ربطته بحبل من رجليه ثم صعدت الى سطح منزلنا بالقرية وربطت الطرف الثانى من الحبل فى قطعة خشب كانت على السطح ، وتركته ونزلت.
بدا الغراب ينعـق . وسمعت نعـيقــه الغربان .
هل كان يصرخ من الألم ؟ أم كان يسترحمنى لأطلق سراحه ؟ أم كان يطلب النجدة ؟ لا أعلم .
ولكن ما حدث كان شيئا ملفتا للنظر .
ظهر فى الأفق غراب . وغراب ثانى . وثالث . وعاشر . وعشرين واستمروا يتزايدون . وكانوا يحومون فوقه فى الجو وينعقون .
وبين وقت وآخر يهبط اليه واحد منهم ثم يطير مره آخرى وكأنه يستكشف الأمر .
كانت مظاهرة كبيرة غاضبة من الغربان . هـبـوا كلهم هبة واحدة لنجدة الغراب الأسير . وكانوا على إستعداد ليفعلوا أى شيىء من أجل انقـاذه.
هكذا وجدت نفسى أمام موقف جديد . فيه حب . فيه تعاون . فيه تضحيه .. فيه ثورة ايضا على الانسان، وإصرار على إنقـاذ الغراب الأسير منه .
ولم أعرف ماذا أفعل أمام هذه الثورة الغرابية ، وأمام هذا النعيق والضجيج العالى الذى أحدثته الغربان . وكيف أفض هذا التجمع الذى كان يزداد عددا فى كل لحظة .
ولاحظت أن ثورة الغربان قد لفتت نظر أسرتى والأسرة التى كانت تعيش معنا فى بيت العائله الكبير ، وأسر الجيران أيضا . ولم أستطع أو أجرؤعلى الصعود الى السطح حيث الغراب الأسير لإطلق سراحه ، وأخرج من هذا المطب الذى وقعت فيه
أخيرا قفزت إلى ذهنى فكرة .
ذهبت إلى غرفة النوم وأخذت ملاءة سرير خفيفة ولففتها على جسمى واختبأت فيها . ولم أظهر من جسمى شيئا . وأخذت معى أيضا مقصا ، وصعدت الى سطح المنزل .
وقمت بقص الحبل من رجل الغراب، وتركته يطير دون أن أتحرك أنا .
وما كاد الغراب يطير حتى إلتفت حوله الغربان فى الجـو .وأحاطوا به من كل جانب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق