الله من محبته قيل عنه: "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه." (يو13:15) وهو بذل نفسه عنا مأكلاً حقاً ومشرباً حقاً ليعطينا حياته.
ولقد خلق آدم على صورته، لذلك كان آدم مملوءاً محبة لأن الله محبة، وكانت محبة آدم كلها لله لا يجد لذته الا في الله لأنه على صورة الله، والله يقول لذاتى مع بنى آدم (أم 8: 30) وبسبب هذه المحبة فى قلب آدم لله، ومحبة الله لآدم كان فى جنة إسمها عدْن وعدْن كلمة عبرية تعنى فرح وبهجة. فآدم عاش فى فرح بسبب هذه المحبة المتبادلة مع الله. ولما سقط آدم قيل أن الرب الإله أخرجه من جنة عدْن، والمعنى أنه حين إهتزت وقلًّت محبة آدم لله فقد الفرح ودخل الحزن إلى العالم، وكان ان آدم هو الذى إختبأ من الله بسبب سقوطه، فبدأت المحبة تفتر وتقل. ومن هذا نفهم أن الفرح ناشىء عن محبة الله، هذا هو الفرح الحقيقى أما العالم فلا يعطى فرح بل يعطى ملذات. يخطىء الإنسان ويسميها فرح.
الفرق بين الفرح الحقيقى واللذة:
اللذة مؤقتة والخطية كنور البرق، أما الفرح فدائم كنور الشمس. اللذة لا يمكن أن تنتصر على الألم الخارجى أما الفرح فهو ينتصر، لذلك أقدم الشهداء على الموت فى فرح غير خائفين من الموت بسبب الفرح الذي فى داخلهم، والفرح الذى يعطيه الله لا يقدر حزن أو ضيق فى العالم أن ينزعه منا، وهذا هو وعد السيد المسيح (يو22:16) وبسبب هذا قال الكتاب "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك." (تث5:6) والله طلب هذا ليضمن لنا الفرح وليس لأنه محتاج لمحبة أحد.اللذة هى عطية الجسد بينما الفرح هو عطية من الله.
ولما فقد الإنسان الجنة فقد الفرح، فكان الفداء وإنسكاب الروح القدس على المعمدين، والروح يسكب محبة الله فى قلوبنا (رو5:5). وبالتالى يعيد الفرح فنستعيد الحالة الفردوسية الأولى لذلك نجد أن ثمار الروح القدس هى محبة.. فرح.. والترتيب ليس عشوائى بل كما رأينا فالفرح ناشىء عن المحبة، ولكن لنلاحظ أن الفرح ليس إفتعالاً، نحن لا نصنع الفرح بل هو عطية من الله. فالسيد المسيح يقول: "الأن عندكم حزن (فالعالم ملىء بالضيقات، والحزن الذى بحسب قلب الله هو أن نحزن على خطايانا) ولكن أراكم فتفرح قلوبكم (هو يحول أحزاننا إلى فرح وتعزيات" (يو22:16
أنواع المحبه
محبة طبيعية: كمحبة الأم لإبنها والزوج لزوجته.. إلخ. و هذه المحبة مُعرّضة لأن تضيع. يقول "إن نسيت الأم رضيعها" (أش15:49) إذاً من الممكن أن تتغير المحبة الطبيعية بل وتضيع. وهذه تنتمى للإنسان العتيق. لذلك فهى ليست مبرراً لدخول إنسان للسماء. فالسيد يقول: "لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأى أجر لكم.أليس العشارون أيضاً يفعلون ذلك." مت46:5
محبة هى عطية من الله: وهذه تنتمى للخليقة الجديدة. هذه التى قيل عنها "إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة." (2كو17:5) وهذه الخليقة الجديدة هى ثمار الفداء وعمل الروح القدس. "بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس الذى سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا. "(تى 3: 5، 6) ولذلك فمن ثمار الروح القدس المحبة.. (غلا 22:5). وهذه الخليقة هى التى تخلص "لأنه فى المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة." (غلا15:6) وهذه الخليقة تخلص لأنها فى المسيح، ثابتة فى المسيح (يو4:15) والمسيح حياة (يو25:11) وعلامة الثبات فى المسيح أن تكون لنا محبة، فالله محبة (1يو16:4). وثمار هذه المحبة حياة أبدية، فالمسيح أيضاً الذى نثبت فيه هو حياة. وعلامة أن لنا هذا النوع من المحبة أن نحب حتى أعدائنا. لذلك فوصية "أحبوا أعدائكم." (مت44:5) هى ليست فى إمكانية البشر الذين مازال لهم الطبيعة القديمة العتيقة، بل لمن لهم الخليقة الجديدة. لذلك يقول يوحنا الحبيب فى رسالته الأولى "نحن نعلم أننا قد إنتقلنا من الموت (الإنسان العتيق) إلى الحياة (الخليقة الجديدة) لأننا نحب الأخوة. من لا يحب أخاه (مازال فى حالة الإنسان العتيق) يبق فى الموت. كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس." (نفسه هو) 1يو 3: 14، 15وراجع قول السيد المسيح: "كما أحبنى الآب كذلك أحببتكم أنا. إثبتوا فى محبتى." يو9:15
كما أحبنى الآب
الآب والإبن ليسا شخصين منفصلين كل منهما يحب الآخر وحينما يُقال الآب يحب الإبن (يو20:5) أو أن الإبن يحب الآب يو31:13 فهذا ليس إنفصال بل هذا تعبير عن الوحدة بينهما ولكن بلغة المحبة التى هى طبيعة الله. وهذه مثل "أنا فى الآب والآب فىًّ" (يو10:14) + (يو38:10). والمعنى أنهما واحد بالمحبة.
كذلك أحببتكم أنا
كذلك = كما أنا فى الآب والآب فىًّ بالمحبة هكذا أثبت فيكم وتثبتون فىًّ بالمحبة. والإبن يحبنا إلى المنتهى يو1:13. ومن له طبيعة المحبة أى صارت له الطبيعة الجديدة فهو يثبُت فى المسيح بالمحبة ويثبَت فيه المسيح بالمحبة فتكون له حياة أبدية وينتقل من الموت إلى الحياة. أضف لهذا ما قاله السيد المسيح عمن يحفظ الوصايا "إن حفظتم وصاياى تثبتون فى محبتى كما إنى أنا حفظت وصايا أبى وأثبت فى محبته" يو10:15
فحفظ الوصايا هو علامة المحبة (يو23:14). ولذلك فالمسيح يحفظ وصايا الآب لأنه يحب الآب كما سبق وقلنا. أو أن الأدق أن نقول أن معنى أن المسيح يحفظ وصايا الآب أنه واحد مع الآب بالمحبة، وبالتالى فإرادة الآب هى نفسها إرادة الابن ايضا. فوصايا الآب هى نفسها ما ينفذه الإبن فهما واحد لكن الآب يريد والإبن ينفذ. وبالنسبة لنا نفهم ان هناك شرطين اساسيين لنثبت فى المسيح فتكون لنا حياة:-ان نثبت فى المحبة , ان نحفظ الوصايا
إثبتوا فى محبتى
لقد صارت لنا طبيعة المحبة كثمرة طبيعية لحصولنا على الخليقة الجديدة، لكن حتى نحافظ على هذه المحبة (وهى نعمة أى عطية مجانية أخذناها كثمرة للفداء من الروح القدس) ينبغى لنا أن نجاهد والجهاد هو التغصب على عمل الصالح مت12:11.مثال: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم"مت44:5
أحبوا أعداءكم = هذه نعمة أى عطية مجانية من الله، كثمرة من ثمار الروح القدس الذى سكن فينا وجدد طبيعتنا بعد الفداء. وهذه المحبة هى علامة الخليقة الجديدة التى لها حياة أبدية.ولكن كل نعمة تحتاج لأن نجاهد حتى نحافظ عليها أو نكتسبها وهذا ما قاله الآباء أن النعمة هى عطية مجانية لكنها لا تعطى إلا لمن يستحقها.
فما هو الجهاد المطلوب حتى نحافظ على هذه المحبة؟
باركوا لا عنيكم = أى تغصبوا أن تتكلموا حسناً على أعدائكم الذين يلعنوكم. "باركوا ولا تلعنوا" (رو14:12) أى تكلموا حسناً حتى على من يكرهونكم. أحسنوا إلى مبغضيكم = أى إغصبوا أنفسكم على أن تقدموا خدمات لأعدائكم (الذين يعادونكم ويبغضونكم لأننا لا نبغض أحد) ولا تقولوا أنهم لا يستحقون، تشبهوا بمسيحكم الذى قيل عنه: "ولكن الله بيًّن محبته لنا لأنه ونحن بعدُ خطاة مات المسيح لأجلنا" رو8:5صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم = أى إغصبوا أنفسكم أن تصلوا لهم طالبين لهم الخير.وإن جاهدتم هكذا تنسكب النعمة فيكم وتجدون أنفسكم غير قادرين أن تكرهوا أعدائكم ولا أى أحد.
مثال آخر كيف نحب الله؟
لقد رأينا أنه بالتغصب أى الجهاد يعطينا الله محبة القريب. فكيف نحب الله؟ الروح القدس هو الذى يسكب محبة الله فى قلوبنا.رو5:5إذاً لكي نمتلئ من المحبة علينا أن نمتلئ بالروح، ولكي نمتلئ بالروح علينا أن نجاهد.
ولماذا الجهاد؟
يقول السيد لملاك كنيسة أفسسرؤ2: 4، 5 "عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى. فأذكر من أين سقطت وتب واعمل الأعمال الأولى وإلاّ فإني آتيك عن قريب وأزحزح منارتك ..".
فإن كان الله قد أعطاه المحبة لأنه هو وحده مصدر المحبة، فلماذا يعاقبه لأن محبته صارت أقل؟الإجابة الوحيدة أنه قَصَّر في جهاده وتكاسل.
وكيف نمتلىء من الروح القدس؟ وما هو الإمتلاء؟
الإمتلاء ببساطة هو أن لا ينقسم القلب بين محبة الله وأى محبة أخرى ولذلك طلب الله "يا إبنى إعطنى قلبك"أم26:23.وكلما إزدادت محبة الله فى القلب إزداد الفرح الحقيقى، لذلك يطلب الكتاب أن نحب الله من كل القلب حتى نمتلىء فرحاً.
إذاً كيف نمتلىء من الروح القدس؟
يقول السيد المسيح "يُعطى الروح القدس للذين يسألونه" لو13:11.
ويقول بولس الرسول إمتلئوا بالروح.. كيف؟ مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغانى روحية مترنمين ومرتلين فى قلوبكم للرب.. شاكرين.. خاضعين.. (أف18:5-21). أى أن الجهاد المطلوب بأن نبدأ بالتغصب فى تسبيح الله وفى اللجاجة فى طلب الإمتلاء بالروح القدس (لو1:18-8). ومن يطلب يستجيب له الله يبدأ الإمتلاء فيبدأ الحب ومن ثم يبدأ الفرح ومن ثم يصبح التسبيح ليس بالتغصب ولكن تعبيراً عن حالة الفرح الداخلى، وهذا هو الوضع فى السماء فلغة السماء هى التسبيح ولكن ليس كواجب أو فرض أو تغصب ولكن تعبيراً عن حالة الفرح والمجد التى سنكون فيها وهذا ما نتذوق عربونه هنا وكل هذا ينتمى إلى الطبيعة أو الخليقة الجديدة التى يخلقها فينا الروح القدس.
علامات المحبة كما حددها السيد المسيح لبطرس
إرعى غنمى = خدمة شعب الله علامة محبتنا للمسيح وإقبل الصليب الذى أسمح به = فكل ما يسمح به المسيح هو لخلاص نفسى، وهو الذى يقودنى فى طريق السماء، فهل أعرف أنا طريق السماء لكى أصل لها. إذاً لماذا التذمر والإعتراض على أحكام الله.و لا تقارن ما يحدث لك مع الآخرين = فكل إنسان مختلف عن الآخر، والمسيح يعرف كفاحص القلوب والكلى كيف يشفى طبيعتنا الساقطة المريضة لنصل للسماء، فلماذا تقارن نفسك مع غيرك وأنت لست هو، وهو ليس أنت.
الله محبة.إثبتوا فىًّ محبتة إذا أصاب إنسان عادى تجربة شديدة، جرت العادة أن يصرخ مشتكياً فى جهل "لماذا تفعل بى هذا يا رب" وهذا خطأ كبير إذا قلنا للمسيح لماذا أنت تفعل بى أنا هذا. فأنا قد فصلت نفسى عن المسيح بينما أن المسيح ثابت فىًّ، بل أننا جسده "لأننا أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه" (أف30:5) وأعضاءنا هى أعضاءه1كو15:6. لذلك فمن يقول هذا فقد حكم على نفسه بالموت إذ فصل نفسه عن المسيح بينما بولس الرسول يقول"لى الحياة هى المسيح" فى21:1+ غلا20:2.إذا شككت فى محبة إنسان يحبنى فعلاً، فإنه يعتبر هذا جرح كبير سببته له. فما بالك ونحن نشكك فى محبة الله تجاهنا بينما الله محبة.
إذا قلت لماذا يا رب تفعل ذلك، فأنا أنسب له الخطأ. والله كلىِّ الحكمة لا يخطىء بل كصانع الخيرات فإن كل ما يسمح به هو لخلاص نفوسنا، وهذا معنى "كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله".رو28:8
المحبة والأنا
رأينا في محبة المسيح محبة باذلة أخلى فيها ذاته وأتى ليَخدم لا ليُخدَم ويبذل نفسه غاسلاً أرجل تلاميذه وباذلاً جسده مأكلاً حقاً. لذلك فالمحبة المطلوبة هي على نفس النمط، أي نترك الأنا ونبذل أنفسنا طالبين ما هو لله لا ما يُرضى شهواتنا وما يُرضى الأنا.المحبة ليست فضيلة إختيارية بل هى علامة الإنتقال من الموت إلى الحياة، علامة الخليقة الجديدة.
المحبة فى العهد القديم كانت بالتغصب ، والمحبة فى العهد الجديد هى عطية من الله ينبغى أن نجاهد لنحافظ عليها فنخلص، لذلك قال السيد أن المحبة هى وصية قديمة (كانت بالتغصب) هى تغصب وأعمال من الخارج، والقلب لا يستطيع ان يحب. ولكنها صارت جديدة كعطية من الروح القدس (يو34:13)+(1يو7:2) هنا نجد التغيير داخلى والحب فى القلب كما هو ظاهر فى الخارج. والناموس كله يتلخص فى هذه الكلمة: محبة الله ومحبة الآخرين
هى قديمة لأنها وصية الناموس لكنها كانت تحتاج للجهاد الشخصى وهى بالتغصب والقلب فارغ من المحبة، فلم يكن هناك نعمة. وهى جديدة لأنها ثمرة من الروح، وبذلك فهى تجديد وتغيير فى الداخل. وهى نعمة أى عطية مجانية. ولكن كل نعمة تحتاج إلى جهاد للحصول عليها وجهاد للحفاظ عليها. ولذلك فالسيد قال أنها وصية جديدة ولم يقل لقد أعطيتكم نعمة المحبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق