05‏/04‏/2009

حاجتنا للسيد المسيح

حاجتي للمسيح


للأب أفرايم الأورشليمي

الله خالقي

أنت ذلك الإنسان المخلوق على صورة الله: عاقلا حرًا مريدا مسئولا لك سلطان على حواسك وأفكارك وجسدك وميولك وغرائزك ولك سلطان على الطبيعة وما فيها .

" وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا وكشبهنا فيتسلط على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض . فخلق الله الإنسان على صورته . ذكرا وأنثى خلقهما . وباركهما الله وقال لهما أثمرا وأكثرا واملآ الأرض " تك 2 : 26 – 2 8 .

ولما تمردنا على الله ،وكان السقوط لم يتركنا الله. بل كانت لنا نعمة الضمير والتمييز وأرسل لنا الله الناموس عونا ولما فسد الضمير وعجز الناموس، جاء الله متجسدا في طبيعتنا ليجددها ويعتقها من الفساد، ويعطيها نعمة البنوّة ، وكلما اقتربنا من الله وكلامه وإنجيله وأصبح لنا شركة مع الروح القدس عرفنا من نحن ولماذا هنا وأين سنذهب بعد الموت .

وكلما التجأنا إلى الله بالروح عرفنا حتى أعماق الله وعرفنا أنفسنا وحاجتنا المُلحّة إلى ألآب السماوي .

بماذا ينشغل الناس؟

ينشغل الناس بأمور كثيرة في حياتهم . منذ الولادة ينمو الطفل في حاجة إلى عناية واهتمام والديه ،وكلما تقدم الإنسان في السن ازدادت حاجاته . بل واخترع المجتمع الاستهلاكي حاجات جديدة وتفنن سعيا في إشباعها، وهذا ما يعمله فنّ الإنتاج والتسويق في مجتمعات المعاصرة .

اننا نهتم بالتعليم والنمو فيه وكيف نثقل شخصيتنا بالعلم والمعرفة.

ونهتم بإشباع حاجاتنا الجسدية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وأسرة . نهتم بالمستقبل وتأمينه ونهتم بإشباع حاجتنا للأمان والتقدير والحب، وكل هذا مطلوب ومستحب، لكن ان ننزعج ونضطرب من اجل كل هذا فذلك يورثنا القلق والهمّ . ان الإنسان مخلوق سماوي له روح خالدة تحن إلى الأبدية والخلود، وقد جعل الله الأبدية في قلوبنا ولما كنا صورة الله فستظل دائما الصورة في حاجة إلى الأصل وشوق إلى الشبع بالله . ولن تجد نفوسنا وأرواحنا شبعاً إلا في خالقها .

في حضرة المسيح

يقدم لنا القديس لوقا الإنجيلي زيارة السيد المسيح إلى بيت لعازر . وهناك رأينا مرثا مرتبكة في خدمة كثيرة، ومريم جالسة عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه . فقالت مرثا للسيد أما تبالي بان أختي قد تركتني اخدم وحدي فقل لها ان تعينني . فأجاب يسوع وقال مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين من اجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد . فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها لو10- 38 : 43 .

اننا كثيرا ما نرتبك من اجل أمور الحياة الحاضرة وننسى ان المحبة الإلهية هي التي تشبع النفوس، وحتى عندما يأتي الينا ضيوف أعزاء فانه بدون المحبة لن نستطيع إسعادهم وكما يقول الإنجيل " لقمة يابسة ومعها محبة خير من عجل مسمّن ومعه خصام " لقد فعلت مرثا حسنا وهى تكدّ وتتعب وهى تقدم واجب الضيافة للسيد والتلاميذ، وجاهدت لترضيهم إنها كالأم الحنون التي تتعب وتكد لتعد طعام أبنائها، وكل ما يسعدها ان يأكلوا ويشكروا تعب محبتها . الأم تُسَرّ كثيرا بتقدير الأبناء لتعبها . وكم يسُر السيد المسيح . ان يجد نفوس جائعة لكلمته المحيية فانه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله .

ان كل إتعابنا وكدنا في الحياة سينتهي، وكل ما جمعناه من جهد وسهر سيمضى أو نمضى نحن ونتركه، وليس معنا ذلك ان لا نعمل، فالمسيحية تدعونا ان نكون نورًا في العالم وشبعا للنفوس الجائعة ولكن ليس في اضطراب أو قلق أو انزعاج يشل التفكير السليم ويجعلنا ننتقد الآخرين، بل وحتى الله نجد أنفسنا غير راضين على حكمته وإحكامه . اننا مطالبون إذن ان نتاجر في الوزنان المعطاة لنا ونربح، ومطلوب منا ان نساعد الفقراء ونزور المرضى ونأوي الغرباء ،لكن ليس على حساب محبه الله والجلوس عند قدميه نسمع كلامه ونتأمله ونعمل به .

الجهاد والتأمل

ان التأمل الصادق والجلوس لدى المعلم الإلهي وسماع كلامه، يدفعنا لمزيد من العمل الروحي والجسدي الجدي لخدمة الآخرين وإشباع جوعنا وجوعهم . ان القلب الشبعان بمحبه الله هو الوحيد القادر ان يعطى في حكمة وسخاء، ويُخلّص النفس ويشفي الجسد . ان الكثير من أمراض العصر الجسدية ترجع في أساسها إلى مرض النفس أو الروح . والحاجة إلى الحب هي مرض العالم المعاصر.

والحاجة إلى التقدير والإصغاء إلى هموم الناس وآلامهم من الحاجات الإنسانية المُلحّة في عصر السرعة .

علينا ان نطعم أرواحنا ونغذيها بالطعام الروحي، فكلمة الله أطيب من الشهد . دع الله يغذّيك ويشبعك بالجلوس معه وفى حديث الحب إليه حينئذ تستطيع أن تروي وتشبع النفوس الجائعة أيضا . ليكن لك توق وشوق للامتلاء بالحكمة الإلهية، والحكمة ستقودك إلى تأمل مشبع وخدمة غير مرتبكة " فالرسل لم يقبلوا ان يتركوا الصلاة وخدمة الكلمة ليخدموا الموائد . " أع 6 : 2 .

والشمامسة الذين اختيروا لخدمة الموائد كانوا مملوءين من الحكمة .

المسيح كنزنا العظيم

الذي يحب الله من كل قلبه ونفسه وفكره يكون له الله هو الكنز الصالح الذي منه تخرج الصالحات " وحيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا " مت 6 : 12 .

ان المسيح متى حلّ في قلبك ،يجعل لحياتك معنى ولعملك قيمة ولتأملك عمق ولكلامك وزن ولفرحك استمرارية تمتد من الحياة الحاضرة إلى الأبدية ويجعلك تسعى كسفير عن المسيح لمصالحة الناس مع الله .

الذي كنزه المسيح لا يكون للمال عبدًا، والذي يحب المسيح لن تدخل قلبه محبه خاطئة أو شهوة رديئة، والذي يمتلكه المسيح يجعل منه نورا للعالم وملحاً في الأرض . وهو في خدمته يُقدّم صورة المسيح الحلوة للآخرين ويقدّم نفسه خادما ليسوع المسيح ويجد سعادة في العطاء وبينما يعطي الآخرين ويخدمهم، فانه يأخذ المكافأة من الله ومن محبة الناس أيضا .

المرتل في محبته لله أحسّ بالاكتفاء بالله وقال نصيبي في السماء قالت نفسي ومعك لا أريد شيئا على الأرض . وكلما اقتربنا من الله أكثر زهدنا في أشياء العالم وممتلكاته ان مشكلة المدنيّة المعاصرة أنها تعلمنا كيف نجمع وكم نملك . بدلا من ان تعلمنا كيف لا يملكنا شئ ونتجرّد من كل شئ ونكون أغنياء في الإيمان وورثه في ملكوت السموات . كلما سكنت محبه الله قلوبنا أغنت حياتنا " في بيت الصديق كنز عظيم وفى دخل الأشرار كدر " أم 15 : 6 .

" لقد اختار العالم فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان وورثه الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه " يع 2 : 4 .

فان كان لأحد كثير فليست حياته في أمواله لأنه واضح اننا دخلنا العالم بلا شئ وهكذا سنتركه فلماذا نركض وراء السراب ؟ فلا تتكل على الأموال الزائلة ولا السلطة المتقلبة، وليكن الله شبع نفسك والذي يعتني بطيور السماء وزنابق الحقل فسيعتني بك ويرعاك . أنت تاج خليقة الله بل وابنه المحتاج إليه دائما ولن تشبع نفسك إلا في دائرة محبته لذلك فلتسع مجاهدا لتضبط ذاتك متاجرا في وزناتك ومواهبك من اجل أبديتك ومن اجل اقتناء محبة الله .

احتاج إليك

احتاج إليك يا ربي والهي وأنت الراعي الصالح للقطيع وأنا بين يديك حمل وديع . وبدونك اهلك وأضيع . ومعك أتعلم واشبع

قُدني إلى مراعيك الإلهية واروني بمحبتك الأبدية ، رد نفسي إليك يا راعيَّ.

احتاج إليك فعلمني ان لا اتلهّى بملاذ الدنيا الباطلة وان لا اشتهي متعه المغرية . ولا فلسفات العالم الكاذبة. علمني ان ازهد فيما هو في يد الناس ، علمني أن أحبك لذاتك لا لخيراتك ، وان تكون أنت نصيبي الصالح فمعك لا أريد شيئا على الأرض.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق