تأسيس كنيسة الأسكندريه
تحتفل كنيستنا بعيد استشهاد واحد من أكبر الأنوار التي أشرقت علي البشرية وهو هذا النور الذي أضاء علينا نحن المصريين ، مارمرقس الرسول الذي نور في بلادنا ونقل إلينا نور الإنجيل ونقلنا من الظلمة إلي نور ابن الله الوحيد.في يوم8-5 الموافق 30 برمودة استشهد مارمرقس الرسول في شوارع الإسكندرية
في يوم 29 برمودة جره الوثنيون الذين غضبوا علي ما فعله مارمرقس الرسول في بلادنا المصرية،حيث جذب كثيرين إلي نور المسيح .
ومثل ما قال المسيح له المجد سيروا في النور مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلاموالذي يسير في الظلام لايعلم إلي أين يذهب، ثم يقول الإنجيل مع أنه قد صنع أمامهم آيات هذه عددها لم يؤمنوا بهليتم قول إشعياء النبي الذي قال يارب من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا به لأن إشعياء قال أيضاقد أعمي عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم، ويقول الكتاب أيضامع ذلك آمن كثيرون من الرؤساء غير أنه بسبب الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله.وهذا معناه أنه علي الرغم من أن النور واضح أمام الكل لكن هناك البعض لغباوة قلوبهم وعنادهم وإصرارهم علي رفض النور فإنهم يقاومون النور ويضعون الحجاب بينهم وبين النور,ثم يقيمون حرب علي أهل النور,وتنشأ بينهم وبين أهل النور حرب وقتال,قتال بالفكر وقد يتطور إلي قتال بالسيف وبغيرها من وسائل العنف البدني والمادي،وهذا ماحدث بالنسبة للمسيحية في مصر.
هذه الديانة الناشئة التي جاء مارمرقس الرسول يحمل مشعلها ليضيء علي الجالسين في الظلمة وظلال الموت، فوجد هناك أناس أبرياء استجابوا للنور، وفتحوا عيونهم وفتحوا قلوبهم لهذا النور فاستناروا به,وتحولوا إلي دين المسيح وتعمدوا باسم المسيح وصاروا مسيحيين.
وأسس مارمرقس لهم كنيسة وسلمهم القداس المعروف بالقداس المرقسي والذي دونه فيما بعد البابا كيرلس الأول فصار ما يعرف بالقداس الكيرلسي، وكتب إنجيله وأنشأ المدرسة اللاهوتية الأولي في الإسكندرية والتي لم ينتصف القرن الثاني للميلاد حتي صارت جامعة لاهوتية وصار يقصد إليها طلاب المعرفة من كل بلاد العالم ولذلك فأن كثيرين من الآباء الكبار المعروفين في القرون الأولي للمسيحية من غير أبناء كنيستنا هؤلاء بعد أن أتموا علومهم اللاهوتية في بلادهم جاءوا إلي جامعة الإسكندرية اللاهوتية ليتزودوا بمعارفه، ومن هؤلاء يوحنا ذهبي الفم الذي صار فيما بعد بطريرك القسطنطينية، وغريغوريوس الثيئولوغوس الذي أصبح أيضا بطريركا وباسيليوس الكبير الذي أصبح بطريركا وغيرهم كثيرون من آباء الكنيسة الكبار في العالم الأرثوذكسي المسيحي الأول,هؤلاء أيضا تزودوا من المعارف اللاهوتية من جامعة الإسكندرية بعد أن أتموا دراساتهم الدينية في بلادهم.
أستشهاد مار مرقس الرسول
وبينما كان مارمرقس الرسول يحتفل بعيد القيامة الذي وقع عام 68 لتجسد المسيح,وتصادف أن هذا اليوم كان أيضا عيدسيرابيس الإله المصري وكانت عبادة سيرابيس تجمع بين عبادة الإله آمون والإله أبيس.كان هذا عيدا عظيما عند الوثنيين,وبينما هم يحتفلون بعيد سيرابيس الإله الوثني هاجت الجموع وثارت ثورتهم علي أن فريق من المصريين تبع مارمرقس الرسول في ديانة جديدة ناشئة هي الديانة المسيحية التي جاء مارمرقس يكرز بها,فخرجوا من معبدهم بحماسة بالغة وهياج عظيم ودخلوا إلي الكنيسة.وكانت كنيسة مارمرقس في ذلك الوقت في بقعة تسمي دار البقر,دخلوا إلي مارمرقس وكان يحتفل بالقداس الإلهي، دخلوا وشدوا عنقه بحبل وبعنف شديد جروه وسحلوه إلي خارج الكنيسة,وكانوا يهتفون جروا جروا التيتل إلي دار البقرخرجوا بحماسة بالغة كما تعلمون كيف تكون المظاهرات,خاصة وإذا كانت هذه المظاهرة دينية، وهي مظاهرة الأغلبية الكثيرة ضد الأقلية الناشئة الضعيفة,بحماسة بالغة وبهياج شعبي ضخم أخذوا يجرون مارمرقس الرسول في طرقات الإسكندرية علي الأحجار والتراب وفي الشوارع,فتقطعت أوصاله وسالت دماؤه وتكسرت وتهشمت عظامه في كل طرقات الإسكندرية,إلي أن جاء المساء وحينئذ أودعوه في السجن بعد أن صار حطاما نتيجة ما أصابه من ضرب وركل ،وفي هذه الحالة المؤلمة التي كان فيها، ظهر له ملاك من السماء,وبعد قليل ظهر له رب المجد نفسه,وحياه وقال له السلام لك ياعبدي مرقس,بعد قليل ستنتقل إلي السماء وتنال إكليل الشهادة,كن ثابتا رابط الجأش لك الجزاء المبارك.أجرك عظيم جدا.
وربما لهذا السبب وغيره سمي مارمرقس الإنجيلي ناظر الإله,الذي تشرف بأن نظر الإله ورآه عينا بعين ليس فقط أيام أن كان تلميذا للمسيح عندما كان بين السبعين رسولا ولكن أيضا بعد صعود الرب إلي السماء نظره في هذه الرؤيا وفي غيرها من المناظر الروحانية التي أنعم الله بها عليه,وهذا هو السبب بأن مارمرقس أختص بهذا اللقب أنه الثيئوفورس أي الناظر الإله.فلما أشرق الصباح أقبل الوثنيون في مظاهرة ثانية وأخذوه مرة أخري وأخذوا يسحلونه بعد أن نال الشجاعة والقوة وكان قد نال الشفاء من جراحاته بظهور السيد المسيح له,ولكنه من جديد عاني معاناة أخري بهذا السحل الجديد وهذا التحطيم الجديد لعظامه,ومن كثرة ما عاني ارتطم رأسه وانقطع من جسمه,ففارقت روحه جسده وحملتها الملائكة إلي أحضان القديسين إلي السماء.وكان هذا هو يوم 30 من برمودة ولم يكف الجماهير أنهم رأوه قد مات، وأن رأسه قد انفصل عن جسده,ولكن أرادوا أن ينكلوا به أكثر فجمعوا أجزاءه وأشلاءه المبعثرة إلي بعضها البعض ليشعلوا فيها النار,وبالفعل أشعلوا النار غير أن شيئا عجيبا حدث,وهو أن أمطار تجمعت من غير توقع وسقطت علي النار فأطفأتها.وبهذا أنقذ جسد مارمرقس الرسول من الحريق الذي أحال الوثنيون علي إحداثه تنكيلا بهذا القديس الذي أزعجهم وأقضي مضاجعهم,والذي صنع تلك الثورة وأحدث ذلك الانقسام الروحاني بين المؤمنين وغير المؤمنين وصارت الكنيسة الناشئة الصغيرة ابتداء من هذه الفترة تمتد شيئا فشيئا بسبب استشهاد مارمرقس الرسول فزاد عدد المؤمنين وكان استشهاده بذرة لنمو الإيمان وازدياده في مصر,وهذا هو ماقاله آباء الكنيسة ونقلته كتب التاريخ أن دماء الشهداء بذار الإيمان فكان عندما يموت شهيد,المتوقع أن ينتهي بموته المبدأ الذي كان يدعو له,وهذا هو المقصود في تخطيط الناس الذين يضطهدوا الشهداء للقضاء علي الإيمان المسيحي,ولكن الذي كان يحدث هو العكس تماما,فبموت الشهيد يولد للمسيح أولاد كثيرون فتمتد الكنيسة,فتكون فعلا دماؤهم بمثابة البذرة التي تنبت وتخرج من هذا النبت ثمار كثيرة متعددة.
وصارت الكنيسة تعيد في الثلاثين من برمودة بعيد استشهاد مارمرقس الرسول الذي يوافق 8 من مايو
قبل أن يستشهد مارمرقس الرسول كانت الكنيسة قد تكونت بالفعل وصار عدد لابأس به في مدينة الإسكندرية,ثم في خارج الإسكندرية وخصوصا في ليبيا لأن مارمرقس الرسول جاء أول ماجاء إلي ليبيا,لأن مرقس الرسول أصلا من عائلة يهودية أقامت في إحدي بلاد الخمس مدن الغربية,وحاليا ليبيا.وحدث أن بعض اللصوص سطوا علي العائلة فسلبوها أمتعتها,فصاروا فقراء فهاجروا من ليبيا إلي بلاد فلسطين,في الوقت الذي كان فيه مخلصنا له المجد قد ظهر يكرز ويعلم فانضم إليه مارمرقس وأصبح واحدا من أتباعه,واختاره المسيح ليكون واحدا من السبعين رسولا وكان مارمرقس صغيرا في السن في ذلك الوقت,وأغلب الظن أنه لم يكن قد تعدي العشرين من عمره,فلما كرز بعد صعود المسيح في بلاد فلسطين وفي آسيا الصغري وفي قبرص وفي روما جاء إلي ليبيا إلي الخمس مدن الغربية,ومنها دخل إلي الإسكندرية,وبعد أن كرز في الإسكندرية وكسب إلي المسيح أعدادا وفيرة وبعد أن قضي وقتا طويلا نحو سبع سنوات رجع مرة أخري إلي الخمس مدن الغربية,وكرز هناك أيضا,وأسس كنيسة وصارت كنيسته شمال إفريقيا التابعة للكرسي المرقسي,وهذا هو السبب أنه من ألقاب بابا الإسكندرية يقال:بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في مصر والنوبة والحبشة والخمس مدن الغربيةوالخمس مدن الغربية كانوا يسمونهابنتوبوليس وهو التعبير القديم وهي الآن تقع في حدود ليبيا تقريبا إنما هي كلها في شمال إفريقيا.ثم رسم قسوسا وشماسة ثم عاد إلي الإسكندرية.
رسامة اول رئيس للكنيسة القبطية خليفة لمار مرقس ودور كنيسة الاسكندريه المسكوني
ورسم مارمرقس أسقفا في الإسكندرية اسمه حنانيا وباليونانيةإنيانوس وهو أول أسقف رسمه مارمرقس كذلك رسم قسوسا وشمامسة ومات في الإسكندرية شهيدا.نحن من واجب الوفاء نحتفل بعيد استشهاد الرجل الذي أحسن إلينا والذي خدمنا والذي نقلنا من الحياة الوثنية إلي الحياة المسيحية وعرفنا بالمسيح وكلفه هذا التعريف وكلفته هذه الخدمة الكثير من التعب والبذل والتضحية وتحمل المشقات والآلام والاضطهادات إلي أن استشهد بهذه الصورة المؤلمة,وبهذا العذاب الذي تحمله الذي دام علي الأقل يومين وهو يجر في الطرقات ويصدم جسمه بالأحجار وتخضبت أرض مصر بدمه,فلا نستطيع أن نحصي قطرات الدم التي انتشرت من جسده في شوارع الإسكندرية فتباركت شوارع الإسكندرية بهذا الدم الطاهر النقي,هذا الدم المقدس,استنارت الإسكندرية بهذا النور الذي أشرق عليها والذي سطعت منه وعن طريقه أنوار المسيح له المجد,فنحن مدينون لهذا الرجل مدينون له بهذا الفضل و سيظل شعورنا بالدين عظيما نحو هذا الرجل الذي أسس كنيسة احتلت في التاريخ أعظم سمعة وأفخر مجد نالته كنيسة أخري.إن كل الذين قرأوا التاريخ يعلمون أن كنيسة الإسكندرية في الخمسة القرون الأولي صارت أعلي منارة في المسيحية في العالم,وصار رؤساؤها أساتذة وعلماء تتلمذ علي أيديهم أساقفة العالم المسيحي,وهذا هو السبب في أن بابا الإسكندرية حمل علي مجري التاريخ لقب قاضي المسكونة ومعني أنه قاضي المسكونة أنه كان يحتكم إليه في المسائل اللاهوتية والمسائل الكنسية.
ولما كان بابا الإسكندرية من أساتذة المدرسة اللاهوتية التي تتلمذ علي يديه فيها كثيرون ممن صاروا أساقفة وكهنة في العالم المسيحي فأصبح يلقب المعلم وقاضي المسكونة ودائما كان بابا الإسكندرية في المجامع المسكونية التي عقدت في الخمسة قرون الأولي يحتل فيها مكانة المعلم ومكانة القاضي ومكانة المرجع والحكم الذي يحتكم إليه.هذه المكانة اللاهوتية التي وصلت إليها كنيسة الإسكندرية هي التي أثارت مشاعر الحقد الذي ترتب عليه ذلك الانقسام المؤلم الذي حدث في مجمع خلقدونية في عام 451م والذي بسببه انقسمت الكنيسة إلي شرقية وإلي غربية.أيها الإخوة والأبناء نذكر هذا الرجل الرسول,تلميذ المسيح الشهيد العظيم,أول أسقف وأول بطريرك في مدينة الإسكندرية ولكنيسة الإسكندرية,نذكر فضائله ونذكر طهارته فقد كان الرسول المعروف بأنه الرسول البتول لأنه آثر البتولية منذ شبابه المبكر وكرس حياته كلها روحا ونفسا وجسدا لخدمة سيده ومعلمه وصار البذرة الأولي للإيمان المسيحي الأرثوذكسي,ليس في مصر وحدها بل في كل بلاد إفريقيا
لنبارك الله ولنذكر القديس مرقس ونحيي ذكراه ونفتخر بأعماله لأن في أعماله تمجيدا لعمل المسيح,وامتدادها في بلادنا.هنا تصدق نبوءة إشعياء النبي يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب في تخومها فيعرف الرب من مصرإشعياء19:19-21لم يكن هذا المذبح في وقت إشعياء النبي,كانت هناك مذابح في مصر ولكنها كانت مذابح للأوثان وللأصنام,ولم يكن مذبح للرب في أرض مصر,ومنذ دخول المسيحية لأرض مصر,ومنذ إنشاء الكنيسة المسيحية التي أقيمت مذابحها في كل أرض مصر,وصار المسيحيون بالروح الدينية التي ورثوها من آبائهم,أقوياء ثابتين راسخين حتي صاروا أعرق شعوب العالم تمسكا بالإيمان حتي صار المثل القائل زحزحة جبل من موضعه أيسر من زعزعة قبطي من إيمانه لنا شرف أن نفخر به ونعتز به,إن آباءنا الأماجد صنعوا تاريخنا وصنعوا أعظم تاريخ للمسيحية في العالم كله,والعالم إلي اليوم يعترف بفضل كنيسة الإسكندرية في العالم المسيحي هذا الفخر نذكره ونرده إلي مارمرقس الرسول أبينا الذي أحسن إلينا والذي بذل نفسه كما بذل سيده من قبله نفسه من أجلنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق