الأنبا موسى الأسقف العام |
تهدف الخدمة إلى :
1- أن يقبل الجميع إلى التوبة.
2- أن ينمو التائب روحياً ويتخلص من السلبيات فى حياته.
3- أن يكتسب الإنسان فضائل روحية، وتظهر فى حياته اليومية ثمار الروح القدس.
4- أن يتحول هذا التائب، المجاهد روحياً، إلى خادم، يجتذب النفوس إلى الحظيرة المقدسة.
1- التوبة :
وهى الصحوة الروحية، التى فيها يتحرك الإنسان، بوعى كامل، وإصرار ثابت، من منطقة الخطيئة والتعدى، إلى حضن المسيح، وحياة الكنيسة.
والتوبة فى كنيستنا الأرثوذكسية، وبحسب المفهوم الكتابى، يجب أن تشتمل على :
1- الندم على الخطيئة :
من كل القلب، بحيث يشعر التائب أن ما عاشه نوع من الموت الروحى، والانفصال عن الله، والتدبير المستمر للكيان الإنسانى. فالخطيئة - بالقطع - تدمر الروح الإنسانية، إذ تحرمها من نسيم الروح القدس، وفرحة الرضا الإلهى، وتجعل الروح فى حالة مجاعة خطيرة، تؤدى إلى المزيد من التردي فى وحل الآثام.
كما أن الخطيئة تدمر الذهن، فالعقل المنشغل بالآثام، يستحيل أن يكون قادراً على التركيز والإنتاج، كما لا يمكن أن يكون مستنيراً بنور الله، قادراً على الإفراز والتمييز، وعلى إختيار القرار السليم، والخطوة الصائبة.
كذلك تدمر الخطيئة النفس، فالنفس الآثمة تكون دائماً مرتبكة ومنفلتة وغير متماسكة، فاقدة للسلام والسعادة "لا سلام، قال الرب للأشرار" (أش 22:48) بينما تكون النفس التائبة، المنضبطة بالروح، والمقدسة بالنعمة، قادرة على قمع تيارات الإثم العاملة فى الداخل والخارج معاً، إذ تسيطر بقوة الروح القدس على غرائزها، وحاجاتها النفسية، وعلى عاداتها وعواطفها وإتجاهاتها فتصير نفساً هادئة، يشع منها سلام سمائى.
كما أن الخطيئة تدمر الجسد، وهذا أمر معروف، فالنجاسة لها أمراضها الخطيرة، وأخطرها الإيدز الذى يحطم جهاز المناعة، والكالاميديا التى تصيب الأنثى بالعقم، والهريس المؤلم والضار... الخ. وما ينطبق على النجاسة من حيث أضرارها على الصحة الإنسانية - ينطبق على التدخين، الذى يدمر الرئتين والقلب والمعدة والإبصار.. على المخدرات التى تتسبب فى ضمور العقل، مع آلام الانسحاب الرهيبة... وعلى الخمر التى تتسبب فى سرطان الكبد وفشل الكلى... كذلك فالخطيئة تدمر العلاقات الإنسانية، إذ يستحيل على إنسان أن يقبل التعامل والصداقة مع إنسان شرير ومنحرف... بينما يكون الإنسان التقى، موضع حب وثقة من جميع الناس.
هكذا تكون التوبة هامة فى حياة الإنسان، وأول مقوماتها الندم على الخطايا، لما تجلبه من أضرار رهيبة على الإنسان.. وهكذا يتقدم التائب إلى..
2- العزم على ترك الخطيئة :
فبدون هذا العزم، يتحول التائب إلى إنسان يتمنى دون أن يجاهد، ويتكلم دون أن يفعل. العزم على ترك الخطيئة، يظهر من الجهاد الأمين الذى يبذله الإنسان، كى يتخلص من هذه الأمور السلبية، وهكذا يحرص على أفكاره، وحواسه، ومشاعره، وإرادته، وسلوكياته، مقاوماً كل إغراء أو ضغط، مظهراً للرب نية صادقة فى التوبة والجهاد والحياة المقدسة، وهنا نتذكر قول الحكيم: "من يكتم خطاياه لا ينجح، ومن يقر بها ويتركها يرحم" (أم 13:28).
3-الإيمان بدم المسيح :
فبدون هذا الدم الإلهى، يستحيل أن يخلص إنسان، لأن دم المسيح:
يغفر لنا خطايانا... "لأن لنا فيه الفداء، بدمه غفران الخطايا" (أف 7:1، كو14:1)، و "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 22:9).
يطهرنا من كل خطية... فالغفران يخص الماضى، أما التطهير فيخص الحاضر، حينما ينقينا دم المسيح من خطايانا الخفية والظاهرة... "دم يسوع المسيح أبنه يطهرنا من كل خطية" (1يو 7:1).
يقدسنا للرب... "لأن يسوع لكى يقدس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب"
(عب 12:12)... والقداسة هنا تعنى التخصيص، بحيث يكون الإنسان بكل كيانه للرب.
يثبتنا فيه... كما هو مكتوب "من يأكل جسدى ويشرب دمى، يثبت فىّ وأنا فيه"
(يو 56:6) فالتناول من جسد الرب ودمه، هو وسيلة إلهية قوية للثبوت فى الرب، ولكى يسكن الرب فى داخلنا: فكراً، ووجداناً، وسلوكاً...
يحيينا حياة أبدية... لأن "من يأكل جسدى ويشرب دمى، له حياة أبدية، وأنا أقيمه فى اليوم الأخير" (يو 54:6) فالتناول إذن هو طريق الملكوت والخلود.
الإنسان التائب لا يعتمد على ذراعه البشرى الضعيف، خلواً من القوة الإلهية، والنعمة المخلصة لجميع الناس، إنه يجاهد قدر طاقته كى لا يسقط، ولكنه يعتمد على اقتدار الرب فى الخلاص، ومعونة نعمة الله العاملة فيه.
4- الإعتراف أمام الكاهن :
وهذا تتميماً لكلام السيد المسيح لمعلمنا بطرس: "أعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ما تربطه على الأرض، يكون مربوطاً فى السموات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً فى السموات" (مت 19:16) وهو نفس ما قاله الرب للتلاميذ: "فكل
ما تربطونه على الأرض، يكون مربوطاً فى السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء" (مت 18:18) ذلك لأن الرب بعد قيامته المجيدة، قال لتلاميذه: "سلام لكم، كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس، من غفرتم لهم خطاياهم تغفر لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت" (يو 21:20-23) وفى الإعتراف، يأخذ التائب - كما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث - حِلاً وحلاً... الحل من الخطايا، والحَلّ للمشكلات الروحية التى تعوق نمونا الروحى.
والإعتراف ضرورة كتابية - كما ذكرنا سابقاً - وضرورة عملية، إذ يحتاج الإنسان إلى خبرة أكبر تقوده وترشده، وضرورة نفسية، ففيها تستريح النفس المجهدة من توترات السقوط والضغوط والمشاكل. ذلك كله بفعل روح الله القدوس العامل فى سر التوبة والإعتراف، والقائد لكلٍ من الأب الكاهن والإنسان المعترف...
التوبة - إذن - هى الهدف الأول من الخدمة، لأن الرب قد قال: "إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون" (يو 3:13،5)... ومعلمنا بولس يقول: "إن الله الآن، يأمر جميع الناس، فى كل مكان، أن يتوبوا متغاضياً عن أزمنة الجهل" (أع 30:17)... ألم تكن هذه وصية معلمنا بطرس - بالروح القدس - لجميع السامعين فى يوم الخمسين: "توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على إسم يسوع المسيح، لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس؟!" (أع 38:2).
إن النداء الأساسى للخادم، هو نفس نداء المعمدان: "توبوا لأنه قد أقترب منكم ملكوت السموات" (مت 2:3)، وهو نفس ما نادى به بعد ذلك رب المجد وهو يكرز ببشارة الملكوت (مت 23:4،35:9)، موصياً تلاميذه قائلاً: "وفيما أنتم ذاهبون إكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السموات" (مت 7:10)، وكما كان يقول للجموع: "قد كمل الزمان، وأقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر 15:1)، أنطلق التلاميذ إلى كل الأرجاء، "وصاروا يكرزون أن يتوبوا" (مر 12:6)..
ملامح هامة للتوبة :
لكى تكون التوبة ناجحة، يجب أن تشتمل على الملامح التالية :
1- سريعة : فما أخطر تسويف العمر باطلاً.
"إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا" (رو 11:13).
"الله الآن يأمر جميع الناس فى كل مكان أن يتوبوا، متغاضياً عن أزمنة الجهل" (أع 30:17).
"اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب 7:3،7:4).
"هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن يوم خلاص" (2كو 2:6).
إن خطورة تأجيل التوبة تأتى من التالى :
من يضمن عمره، حتى يؤجل توبته إلى الغد؟
القيود الحريرية للخطية، ستتحول مع الوقت إلى قيود حديدية، تصعب معها التوبة، وتتطلب جهاداً أكبر.
أن تأجيل التوبة يعطى فرصة لأصدقاء السوء أن يسحبونا إلى الخلف، ويورطونا فى نوعيات وكميات من الخطايا، أكثر مما كان.
إن التائب الصادق، يجب أن ينطلق بتوبة كالصاروخ حامل سفينة الفضاء، الذى يجب أن يمرق عنان السماء بسرعة معينة، حتى يفلت من الجاذبية الأرضية.
2- حاسمة : فالتائب المتردد...
"لا يظن أنه ينال شيئاً من عند الرب" (يع 7:1).
"رجل ذو رأيين هو متقلقل فى جميع طرقه" (يع 8:1).
ومن المهم أن يحسم الإنسان أموره، بعد أن يحسب حساب النفقة قائلاً: "كم من أجير لأبى، يفضل عنه الخبز، وأنا أهلك جوعاً.. أقوم وأذهب إلى أبى وأقول له: يا أبى أخطأت..." (لو 17:15،18).
إن الحسم ينتج من الإقتناع.. فإذا ما اقتنع الإنسان بخطورة الخطيئة، وإمكانيات الدمار الهائل الذى تحدثه فى الكيان الإنسانى، سوف يسرع بالتوبة دون تردد، ودون التفات إلى الوراء،
وإلا صار كامرأة لوط التى تحولت إلى عامود ملح، ناظرة وراءها إلى سدوم المحترقة.. لهذا يوصينا الرسول قائلاً: "اذكروا امرأة لوط" (لو 32:17).
وإن كانت امرأة لوط شبيهة ببنى إسرائيل حين خرجوا من أرض مصر، ولكن قلوبهم لم تخرج مع أجسادهم، فتذمروا على موسى كثيراً مشتهين العودة إلى قدور اللحم والكرات، إلا أن إبراهيم أب الآباء يقدم لنا النموذج البديل، إذ خرج من أرضه ومن عشيرته، فى حسم شديد، وبإقتناع كامل، حتى دون أن يعلم إلى أين هو ذاهب، لأنه آمن بالرب، وأقتنع أنه قادر على تحقيق الوعد.
من هنا نقول إن التوبة العقلانية أكثر ثباتاً من التوبة العاطفية. توبة الحسابات أثبت وأعمق من توبة الإنفعالات. توبة الاقتناع الواعى أقوى من توبة المشاعر الجياشة.. نعم.. لابد من عاطفة ومشاعر نحو الرب.. لكن المشاعر دون اقتناع، لا تثبت أمام عواصف الشيطان، وإغراءات الخطيئة، وضغوط الأصدقاء.
3- شاملة : فالتوبة السليمة يجب أن تشمل كل جوانب النفس، وزوايا الحياة..
أنها توبة الفكر، عن كل إنحراف ذهنى.
وتوبة الحواس، عن كل استخدام خاطئ.
وتوبة القلب، عن كل مشاعر سلبية.
وتوبة الإرادة، عن كل نية غير سليمة أو إتجاه غير بناء.
وتوبة الأعمال، عن كل تصرف سلبى، أو سلوك لا يمجد الله.
وتوبة الخطوات، إذ تلتزم بطريق الملكوت.
إن أخطر ما فى التوبة، أن تظل خطيئة محبوبة، مقبولة منا، ولا نجاهد ضدها... فالذى لا يعطى الرب كل شئ، كأنه لم يعطه أى شئ.
4- مستمرة : فالتوبة فى المفهوم الأرثوذكسى والكتابى - هى توبة مستمرة طول العمر.. وهذا واضح من غسل الرب لأرجل تلاميذه، دون تكرار غسل أجسامهم... فالمعمودية لا تتكرر... لكن التوبة تتكرر، إذ تتسخ أرجلنا من سلوكيات هذه الحياة ونحتاج أن نغسلها.. وما أحلى أن يحاسب الإنسان نفسه بعد كل سقطة، ويقوم!!
ولكن أحلى من ذلك، أنه يحاسب الإنسان نفسه قبل أى سقطة، فينتصر بنعمة الله!!
إن التائب الحقيقى يتوب كل يوم، بل كل لحظة راجعاً بقلبه إلى الله على الدوام.. أنه فى حركة دائبة بين الترابيات والسمائيات... كلما جذبه العالم أو الجسد أو إبليس إلى أسفل... أسرع منتفضاً ومنطلقاً إلى أعلى.
التوبة تجديد ذهنى مستمر... ومطانيا دائمة... التوبة قيامة أولى... وحياة متجددة... تمهدنا للقيامة الثانية وتنقذنا من الموت الثانى.
5- مثمرة : "اصنعوا أُثماراً تليق بالتوبة" (مت 8:3)... فالمسيحية لا تكتفى بالشق السلبى فى التوبة، أى الخلاص من السلبيات، بل تتجه بنا إلى الشق الإيجابى، أن نصنع أعمالاً مقدسة، ونطرح ثماراً لائقة. ومن غير المعقول أن شجرة التوبة تظل عقيمة، بينما الرب يطلب منا "ثمار الروح: المحبة، والفرح، والسلام، وطول الأناة، واللطف، والصلاح، والإيمان، والوداعة، والتعفف" (غل 22:5). لقد أثمرت السامرية بتوبتها قداسة شخصية وخدمة جهارية... وأثمر زكا بتوبته عطاء سخياً، وتعويضاً مناسباً لمن ظلمهم... وأثمرت المجدلية حباً، وبقدر ما أحبت الخطيئة، أحبت الرب، محبة نادرة وقوية. من أهداف الخدمة :
1- التوبة : أى أن يقبل الجميع إلى التوبة، ويدخلوا حظيرة المسيح...
2- النمو الروحى : أى أن يغتذوا بوسائط النعمة ويتنقوا من زغل الخطيئة...واليوم نتحدث عن : القداسة والإثمار، كهدف ثالث لابد أن يسعى إليه الخادم، فى حياته الخاصة، وفى حياة مخدوميه.. فما معنى القداسة؟ وما هى معوقاتها؟ وكيف الطريق إليها، كما يعلمنا آباء الكنيسة؟
2- مفهوم القداسة :
ليست القداسة هى العصمة من الخطيئة، فلا أحد معصوم من الخطيئة، إلا واحد وهو الله.
- ولكنها الجهاد ضد الخطيئة بكل الطاقة، بغية الإنتصار عليها، ونزعها من القلب، فإذا ما سقطنا لا نيأس، لأن رجاءنا فى الله لا يخيب أبداً.
- وفى هذا يقول معلمنا يوحنا: "يا أولادى، أكتب إليكم هذا لكى لا تخطئوا، وإن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً" (1يو 1:2،2).
- إذن، فالمطلوب منا أن نجاهد حتى لا نخطئ، ولكن إحتمال الخطيئة وارد، والشفيع الكفارى موجود، طالما نقدم عن خطايانا توبة أمينة.
- وفى هذا يقول الآباء: "أليق بنا أن نموت فى الجهاد، من أن نحيا فى السقوط".
- ويوصينا الكتاب أن نصرخ نحو الخطيئة قائلين: "لا تشمتى بى يا عدوتى، لأنى إن سقطت أقوم. إن جلست فى الظلمة، فالرب نور لى" (مى 8:7).
- "وكل من يجاهد، يضبط نفسه فى كل شئ" (1كو 25:9).
- المهم أن نقوم "فالصديق يسقط سبع مرات ويقوم" (أم 16:24).
- لكن الهدف النهائى من القداسة هو التخصيص والتكريس للرب، أى أن يكون كل الكيان الإنسانى للرب، فهو الذى أوصانا "يا إبنى اعطنى قلبك ولتلاحظ عيناك طرقى" (أم 12:23).. القلب لله، والملاحظة فى الطريق.. أى ان نحب الله من كل القلب، ولا يبقى فى القلب سوى الله، ملكاً وعريساً محبوباً للنفس... وبعد ذلك يكون الجهاد سهلاً وميسوراً بالنعمة الساكنة فينا... إذ تلاحظ عيوننا الطريق، ويسلك الإنسان بتدقيق: "اسلكوا بتدقيق" (أف 15:5)... وكذلك يسلك بالروح "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد" (غل 16:5).
- وإن كنا فى المعمودية نتجدد بالروح، ونولد ميلاداً ثانياً، فنحن فى الميرون نتقدس، ونتخصص، ونتكرس، ونتدشن هيكلاً مقدساً لسكنى الروح "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو 16:3).
- لذلك يرشمنا الكاهن - فى سر الميرون - 36 رشماً يرى البعض انها حاصل ضرب 3×12 حيث 3 هى رمز الثالوث، و12 هى رمز التلمذة... أى أننا بالثالوث القدوس نصير تلاميذ للمسيح رب المجد.أما الـ 36 رشماً فتوزيعها هكذا :
رشم واحد على الرأس... لتقديس الفكر.
رشومات على الحواس... لتقديس الحواس.
رشمان على القلب والسرة... لتقديس المشاعر والأعماق.
رشمان على الظهر والصلب... رمزاً لتقديس الإرادة لله.
رشمان لكل مفصل فى الذراعين... لتقديس الأعمال.
رشمان لكل مفصل فى الرجلين... لتقديس الطريق والخطوات.
ثم يطلب منا الرسول أن نضرم روح الله الساكن فينا (بالميرون)، حتى يملأ كياننا، ويشبع حياتنا، ويقدس طبيعتنا... "فنثمر ثمر الروح: محبة، فرح، سلام، طول أناه، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف" (غل 22:5).
1- "ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح" (2كو 18:3).
2- "لا تحزنوا روح الله القدوس، الذى به ختمتم ليوم الفداء" (أف 30:4).
3- "بهذه المشيئة نحن مقدسون، بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة" (عب 10:10).
4- "يسوع أيضاً لكى يقدس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب" (عب 12:13).
5- "القداسة بدونها لن ير أحد الرب" (عب 14:12).
6- "لكن اغتسلتم، بل تقدستم، بل تبررتم، باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1كو 11:6).
القداسة - إذن - هى الجهاد ضد الخطية بقوة الرب، والإنتصار عليها بالمعونة السمائية، ثم رفضها وكراهيتها من كل القلب، حينما نعطى القلب كله للمسيح، ثم تخصيص الكيان الإنسانى كله لله: الجسد، والنفس، والروح، والعقل، والوزنات، والصحة، والجهد، والمادة...
ولكن .. ما هى معوقات حياة القداسة؟؟؟
3- معوقات القداسة :
هناك معوقات كثيرة لحياة القداسة، أهمها : أ- الجسد. ب- العالم. ج- الشيطان.
أ- الجسد :
ولا نقصد به - بالطبع - الجسم الإنسانى، ولكننا نقصد به تيار الإثم العامل فى الجسم. فمعلمنا بولس يتحدث عن خطايا الجسد وأعماله، فيذكر بعضاً منها ذى طبيعة حسية، والبعض الآخر له طبيعة معنوية غير محسوسة مادياً فى الجسم وكمثال للمجموعة الحسية يقول: "وأعمال الجسد ظاهرة التى هى: زنى، عارة، نجاسة، دعارة، عبادة الأوثان، سحر... قتل، سكر" (غل 19:5-21).. وفى نفس هذه الآيات، يذكر مجموعة أخرى ليست لها أبعاد حسية مثل: "عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق، بدعة، حسد، بطر"... وهى كلها أمور عقلية ونفسية، قبل أن تظهر فى أشكال حسية وبدنية.
لهذا فمع أن الكنيسة توصينا أن "نضبط الجسد"، والرسول بولس يعلمنا أن "نقمعه ونستعبده" (1كو 25:9،27)، إلا أن ذلك لا يمنعه من أن يقول: "لم يبغض أحد جسده قط، (أى جسمه)، بل يقوته ويربيه" (أف 29:5).
المطلوب - إذن - هو ضبط الجسد بالأمانة الروحية، والأصوام والنسكيات... دون إضعاف الجسم أو التأثير على الصحة، فالجسم الإنسانى هيكل لروح الله، وطاقة هامة نستثمرها فى
الحياة اليومية المعيشية، وفى الجهاد الروحى، وفى الخدمة. وهذا هو الفرق بين النسك السليم (الوسيلة للضبط وللإعلاء والشبع الروحى)، وبين النسك المنحرف (الذى يصير لدى صاحبه هدفاً، ويعطيه إحساساً بالبطولة والتفوق على الغير).
وهنا نتذكر ذلك الراهب الذى لم يكن جهاده النسكى جباراً ولا متميزاً، ولكنه كان يحفظ وصية الرب "لا تدينوا لكى لا تدانوا" (مت 1:7)، وخلص بها، واستقبل الموت باسماً وشاكراً، ذلك لأن النسك المنحرف ينفخ الإنسان ككثرة العلم الذى لحساب الذات، بينما عدم الإدانة دليل حب للجميع وإتضاع للكل.
ب- العالم :
ولا نقصد به البشر، "فقد أحب الله العالم، لكى لا يهلك كل من يؤمن به" (يو 16:3)، ولكنه أوصانا "لا تحبو العالم، ولا الأشياء التى فى العالم" (1يو 15:2)، ويقصد المقتنيات والشهوات.
من هنا كان لابد للمولود من الله، أن يشبع بمحبة الله، وأن يعرف أن العالم إلى زوال، وأن "الشهوة تبطل، لأن الإنسان ذاهب إلى بيته الأبدى" (جا 5:12)، "وأن هيئة هذا العالم تزول" (1كو 31:7).. وهكذا يرتقى بنفسه إلى السمائيات، ويفطمها عن الأرضيات الفانية، عالماً أننا "ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا نطلب العتيدة" (عب 14:13)...وأنه "إن نقض بيت خيمتنا الأرضى (الجسد)، فلنا فى السموات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيد، أبدى" (2كو1:5)، لذلك يئن المؤمن، وهو بعد فى هذا الجسد الترابى، ويشتاق مع بقية المؤمنين، هاتفاً معهم: "نثق ونسر بالأولى، أن نتغرب عن الجسد، ونستوطن عند الرب" (2كو 8:5). فى أعماق المؤمن وصية الرب، فى صلاته الشفاعية "لست أسأل أن تأخذهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير. ليسو من العالم، كما أنى أنا لست من العالم" (يو 15:17،16)، المؤمن هو فى العالم، لكن العالم - بشهواته ومناصبه ومقتنياته - لا يعيش فيه. إنه - وما أحلى هذا التشبيه القديم - كالسفينة، التى تسير فى الماء، دون أن يتسلل الماء إلى داخلها.
ولا يستطيع المؤمن أن يغلب العالم بقوته الشخصية، بل بقوة المسيح الذى قال لنا : "فى العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم" (يو 33:16)... لذلك أوصانا الرسول قائلاً: "كل من ولد من الله يغلب العالم"، "وهذه هى الغلبة التى تغلب العالم: إيماننا. من هو الذى يغلب العالم إلا الذى يؤمن أن يسوع هو إبن الله؟!" (1يو 4:5،5).
ج- الشيطان :
"الكذاب وأبو الكذاب" (يو 44:8)، "المشتكى علينا" (رؤ 10:12)، الذى سقط إلى الأرض "وبه غضب عظيم" (رؤ 12:12)، إذ يحاول الإيقاع بنا، وإخراجنا من طريق الملكوت لكى نفقد الملكوت. الذى بحسده دخل الموت إلينا، المتمرس فى الخطيئة والضلال منذ آلاف السنين، منذ سقط حينما أراد أن يجعل كرسيه "فوق كرسى العلى" (أش 14:14).
ولكن هيهات للشيطان أن ينتصر على أولاد الله، إنه يعرض ولا يفرض، فلقد رآه الرب يسوع "ساقطاً مثل البرق من السماء" (لو 18:10)، من خلال صليبه المجيد، وهو قادر أن "يبيده بنفخة فمه" (2تس 8:2)، ونصيبه هى البحيرة المتقدة (رؤ 10:20)... وبسكنى الرب فى قلوبنا "سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً" (رو 20:16).. لذلك أوصانا يعقوب الرسول: "قاوموا إبليس، فيهرب منكم" (يع 7:4)، وهذا يتأتى من خلال طاعتنا لوصية معلمنا بطرس: "اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم، كأسد زائر، يجول ملتمساً من يبتلعه هو. فقاوموه، راسخين فى الإيمان" (1بط 8:5،9).
4- مقومات القداسة :
1- الشبع الروحى :
بوسائط النعمة المختلفة، التى ذكرنا بعضا منها سابقاً، كالإعتراف، والتناول، والصلوات المتنوعة، وقراءة الكلمة، والكتب الروحية، والإجتماعات الكنسية، والأصوام، والخدمة.. فهذه كلها تشبع القلب بالمسيح، وتملأ الفكر بالنور، وتشحذ الإرادة للجهاد الأمين.
2- التدقيق فى الحواس والعلاقات :
فمن غير المعقول أن يطلق الإنسان لحواسه العنان، فتتدنس النظرة، ويتنجس اللسان، وتفسد الأذنان، وهذه كلها منافذ للخطيئة، كما قال الحكيم: "لا تدع فمك، يجعل جسدك يخطئ" (جا 6:5). كذلك من غير المعقول أن يحيا الإنسان فى معاشرات وصداقات رديئة وسلبية، ويتوقع لنفسه النمو فى حياة القداسة "فالمعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو 33:15). بل العكس هو المطلوب إشباع الحواس بما نقرأ وما نسمع وما نتكلم، بأسلوب مقدس: كتب وشرائط وأفلام وألحان مقدسة.. كذلك بأن نختار أصدقاءنا ممن يساعدونا على خلاص أنفسنا، ونمونا الروحى، وذلك من خلال الإلتزام بالحياة الكنسية والجماعة المقدسة... نزامل الكل ونحبهم، ولكن ننتقى البعض ليجاهدوا معنا فى طريق الملكوت.
3- نقاوم الخطية بكل قوتنا :
فها هو الرسول يوصينا أن نقاوم إبليس.. وهذا لا يمنع أحد أساليب المقاومة، وربما أهمها، هو الهروب من وجه الشر وعثرات العالم "اهرب لحياتك" (تك 17:19).. "أما الشهوات الشبابية فأهرب منها" (2تى 22:2)، فمساومة الشيطان هى أقصر طريق للسقوط، ولنتذكر سقطة آدم وداود وامرأة لوط.
4- الرجاء فى المسيح : فمهما كان شبعنا وجهادنا ومقاومتنا، فلابد من أن تحدث سقطات.. هنا يجب أن لا نيأس أو نفقد رجاءنا.. بل بالحرى نثق فى إلهنا القادر أن يقبلنا من عثرتنا، ونعود إليه فى روح التوبة والجهاد والإعتراف الأمين، هاتفين مع الرسول بولس: "فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو 37:8)، فالله "لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح" (2تى 7:1).
وهكذا إذ يجاهد الخادم فى طريق القداسة، يهتم أيضاً بقداسة مخدوميه، "القداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب" (عب 14:12).
نرجوا ان ينطبق هذا الامر على سدراك الانطوني
ردحذففللاسف ولا شرط من الشروط تنطبق عليه , فهو الراعي الطالح وليس الصالح