24‏/08‏/2009

قدّس فكري



للأب أفرايم الأورشليمي


فيما تفكر ؟

الفكر هو ما يميِّز الإنسان عن غيره من الكائنات ، وترجع أهمية الفكر في أنَّ فكر الإنسان يُشكِّل ويوجّه تصرفاته فما يفكر فيه ويقتنع به ، يتصرف طبقاً له. فالأفكار التي تتبناها تحدد اتجاهاتك في الحياة ، ومن ثم تصرفاتك التي تتحوّل إلى عادات تحدد مصيرك وتضبط علاقاتك " كما فكر في نفسه هكذا يكون " .

إن قراءتنا التي نقرأها وما نسمعه من الآخرين يشكل فكرنا أيضا ، وما تؤمن به من قيم ومبادئ في الحياة يبني شخصيتك ، والإنسان ككائن مفكر يجب أن يوجه ويضبط أفكاره ويحكّم فكره طبقاً لما يؤمن به ولا يجعل فكره يطيش في كل اتجاه " هادمين كل ظنون وكل علو يرتفع نحو الله وموجهين كل فكر إلى طاعة المسيح " 2 كو 5 : 10.


فكر المسيح

يُقدِّم لنا السيد المسيح مثالاً في تجسّده للفكرِ الإنساني السامي الذي يسعى لخلاص كل احد .. وقدم لنا أهم وأفضل الدوافع التي تبني الإنسان الروحي ألا وهو محبة الله من كل القلب والنفس والفكر والقدرة ومحبة القريب كالنفس... وعندما يكون هدفك محبة الله فان افكارك تتجه إلي كيف ترضيه وتعرفه " لتكن أقوال فمي وفكر قلب مرضية أمامك يا رب صخرتي ".

ولهذا جاء الرب يسوع ليقدم لنا صورة حية للإنسان الكامل الذي يحب الله ويقضي الليالي مصلياً ساهراً ويطالبنا بالسَّهر. ويجول بالنهار يصنع خيراً ويسعى لنشر رسالة الملكوت وخلاص كل واحد . وفي محبته للبشر جاء ليحرّر المأسورين ويبشر المساكين ويشفي منكسري القلوب ويطلب ويخلص ما قد هلك ، جاء ليقدم المغفرة للخطاة ويقدم الصفح والحب للأعداء حتى لصالبيه غفر لهم ، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون .

جاء ليقدم لنا مثالاً في التواضع ووداعة القلب " تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم " . " فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا الذي كان في صورة الله لم يحسب خلسةً أن يكون معادلاً لله ، لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس . وإذ وُجد في الهيئة كانسان ، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب " في 2 : 5 – 8 . هكذا أيضا يا عزيزي ليكن لك في المسيح مثالاً في الاتضاع ويكفي التلميذ أن يشبه سيده " فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم " عب 12 : 3

جاء الرب يسوع المسيح ليرفع أفكارنا للسماء والى الآب السماوي ، وطلب منا أن نكنز في السماء وليس على الأرض ، لأنه حيث يكون كنزنا هناك يكون قلبنا وفكرنا .. وكان همه أن يكرز بالتوبة واقتراب ملكوت الله منا . واقتراب الملكوت ليكون داخل القلب بما فيه من محبه وفرح وسلام وسعادة . فاذ يملك الله على قلبك وفكرك فحينئذ يبدأ ملكوته داخلك . إن تلمذتنا للمسيح تشكل فكرنا وتجعل منا صيادين للناس ليذوقوا ما أطيب الرب . وهو أمين قد وعدنا أن يعطينا حكمة لا يقدر جميع معادينا أن يقاوموها أو يناقضوها .

إن أردت أن يكون لك فكر المسيح القدوس، قدِّس فكرك بكلمة الله الحيّة ، واطلب منه أن يرشدك ويضبط فكرك " قلب الإنسان يفكر في طريقه والرب يهدي خطواته " أم 16 : 9

والهج في كلام الإنجيل وأحفظه ليحفظك الرب في ساعة التجربة ، وتأمل في كلامه ليكون سراج لرجليك ونوراً لسبيلك ، وكلمة الله قادرة أن تنقيك وتقدسك . لقد جاء عن القديسة مريم العذراء " أما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام مُتفكرِّة به في قلبها " فليكن فكرك وقلبك في الربّ وهو يعلمك ويرشدك كل الأيام .


تغذية الفكر وضبطه

إن ما تغذي به فكرك هو الذي يصنعك ويشكلك ، والحواس هي أبواب الفكر ، فما تراه وتسمعه وتلمسه وتذوقه وتشمّه يدخل إلى فكرك . ونحن في عصر المعلومات والسرعة والأخبار والدعاية فلا بد إن نضبط حواسنا . ، وان دخل إلى فكرك عن طريقها شيء ضارّ فلا تفكر فيه أو تتمادى تتفاعل معه ولا تسترجعه لأنه قد يدنِّس فكرك وعواطفك .

وبدلاً من سماع وقراءة ما يضر ، اعمل علي بناء نفسك على إيمانك الأقدس وغذِّ روحك وفكرك بكلام الله " فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله " إن القراءة في الكتاب المقدس كنز وغذاء يعرفك إرادة الله نحوك ونحو العالم كله وكيف يتعامل الله مع قديسيه ، ويجعل لك فكر المسيح القدوس . كما أن قراءة وسماع الكتب والعظات الروحية وآباء الكنيسة تمنحك مادة للتأمل والصلاة.

غذِّ إذن عقلك بأفكار وقراءات صالحة تنقي فكرك وتجعله فكرًا قويًا مضبوطًا بالإرادة الصالحة، وأشغل فكرك بعمل ايجابي يحفظه من الطيش في أفكار عالمية لا تنفع ، وحوِّل ما تراه حتى من مشكلات حولك إلى الصلاة إلى الله ، لكي يتدخّل في حياتك وحياة الآخرين ، وان يوجه العالم نحو الخير والصلاح .

اضبط لسانك. فان كثيراً من الخطايا يتسبب فيها اللسان ، واللسان يعبر عن ما بداخلك لأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان ، والإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات " الشجرة تظهر من ثمارها كذالك تفكير الإنسان يظهر من كلامه " سير 27 : 7 .

إن كثرة الكلام لا تخلو من معصية ، أما الضابط شفتيه فعاقل. والذي يضبط لسانه رجل كامل قادر أن يحكم الجسد كله ، فراقب كلامك واضبط لسانك وفكر أكثر من مرة قبل أن تتكلم ، لتعرف دافع كلامك ، وليكن كلامك للبنيان لتعطى نعمة للسامع ، فالكلمة الحكيمة تبني وهي كتفاحة من ذهب على طبق من فضة متى قيلت في وقتها ، واعرف انه بكلامك تتبرر وبكلامك يحكم عليك .

أن تحررت من أخطاء الكلام كالكذب والمبالغة والتهكم والإدانة والتباهي والثرثرة وكان كلامك مُملَّح بنعمة الروح القدوس وإرشاده تكون بركة لنفسك وللسامعين.

ابتعد إذا عن السلبيات والأهواء ، وراقب أفكارك وكن سيداً عليها ، فمالك نفسه خير ممن يحكم مدينة ، وأنت قادر بالنعمة على طرد كل فكر خاطئ ، وتقديس فكرك بالصلاة ومحبة الله ومحبة الخير والغير .


الفكر المقدس

اخضع فكرك لقيادة الروح القدس ، واجعل من نفسك إناءً صالحًا مرتبطًا بإرادة الله وتنفيذ مشيئته غير خاضع لأهوائك بعيداً عن الله واعلم إن للفكر أعداء تحاربه وتسبيه للطيش " ولكني أخاف انه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح " 2 كو 11 : 3 . عندما تقتني محبة الله من كل قلبك وفكرك ونفسك اطلب بلجاجة أن يقدس فكرك وقلبك بمفاهيم من أفكار وعواطف حينئذ يكون هدفك تتميم مشيئة الله وإكمال عمله وهذه هي إرادة الله قداستكم .

اعلم إن كل ما هو صالح فيك هو عطية لك من الله ، فلا تفتخر بمواهبك أو صلاحك لئلا تُسلَّم للتأديب بتخلي نعمة الله عنك بسبب كبرياء قلبك . واعلم إن الله يقاوم المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة ، وفي حروبك استند على قوة الله لتحررك من سلطان الذات وعنادها .

وراقب أفكارك واعرف أين تجول ، وكلما تقدمت روحياً تعرف أن تضبط فكرك فلا يطيش يميناً وشمالا ً؛ لا في أفكار المجد الباطل أو في التزكية الخاطئة للنفس أو المديح أو التسلط أو في أفكار الشهوة والكراهية والإدانة ، وانما القِ بأفكارك الخاطئة تحت صليب المسيح قائلاً : مع المسيح صلبت لاحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ . وكلما تزداد محبة الله في قلبك يصغر العالم

في حروبك ما دمت أمينا له وتريد أن تجاهد وتنتصر لحساب ملكوته السماوي .

وإذ تريد أن تصلي وتقدس الفكر للمسيح في صلوات نقية ، ابعد عن التخمة في الأكل والشراب حتى لا تخمد حرارة روحك فهذه هي خطية سدوم التي أوجبت الهلاك عليها، الكبرياء والشبع بالأكل والشرب مما قادهم إلى الزنا والخطية . ولا تدع هموم الحياة تشغلك عن مناجاة الاسم الحلو الذي لربنا يسوع المسيح .

درِّب نفسك على الشعور بحضور الله معك في كل وقت في أثناء العمل والحديث والأكل والنوم واجعل مخافته بين عينيك وفي فكرك وقل لفكرك هل هذا الفكر يوافق عليه الرب؟ وهل هذا هو فكر المسيح؟ وكل ما تفكر فيه اسأل الرب هل هذا فكر يرضيه وهل هذا العمل يوافق إرادته وفي أي وقت يرد إليك فكر غير مقدس اطرده " قاوموا إبليس فيهرب منكم " يع 4 : 7 .

قائدي يسوع

فكري وميولي وإرادتي بين أيديك

قلبي وحياتي ومصيري هم لـــديك

سلّمت نفســي يا ربي وديعة عندك

وسفينة حياتي قدهــــــا يا رب بمهارتك

اســـكن في قلبــــي أنــــت يا ربي

فاملأه صلاح وقدني دائماً للنجاح

كلامك هدايتي . صلــــــيبك نجاتي

وفكري فــــكرك وحيــــاتي ملكـــك

نوّر لــــي عقلـــــي واهدِ خطاي

واغفر لي ذنبـي

وحارب حروبي

وفرِّج كروبـــي

بك أنا غالــــب

طول الطــــريق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق