08‏/07‏/2009

فضيلة الوداعة


ما هي الوداعة

الفضيلة ليست تفضل من الانسان، ولكنها فيض، فقد امتلأ بنعمة ما وفاضت النعمة فخرجت للآخرين " فاض قلبي بكلام صالح" (مزمور 45 : 1) فالوديع مثلا انسان امتلأ قلبه بالوداعة ففاضت منه فى الخارج، ولذا فالفضيلة هى عمل روحى داخلى، ظهر فى الانسان .. انها عمل للروح القدس، وألا ُحسبت ابتسامات المطاعم والطائرات والدعاية والاعلان فضائل، كلاّ ولكنها مهنة. بعض الفضائل يظهر فى سلوك الناس، مثل احترام الآخرين .. أو الصبر، والبعض الآخر يكون في الفكر (التفكير) مثل الاتضاع، والبعض الآخر يظهر فى ملامحهم مثل الوداعة ..البشاشة. والوداعة تختلف عن الاتضاع، لأن المتضع فد يكون صامتاً من الخارج .. بل نعرف الكثير من القديسين كانوا جادين .. حارين فى الروح، وآخرين اجتذبوا ببشاشتهم الكثيرين إلى الحياة النسكية مثل القديس أبوللو صديق القديس أبيب .. والقديس مكاريوس السكندرى وغيرهم .. ورغم ما يقال عن أن السيد المسيح لم يضحك أبداً بل بكى، فإنه من المؤكد أنه كان لطيفا بشوشاً أليس هو القائل بفمه الطاهر "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب" ولكن الضحك غير البشاشة والوداعة .. وبالطبع لا أقصد بالبشاشة تلك الابتسامة الصفراء أو التى ليس لها معنى.

علامات الوداعة:

الإنسان الروحي عليه صورة المسيح الوديع المتواضع القلب، كما أن وداعته انعكاس لعمل الروح فى قلبه، فهو بسيط غير ماكر .. (أي مستريح من الداخل) يقول القديس باخوميوس (منظر الانسان الوديع المتواضع القلب، هو أجمل ما يمكن أن تنظر العين وعن افضل من هذا المنظر لا تبحث .. الوديع هو شخص مريح القسمات .. بعكس شخص آخر تشعر بأن عليه غضب الله، فى الكنيسة يمثل العبادة المفرحة .. والمسيح المبهج .. تصوروا لو أن خادم أو خادمة يعود من الكنيسة إلى البيت فيجدونه عصبياً لا يتكلم، قاسي الوجه حديدى الملامح .. فهم سيعثرون فى الكنسية والخدام .. ومع ذلك فليس من اللائق أن تكون له تلك الابتسامة التى تثير الغيظ والحنق !! بل أن الوداعة تمجد الانسان مثل اكليل يتحلى به "يابنى مجد نفسك بالوداعة واعط لها من الكرامة ماتستحق" سيراخ 31:10) ويقول سيراخ أيضا "الإيمان والوداعة يغمران صاحبهما بالكنوز"(سيراخ 35:1) .


منابع الوداعة:

الوداعة هى رداء المسيح وبالتالى المسيحى، لذلك يقول القديس بولس "فالبسوا كمختارى الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناه" (كو 12:3). والوديع لابد أن يكون مستريحاً من الداخل، بلا شر، فالشرير لا يمكن أن يكون وديعاً، قد يجتهد أن لا يكون مهزارا وهناك فرق بين الوداعة والهزر السخيف والنكات الخارجة.ً عموماً فإن هذه الفضيلة تحتاج إلى طلب بحرارة من الله، لأن الابتسامة السريعة أو المرسومة يمكن ممارستها بالتدريب (مثل السياسيين والدبلوماسيين والمضيفين وغيرهم) ولكن الملامح المريحة تعكس قلباً يفيض بالهدوء والفرح ..


الخادم والأب الوديع:


عندما تكلم الشاب الغنى مع المسيح، نظر إليه يسوع وأحبه .. أنها نظرة الحنو والوداعة لخادم تجاه مخدومه، والخادم بوادعته يقدر أن يكسب للمسيح أكثر مما يكسب بلباقته وعلمه، لأنه بذلك يقدم صورة المسيح الوديع ( مثلما حدث في حواره مع السامرية) هكذا الخادم مع المخطئ، فالتبكيت والتأنيب اللازع لن يجدى بقدر الشرح وعرض أبعاد المشكلة، كما أن النصح المخلص أفضل من التهكم والسخرية .. "أيها الاخوة إذا أنزلق انسان فأخذ فى زلة ، فأصلحو انتم الروحانين مثل هذا بروح الوداعة" .. (غلاطية 1:6). مثل الأب الذى ينتهر طفله فيبكى الطفل ليس بسبب الكلام (أو حتى الضرب) وانما بسبب ملامح أبيه القاسية وصوته المرعب .. أو الأم التى تنتهر ابنها بالشتائم .. أو ترضعه وهى غاضبة فقد يصاب بالتسمم .. يقول بن سراخ: "انفعال الانسان بالغضب يقوده إلى السقوط" (سيراخ 21:1) لقد قال الكتاب عن موسى النبى كخادم "كان الرجل موسى حليما جدا اكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عدد 13:12) من المتوقع أن يخطئ الناس ولكنه من الواجب على الراعى احتمالهم وتعليمهم بصبر ووداعة وأبوة وأمومة حلوة. "مؤدباً بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق"(2 تيمو 25:2). بل حتى الموظف والبائع والمذيع يتدربون طويلاً كيف يتعاملون مع الجمهور بلطف ويحتملون سخافاته وكثرة أسثلته واستبداله للبضاعة، بل يبادر بعرض أصناف أخرى بمزياها (هذه لك خصيصا ً.. وهذه احتفظت بها لك .. وهذه تناسبك ..) وقد يزدحم مكان بسبب لطف البائع الذى فيه .. وابتسامته المشرقة التى يوزعها هنا وهناك .. (ومع ذلك فقد يعود إلى البيت مهموماً لا يطيق أسئلة أولاده ولا استفسارات زوجته، كيف وهو صاحب الابتسامة العريضة !.. إنه عمل .. ودور يؤديه مقابل أجر، مثل الممثل الكوميدى .. يسعد الجماهير .. وقد لا يكون سعيدا بسبب صحته .. أو زوجته .. أو أولاده .. الخ. هكذا المذيع الذى يعود إلى القسمات الطبيعية لوجهه طالما ينتهى البرنامج، هكذا الموظف الذى يتعامل مع الجمهور .. لا سيما فى الشركات الخاصة أما أولئك فمن أجل الاجر والمال والكرامة الزمنية واحراز شعبية بين الجمهور. أما نحن كخدام فمن أجل المسيح الوديع والروح الذى انسكب بغنى فى قلوبنا.


ولكن هل يغضب الوديع ؟ :


يقول القديس بولس "ماذا تريدون أبعصا أتى إليكم أم بالمحبة وروح الوداعة" (1كو 21:4 ) فإذا غضب لابد وأن يكون لأمر خطير، وسيكون غضبه مقدساً وليس ثأرا لكرامته هو. ولا يثور لكن يعلن رفضة بهدوء، الوديع إذا غضب سيكون مثل الطفل الذى ما أن يغضب حتى يصفو ويهدأ ويبتسم، بعكس الشرير، يقول مار اسحق (من السهل عليك أن تحرك جبلا من مكانه فى حين ليس من السهل أن تحرك الانسان الوديع عن هدوئه)

وأخيرا:ًاأطلب من الله بإلحاح أن يطبع عليك صورته ويهبك هذا الروح الوديع الهاديء " الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن (1بط 3 : 4) يقول القديس يوحنا الدرجى (فالروح القدس هو سلام النفس، والغضب اضطراب القلب، فلا شئ يمنع حضور الروح القدس فينا مثل الغضب) وتذكر قول الآباء: (لا تحزن أحداً من الناس قبل رحيلك إلى الرب) وعندما تجد نفسك غاضبا وقد يؤذى منظرك الآخرين، لا سيما وقد اعتادوا على رؤيتك بشوشاً، اعتزل لبعض الوقت حتى تهدأ، وربما كان من المفيد الترتيل فقد يزيل الغضب، وبكت نفسك على غضبك، يقول يوحنا الدرجى (كما أن الماء المنسكب على النار يطفئها هكذا المسكنة الحقيقية ُتطفىء لهيب الغضب والغيظ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق