16‏/07‏/2009

ضبط الفكر


الإنسان المدقق يمنع جذور الفكر. الخاطئ . والكتاب ملئ بالآيات :
"اختبرنى يا الله وأعرف قلبى. امتحنى وأعرف أفكارى" (مز 139).
"لما كنت طفل كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفضن وكطفل كنت أفتكر ولكن لما صرت رجلاً أبطلت
ما للطفل" (1كو 11:13).
"تمموا فرحى حتى تفتكروا فكراً واحداً ولكم محبة واحدة..." (فى 2:2،5).
"هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة الله.." (2كو 5:10).
"أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو 16:2).

تسلسل هذا الفكر كالآتى: آية داود النبى تبين أن الله يختبرنا من خلال هذا الفكر.. القديس بولس الرسول يقول نبدأ كأطفال ثم ننسى هذه الأفكار التى للأطفال ونكون رجالاً فى الإيمان وهذا يتم عندما نهدم الظنون وكل علو حتى يكون لنا فكر المسيح..

"تخيل أن هناك شاشة تعرض للآخرين الحاضرين من حولك الأفكار التى تدور برأسك خلال الأسابيع الماضية...".

فما شعورك تجاه هذه الأفكار المعروضة هل ستخجل منها أم لا .. لابد من ضبط الفكر الذى تخجل منه ليس لأنك تخجل منه إنما لأنه يحزن قلب الله... فالكتاب يقول: "مكرهة الرب أفكار شريرة" (أم 26:15).

لكى نصل إلى نقاوة الفكر لابد أن تعرف مصادر الفكر عند الإنسان التى هى: القلب - الحواس - الوسط البيئى.

1- القلب :

الفكر هو المرآة العاكسة لحالة القلب.. حيث أن الكتاب يقول: "من القلب تخرج أفكار كثيرة.. قتل زنى.. فسق" (مت 15:15-29). هذه الأفكار الشريرة التى جعلت الرب يسمح بالطوفان حتى يقول: "ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر فى الأرض.. وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم" (تك 5:6).

وهى نفسها الأفكار التى أغضبت الرب من الفريسين فقال لهم: "لماذا أتفكرون بالشر فى قلوبكم"...
"ليس خفى إلا ويظهر"... لابد للأفكار أن تخرج وتظهر فما يكبته الطفل فى صغره يظهر فى سلوكه بعدما ينمو ويكبر... "فالإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر. فإنه من فضلة القلب يتكلم فى" (لو 45:6،46).

إذن لابد أن نفحص قلوبنا "لا يعرف الإنسان إلا روح الإنسان الساكن فيه"... أحياناً الإنسان لا يستطيع أن يفهم نفسه.. هذا بسبب الفساد والذى فى داخله.. هذا الإنسان لم يستطع أن يحيا إلا بعد أن يكشف أفكاره أمام الله يكشفها ويفحصها تحت مجهر كلمة الله الذى قال: "بدونى لا تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً".

الإنسان المغرور يرى أنه يستطع أن ينقذ نفسه بجهاده... الجهاد ليس له قيمة بدون المسيح... يبدأ الإنسان يعانى من الفتور الروحى ويفكر فى أن يترك الخدمة.. فهو يصلى ويعترف ويذهب إلى الكنيسة ويقرأ فى الإنجيل ويتم قانونه ولكن مع هذا يشعر بفتور روحى.. هذا الفتور نتيجة طبقة تكونت فى القلب من الأفكار الرديئة تمنع دخول وسائط النعمة للداخل... إذن لابد أن ننقى القلب أولاً.. مثل الطبيب الجراح الذى يقفل الجرح قبل إتمام نظافته بالتمام... تكون النتيجة سيئة.. المسيح هنا يقول "يا إبنى أعطنى قلبك"، "أعطنى قلبك يقصد أنظفه لك وحينئذ تبصر ماذا أفعل"..

الوصية الأولى فى العهد القديم كانت "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك..".

إذن القلب هنا يسبق الفكر.. لأنه أصل الفكر.. لا يستطيع الإنسان أن يحب بفكره دون أن يحب من قلبه أولاً القلب يصنع ويستقبل الأفكار وقد يحولها إلى أفعال... شراً وشبه شر وهنا نشعر بأهمية نقاوة القلب.

فكر زنا قد يحوله إلى خطية (فعل)، (شر) أو شهوة السقوط (شبه شر).

فكر الغضب قد يحوله إلى خطية فعل اعتداء على الغير وانفعال ونرفزه (شبه شر).

فكر حسد قد يحوله إلى فعل (سرقة) أو مشاعر حقد وحسد (شبه شر).

فكر عدوان قد يحوله إلى فعل (قتل) أو مشاعر ضغينة وخصام (شبه شر).

الإنسان الروحى يدقق فى كل أموره عيشوا بالتدقيق فالفكر مثل الشجرة التى تحتاج إلى رعاية مختلفة بحسب مراحل نموها.

حياة العمق تحتاج إلى تدقيق فى كل أمر من بذوره..

سيدنا البابا يذكر فى كتابه عن الإنسان : "تخرج الأفكار الخاطئة من العقل للقلب إذا ما تساهلت مع الفكر وتخرج من القلب للعقل إذا كان القلب غير نقى".

أهمية ضبط الفكر ترجع إلى مقدار تحكمنا فى مراحل ومخارج القلب هذا الإنسان الذى يقوله عن سفر الأمثال: "ضابط نفسه خير من ضابط مدينة".

والذى قال عنه القديس بولس الرسول: "أقمع جسدى وأستعبده"..

ليس المقصود بالاستعباد هنا الإذلال إنما المقصود هو التحكم فى مداخل ومخارج نفسى.
الإنسان لابد أن يتحكم فى أى شئ قبل أن ينطق به وفى ما يراه أو يصغي إليه".

2- الحواس :

إذا كان القلب منبع الأفكار الداخلية ومستقبل الأفكار الخارجية فالحواس هى أبواب الأفكار الخارجية فهى التى تسمح للفكر أن يغزو الإنسان وهى التى تسمح بخروج الفكر بعد تصنيعه كفعل مستعد للتنفيذ لما السيد المسيح قال: "فمتى صليت أدخل مخدعك وأغلق بابك...".

كان يقصد بالباب - باب الحواس وباب المشاعر...

لأنه قد تغلق باب المخدع ولكن فكرك يتوه بعيداً.. ولكن عندما تغلق باب الحواس تستطيع الصلاة بتركيز مما يعمل على خلاص لنفس. فإن كان ضبط الفكر يحتاج تسليم القلب لله هكذا يحتاج تقديس الحواس بجملتها.. تتكرس وتتخصص بالكامل للمسيح.. لأنه لا يستطيع نبع أن ينبع نوعين ماء ، مالح وعذب أو بلغة أهل العالم "ساعة لقلبك وساعة لربك".. دخول ربنا تقديس وليس آخر.. فهو يغلق ولا أحد يفتح ، ويفتح ولا أحد يغلق.. وهذا ما يفعله الكاهن بتدشين حواس الطفل بسر الميرون فهو يحكم الحواس ويخلقها أمام الشيطان.. ويجد الشخص المتعهد ليستطيع أن ينجو من غزو الشيطان.

3- الوسط البيئى :

سفر الخروج "ما يخطر ببالكم أى بفكركم.. قد علمت لم تسلكوا بفرائضه بل عملتم بحسب أحكام الأمم الذين حولكم"..

إن كان القلب هو المنبع الداخلى والحواس هى الأبواب فالوسط المحيط والبيئة هما مجال التنفيذ والعدوى الفكرية...

العلم يختلف عن المعرفة.. فالعلم غم.. العلم بدون إرشاد طموحات مرضية تغذى الذات.. لابد من نتحكم بإرشاد أب الاعتراف فى القراءات التى نقرأها...

فالمسيح استخدم جهال العالم ليخزى بهم الحكماء حتى أن بولس الرسول الفيلسوف العظيم قال فى إتضاع عن نفسه (كالسقط).
لابد أن نميز فى قراءتنا.. وكأطفال روحيين نحتاج إرشاد أب الاعتراف فى نوعية القراءات وفى اختيار الأصدقاء... لأن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة.. نحتاج لليقظة لأن إبليس كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه.. ولأن محاربتنا ليست مع لحم ودم...

إبليس كل هدفه سقوط الإنسان يبحث عن ثغرة صغيرة يدخل فه منها كالثعلب لذلك يرنم داود النبى قائلاً: "فضلت الوقوف بعتبة بيت الرب خير من الجلوس فى خيام الأشرار".

علماء النفس أشاروا قائلين: "لكل مثير استجابة"..

إذن هناك أشياء لا توافق ولكن أراها فلابد أنها تتعبنى... لذلك كما تنقى الجسد وتنقى الروح لابد أن تبعد عن الشر وعن شبه الشر، فالمسيح تعب كثيراً ليقدم لنا الخلاص ونحن بالمثل يجب أن نتعب بأن نتنقى

المعاشرات الرديئة تتسبب فى الأفكار نتيجة تكرار الفكرة على الأذن. لذلك يقول قائلاً: "كلمة تقال لك اليوم بمحاولة إقناع فلا تصدقها"..

إن سمعتها باكر بإقناع تشك وإن ضغطت عليك الأقناعات بعد بكر تقبلها وإن أستمر الضغط قد يؤمن بها وتنشرها، نلاحظ: أول يوم (لا تصدقها).. ثانى يوم تشك (تردد).. ثالث يوم (تقتنع بها).. رابع يوم (تنشرها)...

كثيراً ما يأتى الشيطان بأقنعة كثيرة ولكن الإنسان الروحى يستطيع أن يميز بين هذا التصرف وهذا الفكر.

الشيطان لا ييأس من محاربة الإنسان فهو أخذ يحارب راهب أربعون سنة حتى استطاع أن يسقطه..

قد يذكرنا بخطايا فعلناها منذ الطفولة... فهو قوة شريرة هدفها تدمير كل ما يريد الله أن يبنيه...

الشيطان يقود أتباعه إلى الحياة التى تعصى ربنا علانية أما أسلوبه مع أولاد الله يكتفى بالعمل السرى.. فى داخلينا يغرينا بالأمور التى يحرمها الله علينا... إما أن يخلق فينا الرغبة ويقولها ويلح بها على مشاعرنا حتى نصل إلى الدرجة التى تفوق رغبتنا فى طاعة الله.

وهذا ما فعله مع حواء... الإغراء الذى يعرضه الشيطان فيجعل الشىء شهياً للنظر ليس معناه أن الشىء تغير إنما فى الحقيقة داخل الإنسان هو الذى تغير...

مركب بها ثقب صغير توجد على شاطئ البحر لا يدخلها الماء إنما عندما تبدأ فى الدخول للعمق يبدأ الماء يتسرب إليها من الثقب نتيجة ضغط الأمواج رغم أن الثقب الصغير كما هو.

"النفس الشبعانة تدوس العسل"..

قصة :

راهب كان يأتيه فكر غضب لذلك قرر أن يبعد عن الأخوة ليتوحد وهناك فى وحدته كان يأخذ معه قلة ماء كلما ملأها ووضعها يأتى الشيطان ويسقطها فعل ذلك مرتين فغضب الراهب وأمسك بها وكسرها، وهنا استيقظ لنفسه وعلم ما بداخله من داء الغضب الراهب هذا توحد ولكنه لم يستأصل من داخله جذور الغضب ،الخطية تشبه جذور السرطان التى لم يمكن الطبيب من تنظيفها جيداً فيعود ويظهر السرطان على المريض مرة أخرى...

أختى العروس جنة مغلقة عين مقفلة نعطى الفرصة لقيادة الروح القدس أن تهيمن على كل حياتنا وتشغل كل فكر فينا للمسيح وتصد كل سهام إبليس التى نعجز عن التعامل معها نتيجة ضعفاتنا وكذلك نكون مقتنعين بوصايانا المسيح ووصايا الكتاب وانها ليس بهدف حرماننا من لذات الحياة ولكن نحيا بالروح "اهتمام الجسد هو موت أما اهتمام الروح حياة وسلام".

القديس يوحنا القصير رآه تلاميذه يلف حول قلايته قبل دخولها فسأله عن هذا التصرف فأجابه القديس لأنه رأى مناقشة لأخوة فتركهم وفكر المناقشة فى داخله وبسببه الآن يلف حول القلاية لكى يتخلص منه قبل أن يدخل القلاية.

فإذا كان مصادر الفكر هى :

القلب - الحواس - الوسط البيئى
...

فتنقية الفكر يكون هكذا :
تسليم القلب للمسيح.
الحواس بسيطة مقدسة "فإن كانت عينك بسيط فجسدك كله
يكون خيراً".
الحياة الكنسية الليتورجية
.
وبذلك يكون الخادم إنجيل مفتوح وكنيسة متنقلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق