02‏/12‏/2009

معرفة الله وقبول التاديب




" من يحب التأديب يحب المعرفة .."(ام 12 : 1)

لا شك فى أن مقاصد الرب التى يرغب فى تحقيقها فى حياة الإنسان من خلال الألم ليست وسيلة لإرهاقه ومعاناته بل ولا تحمل فى طياتها أى معنى للبغضة والانتقام ، بل هناك أغراض سامية ومباركة وراء كل تأديب يجلبه الرب على الإنسان ، قد لا يعرف الإنسان هذه الأغراض أبان التأديب ، ولكنها دائماً وأبدا مقدسة ولخير الإنسان الزمنى والأبدى .

فهناك أمور كثيرة يرغب الرب فى إعطائها للإنسان ولكنها تحتاج من الإنسان إلى مزيد من التقوى والإيمان لاحتمالها و تقبلها ، والمعرفة هى أحدى هذه الأمور التى يرغب الله فى منحها للإنسان ، وأقصد بالمعرفة هنا ليست المعرفة التى يكون من شأن الاستزادة بها جلب الحزن والغم على حياة الإنسان ، ولكنى أعنى المعرفة حسب مسرة الرب وإرادة الروح والتى هى تاج الحكماء وعطر لسان المتكلمين بالحق ورفيقة النساك والعباد والرعاة فى حياتهم وجهادهم ، وبدونها يضل الكثيرون و يهلكون .

و يرغب الله دائماً أن تكون فى حياة أولاده هذا النوع الثانى من المعرفة ، أى المعرفة حسب مسرة الرب وإرادة الروح ، والتى تكفل لهم العيش فى سلام ورجاء وإيمان ، والتى تؤهلهم كل حين لمجاوبة من يسألهم عن الرجاء الذى فيهم ، بل ومقاومة روح الضلال الذى قد يسود وينتشر ويحتاج منهم إلى اليقظة والمعرفة ، ولكن ليست المعرفة الباطلة الإنسانية والتى من هذا الدهر ، ولكن المعرفة التى من السماء وحسب إرادة الله والتى يعلمها الروح القدس للإنسان .

وأرغب هنا فى ذكر بعض الملاحظات والتي أرجو أخذها بعين الاعتبار ، وهى كالتالى :


+ نفس الصديق لا ترى فى تأديب الرب لها شراً ومقتاً وبغضة بل ترى فى التأديب علامة من الرب على عظيم محبته ورغبته القوية فى صيرورة الإنسان مقتدراً فى أقواله وأفكاره ، ومن ثم سلوكه أيضاً ، لان فى التأديب تجديد وغنى وتحرير ، بل انتقال من مجد على مجد حسب غنى المسيح ومجد استطاعته وعظيم محبته .

+ لا تغنى معرفة الكتب وثمار الإطلاع عن المعرفة التى من الرب والتى بدونها لا يستطيع الإنسان أن يسلك بما يضمن خلاص نفسه ونجاة طرقه فى الحياة ، فما أحوج البشرية للمعرف التى من عند الرب والتى تكون سبباً فى الامتلاء من الحكمة والنعمة والاقتدار والتفوق فى سائر مجالات الحياة .

+ تأديب الرب للإنسان يضمن السلوك فى الحياة بالرجاء والسلام ، لأنه حينما يكون الرب فى حياة الإنسان يكون هناك الرجاء ، وحينما يتولى الرب تدبير أمور الإنسان يحل السلام فى القلب ، وهذا ما يكفل للإنسان حياة هادئة لا ندم فيها أو حزن ، بل تكون دائماً مقدسة وبلا عيب .

+ لا سبيل لمعرفة الحق إلا بالحق وليس هناك وسيلة لتغير الضمير الشرير إلا بقبول إرادة الله و لا صلاح لنفس ما إلا بتقويمها وتهذيبها حسب روح الإنجيل ، وتأديب الرب يجعل كل الأشياء تعمل معاً لخير الإنسان وخلاصه .

+ صنع القائد الروحى يستلزم من الإنسان الإذعان الدائم ، وبفرح ، لتدبير الرب الكفيل بان يصنع بهذا الإنسان كياناً جديداً ومباركاً يمكن الاعتماد عليه فى القيادة والتوجيه والإرشاد ، ومن يرفض تأديب الرب يرفض اقتناء مستقبل مليء بالأمجاد والبركات ، أما الذين يضعون أنفسهم تحت يد الروح القدس وتأديب الرب فهؤلاء هم الذين يستطيعون القيام مستقبلاً بأعمال الرب التى تستلزم مزيد من القوة والنشاط والتفرغ ، كالكرازة والشهادة والقيادة والسلوك حسب الروح والحق والإنجيل فى أصعب ضيقات الحياة وأشدها .

+ ثمار تأديب الرب للإنسان التى تدعو الإنسان لقبول مشيئة الرب كثيرة جداً ولا يستطيع احد حصرها ، ومن بين هذه الثمار فتح أبواب المعرفة بالحق ، السعى باستمرار لمجد الرب والتسبيح الدائم لإسمه ، التجديد بما يوافق دعوة الرب المقدسة للإنسان ، التحرير من معوقات عمل الرب ودوام النعمة ، الاستعداد لطاعة صوت الرب كل حين ، معرفة أسرار الروح ، اضمحلال الرغبة فى إقتناء الأمور الزمنية ،الإماتة الإرادية بفرح لكل مالا يوافق روح الحق والإنجيل ، الاستنارة الروحية ، الإرادة الطيعة والمقدسة فى الحق باستمرار ، السلوك الدائم بلا ملل بفكر المسيح ومشيئته ، الهروب من الكرامات الزمنية وأمجاد هذا الدهر .

صديقي ، لا يفوتك أن تعرف حقيقة أن المعرفة حسب إرادة الرب تملأ قلبك سلاماً و فرحاً لا ينقطع ، ولكن حصولك على هذه المعرفة يرتبط تماماً بقبولك لتأديب الرب وإرادته لك ، ومتى قبلت ذلك فحتماً سياتى اليوم الذى تعرف فيه أن الرب عظيم الرأفة جداً وصادق ، ومسرته فى أن نأخذ منه موجودة وحاضرة كل حين ، ولكنه ينتظر أن تسأل لكى تأخذ وتطلب منه لكى تجد وتقرع باب رحمته ورضاه لكى يفتح لك كوى السماء ، فهل ستفعل الآن فتنمو فى محبة ومعرفة المسيح .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق