03‏/02‏/2010

الله صديق ومحب الخطاة


قيل إن شاه عبيس Shah Abbis ملك إيران كان محبًا جدًا لشعبه. في إحدى الليالي خطرت على باله فكرة أن يخلع ثياب المُلك ويرتدى ثوبًا رخيصًا ومهلهلاً وينزل بالليل يلتقي بالفقراء الذين في الشوارع، يتحدث معهم ويكوِّن معهم صداقات. في الحال تمم الفكرة ونزل إلى الشوارع يلتقي بنفسه ببعض الفقراء ويتعرف عليهم؛ يعرف أفكارهم وأحوالهم.
تسلل الملك من باب خلفي خفي من القصر حتى لا يتعرف عليه أحد.
التقي الملك المتخفي بصياد سمك فقير يرتدى ثوبًا مهلهلاً ويجلس في الظلام وقد أوقد نارًا في بعض عيدان حطب جمعها ليشوي عليها سمكات قليلة صغيرة يتعشى بها.
بابتسامة مملوءة حنانًا حيَّاه الملك وجلس بجواره، وصار يتحدث معه. استراح الصياد لحديثه... وإذ طال الحديث إلى فترة طويلة من الليل سأل الصياد إن كان يأكل معه الملك المتخفي من السمك. أظهر الملك امتنانه للصياد وقبل الدعوة، فصارا يتسامران وهما يأكلان السمك الصغير.
كان الصياد يتحدث معه عن صيد السمك وكان الملك يصغي إليه باهتمام شديد. روى الصياد قصصًا من واقع حياته وحياة أصدقائه، وتارة كان يتحدث عن اقتصاد البلد وأخرى عن السياسة الخارجية، والملك ينصت إليه ويعلق بكلمات قليلة وبأسلوب بسيط جذب قلب الصياد وفكره وصحح له الكثير من مفاهيمه.
في نهاية الجلسة قال الصياد للملك:

"
إني معجب بك يا صديقي العزيز.
كنت أود أن أقضي الليل كله معك، لكني ملتزم بالعودة إلى أسرتي، وأظن أنك أيضًا تود العودة إلى أسرتك.
لقد سعدت بصداقتك، وتمتعت بحبك، وتعلمت الكثير من حكمتك.
إني أكون سعيدًا إن كنت تجد وقتًا لنلتقي هنا ونتسامر معًا."
شكره الملك قائلاً:
"إني أشكرك أيها الأخ العزيز، فإنني سعدت أنا بالأكثر باللقاء معك والتعرف عليك.
لقد صار لي أنا صديق مملوء لطفًا وحكمة مع كرم ضيافته واتساع فكره وانفتاح قلبه.
إني اشتاق أن أراك كل ليلة وأتمتع بحديثك".
عاد الملك إلى قصره متهللاً، وكرر الأمر عدة مرات حتى تأصلت روابط الحب بينه وبين الصياد.
في إحدى الليالي إذ كان الملك في طريقه إلى الصياد قال في نفسه:
لقد حان الوقت لأعلن عن شخصيتي للصياد لعله يكون في حاجة إلى خدمة معينة أو إلى مالٍ فأساعده هو وأهل بيته وأصدقاءه.

إنها بلاشك ستكون ليلة سعيدة لهذا الصديق لينال الكثير مما لم يكن يحلم به، وستكون ليلة سعيدة لي إذ أُسعد هذا الرجل ومن حوله!"
كشف الملك عن شخصيته للصياد، فذُهل الصياد وارتبك... لكن الملك تحدث معه ببشاشته المعهودة وسأله أن يطلب ما يحتاج إليه هو ومعارفه.
تطلع إليه الصياد بنظرة إعجاب وقال له:
"لقد سمعت عنك الكثير يا جلالة الملك.
سمعت عن محبتك لشعبك وسخائك.
لكن لم أكن أتصور أنك تنزل إليَّ لتعيش معي كل هذه الفترات السعيدة.
لقد قدمت خدمات وهدايا كثيرة لكثيرين، أما أنا فكنت أكثرهم حظًا، إذ قدمت لي نفسك لأقتنيك صديقًا وأخًا.
طلبتي إليك هي ألا تسحب صداقتك عني!"
دُهش الملك لأن الصياد الفقير لم يطلب شيئًا من كل غنى الملك، بل يطلب الملك نفسه صديقًا له.

هذا ما صنعه معنا ربنا يسوع المسيح، ملك الملوك الذى ترك مجده، وقصره السماوي، ونزل إلينا... وُلد كطفلٍ في مزود لكي نجتمع حوله ونتحدث معه، ونصغي إليه!
نعم في محبتة تواضع العظيم المرتفع .. وفي رحمة مات من أجلنا.
في عدله وفي الديون عنا ، وفي قداستة أعطانا كل الأمكانيات اللازمة للقداسة.
جاء وأفتقر لكي نستغني نحن بفقره، وجُرب لكي يعين المجربين.
الهي كم نحن مديونين لمحبتك الأبدية ..
نريد ان تعلن محبتك وصداقتك لنا ولكل أحد .

هناك تعليق واحد: