04‏/06‏/2009

لاهوت الروح القدس وعمله


للأب افرايم الأورشليمي


لاهوت الروح القدس

الروح القدس هو روح الله المهيب، المبدع، الكلي القداسة. وهو يطل علينا مع الكلمة والآب في فاتحة الكتاب المقدس، حيث نقع على العبارة القائلة: "وروح الله يرف على وجه المياه". وفي الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متى أشار إليه المسيح محذراً بقوله: "كل خطية وتجديف يغفر للناس وأما التجديف على الروح القدس فلن يغفر للناس". لذلك لا يجوز أن نتحدث عن الروح القدس بخفة وطيش بل بمهابة وخشوع. تقول كلمة الله "من خالف ناموس موسى فعلى فم شاهدين أو ثلاثة يموت بدون رأفة. فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله... وازدرى بروح النعمة".

عندما نتحدث عن الروح القدس فنحن لا نتحدث عن مخلوق أو إنسان أو طاقة أو تعليم أو مؤثر بل عن الأقنوم الثالث في الثالوث الأقدس – نتكلم عن اقنوم مميزة كما نتكلم عن الآب والابن. فهو يعمل ويفحص ويتكلم ويشهد ويعزي ويعلم ويرشد ويوبخ ويوجه ويدعو إلى الخدمة. وقد ورد اسمه مراراً إلى جانب اسم الآب والابن. مثال على ذلك قول المسيح: "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس". وفي البركة الرسولية يقول بولس الرسول: "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس تكون معكم". وفي الإصحاح 12 من رسالة كورنثوس الأولى يقول الرسول نفسه: "الروح واحد...الرب واحد..الله واحد". وهذا ليس دليلا على شخصيته فقط بل أيضاً على لاهوته. فالآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هو الله. ولهذا قيل أنه "روح أزلي" وأنه "يفحص كل شييء حتى أعماق الله". وفي المزمور 139 قيل أنه كلي الوجود وفي الإصحاح 1 من إنجيل لوقا كلي القدرة، وفي سفر أيوب تقع عيوننا على العبارة القائلة: "روح الرب صنعني ونسمة القدير أحيتني" مما يشير بوضوح إلى أن الروح القدس شارك الآب والابن في عملية الخلق.

أما ألقاب الروح القدس في الكتاب المقدس فهي كثيرة وهاكم بعضها: روح الله، روح السيد الرب، روح الآب، روح النعمة، روح الحق، روح القداسة، روح الحياة، روح المسيح، روح التبني، روح الابن، روح النبوة والروح الأزلي.

من اعمال الروح القدس :

1- الروح القدس يبكت ويعزي . قال المسيح لتلاميذه في الإصحاح 16 من إنجيل يوحنا "خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم انطلق لا يأتيكم المعزي" (الروح القدس). ثم تابع قائلاً: "ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة". فالروح يوبخ ويبكت ويكشف عيوبنا وذنوبنا بحيث نرى نفوسنا على حقيقتها لا كما يراها الناس ولا كما نراها نحن. فنحن خطاة، وبسبب كبرياء قلوبنا لا نحب أن تسلط الأضواء على حياتنا لئلا نفضح. أما الروح القدس فلا يؤالس ولا يدالس بل يقول لنا الحقيقة كما هي فهو يبكت علي الخطية لنتوب عليها ويرشدنا الي الحق ويحثنا علي عمل البر والفضيلة .

لما كان المسيح على الأرض، كان هو شخصياً يقوم بعملية التبكيت والارشاد والتعزية ولكن لما دنت ساعة رحيله من هذا العالم قال لتلاميذه الروح القدس هو الذي سيتابع عمل الارشاد والتعزية والنصح والتقديس .

2- الروح يجدد. يقول بولس الرسول في الإصحاح الخامس من رسالة كورنثوس الثانية "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة".

هذا هو المقصود بالتجديد. أما عامل التجديد فهو روح الله، ولهذا دعي التجديد في رسالة تيطس "تجديد الروح القدس". وقد أوضح الرب هذه النقطة مع المعلم نيقوديموس لما قال له: "ينبغي أن تولدوا من جديد". ولما لم يفهم المقصود قال له يسوع: "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح". فالروح القدس هو الذي يلد الإنسان التائب المؤمن ولادة روحية ويجعله إنساناً جديداً وابناً لله.

السؤال الآن هو: هل اختبرتَ هذا حث الروح القدس لك للتوبة وهذا التجديد في قلبك وحياتك؟ يقول الله في الإصحاح 6 من سفر التكوين "روحي لا يدين الإنسان إلى الأبد". فالروح القدس لطيف ووديع وقد حل على المسيح بهيئة حمامة ولكن حذار أن تقسي قلبك أو أن تحزنه أو تقاومه. ففي هذه الحالة يفارقك وتخسر فرصة الخلاص والغفران إلى الأبد. أشجعك أن تفتح قلبك له بواسطة الإيمان لكي تتوب وتعترف وتتناول االقربان الاقدس وتحيا مع الله وهكذا تتغير وتتبرر وتتحرر وتصير ابناً لله. وهذه هي قمة السعادة. ان نتجدد يوما فيوم لنكون علي صورة الله ونشترك معة في العمل ونتقدس ونتجدد الي ان نصل الي القداسة التي بدونها لن يري احد الرب.

3- شهادة الروح. "الروح نفسه يشهد (يؤكد) لأرواحنا أننا أولاد الله" أي أنه يمنح المؤمن طمأنينة داخلية بأن الله قبله وغفر خطاياه والروح القدس يعمل في الكنيسة واسرارها لتقديس المؤمنين ليكونوا شهودا للأيمان داخلهم ولمن حولهم والي أقصي الارض .

4- الروح يقوي . قال يسوع في الإصحاح الأول من أعمال الرسل "تنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم". وقد دعاه الرب يسوع "الروح المعزي" عندما وعد تلاميذه بإرساله إليهم. والملاك جبرائيل عند بشارته للعذراء قال "الروح القدس يحل عليك وقوة العليّ تظللك". هل غريب بعد قول المسيح "خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي"؟ يستطيع الروح أن يعزي ويعزز ويقوي ويشدد المؤمنين في الضيق في وسط عالم معاد وهذا ما صنعه الروح القدس مع التلاميذ والرسل فمنحهم قوة بها استطاعوا تغيير وجه المسكونة .

5: الروح القدس يعلم ويرشد . بمعنى أنه يوجه خطوات المؤمنين في خط مشيئة الله. فالأنبياء في العهد القديم تكلّموا وعلّموا كما ألهمهم الروح، ولهذا قال بطرس الرسول "لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلّم بها رجال الله القديسون مسوقين من الروح القدس". وبالمعنى نفسه صرّح الرسول بولس قائلاً: "كل الكتاب موحى به من الله" (أي الله الروح) .

حتى المسيح نفسه "كان يقتاد بالروح" كما يقول البشير لوقا. وإن كان المسيح كإنسان بحاجة إلى قيادة الروح فكم بالحري نحن! ثم أليست قيادة الروح دليل كوننا أولاد الله؟ فإن "جميع الذين ينقادون بروح الله أولئك هم أبناء الله".

6: الروح يمجد. قال المسيح عن الروح المعزي: "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويعطيكم". وهذا يعني أن عمل الروح القدس هو أن يظهر المسيح ويعلنه ولذلك لا يقدر أحد أن يعترف بسيادة المسيح إلا بمساعدة الروح. يقول الرسول بولس في الإصحاح 12 من رسالة كورنثوس الأولى: "ليس أحد يقدر أن يقول "يسوع رب" إلا بالروح القدس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق