03‏/01‏/2010

أما نحن فلنا فكر المسيح


الأنبا موسى الأسقف العام


"ثم أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه أنا نفس بولس الذى فى الحضرة ذليل بينكم وأما فى الغيبة فمتجاسر عليكم ولكن أطلب أن لا أتجاسر وأنا حاضر بالثقة؛ التى بها أرى أنى سأجترئ على قوم يحسبوننا كأننا نسلك حسب الجسد لأننا وإن كنا نسلك فى الجسد لسنا حسب الجسد نحارب إذ أسلحة محاربتنا، ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون هادمين ظنوناً، وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر ألى طاعة المسيح" (2كو10).
هناك حرب فكرية يحيا فيها الإنسان تسير على شقين :
شق سلبى : هو الفكر الردىء فأسره وأجعله يخضع لطاعة المسيح وفكر المسيح.
الشق الثانى : أو المستوى الأعلى أن يكون لنا فكر المسيح.
أولا: أهمية الفكر فى الحياة الإنسانية :
فى البدء كان الكلمة، أذن فكر الله اللوغوس أزلى، فالكلمة دائماً هى المحرك والقائد للكون لأن خلقة الأرض بكلمة من فيه، لآن الله عاقل
وعقله غير محدود، حكيم وحكمته غير محدودة أزلية، أبدية، لا نهائية. خلق الإنسان مفكر وعاقل، وهذا هو الفرق بينه وبين الكائنات الأخرى. وإذا كنا نسمى:
الآب : الحكيم. - الإبن : الحكمة. - الروح : هو روح الحكمة.
الحكمة بنت بيتها.. الرب قنانى أول طريقه وأول طريق الآب هو الأزلية. وفى سفر الأمثال يقول منذ الأزل. الله خلق الإنسان على مثاله فى الحكمة. إذن الفكر له دور كبير فى الحياة يتلخص فى 4 نقاط :

الفكر هو بداية الفعل والعادة :
أى شئ أفكر فيه هو ما سأنفذه، والإنسان يفكر فى الشىء فينفعل به فينفذه ويتحرك، وهذه الحركة هى آخر شئ، فالفكر هو أساس الفعل وأساس تكوين العادات.
الفكر هو واضع خطوط الحياة :
إن الإنسان يفكر ويرسم الخط ثم يسير عليه ليس فقط فعل مؤقت أو متكرر لكن هذا تخطيط العمر، إنسان مثلاً وضع فى فكره أن يعيش مع الله، فتصبح هذه إستراتيجية حياته وهذا ما يسموه فى علم النفس إتجاه. فمن أخطر الأمور هو الفكر، لأنه يخطط للحياة كلها والحياة تمتد إلى الأبدية.
الفكر تعبير عن القلب :
ليس فقط فكر أنفذه لكن أيضاً تعبير عن المشاعر، من القلب تخرج أفكار شريرة، فينبوع الفكر من القلب وفى اللغة القبطية كلمة هيت (\ht) تعنى قلب وفكر فى وقت واحد. إذن هناك رابطة وثيقة بين الفكر والشعور، فالقلب المملوء بمحبة ربنا يفكر فى الناس بطريقة جديدة.

الفكر يضبط العلاقات :
طالما أن فكرى ضبط شعورى فشعورى يضبط علاقاتى، فالتفكير الإنسانى خطير جداً فى حياة البشر.

ثانياً: أنواع الأفكار :
هناك أفكار سلبية وأخرى إيجابية :
1- الشهوة.
2- الإدانة : أصبح يدين الناس وليس نفسه وهى حيلة دفاعية تدل على وجود تعب نفسي وروحى.
3- التميز : الشعور أنى افضل وهو طريق إلى الكبرياء والكبرياء يعقبها السقوط.
4- الفردية : وهو فكر غير كنسى، وغير كتابى، وغير مسيحى، وغير حكيم، وغير ناجح عملياً الإنسان الفردى الذى لا يعيش إحساس الفريق، وإحساس الكنيسة الجماعى. الفردية
ثقة فى النفس زائدة، تدل على كبرياء وضحالة روحية، بينما الجماعية معناها أنى غير واثق فى نفسى بل واثق فى الله، وروح الله العامل فى الجماعة.
5- الحسد : وهو عمق الذاتية، أنا منحصر داخل نفسى، ولا أحتمل نجاح غيرى، ويوجد شوق لزوال النعمة عن المحسود، وأتمنى أن يفشل.
6- الغيرة : لماذا غيرى عنده شئ غير موجود عندى؟! وهذه ذاتية، خاصة أننى عندى أشياء أخرى وعطايا أخرى أستفيد منها واستثمرها فالغيرة طالما لمجد ربنا "حسنة هى الغيرة فى الحسنى" (غل 18:4). هذه كلها أفكار سلبية ممكن أن تملأ الفكر، تظهر فى الفعل، تغمر المشاعر، توتر العلاقات.
شهوة : أعطينى حياة الطهارة.
إدانة : أعطينى أن أدين نفسى.
تميز : كلها عطاياك يارب.
فردية : علمنى أن أكون جماعى.
حسد : ارحمنى من السقوط فى هذه الخطية.
غيرة : أجعلها تكون غيرة فى الحسنى وليس غيرة للذات.

الأفكار الإيجابية :
أما نحن فلنا فكر المسيح :
1- فكر التوبة : فالتوبة فكرة وليست مشاعر لأن التوبة القائمة على التفكير أفضل من المشاعر. مثل الإبن الضال الذى درس وقارن واقتنع، وكلمة تاب تعنى ثاب أى شخص استيقظ وفكر... التوبة هى رجعة قلب لربنا كل لحظة سواء تاب بعد ما أخطأ أو أثناء الخطأ، يعنى
رجع لربنا نادم أو قبل الخطأ، فعندما تصبح التوبة خط أو إتجاه للحياة تحكم كل علاقاتى بربنا ويصبح الإنسان تواب ويأخذ كل كسرة نفس من ربنا، وليس من إنسان، فيفرح ويتعزى بها، (الرب قال له سب داود).
2- فكر أهمية الشبع : علينا أن نرسم خطة للشبع لو وضعنا فكر الشبع أمامنا، حتى لا أعيش فى تفريغ مستمر، وأبحث عن طرق لأشبع من ربنا.
3- فكر القداسة : فرق بين فكر عدم عمل الخطايا وبين القداسة، فعندما أضع أمامى فكر القداسة أستكبر فعل الشر وشبه الشر، الإنسان الأرثوذكسى دائماً حزين لأنه ليس قديساً.
4- فكر العطاء : الإنسان سمع السيد المسيح يقول: "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع 35:20) فبدأ يضع فى فكره أن يعطى لا يأخذ وهذه تغير وتصنع انقلاب فى حياة الإنسان فعندما يكون الإنسان، عنده فكر العطاء يكون دائم عدم الرضا عن النفس، وهو بمعنى أنه غير راض عن نفسه.
فكر الموت والأبدية: مثل الأم سارة التى كانت تضع فكرة الموت أمامها فى كل لحظة. هذه كلها أفكار إيجابية لو أن الإنسان ملأ بها ذهنه تغيرت حياته.

ثالثاً: الأفكار لها رئيس :
أحسن طريقة تكشف لى أفكارى هى السرحان يختبر أفكاره فى أى إتجاه هل تسير... فى الشهوة... فى الإدانة... إلى آخره من الأفكار السلبية، إذن السرحان مهم أن الإنسان الذى يجاهد فى طريق الرب أن يعرف الفكر المتسيد أو الفكر الأساسى. طبعاً يوجد أفكار أخرى كثيرة، فكون أنه يعرف هذا هو المهم، ويوجد قول أنه (عندما يكتشف الإنسان خطيئته هذا نصف العلاج).

رابعاً: كيف يكون لى فكر المسيح ؟
1- وسائط النعمة : من خلال الصلاة فالإنسان الذى عينه فى عين المسيح ودائماً فى شركة معه يأخذ فكر المسيح (هؤلاء الذين أشرقت عليهم بشعاع من حبك لم يحتملوا السكنى بين الناس بل ألقوا عنهم كل حب جسدانى). الخطر أن أعيش وحدى ولكن أن يجب أن يكون بينى وبين المسيح Hot Line. أى الخط الساخن، وهذا يكون من خلال الصلاة وهذه تجعل المسيح سريع الحضور وسريع الاستكشاف، وسريع الاستشعار، هذه أول وسيلة لاقتناء فكر المسيح.
2- الكتاب المقدس : "فتح كلامك ينير الجهال" (مز 130:119)، "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى" (كو 16:3) أى مصادقة الكتاب، وشخصياته، ووعوده.
3- القراءات الروحية : (كثرة القراءة تقوم العقل الطواف).
4- المحاسبة اليومية : أن يضع الإنسان نفسه تحت أضواء الفحص الإلهى، إن رأيت فىّ ميلاً باطلاً أهدنى طريقاً أبدياً. إذن المحاسبة اليومية فى حضرة المسيح.
5- الإعتراف : أعطى فرصة لأب الإعتراف أن يقول لى بعض الأخطاء الموجودة فىّ، وأنا لا ألاحظها.
أخيراً.. "أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو 16:2). والرب معكم،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق