15‏/01‏/2010

لماذا وما هي الحكمة من الآلم ؟


1-لماذا يسمح الله بآلام أولاده؟ ولماذا يرضى بآلام الأبرياء؟ ولماذا كل هذة الكوارث من حولنا من زلازل وبراكين ؟لماذا لا ينزع الله الشر عن العالم لنعيش في جو هادي وصحي؟.

لا شك في أن الألم هو القاسم المشترك الأعظم في هذا الوجود.ومع أن طبيعة البشر تنفر من الألم، وتهرب من العذاب إلا أن الألم هو "الطبيب الأعظم" للإنسانية في هذه الأرض. يقيناً أن الحيرة تأخذنا عندما نفكر في كثير من الآلام التي تصادف المؤمنين القديسين، فنقف أمامها في تأمل عميق، فلماذا يرضى السيد له المجد أن يموت بطرس الرسول منكس الرأس على صليب، بل لماذا يسمح الرب أن يقتل بولس رسول الأمم والجهاد في روما بسيف نيرون؟ وأن تنتهي حياة يعقوب الرسول بسيف هيرودس الماجن؟!

الواقع الزمني والأخروي..

ان نظرتنا نحن علي الأرض ليس مثل نظرة الله ومقاييسه . الانسان كائن محدود في عمره وامكانياته أما الله فينظر للأنسان كتاج خليقتة وابن له يريد ان يرفعة الي سمائه مكللاً بالمجد ويختبر شركة الأمجاد الأبدية ...الآلم مهما بلغ ذروته فهو الي لحظات عابرة وهو الممهد للطريق الي المجد.

2- إن الله يسمح بآلامنا حتى نعود إليه ونرتاح بين يديه:

لنسمع كلمة الرب في سفر هوشع وهو يتحدث إلى إسرائيل المرتد "لأن أمهم قد زنت – أي خانت الرب – التي حبلت بهم صنعت خزياً. لأنها قالت أذهب وراء محبي الذين يعطون خبزي ومائي صوفي وكتاني زيتي وأشربتي. لذلك هأنذا أسيج طريقك بالشوك وأبني حائطها حتى لا تجد مسالكها فتتبع محبيها ولا تدركهم وتفتش عليهم ولا تجدهم. فنقول أذهب وأرجع إلى رجلي الأول لأنه حينئذٍ كان خير لي من الآن" هوشع 2: 5 – 7 .أجل، لقد وضع الله الأشواك في طريقي أولاده، حتى يعودوا إليه، بل أنه أكثر من ذلك بنى حائط هذا الطريق حتى لا يجدوا المسالك التي تبعدهم عنه، وهذا ما نقرأه عن الملك منسي، الذي عندما أغراه سلطان الملك، دنس هيكل الله بالأصنام، وعندئذٍ استخدم الله الألم لإرجاعه فأرسل إليه جنود ملك أشور "فأخذوا منسي بخزامة وقيدوه بسلاسل نحاس وذهبوا به إلى بابل. ولما تضايق طلب وجه الرب إلهه" 2 أخبار 33: 11، فما أجمل أن نشكر الله في آلامنا أضعاف ما نشكره في مسراتنا، لأن الآلام هي طريق عودتنا إليه كما نقرأ عن يهوذا وبنيامين أنهم "رجعوا عندما تضايقوا إلى الرب" 2 أخبار 15: 4

3- إن الله يسمح بآلامنا حتى تلمع حياتنا وتخلو من الزغل:

أتدري ما هو أصل الماس؟ ذلك الحجر الكريم اللامع الخلاب الذي يجذب الأبصار بلمعانه؟! إن هذا الحجر هو كربون نقي، أي فحم متبلور بلورات مختلفة، كلها مشتقة من الشكل المكعب ... إن الماس هو ذات الفحم الذي يستعمل وقوداً في المنازل والمصانع، غير أن هذا الفحم قد انصهر في باطن الأرض في درجة حرارة عالية جداً، فتبلور وصار نقياً ... صار ألماساً.

ومرات يصهر الرب حياتنا ليخرج الزغل منها. ويجعل منا آنية للكرامة نافعة لخدمته "لأنه مثل نار الممحص ومثل أشنان القصار فيجلس ممحصاً ومنقياً الفضة فينفي بني لاوي ويصفيهم كالذهب والفضة ليكونوا مقربين للرب تقدمة بالبر" ملاخي 3: 2 و 3

ومن ذا الذي أظهر لمعان حياة الفتية الثلاثة ومحبتهم للرب سوى أتون النار المتقدة سبعة أضعاف؟! ومن ذا الذي أعلن لمعان حياة بولس سوى الشوكة التي أعطاه إياها الله؟

هل تعرف كيف تصنع القوقعة اللآلئ؟ تدخل حبة رمل إلى داخل الصدفة التي تحتويها وتؤلم جسم القوقعة الحساس، فبدلاً من أن تبكي القوقعة متذمرة من شدة آلامها، تبدأ في إفراز مادة من جسدها في مكان الألم، وتتبلور هذه المادة قليلاً قليلاً إلى أن تصير لؤلؤة .

4- إن الله يسمح بآلامنا حتى يظهر إيماننا للعالم المحيط بنا:

يكتب بولس الرسول إلى الفليبيين قائلاً "لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن ترمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله" فيلبي 1: 29 ولقد كانت آلام الشهداء بغير شك سبباً في بناء الكنيسة على هذه الأرض، لأنها أعلنت إيمان هؤلاء الأبطال أمام المضطهدين الأشرار.

يحدثنا التاريخ الكنسي عن سيدة شابة اسمها "بربتيوا"في السادسة والعشرين من عمرها. آمنت بالرب يسوع المسيح، فحكمت عليها السلطات الوثنية بأن تطرح للحيوانات المفترسة جزاء إيمانها، ويصورها الكاتب الجليل، وطفلها الصغير الجميل على صدرها، ووالدها الشيخ الوقور يتوسل إليها أن تنكر إيمانها لأجل خاطر طفلها، وأبيها، وتقدم القرابين لآلهة الرومان. لكن "بربتيوا" بدلاً من أن تتخلى عن فاديها تخلت عن ابنها وأبيها ووقفت تنتظر اللحظة التي تدخل فيها إلى ساحة الموت!!

لكن لماذا رضي الله لهذه الفتاة، ولعشرات الشهداء معها أن يموتوا بين براثن الأسود؟! إن السر في هذا كله بحسب اعتقادي هو أن الله أراد أن يقول للناس أنه يوجد أشخاص عاشوا مثلهم على الأرض أحبوه أكثر من أولادهم، ومن أنفسهم، وماتوا باسمين لكي يحيوا معه في المجد الأسنى.

وهكذا يقود الله الكثيرين بواسطة الإيمان الظافر المنتصر إلى صليب محبته واختبار خلاصه.

فالنصرة على الألم، هي انتصار لله في قديسيه، وهل يمكن أن نرى منظراً كمنظر استفانوس الشهيد الأول في الكنيسة المسيحية، والعيون الغاضبة تنظر إليه، وأسنان سامعيه تصر من فرط حنقهم عليه، وهو يشخص إلى السماء، وهو ممتلئ من الروح القدس، فيرى مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله، ولا نمتلئ دهشة؟! بل هل يمكن أن نتأمل هذا الشاب الظافر والأشرار يرجمونه، والحجارة تمزق جسده وهو يدعو ويقول "يا رب لا تقم لهم هذه الخطية" أع 7: 60 ولا تمتلئ أفواهنا هتافاً لمجد الله.

يقيناً أن الآلام تظهر إيمان المؤمنين أكثر من آلاف المواعظ ومئات الترانيم!!

5 - إن الله يسمح بآلامنا ليدربنا على فضيلة الصبر ويعدنا لمركز أسمى في هذه الحياة:

هذا هو ما يقرره يعقوب الرسول في كلماته "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً. وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء" يعقوب 1: 2 – 4 وفي الواقع أننا نحتاج إلى الصبر في عصر الكهرباء والذرة الذي نعيش فيه كما يقول كاتب العبرانيين "لأنكم تحتاجون إلى الصبر حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد" وأين نتعلم الصبر إلا في مدرسة الألم؟! عندما يوقف الله عجلة حياتنا بمرض مفاجئ؟ أو يوقف اتساع آمالنا البشرية بفشل غير منتظر، في التجارة، أو الزراعة، أو الامتحان، أو الحياة العائلية.

لقد كان يوسف شاباً مدللاً في بيت أبيه، فاحتاج أن يتدرب على الصبر في مدرسة الألم فوضعه الله في بيت السجن ليصنع منه شخصية عظيمة من شخصيات التاريخ.

وكان أيوب رجلاً تقياً، لكنه احتاج أن يتعلم الصبر فتعلمه في غمرة أحزانه حتى صار مثالاً للصابرين قال عنه يعقوب "قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب".

6 - إن الله يسمح بآلامنا ليزيد في أمجادنا:

هذه كلمات بولس الرسول "لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيوماً، لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً" 2 كو 4: 16 و 17 "فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا" رو 8: 18

فعلى قدر آلامنا في هذه الأرض تزداد أمجادنا في السماء "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه" والكثيرون منا في الأبدية ، سيتمنون لو أن آلامهم تضاعفت وهم في الجسد؛ لكي تتضاعف مسراتهم في المجد.

هل نستسلم للآلم .. هناك فرق بين الاستسلام والتسليم ، الاستسلام خنوع وضعف والتسليم ثقه في عمل الله لصالحنا في كل الاحداث .لقد كرم الله الحرية الانسانية واعطانا الحرية ان نقبلة ونحبه او ان نرفضه بل حتي يعطي الحرية لمن يقاومة او يحارب اولاده ..لكن الله عادل يجازي كل واحد حسب اعمالة ويعطي الشرير الفرصة ليتوب او يستمر في غيه وظلمه لكي لا يوجد لديه حجة أمام الله ، اما المظلوم فان الله يحتضنه ليحول الظلم لخيره ويجعل الآلم يبني شخصيته ولمجدة ان الرياح القوية تجعل شجر البلوط قوياً واكثر صلابة..اننا لا نستسلم للآلم وان استطعنا وبكل الوسائل نعمل علي أحقاق الحق ورفع الظلم في تسليم وثقة في يد الله في الأحداث القادرة علي تحويل الشر الي خير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق