الذي يعتمد علي قاعدة الأكثرية/ الأقلية الديني. العملية الإجرامية الأخيرة روعت ذوي الضمائر الحية واليقظة في مصر, والعالم المتمدين, بوصفها تعبيرا عن نمط إجرامي يحاول أن يصوغ من تأويلاته وتفسيراته الدينية/ العرقية, وأهوائه مشروعية ضالة للفعل المجرم دينيا, وقانونيا. ان خطورة ما حدث تتمثل في عديد الاعتبارات التي يمكن رصدها فيما يلي: 1ـ الطابع العشوائي الذي يستهدف مواطنين أقباطا لا علاقة لهم مباشرة بأي سبب أو تبرير مدع به حول الأسباب والدوافع التي حركت المشروع الإجرامي للجناة. 2 ـ ان عملية نجع حمادي قامت بها عناصر, المرجح حتي الآن أنها لا تنضوي تحت إطار تنظيمي مسلح وذي إيديولوجية سياسية دينية سندا وخطابا ولغة, وإنما بعض من آحاد الجمهور, حركتهم بعض أوهامهم وتصوراتهم العنيفة والدموية لاختيار يوم عيد وفرحة وتحويله إلي مأتم قومي يشمل كل أبناء الأمة من ذوي الإيمان العميق والروح المتسامحة مسلمين وأقباطا. واقعة القتل العشوائي الأخيرة تختلف في أهدافها عن عمليات قتل السياح أو الاعتداء علي دور العبادة القبطية, أو سرقة محال الذهب التي حركها وشرع لها فقه الاستحلال الوضعي الخارج علي قانون الدولة, وراح يبحث عن قانون خاص يسوغ له الفعل الحرام إسلاميا! كان هدف الجماعات الإسلامية الراديكالية ـ قبل المراجعات الفقهية ـ من عمليات القتل للأقباط, هو محاولة إثبات عدم قدرة الدولة وأجهزتها علي حماية مواطنيها, والتأثير علي السياحة والمناخ الاستثماري كله, ناهيك عن تشويه الصورة الدولية لمصر في الأجهزة الإعلامية الغربية. تراجع مفكري ومنظري الحركة الإسلامية الراديكالية عن بعض آرائهم وفتاويهم السابقة التي بررت هذا العنف ذي السند والتأويل الديني المتشدد فيما يشبه اعتذارا عما قاموا به, وخيرا فعلوا. واقعة القتل الآثمة الأخيرة تنطوي علي تحول نوعي تمثل في القتل علي الهوية والعلامة الدينية في مجتمعات لا تزال تسودها منظومات من القيم والأعراف شبه التقليدية, شبه الحديثة والمبتسرة, والتي يمكن لنا رصدها فيما يلي: 1 ـ سيادة أشكال التضامن والتفاوض القبلي العائلي/ العشائري بكل ما تنطوي عليه من تعبئة وروح ثأرية, واستعلاء مؤسس علي قانون الغلبة الأكثري ـ العددي ـ علي الأقباط, وتداخل ذلك علي بعض من هوية دينية وعرقية تشكل المخيال شبه الجمعي لتركيبة القوة التقليدية وتوازناتها. في هذا الإطار يسهل استنفار الحمية القبلية والعائلية في دعم وحماية الجناة في قضايا القتل, خاصة إذا كان ثمة تبرير وتأويل ديني/ عرقي/ اجتماعي لجرائم القتل والحرق والضرب والسرقة. ولا شك أن هذا التوجه يدفع بعض أعضاء البرلمان والمجالس الشعبية المحلية, وأجهزة الإدارة والحكم المحلي, للضغط علي الأجهزة الأمنية وجهات التحقيق لإيقاف الماكينة القانونية والأمنية عن العمل, وضبط الجناة, والتحقيق معهم, وإحالتهم للقضاء, وإنزال قاعدة القانون الجنائي والمدني علي منتهكي أحكامهم. 2 ـ ميل غالب الجناة إلي استخدام الغطاء الديني لوقائع يومية منتجة للنزاعات بين آحاد الناس ـ حول الملكية والري الزراعة والديون والعلاقات الحميمية, والعاطفية بين متعددي الانتماء الديني.. إلخ ـ, في محاولة منهم لاستبعاد حكم القانون والمساءلة الجنائية والمدنية عن سلوكهم الإجرامي. يترتب علي هذا التوجه في إدارة الجناة وعائلاتهم للقضايا الجنائية إلي دفع أعضاء البرلمان والمحليات ـ لاعتبارات انتخابية ومصلحية محضة ـ إلي التدخل لمناصرة المعتدين الخارجين علي القانون, باسم الدين الإسلامي والقبيلة والعائلة, والأخطر اللجوء إلي القانون العرفي ـ الديات والتعويضات المالية عن الأضرار والخسائر والقتلي والجرحي, وهو ما يناهض قانون الدولة الحديث وسيادته وثقافته المعاصرة, ويضعف من فاعليته وسطوته. 3 ـ من الملاحظ أن أحد أخطر تبريرات اللجوء إلي القواعد العرفية و'مجالس العرب' بديلا عن الأجهزة القضائية والقانونية للدولة, هو أن هذه الآلية تؤدي إلي احتواء النزاعات/ الطائفية, والحيلولة دون امتدادها إلي مناطق ومجتمعات قروية أو' مدينية ' أخري. 4- ثمة من يري في تبرير اللجوء إلي قانون الأعراف والمجالس العرفية إلي أن العرف جزء من القانون, وهو أمر يجافي حقائق القانون الوضعي الحديث. العرف يشكل أحد مصادر القانون المدني والتجاري في حال غياب نص قانوني ينظم علاقة أو مركزا قانونيا ما, وهو أمر تجاوزته المنظومات القانونية الحديثة والمعاصرة التي باتت تنظم غالب العلاقات القانونية والتجارية والمدنية... إلخ. الأخطر أن قانون العقوبات والإجراءات الجنائية, هو الذي ينظم مسألة التجريم والعقاب والتحقيقات التي تجريها النيابة العامة أو المحاكم الجنائية, ولا مجال للقانون العرفي الذي ينظم الديات والتعويضات عن جرائم قتل وسرقة وحرق وهدم... إلخ, يقوم بها الجناة في المنازعات التي يضفون عليها التبريرات الدينية/ العرقية. من ثم لا مجال للقول بأن العرف هو جزء من قانون العقوبات علي نحو ما يذهب إليه بعضهم لتبرير إفلات الجناة والقتلة من سلطان القانون الجنائي المصري وعقوباته. 5 ـ خطورة ما حدث في نجع حمادي يتمثل في نمو وامتداد ثقافة الكراهية ونفي أخوة المواطنة القبطية في إطار الأمة المصرية الحديثة, لمصلحة مفاهيم وتأويلات وآراء سلفية وضعية قديمة خارجة من فقه سلفي قديم فارق أسئلته وزمنه وسياقاته بل وصل الامر إلي التهجم علي المؤسسة الأزهرية العريقة ورموزها بغير الحق. إن بعض وعاظ الفضائيات من الغلاة يحاولون من خلال سياسة الهجوم والافتراء علي الأزهر وبعض علمائه, أن يروجوا وعلي نحو شعبوي مقولاتهم وفتاويهم السلفية التي يعاد إنتاجها من الأسئلة, والفتاوي القديمة التي كانت نتاجا لعصرها وأسئلته, ومحاولة إضفاء هيبة وقداسة وضعية/ بشرية علي هذا النمط من الفتاوي القديمة التي كانت استجابة لزمانها ومكانها وحاجات البشر آنذاك. 6 ـ ان واقعة القتل العشوائي, هي تعبير عن تراجع قانون الدولة, وضعف وظائفه الردعية والمنعية لدي جمهور المخاطبين بأحكامه وقواعده لمصلحة قانون القوة التقليدي, وغلبة نزعة ثأرية/ دينية مترعة بالكراهية والرغبة العمياء في إضعاف قانون الدولة الحديثة, بل واستبعاده من التطبيق من خلال أشكال الالتفاف المختلفة علي قواعده, سواء عبر آليات التبرير الديني/ العرقي/ الاجتماعي الوضعي, أو ميل بعض الأجهزة المنوط بها تطبيق القانون إلي تجاوزه بدعوي كاذبة هي متطلبات الاستقرار, وعدم انفجار الموقف الأمني وخروجه عن نطاق السيطرة والضبط. 7 ـ يبدو أن ثمة تمددا لثقافة التحيز والتمييز الديني/ العرقي بدأت في السيطرة علي ذهنية بعض فئات الموظفين العموميين وأجهزة الدولة, بل وفي بعض مشروعات القطاع الخاص. لا شك ايضا أن العلامات الدينية تشكل بيئة تمييزية لأنها حكر علي طرف دون طرف آخر, أو لدي بعض المصريين المسلمين والأقباط في المنازل, وفي المصاعد الكهربائية.. إنها علامات وعناصر رمزية, تدفع لتوليد روح انقسامية وتمييزية بين أبناء الوطن/ الأمة الواحدة. 8 ـ ضعف هيبة وردع قواعد القانون الحديث هي تعبير عن ارتخاء قبضة بعض أجهزة الدولة في تفعيل قواعده في التطبيق, والسماح بالتشكيك في قانون الدولة لمصلحة قوانين الأعراف, ومحاولات جحد شرعية القانون الرسمي باسم تأويلات وخطابات دينية متشددة ومتطرفة. 9 ـ ان المدخل الفعال لمواجهة جذور' الطائفية' يتمثل في تجديد وإصلاح النظام الدستوري والقانوني, من خلال رفع كل النصوص المخالفة لمبدأ المساواة والمواطنة, وضرورة رفع بعض القيود التي تميز بين المصريين علي أساس الانتماء الديني والعقدي في مجال الحقوق والواجبات. ان السماح بقانون القوة والفساد والأعراق يؤدي إلي إضعاف قانون الدولة, ومن ثم تجريح الدولة الحديثة ذاتها, حينا باستبعاد أحد أبرز معالم إنتاجها القانوني في الضبط الاجتماعي, ومن ناحية ثانية باللجوء إلي نقيض قانون الدولة الرسمي, بما يؤدي إلي المساس بهيبة الدولة والقانون والنخبة السياسية الحاكمة. ثمة احتياج عميق وموضوعي لإصلاح النظام القانوني نحو دعم حقوق المواطنة والحقوق والحريات العامة, والشخصية, من خلال القوة المشروعة والحاسمة لأجهزة الدولة, من أجل تحرير المجالين العام والخاص من الهيمنة الرمزية للأيديولوجيا السياسية/ السلفية, واحتلال جماعاتها علي اختلافها للشارع والمركبات والفضائيات... إلخ. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق