للمتنيح طيب الذكر الأنبا ياكوبوس
قصة الاستشهاد فى تاريخ الكنيسة المبكر ، هى قصة المسيحية المبكرة وانتشارها عبر الزمان وفى كل مكان حية مضيئة الطريق ، طريق الملكوت بنور الايمان الحقيقى الذى وهبه الرب لنا لا عن استحقاق بل بحبه الفائق الذى تجلى على الصليب ، إذ قدم ذاته ذبيحة كفارية عن العالم ، لكى يهب الخلاص والحياة الأبدية لكل الذين يؤمنون به ويريدون أن يحيوا حياة القداسة الحقيقية سائرين على طريق الملكوت فى جهاد مستمر طول الحياة . أعمالهم مضيئة أمام عيوننا وثمار فضائلهم نتذوقها ، فنذوق طعم الأبدية .
إن الاستشهاد المسيحى بنتائجه هو برهان عملى على صحة قول السيد المسيح له المجد : " إن لم تقع حبة الحنطة فى الأرض وتمت فهى تبقى وحدها . ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير . " (يو12: 24) ..
ويقول القديس يوستينوس الشهيد : [ها أنت تستطيع أن ترى بوضوح أنه حينما تقطع رؤوسنا ونُصلب ، ونلقى للوحوش المفترسة ، ونقيد بالسلاسل ، ونلقى فى النار ، وكل أنواع التعذيب ، أننا لا نترك إيماننا . بل بقدر ما نعاقب بهذه الضيقات ، بقدر ما ينضم مسيحيون أكثر إلى الايمان باسم يسوع المسيح .
لقد آمن كثيرون بسبب آلام الشهداء وموتهم ، بما صاحب استشهادهم من معجزات ، وما أظهروه من ثبات واحتمال وصبر وليس من المبالغة فى شئ إن قلنا أن الايمان المسيحى انتشر فى العالم كله باستشهاد القديسين ، أكثر مما انتشر بوعظ المبشرين وتعليمهم ... فدماء الشهداء روت بذار الإيمان فنما الايمان وأتى بثمار كثيرة لحساب ملكوت الله .
لقد كسب المؤمنون المسيحيون الأوائل نفوساً كثيرة . ونالوا هذا الكسب بموتهم أكثر مما نالوه بحياتهم أو معجزاتهم ...والشهداء قدموا برهاناً عملياً على صدق تعاليم المسيحية وفضائلها ...وكما تختبر المعادن بالنار ، كذلك تختبر الفضائل بالآلام والضيقات ... وكانت الاضطهادات العنيفة التى قاستها المسيحية ، برهاناً على أصالة فضائلها .
لقد أثبت الاستشهاد أصالة الفضائل التى علمت بها المسيحية ، متجسدة فى أشخاص المعترفين والشهداء ، الذى لم تقوى آلامهم المبرحة على تحويلهم عن الفضيلة وسموها فى شتى صورها ...
ويقول يوسابيوس المؤرخ الكنسى الذىعاش وسط الاضطهادات بخصوص عفة وطهارة العذارى والنساء : [ لم يكن النساء أقل من الرجال بسالة فى الدفاع عن تعاليم الكلمة الإلهية ، إذ اشتركن فى النضال مع الرجال . ونلن معهم نصيباً متساوياً من الأكاليل من أجل الفضيلة . وعندما كانوا يجروهن لأغراض دنسة ، كن يفضلن تسليم حياتهن للموت عن تسليم أجسادهن للنجاسة ] !! .
والسؤال الذى يطرح أمامنا ، ما الذى دفع المسيحيين لاحتمال أهوال العذابات التى تصيب الانسان بالهلع لمجرد سماعها ؟! الاجابة على هذا السؤال الذى يبدو غريباً على أذهاننا وعلى مفهومنا ما يلى :
[1] قدمت المسيحية مفهوماً جديداً للألم ...
لم يعد الألم أمراً يتعلق بالجسد ، لكن غدا له مفهوم روحى يرتبط بالحب – محبة المسيح !! ونحن نرى الحب فى شخص المسيح يسعى نحو الألم ليستخلص من براثنه من اقتنصهم ، ويحرر من سلطانه من أذلهم ...
لقد تغيرت مذاقة الألم ، وأصبح صليب الألم شعار المجد والغلبة والنصرة ، بل الواسطة إليها ...
فى المسيحية ننظر إلى الصليب على أنه علامة الحب الذى غلب الموت وقهر الهاوية ، واستهان بالخزى والعار والألم !! لقد أصبح احتمال الألم من أجل المسيح هبة روحية ... " لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله ." (فى1: 29) . وهكذا تبدلت صورة الألم ومذاقته فارتفع إلى مستوى الهبة الروحية !!. وأصبح شركة مع الرب فى آلامه : " ان كنا نتألم معه لكى نتمجد أيضاً معه " (رو8: 17) ... " لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته . " (فى3: 10) وإذا كانت المسيحية هى الحب ، فالموت فى سبيلها هو قمة الحب والبذل بحسب تعبير اكليمنضس الاسكندرى : [ الاستشهاد ليس مجرد سفك دم ، ولا هو مجرد اعتراف شفهى بالسيد المسيح ، لكنه ممارسة كمال الحب ] .
[2] علمت المسيحية أن الانسان مخلوق سماوى :
[3] وعلمت المسيحية أن الانسان المؤمن يجب أن تكون أشواقه نحو السماء
ويكتب معلمنا بولس إلى أهل كولوسى مشجعاً إياهم بقوله : " من أجل الرجاء الموضوع لكم فى السموات " (كو1: 5) ... وفى هذا المعنى يكتب بولس الرسول قائلاً : " فإن سيرتنا فى السموات التى منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح " (فى3: 20) . ويقول لأهل كولوسى : " اطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله . اهتموا بما فوق لا بما على الأرض " (1كو3: 1،2) ..وانطلاقاً من هذا المفهوم أن الانسان مخلوق سمائى ، وأن أباه فى السماء ، فإنه فى صلواته يناجى الله فى السماء ، ويقدم صدقاته عالماً أنه يكنز فى السماء (مت19،20) . ويتشفع بالملائكة ، والقديسين الذين انطلقوا إلى السماء .. بل وأكثر من هذا أن نفسه سوف تزف إلى العرس السمائى .. وبسبب كل هذه الأحاسيس والمفاهيم المقدسة كانت معنويات المعترفين والشهداء عالية جداً فى السجون .
1) المعونة الإلهية التى وعد الله بها جميع الذين يضطهدون من أجل اسمه . (لو21: 12-19) .
2) التطلع بإيمان إلى المجد العظيم الذى ينتظرهم ، وأن المسيح له المجد
سيمسح كل دمعة من عيونهم (رؤ21: 4) .
3) تعاطف الكنيسة – بكل أعضاءها كجسد واحد – معهم ، سواء بالصلوات التى ترفع لأجلهم أو العناية بالاهتمامات المادية واحتياجات أسرهم .
4) الرؤى المجيدة التى كانت تعلن لهم ، وأن لها أعظم الأثر فى تشجيعهم . وأصبح السجن فى نظرهم باباً للسماء !! .
هكذا كان المعترفون فى السجون تفيض نفوسهم سلاماً ... كانوا يتعجلون موعد محاكمتهم – لا احتمالاً للأفراج عنهم ، بل لأنهم بوقفتهم أمام الحكام ، يشعرون أنهم يشاركون الرب يسوع فى وقفة محاكمته أمام بيلاطس البنطى .. وتتجلى هذه الروح المعنوية العالية ، والشجاعة المسيحية فى الحوار الذى جرى بينهم وبين قضاتهم ...
كان المتهم لا يجيب عن وضعه الاجتماعى فى العالم ، لأن الأمور الأرضية كانت تافهة القيمة فى نظره . حتى لو أراد القاضى أن يعرف ما إذا كان عبداً أو حراً ، وهو موضوع كان على جانب كبير من الأهمية فى تلك الأزمنة ، فإنه ما كان يهتم بالاجابة ... لأن كل فكره كان مركزاً فى الاهتمام بالانطلاق من هذا العالم الحاضر ليفرح بالاكليل المعد له من قبل الرب والميراث الأبدى . لينضم إلى كل الذين سبقوه من الشهداء والقديسين ليحيا معهم حياة التسبيح الدائم فى الفردوس .
إن الشهداء قبلوا الآلام ، لا للآلام فى حد ذاتها ولكن لأنها علامة الشركة الحقيقية التى تربطهم بالسيد المسيح له المجد الذى قبل الآلام لأجلنا ليهبنا الحياة الأبدية .
إن سحابة الشهداء مازالت مضيئة فى الكنيسة إلى يومنا هذا ، وهم يتشفعون أمام المسيح لأجل اخوتهم إلى أن يكمل العبيد رفقائهم .
انا اشكر ربنا جدا على إني عرفت البلوج ده , أرجو أنكم تستمروا في الكتابات الجميلة دي , ربنا يبارككم ويحافظ عليكم
ردحذفهاني سمير