21‏/01‏/2010

شيخ الأزهر: لقاءاتي مع البابا شنودة ليست مجاملات

حوار أجرته‏:‏ عـلا مصطفي عـامر
جريدة الاهرام القاهرية في 2010/1/21
أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في حوار مع الأهرام‏:‏ أن لقاءاته المتكررة مع قداسة البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية والقيادات القبطية في الأعياد والمناسبات ليست مجرد مجاملات أو لقاءات مزيفة‏.‏

و هكـذا كان نص الحوار‏:‏
لماذا هناك اتهام دائم يصور لقاءات فضيلتكم مع البابا شنودة المتبادلة في الأعياد علي أنها مجرد‏ بروتوكول‏ أو مجاملات لا تعبر عن الواقع ولا تحل مشكلات؟
‏*‏ لقاءات الأعياد هي بالفعل مجاملات‏,‏ لكنها حقيقية وصادرة من القلب‏,‏ وليست محاولة لرسم صورة غير صادقة أو معبرة عن واقع العلاقة بيني وبين قداسة البابا شنودة‏,‏ وهي مجاملات هدفها تبادل التهاني بالأعياد والمناسبات المرتبطة بأي من الجانبين‏,‏ وتعميق روح الود والمشاركة في فرحة الأعياد والابتهاج بها‏,‏ والحقيقة أن المجتمع المصري بالفعل يعيش معا الأعياد الدينية‏,‏ ويعتبرها الجميع ـ مسلمون ومسيحيون ـ فرصة للتزاور والترويج عن النفس‏,‏ كما أن الكل يحرص علي تهنئة الجار والصديق وزميل العمل بمناسبة عيده‏,‏ فلماذا يعتبرون مجاملات القيادات الدينية غير صادقة‏,‏ ويعترفون بمجاملات المواطن العادي‏,‏ ولكني أؤكد أن هذه اللقاءات لا تخرج أجواؤها عن التهاني وتبادل النكات والطرائف‏,‏ حيث إن روح الدعابة متوافرة لدي البابا شنودة‏,‏ ولا نتطرق خلالها لأي موضوعات أخري‏,‏ وهذا أمر أراه طبيعيا للغاية‏.‏

هل معني ذلك أن هناك اتصالات ولقاءات مع الجانب المسيحي تجري بعيدا عن الأعين؟
‏*‏ بالتأكيد يحدث هذا بشكل مستمر‏,‏ لأنه يستحيل أن يعيش المسلم والمسيحي في وطن واحد‏,‏ ولا يكون هناك تشاور وتفاعل مستمرين بين القيادات الدينية الممثلة لهما‏,‏ فلابد من تبادل وجهات النظر‏,‏ والاتفاق علي خطط التعاون‏,‏ والتنسيق في المواقف‏..‏ كل هذا نفعله أنا والبابا شنودة بشكل دائم‏,‏ والمبادرات تختلف تارة من جانبي‏,‏ وتارة من جانبه‏,‏ وكلها بالفعل غير معلنة للعامة أو للإعلام وأراها لاتستوجب المشاركة الإعلامية‏.‏
وماذا عن أوقات الأزمات؟
‏*‏ أوقات الأزمات تتطلب تكثيف التواصل والتفاعل لاحتواء أي مشكلة أو أزمة‏,‏ وبصراحة نحن متفقان تماما علي أسلوب معالجة الأزمات التي تطرق بعنف علي نسيج الوحدة الوطنية‏,‏ ومهما حدث فكلانا يؤمن بمنهج التهدئة واستيعاب الأمور ثم التعامل مع مسببات الأزمة وتداعياتها بشكل علمي ومنطقي‏,‏ بعيدا عن الانفعالات التي قد تهدم في لحظة ما نبنيه من استقرار ديني في مصر علي مدي سنوات طويلة‏.‏
وبالنسبة للأزمة الأخيرة نجع حمادي؟

‏*‏ كانت المبادرة مني سواء بالاتصال بالبابا شنودة‏,‏ أو زيارتي لنجع حمادي الأسبوع الماضي‏,‏ وموقف الأزهر تم إعلانه‏,‏ وهو موقف ثابت ألا وهو رفض مبدأ الاعتداء علي الأبرياء‏,‏ وعدم التعاطف مع المعتدين والجناة‏,‏ وعقابهم بالعقوبات العادلة والرادعة‏,‏ وبالمناسبة فهذا ما تقرره شريعة الإسلام كمبدأ عام بغض النظر عن اختلاف العقائد‏,‏ الذي لا يبرر أي إجرام أو تقاعس عن العقاب‏.‏
لعل البعض ـ من الجانب المسلم ـ يسئ فهم العلاقة الواجبة بين المسلم وغير المسلم‏,‏ فهل تصفها لنا كما يحددها الدستور الإسلامي؟
‏*‏ القرآن الكريم أورد نصا صريحا وواضحا يرسم شكل هذه العلاقة في الآيتين الثامنة والتاسعة من سورة الممتحنة كالآتي‏:‏ لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين‏,‏ إنما ينهاكم الله عن الدين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون‏,‏ والآيتان لا تحتاجان إلي تعليق‏,‏ فكل من يقدم السلام بقلب صادق وتعاون مخلص للمسلم لا يمكن أن نرفضه‏,‏ أو نقابله باساءة‏.‏ بل نرحب بالتعاون معه في كل أهداف الخير للإنسان وللأوطان وقضايا الشعوب‏,‏ لكن في حالة الاعتداء علينا‏,‏ فهناك إذن إلهي بأن ندافع عن أنفسنا‏.‏

وكذلك هناك البعض ـ من الجانب المسيحي ـ يقولون بعدم تحقق معني المواطنة في مصر؟
‏*‏ ردي علي هؤلاء سيكون بمجموعة أسئلة إجابتها تنفي اعتقادهم تماما‏,‏ ألا وهي‏:‏ أليس كل من يحمل الجنسية المصرية يتساوي تماما في الحقوق والواجبات أمام القانون المصري؟ وأليست كرامة المسيحي متكافئة مع كرامة المسلم؟ ولدمه نفس الحرمة والصون؟ ألا يدفع الاثنان الضرائب ويؤديان الخدمة العسكرية‏,‏ ويواجهان جانيا أو مجنيا عليه نفس النص العقابي؟‏!‏ وهل هناك استثناء للمسلم إذا أخطأ أو تشديد علي المسيحي إذا تجاوز؟‏!‏ واعتقد أن الإجابة واضحة لكل ذي عقل وفهم‏.‏
ولكن هل تنكر فضيلتك أن هناك حالة من الاحتقان الخفي داخل بعض الصدور تتكشف في أي خلاف لتحيل الجريمة الجنائية إلي جريمة دينية؟

*‏ هذا صحيح‏,‏ فالبعض يعيشون حالة تحفز دائم‏,‏ بل يحرصون علي الدفع بغيرهم لمثل هذه الحالة‏,‏ ولا أعلم لمصلحة من يفعلون ذلك‏,‏ فالحقيقة أن إثارة الفتنة الطائفية في مصر بين مسلميها ومسيحييها لن يكون مردوده إلا سلبيا للغاية‏,‏ فهذا خراب نسأل الله أن يجنب بلدنا إياه وأنبه إلي أن الفتن والصراعات وحالة التحفز لن تحل أي مشكلات‏,‏ أو تقرب وجهات نظر‏,‏ فهذه أجواء معارك لا أجواء تعايش وتفاهم‏.‏ والمعركة الدينية بالذات طرفاها كلاهما خاسر بالتأكيد‏.‏
أما الخلط بين الجريمة الجنائية ـ واقعة اغتصاب الطفلة المسلمة من شاب مسيحي ـ وبين البعد الديني فهذا خطأ فادح‏,‏ لأن الجريمة الفردية لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يكون عقابها جماعيا فهذا مما نهي عنه القرآن الكريم‏:‏ ألا تزر وازرة وزر أخري‏,‏ وقوله تعالي‏:‏ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه‏.‏ وجريمة الاغتصاب البشعة تستوجب العقاب الجنائي العادل من القضاء‏,‏ أما روح الانتقام الجماعي فهذا أمر لا يعرفه الإسلام ولا يقره لأتباعه‏.‏
وما الذي سيفعله الأزهر خاصة مع صدور توصية المجلس القومي لحقوق الإنسان بضرورة بذل الأزهر وكذلك الكنيسة مزيدا من الجهد؟
‏*‏ لأنني أعلم أن الوعاظ هم الأقدر علي الخوض في أعماق المجتمع‏,‏ والاقتراب من الآراء الكامنة في الصدور فقد قمت بدعوتهم‏,‏ وقياداتهم إلي اجتماع موسع استمعت فيه لتقاريرهم حول حالة الاحتقان التي تصل إليهم من البعض وأسبابها‏,‏ وتم إمدادهم بخطة عمل تركز علي جوانب معالجة أي احتقان ديني أو طائفي ومنع التلاعب به مع التركيز علي ما ينادي به الإسلام من بر وتراحم وتعاون مع غير المسلم‏.‏
من ناحية أخري طلبت من وزير الأوقاف الاهتمام بما يقوله الخطباء والدعاة في المساجد‏,‏ لأنهم أيضا قادرون علي التأثير في عقول المصلين والمترددين علي المساجد‏.‏
بالإضافة لذلك سنرتب لبرنامج محاضرات وتوعية في القاهرة والمحافظات في عدد من الأماكن العامة والنوادي والمكتبات الثقافية‏,‏ لنشر الوعي بين أكبر عدد من شرائح المجتمع في جميع الأعمار‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق